القائمة إغلاق

خُلاصة كتاب: شمس البِر

بسم الله الرحمن الرحيم

خُلاصة كتاب: شمس البِر

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ47. [قائمة موراتوري: هذه الوثيقة أقدم الوثائق الآنف ذكرها عهداً، ونحن نرجع تاريخها إلى سنة 185م، وإن كان يمكن أن ترجع إلى سنة 170م، لأنَّه جاء بها اسم بيوس أسقف رومية الذي توفى سنة 165م، وهي قائمة رسمية بكُتُب العهد الجديد التي كانت تُقرأ في الكنائس في الرُّبع الأخير من القرن الثاني، ودُعِيت «قائمة موراتوري» نسبة إلى العالم موراتوري (من سنة 1670 – 1750م) التي عثر عليها في الكُتُب الإمبراطورية في ميلانو سنة 1740م. نعم أنَّ الإنجيلييْن الأوَّلَيْن لم يُذكرا فيها، ولكن الجميع يُسلِّمون بأنَّهما  كانا مذكورَين بدليل قرينة الكلام، وهذا ما جاء فيها عن الإنجيلِيَّيْن الثالث والرابع. «وتأليف الإنجيل الذي كتبه لوقا، وكان لوقا طبيباً صَحِبَ بولس في أسفاره بعد صُعُود المسيح إلى السَّماء، وكتب باسمه هو قصته، وإن كان هو نفسه لم يرَ السيد في الجسد, وأمَّا إنجيل يوحنا، أحد التَّلاميذ، فإنَّه لمَّا أشار عليه التَّلاميذ والأساقفة بكتابة الإنجيل، قال لهم: "فلنصم معاً ثلاثة أيام، ثم ليُطْلِع بعضُنا على ما يُوحَى به إلى كل منّا". وفي الليلة عينها، أُوحِىَ إلى أندراوس أنَّ يوحنا ينبغي أن يكتب باسمه الخاص قصَّته برضى الجميع]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ51. [ثم قال [أي: إيريناوس أسقف ليون]، وهو كلامٌ يُفحم كل مُعاند: «إنَّ صحة الأناجيل الأربعة والاعتقاد بها متين بهذا المقدار، حتى أنَّ الهراطقة أنفسهم يشهدون لها, وكُلّ منهم يجتهد أن يثبت رأيه مستنداً على نصِّها، ولذا فشهادة هؤلاء المُعارضين لنا في العقائد واستعمالهم لأناجيلنا، تثبت وتوطِّد مُعتقداتنا في صدقها. والأناجيل المُقدَّسة أربعة فقط لا أكثر ولا أقل. فلمَّا كانت أقطار العالم الذي نحن فيه أربعة فقط, والرِّياح الرَّئيسية أربعة أيضاً. ولمَّا كانت الكنيسة المُنتشرة في كُلّ الأرض أساسها وعمودها الإنجيل وروح الحياة، وجب أن تستند على أربع دعائم. وفي هذه الدَّعائم تتدفَّق ينابيع البرارة والحياة. (تعليق هامشي من المؤلِّف: قال أحد الملحدين أنَّ إيريناوس اختار أربعة أناجيل من بين الأناجيل الأخرى ليكون عددها مناسباً لعدد أقطار المسكونة. فيا للضلال؛ إنَّ عبارة إيريناوس هي من قبيل الوصف الشِّعري، فقد استعار لتعظيم عدد الأناجيل عدد الرياح الأربعة، ومثل هذا كثير في كل كتابات علماء العالم.) وذكر إيريناوس كيف ابتدأ متى إنجيله، وكيف ابتدأ مرقس إنجيله، وصحَّة الأسباب التي حملتهما على ذلك، وبيَّن الآيات العديدة المُتعلِّقة بتاريخ المسيح التي تُوجد في إنجيل لوقا, ولا تُوجد في الأناجيل الأخرى. وأثبت أيضاً القَصْد الخُصُوصيّ الذي لأجله صنَّف يوحنا إنجيله.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ58. [إنَّ أقدم أعداء الإيمان المسيحي لم يستطيعوا أن يُنكروا أنَّ البشائر تواريخ صادقة: فالغنوسيون مثلاً، الذين كانت تعاليمهم مُركَّبة من مزج خرافات وثنية وفلسفة يونانية مع بعض حقائق مسيحية، كانوا من أقدم الأعداء وأقواهم شُهرة ونُفُوذاً ومُقاومة للكنيسة المسيحية. فالبشائر، التي كانت سلاح الكنيسة، لو لم تكن مقبولة من ذي قبل ومُسلَّم بها من الجميع، لأنكرها على الكنيسة هؤلاء الأعداء الألِدّاء وما قبلوها البتَّة. ولكن الكنيسة كانت تُحاربهم بها وتستند إليها ككلمة الله وتواريخ صادقة لإثبات مُعتقداتها الخاصَّة المُخالفة لآراء أولئك الهراطقة. قال إيريناوس: «إنَّ البشائر مُقرَّرة ومُثبتة عند الجميع، حتى الهراطقة أيضاً، فإنَّهم يقبلونها ويشهدون لصدقها ويجتهدون أن يسندوا آراءهم على أساس إنجيلي. قال باسيلدس، الذي علَّم في الإسكندرية من سنة 125 140م، أنَّه تعلم من غولياس كاتب متَّى، وعلى ذلك تكون سنة مولده بين 60 – 70م، ويظهر جلِيًّا أنَّه قرأ واستخدم بشائر متَّى ولوقا ويوحنا، وقد كتب كتاباً مُطوَّلاً عن البشائر ولكنَّه فُقِد. وكذلك هيراكليون تلميذه، سنة 150 – 160م، استخدم تلك البشائر نفسها, وكتب شرحاً على بشارة يوحنا. وكذلك فالنتينوس وتلاميذه، سنة 140 – 160م، قد اطَّلعوا على البشائر واستعملوها، فإنَّ ثيودوطس تلميذ فالنتينوس يستشهد 78 مرة بالأناجيل القانونية, منها 26 بإنجيل يوحنا، كذلك بطوليايوس، سنة 165 – 180م، فإنَّه يُشير بكل وضوح إلى بشارتي متَّى ويوحنا.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ41. [برنابا الرسول (أع 26:4) تُنسب إليه رسالة (سنة 100 125م ). والأصح في سنة 75م, وهي غير الإنجيل المنسوب له زوراً. وفي رسالته فصل 4 يقول: «لنحاذر لئلا ينطبق علينا القول المكتوب: إنَّ كثيرين يدعون وقليلون ينتخبون». ورسالة برنابا هذه، اقتبس منها أكليمندس الإسكندري سنة 194م، وأوريجانوس سنة 230م. وذكرها أوسابيوس سنة 315م، وأيرونيموس سنة 392م. فمن قوله: «كما هو مكتوب»، وتلك طريقة اليهود في اقتباساتهم من الكُتُب المُقدَّسة، نستنتج عن يقين أنَّه كان في عصر مؤلِّف هذه الرِّسالة كتاب يحتوي على هذه الكلمات، وذاك الكتاب هو إنجيل متَّى الذي عندنا الآن، إذ توجد فيه هذه الآية مرتين (مت 16:20 و 14:22)، ولا توجد في كتاب آخر معروف الآن.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ46 ، 47. [شهادة أكليمندس الإسكندري: وإذا كان ترتليانوس قد أتانا بشهادة (قرطاجنة)، فقد جاءنا أكليمندس الإسكندري بشهادة مصر نحو سنة 195م، فشهد بأنَّهم هُناك ما كانوا يعترفون إلا بأربعة أناجيل مُتواترة بالتَّقليد، ثم ذكر أسماء كتبتها، واجتهد في تعيين الوقت الذي فيه كتب كل منهم ودعَّم قوله بشهادة «أكبر القسوس الأحياء سنًّا» وهذا الأمر يجعل شهادته أقدم الشَّهادات عهداً، وإليك نذراً من أقواله: «يقول المُتقدِّمون في السِّن أنَّ أقدم الأناجيل عهداً هُما الإنجيلان المُشتملان على سلسلة نسب يسوع. أمَّا إنجيل مرقس، فسبب تأليفه هو أنَّه لمَّا كرز بطرس في رومية وأذاع البشارة بإلهام الرُّوح القُدُس، أشار كثيرون من السّامعين على مرقس، وكان مُصاحباً له من زمان طويل واستظهر ما قاله الرسول، أن يُدوِّن ما سمعه. فألَّف مرقس إنجيله وعَلِمَ بطرس بذلك فلم يعترض عليه قطّ. أمَّا يوحنا، فلمَّا رأى أنَّ الإنجيليين الآخرين نشروا تاريخ حياة المسيح الجسدية بناءً على طلب رفقائه وبوحي الرُّوح القُدُس، كتب هو الإنجيل الرُّوحي». وعلاوة على هذا، كان أكليمندس الإسكندري يروي فقرات كثيرة من الأناجيل الأربعة التي بين أيدينا اليوم.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ22. [كان يلزم أن يجتمعوا معاً ويُرتِّبوا حوادث القصَّة بشكل لا يجعلها قابلة للطَّعن، وينشر كل واحد قصَّته حتى تكون مُطابقة من كُلّ الوجوه للقصص الأخرى. غير أنَّ ما في إنشاء الإنجيل من ظاهر الاختلاف، دليل على أنَّ مؤلِّفيها لم يتواطأوا على الابتداع.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ92. [وقد كَتَبَ الدكتور «جون مونروكيبسن» يروي تاريخ البحث في مُقابلة نُسَخ الإنجيل يقول: «ولكن يقول قائل: إنَّ نُسَخ الخطّ الأصلية ليست موجودة عندنا. هذا أمرٌ مُسلَّم به لا جِدال فيه, كما أنَّه لا وجود لنُسخ "فرجيل" و "جوفينال" و "سينيكا" الأصلية ولا غيرهم من كتبة تلك العُصُور. فأية بيِّنة عندنا إذاً على صحَّة النُّسَخ الدّارِجة ؟ الجواب؛ نفس البيِّنة الموجودة على كُتُب المُصنِّفين القُدماء من العلم والتّاريخ. إنَّما بيِّنات الأسفار المُقدَّسة أقوى من تلك بعشرة أضعاف, لأنَّ عدد نسخها أوفر جداً من كُتُب سائر المؤلِّفين. على أنَّا لا ندَّعي للنُّسّاخ العِصمة، ولكن إذا نظرنا لها نظراً إجمالياً، حكمنا بصحَّتها العجيبة لوجود اتّفاق كُليّ بين مجاميعها الوفيرة. والخلاف إنَّما هو في أمور زهيدة لا يُعتدّ بها. هب أنَّ عندك خمسين نُسخة أو مائة من كتاب «حفظ الصِّحة»، ألا يتيسر لك بالمُقابلة استخراج نُسخة صحيحة منها، وإن لم يَسْلَم أحدها من الخطأ, لأنَّ الكُتّاب لا يَسْقُطُون جميعاً في ذات الأغلاط نفسها ؟ فإذا رأيت أحدهم ترك كلمة مثلاً حال كون التسعة والأربعين أثبتوها، لا يُداخلك ريب قطّ بوجوب إثباتها. وإذا أثبت أحدهم لم يذكرها التسعة والأربعون، حكمت على الفور أنَّ تلك الجُملة لم تكن في أصل الكتاب. ومعلوم أن صِحَّة الكتاب تكون بنسبة عدد النُّسَخ وتفرُّقها عن بعضها. لأنَّك بعد تدقيق النَّظر في مُقابلتها، تستطيع إصدار نُسخة صحيحة طبق الأصل.»]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ90. [يعترضون بوجود خلاف بين القراءات العديدة للأناجيل. فنُجيب: معلومٌ أنَّ فنّ الطِّباعة لم يُعرف إلا مُنذ عهد قريب، وكانت الواسطة الوحيدة لنشر الكُتُب أن تُنسخ بأيدي كتبة. ومعلومٌ أنَّ الأناجيل قد نُسِخَت مِراراً بأيدي نُسّاخ كثيرين حتى بلغ منها ما يزيد على مائتي ألف نُسخة، ولذلك تعتبر سلامتها من تغييرات زهيدة ضرباً من المُحال، وإذا كانت الكُتُب المطبوعة يظهر فيها خطأ، فكم بالحريّ ما يُكتب باليد ؟ وحفظ الكُتُب المُقدَّسة سالمة سلامة مُطلقة لم يكن مُمكناً إلا بمعجزة دائمة، والشيء الذي يُعرف بالبحث ويُوصِل إليه الاجتهاد، لا يُوجِد اللهُ فيه مُعجزة. فلذلك وُجِدَت جُملة قراءات مُختلفة للإنجيل، ولكنَّ الذين وقفوا على مُختلف هذه القراءات، شهدوا بأنَّ الإنجيل وصل إلينا كما أُعطى من اللهِ العليّ.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ94-96. [قال العلامة أوجين دي بليسي: «ولا يخلو من الفائدة أن نذكر هُنا الفقرات التي يقوم عليها الاعتراض، وقد رتَّبناها ترتيباً تاريخياً، وهي: (1) الحَبَل بلا دنس بيسوع: يظهر أنَّ في نُسخة سريانية مخطوطة من الإنجيل، أُنكر هذا الحبل في ترجمة العدد 18 من الإصحاح الأول من إنجيل متى. ولكنَّ المُحقَّق أنَّها غلطة في التَّرجمة، ولم يكن قصد كاتبها أن يلقي ظلاً من الشكّ على هذه المُعجزة، بدليل أنَّ المُترجم أكَّد في آيتين أُخرَيتَين في الإصحاح عينه عذراوية مريم طبقاً للنَّص الأصلي. (2) التَّطويب (لوقا 46:1): نُسب هذا التَّطويب في بعض النُّسَخ إلى القدِّيسة أليصابات لا إلى العذراء، وهي بلا شكّ غلطة من الكاتب، لأنَّ جميع النُّسَخ أجمعت على أنَّ مريم هي التي قالت هذه التَّسبِحة. (3) ملاك البركة (يوحنا4:5): في نُسَخ كثيرة من الإنجيل لم يُذكر شيء عنه. (4) قصَّة المرأة الزّانية (يوحنا 3:8-12): لم تُذكر هذه القصَّة في عدد كبير من النُّسَخ، ولكن من السَّهل فهم السَّبب، فإنَّ النُّسَخ المخطوطة التي كانت تُقرأ علناً، كان يُؤشَّر إلى بعض فقرات منها بأن لا تُقرأ أو كانوا يحذفونها. ومن هذه الفقرات القصَّة التي نحن في صددها، ومع ذلك فإنَّ لوازي يعتبرها «من أصحّ ما في الإنجيل». قال أوغسطينوس: «إنَّ البعض من ذوي الإيمان الضَّعيف، أو بالحري ناقصي الإيمان الحقيقي، قد نزعوها من نُسَخِهِم خائفين، كما أظنّ، من اتِّخاذ دليل منها على جواز هذه الخطيئة». وهذه القصَّة موجودة في التَّرجمة اللاتينية, وهو يُعادل عدم وجودها في السِّريانية. وعدم وجودها في الأربع النُّسَخ القديمة يُقابله وجودها في سبع نُسَخ من الحرف الثلث القديم، وفي أكثر من 300 نُسخة من الحرف النَّسْخي الدّارج. هذا على أنَّ النُّسختين الإسكندرية والإفرائمية ضائع, من الأولى من ص 50:6 – ص 52:8 ومن الثانية من ص 3:7 – ص 23:8، فلا يُعلم إن كانت موجودة فيهما أو غير موجودة. (5) ما قاله القدِّيس لوقا في (ص 43:22-44) وهو أنَّ مخلِّصنا ظهر له ملاك يُقوِّيه وهو في جبل الزيتون، وأنَّ عرقه صار كقطرات دمّ نازلة على الأرض. فقد حُذِفَت هذه الفقرة من بعض النُّسَخ. ولعلّ النّاقلين من فرط غيرتهم حذفوها لأنَّها لا تتَّفِق ولاهوت المسيح (حسب ما فهموا). (6) في إنجيل متَّى (ص 19:28) أنَّ مخلِّصنا قال لتلاميذه اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمِّدوهم «باسم الآب والابن والروح القدس». فهذه الآية لم يروها أوسابيوس. ولكن ليس هذا سبباً لإنكارها في حين أنَّ جميع النُّسخ الأخرى والتَّرجمات قد ذكرتها. (7) الجزء الختامي من إنجيل القدِّيس مرقس (ص 1:16 20) لا وجود له في بعض النُّسَخ. ولكن القارئ لابد أن يُلاحظ أنَّه مُرتبط بما قبله ارتباطاً وثيقاً، حتى أنَّه لو حُذِف، لكان ختام الإنجيل في نُقطة وقف فُجائية جداً. وهذه الأعداد الموجودة في جميع النُّسَخ اليونانية ما عدا النُّسختَين الأقدم وهما السِّينائية والفاتيكانية. أمَّا تركها في الفاتيكانية فواضح من خلو محلها، لأنَّ ما بين عدد 8 وعدد 21 من هذا الإصحاح، عاموداً كاملاً متروكاً فارغاً وهو العامود الوحيد المتروك هكذا في كل النُّسخة. وإيريناوس اقتبس من هذه الأعداد في القرن الثاني. (8) أمَّا الجزء الختامي من إنجيل يوحنا، فالعقليون يُنكرونه ويقولون أنَّ هذا الإصحاح أُضيف إلى الإنجيل لأنَّ المؤلِّف خَتَمَ إنجيله في آخر الإصحاح العشرين. ونحن نقول أنَّ ذلك ليس سبباً للاعتراض, ولا هو دليل على عدم صحَّة الإنجيل أو على تحريفه، إذ أنَّنا نرى كل يوم أنَّ المؤلِّفين يُضيفون إلى كتبهم ما يظنُّون إضافته ضرورياً.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ71. [يدَّعي بعضهم أنَّ العهد الجديد حُرِّف أو بُدِّل، وهو قول لا يعتبر ذا قيمة إلا إذا أتى صاحبه بالنُّسخة الأصلية التي يعتقد أنَّها أصحّ ممّا عندنا. ولكن نحن عندنا نُسخاً مخطوطة أقدمها يرجع إلى سنة 200م، وهي والنُّسخ المُتداولة مُتطابقة تماماً.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ42. [وأكليمندس من رومية, أحد مُعاصري الرُّسُل (في 3:4), الذي وُلِدَ بين سنة 30 و40م وتوفى سنة 100م، وفي حياته كُتِبَت كل أسفار العهد الجديد، يكتب في رسالته إلى كنيسة كورنثوس، مُقتَبِساً من بشائر متَّى ومرقس ولوقا (لأنَّ يوحنا كتب إنجيله متأخراً) ويقول فيها: «تذكَّروا كلمات ربنا يسوع المسيح كيف قال: "ويل لذلك الإنسان, خيرٌ له لو لم يولد من أن يبقى حجر عثرة في سبيل مختاري. نعم, خيرٌ له لو طُوِّق عنقه بحجر رحى وطُرِحَ في البحر من أن يعثر أحد هؤلاء الصِّغار".»]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ112، 113. [قد يُسأل: ما الفائدة من تعليم التَّثليث، ولماذا لا يُكتفى بالقول بوحدانية الإله ؟ فنُجيب: إنَّ تعليم التَّثليث ضروري الاعتقاد به كالاعتقاد بوحدانية الله لأسباب كثيرة، منها: الإجابة على الاعتراضات الكثيرة التي يُعترض بها على الوحدانية المحضة, مثل: كيف يكون الله هو الودود أو المحب، وبما أنَّه غير مُتغيِّر، فهو ودود مُنذ الأزل، ويلزم من ذلك أن يكون مَودُود أو محبوب مُنذ الأزل قبل خلق العالم. فمن عساه يكون ذلك المحبوب الموجود مُنذ الأزل عند الله ؟ قال أحد الأفاضل: «ففي عقيدة التَّثليث الجواب الصَّريح والوحيد لهذا السؤال. فنقول إنَّ أقنوم الآب الوَدُود وأقنوم الابن المَودُود. وما أحسن ما قال يسوع في هذا المعنى مخاطباً لأبيه: «أحببتني قبل إنشاء العالم». وعليه، لا يُمكن الاعتقاد بوجود صفة المحبة في الله مُنذ الأزل، ما لم نعتقد بتعدُّد الأقانيم مع وحدة الجوهر، وإلا كان مُتغَيِّراً، ابتدأ أن يُحبّ من الوقت الذي خلق له فيه، محبوباً من الملائكة والبشر، وهذا باطل لأنَّه قال: «أنا الرب لا أتغير». إنَّ معنى تعليم التَّثليث «أنَّ الله كاملٌ في نفسه ومُتضمِّن في كيانه كل ما هو ضروري لكماله». أمَّا عقيدة الوحدانية المحضة فمعناها «أنَّ الله إله مُنعزل عمَّن سواه وكائن بمفرده منذ الأزل»، وإلا فنضطر إلى القول أن الكون أزلي وكان مُشاركاً له. لأنَّه إذا كان الله ذا صفات، فينبغي أن تكون صفاته قائمة لا مُعطَّلة. فإذا قُلنا بالوحدة المحضة، فما المعنى أنَّ الله مُحبّ وحكيم وقوي، ومن يُحبّ، ومع من يكون حكيماً، وإلى من يظهر قوته ؟ إنَّ الصِّفات الأدبية بأسمى معناها، لا تُوجد إلا بين شخصين عاقلين، فلذا وجب أن يكون في الله أقانيم (لا آلهة).]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ115. [التَّثليث يجعل الله مِثالاً للحياة البشرية في ما يتعلق بالمُعاشرة الحِبِّيَّة والألفة الإلهية، وذلك بمُعاشرة الأقانيم والنِّسبة البنوية بين البشر. ويُقدِّرنا على التَّمثُّل بحياة اللاهوت، ويُميِّز جنسنا عن غيره من الخلائق تمييزاً سامياً. فلو جرَّدنا اللاهوت عن كُلّ شُعُور بالمحبَّة للغير، جعلناه قُوَّة مُجرَّدة، وسلبناه صفة الألفة الحبية، إلا فيما يتعلَّق بالمخلوق المُنحطّ عن حياة اللاهوت، وأفرزناه عمّا هو أعلى خواصّ حياتنا، أي محبَّة بعضنا لبعض.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ135. [ثم يُلاحَظ أنَّ في العهد العتيق كلمتين مُستعملتين للتَّعبير عن الألوهية؛ إحداهما «يهوه» والأخرى «إلوهيم». فالأولى على مذهب أرباب اللُّغة العبرانية، تُطلق على ذات الله وعلى جوهره السّامي، وهي لا تُستعمل عندهم إلا مُفردة. والثانية تُعبِّر عن تصوُّر حُضُور الله وقُدرته، وهي لا تُستعمل إلا بصِيغة الجمع، ولكنَّها تقتضي أن يكون الفعل بعدها مُفرداً. وعليه، فالتَّرجمة الحرفية للآية الأولى من التَّوراة، تقتضي أن تكون هكذا: «في البدء الآلهة خلق السموات والأرض». فإنَّ العُلماء ما فهموا إلا أنَّ في لفظة «إلوهيم» وطريقة استعمالها ما يُشير إلى وجود عدَّة أقانيم في الله.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ97.  [ما هو السِّر بحسب تعريف الدِّيانة ؟ «هو حقيقة أعلنها الله في كلمته، وهي تفوق العقل، ولذلك ينبغي أن نُصدِّقها وإن كُنّا لا ندركها». فلا نقول أنَّ السِّر هو ما يُناقض العقل، بل ما يفوقه ويسمو عليه. والله الذي خلق العقل فينا، له الحرية أن يُعلن لنا من الحقائق ما يسمو على العقل. لذا، كان لابد من السِّر في الدِّيانة.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ99. [غير أنَّنا نُعلن هذه الحقيقة وهي أنَّه، ولئن كان في الدِّين المسيحي أسرار، إلا أنَّ هذه الأسرار لا نُخفيها عن الناس بل نُشهرها، ووَجْه السِّر فيها أنَّها غير محدودة، وعقل الإنسان محدود، ولا يستطيع المحدود أن يُدرك غير المحدود كما يجب.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ99. [قيل أنَّ خَطِيباً مُلحداً أخذ يهزأ أمام سامعيه بتعليم التَّثليث، ثم التفت إلى أحدهم سائلاً إياه: «كيف تفهم أنَّ الثلاثة واحد والواحد ثلاثة ؟», فأجاب المسئول الخطيب سائلاً إياه أيضاً: «هل تستطيع أن تُخبرني عمّا تفهم في كيفية اشتعال هذه الشمعة ؟», أجاب الملحد: «إنَّ الأمر سهل، فإنَّ الشحم والفتيل والهواء اتَّحدت فأوجدت هذا النُّور المنظور», فأجابه المؤمن: «وهل يُمكنك أن تفهم كيف أنَّ الثلاثة مواد توجد نوراً واحداً ؟», فأجاب: «كلا», فقال: «وهل تُصدِّق الأمر مع عدم فهمك كيفيته ؟», فسكت. وحينئذ أدرك الحاضرون النُّكتة، فتحوَّل غيظهم من الخطيب إلى استهزاء به.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ115. [إنَّ الاعتقاد بسِرّ الثّالُوث الأقدس هو أعظم إكرام تستطيع الخليقة أن تُقدِّمه لله، وذلك لأنَّ الإقرار بأنَّ الله أعظم من أن يُدرك بالعقل البشري هو أعظم إكرام له. ولعمري أي سِرّ أغمض من سِرّ الثّالُوث ؟ فباعترافنا إذاً بهذا السِّر نُكرِّم الله، لأنَّنا حينئذ نُضحِّي له أعظم شيء فينا وهو العقل، وليس هذا فقط، بل إنَّنا نُضحِّيه عن نوع غريب، إذ أنَّنا نعترف بسِرّ لا معرفة لنا به البتَّة, ويستحيل على عُقُولنا القاصِرة إدراكه أو معرفته، ولكن الله قد أوحاه لنا ونحن اعتقدنا به دون أن نضعه تحت حُكم العقل، وهذا يجعل ضحيّتنا كاملة, لأنَّنا نعتقد بما يسمو عقولنا، ويعلو فوق فهمنا البشري.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ121. [نعود فنُكرِّر القول أنَّ سِرّ التَّثليث عقيدة كتابية لا تُفهم من غير الكتاب المُقدَّس، وأنَّه من الضَّروري أن لا يفهمها البشر، لأنَّنا لو قدرنا أن نفهم الله لأصبحنا في مصاف الآلهة، كما أنَّه لو استطاع الحيوان غير العاقل أن يُدرك لأصبح عاقلاً كالإنسان. فإذا كان الحيوان لا يقوى على أن يُدرك الإنسان مع أنَّ الاثنين محدودان، ومع أنَّ الفرق بينهما هو غير الفرق بين الإنسان وربّه، فبين هذين هُوَّة ليس لها قرار، وبين ذينك صلة قريبة وتقارب كلي في سلسلة الخلق. فكيف يقوى الإنسان الضَّعيف أن يفهم الإله الخالق ؟]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ122. [أمَّا تعليم التَّثليث، فلا يدخل تحت حُكم المسائل المُناقضة للعقل, لأنَّه ما هو التَّناقض فيه ؟ هل نقول كما يتصور الغير أنَّ الثلاثة واحد والواحد ثلاثة ؟ إن قُلنا ذلك، صحّ رفض التَّثليث. ولكنّا نقول إنَّ الله جوهرٌ واحدٌ في ثلاثة أقانيم. ففيه وحدة وتعدُّد. وحدة في الجوهر وتعدُّد في الأقانيم. فلو قُلنا إنَّ الله جوهرٌ في ثلاث جواهر، أو أقنومٌ في ثلاثة أقانيم، لصار قولنا مرفوضاً. ولكنّا نقول عنه إنَّه واحدٌ باعتبار, وثلاثة باعتبار آخر، واحدٌ في الجوهر, وثلاثة في الأقانيم.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ141. [يعترضون على التَّثليث قائلين: «لا يُمكن أن يُسلَّم بأنَّ ثلاثة أشخاص مُتميِّزون عن بعضهم تمييزاً حقيقياً، لا يكونون ثلاث طبائع أو ثلاثة آلهة». نُجيب؛ أنَّه فضلاً عمّا قُلناه من أنَّ العقل البشري عاجز عن فهم الأمور الإلهية غير المحدودة، نقول أيضاً أنَّه لا تناقض في هذا القول «إنَّ الله واحد في ثلاثة أقانيم, أي ثلاثة أفراد حقيقية ومتميزة في طبيعة أو ماهية واحدة إلهية». فهل للماهية والأقنوم معنى واحد ؟ إنَّ الفلاسفة يُميِّزون بين الماهية والأقنوم. فلو كان معنى هاتين اللفظتين واحداً لوقعت الناقضة حقيقةً، أمَّا ومعناهما مُتباين، فمُمكن وجود ثلاثة أقانيم في جوهر واحد.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ141. [أمَّا جواب العلماء اللاهوتيين على هذا الاعتراض، فهو أنَّ أقنوماً واحداً، أي الآب، لا ينبثق من أحد، بل إنَّه مبدأ اللاهوت، ومنه ينبثق الأقنومان الآخران، على أنَّهما ينبثقان منه ويستمران فيه حسبما قال المسيح: «أنا في الآب والآب فيّ», والفرق عظيم بين الأشخاص البشرية والأشخاص في الألوهية. فإنَّ ثلاثة أشخاص بشريين يقومون بثلاث طبائع, أي ثلاثة جواهر فردية، ولكُلّ مِنْ هذه الأشخاص جوهر مُختصّ به دون غيره. أمَّا في الله، فالطَّبيعة, أي اللاهوت, مُفردة لا تنقسم. ولذا تتميَّز الأقانيم تمييزاً حقيقياً، غير أنَّهم يستمرُّون ذوي طبيعة واحدة إلهية، ويكونون إلهاً واحداً.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ119، 120. [وهُنا ننقل تعبير أحد الكُتّاب الأجانب عن سِرّ التَّثليث: الآب – أصله: لا يستمد الأقنوم الأول أصله من أي كائن، بل إنَّه كائن بذاته. وإذا كان الله أقنوماً واحداً فقط، فالآب هو هذا الأقنوم، فهو أصل اللاهوت. وقد قال أوريجانوس: «إنَّ الآب هو الأصل أو الله الذي هو من ذاته وبذاته إله». ولا شكّ في أنَّ الأقنومين الآخرين هُما الله جوهرياً، ولهما ملء اللاهوت كالأقنوم الأول. ولكن بما أنَّهما استمدا من الطَّبيعة الإلهية، فيُمكن أن يُقال أنَّهما «الله بالأقنوم الأول». الابن – يقول قانون إيمان نقية أنَّ الأقنوم الثاني (الابن) مولود غير مخلوق، وقد جاء في قانون أثناسيوس أجلى بياناً فقال: «إنَّ الابن مولود من الآب فقط، فهو غير مصنوع ولا مخلوق بل مولود», ومعنى ذلك أنَّه ليس خليقة ولا معلولاً لعلَّة، بل أنَّ أصله الأزلي في الأقنوم الأول. وغني عن البيان أنَّ هذه الولادة ليست مادية لأنَّ الله روح. ولمَّا كان الآب موجوداً مُنذ الأزل، فالابن الذي هو صورته ليس مُحدثاً وليس فيه شيء مُحدث، بل هو ضروري الوجود أزلي. الرُّوح القُدُس – جاء في قانون إيمان نقية والقسطنطينية: «الأقنوم الثالث مُنبثق من الآب, مسجود له مع الآب والابن». وعلَّمنا قانون إيمان القدِّيس أثناسيوس «أنَّ الرُّوح القُدُس غير مصنوع ولا مخلوق ولا مولود, ولكنَّه مُنبثق من الآب، فهو أصله إذاً».]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ151. [وقد تضاربت آراء علماء اللاهوت المسيحي، في كل المذاهب المسيحية، في بيان كيفية ولادة الابن الأزلية، وكان ينبغي أن لا يتخطَّى العقل البشري إلى التَّفكُّر في ما يَعْجَز عن التَّعبير عنه، اعتباراً بما سار عليه المجمع النيقاوي نفسه, حيث اكتفى بالقول «بولادة الابن الأزلية» دون إيضاح كيفيَّتها، تاركاً للإيمان التَّسليم والخُضُوع في ما لا يتناوله العقل.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ145. [بُنُوَّية المسيح للآب في الإنجيل: إنَّ بنوة المسيح، الأقنوم الثاني للآب الأقنوم الأول، من المسائل المُتعلِّقة بالألوهية. وهي كغيرها فيما يختصّ بالله، لا يُمكن أن نستمدّها من العقل أو أي مصدر آخر، قبل أن نستمدّ معرفتها من الله نفسه، لأنَّه ليس يستطيع أحد أن يُعلن الله إلا الله نفسه.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ152، 153. [وعقيدة الكنيسة القبطية تتجلَّى في الخِطاب المحفوظ عن البطريرك القبطي الــ19 «إسكندر» الذي أوضح فيه رأيه في ولادة الابن الأزلية، حيث قال: «إنَّنا نؤمن، كما تؤمن الكنيسة الرَّسُولية، بالآب الوحيد غير المولود الواجب الوجود، وهو عديم التَّغيير والزَّوال، هو هو بغاية الكمال لا يشوبه زيادة ولا نُقصان، مُعطي الشَّريعة والأنبياء والأناجيل، ربّ الآباء والرُّسُل وكُلّ القدِّيسين. وبربّ واحد يسوع المسيح ابن الله الوحيد. ليس مولوداً من العدم, بلّ من الآب الحي. وليس حسب الجسد الهيولي بتفريق وفيضان الأجزاء كما زعم سابليوس وفالنتيان، بل بنوع لا يُدرك ولا يُعبَّر عنه حسب المُعتقد الذي ذكرناه سابقاً (أي ليس كاعتقاد آريوس الذي عبَّر فيه عن ولادة الابن بكيفية أبعدته عن الأزلية), فمن يُخبر بجيله لأنَّ وجوده غير مُدرك عن كل الكائنات المائتة كما أنَّ الآب غير مُدرك. لأنَّ العُقُول المولودة لا تقدر أن تفهم هذه الولادة الإلهية من الآب، ولا أحد يعرف من هو الآب إلا الابن، ولا أحد يعرف من هو الابن إلا الآب. فإنَّه غير مُتغيِّر كما أنَّ الآب غير مُتغيِّر، لا ينقص عن الآب شيئاً سوى أنَّه ليس غير مولود. فهو الابن الكامل وصورة الآب التامّة. لهذا يجب أن نحفظ للآب غير المولود العظمة اللائقة به، والابن يجب أن نُقدِّم أيضاً الكرامة اللائقة بانتدابنا له الولادة الأزلية من الآب».]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ154. [ولفظ «الكلمة» لا يُراد بها صفة كالحكمة، بل المُراد بها أقنوم. وقد اعتاد اليهود تسمية المسيح المنتظر بـــ «الكلمة» ولا سِيَّما المُتشتِّتون بين الأمم الذين عرفوا الفلسفة اليونانية، والذين كَتَب لهم يوحنا إنجيله، يفهمون أنَّ الكلمة هو الأقنوم الثاني، وتسمية المسيح بكلمة الله، تنفي كل نسبة جسدية بينهما كنسبة الأب والابن البشريين. وكون المسيح كلمة الله، يوجب كونه إلهاً، لأنَّه لا يعرف أفكار الله ليعلنها إلا الله. (1كو 11:2, مت 27:11, لو 20:10).]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ155. [قال أحد المُفسِّرين: قال يوحنا الإنجيلي «والكلمة كان عند الله» وفي هذا القول أمران: أولاً  أنَّ الابن كان أقنوماً مُميَّزاً عن الآب. ثانياً أنَّه مع ذلك بينهما اتِّحاد كامل واتِّفاق تامّ في كُلّ رأي وقضاء وعمل. وقال أيضاً: «وكان الكلمة الله», ومعناه أنَّه مساوٍ للآب في الجوهر، أي أنَّ له صِفات الآب نفسها وقوته، واستحقاقه الإكرام والطّاعة والعبادة التي يستحقها الآب. ولفظة الله هنا، تختلف عنها في الجملة التي قبلها، ومعناها هُنا جوهر اللاهوت.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ116. [قال القدِّيس باسيليوس: «الذّات تمتاز عن التَّقنُّم، أي الأقنوم, كما يمتاز عن الشيء العامّ والشيء الخاصّ لكُلّ واحد، كما يُطلق اسم حيوان على كل واحد من الناس». وقال اسطاسيوس بطريرك أنطاكية مما اقتطفه من مؤلَّفات كيرلُّس الإسكندري: «الذّات والطَّبيعة يدلان على الشيء الذي هو مُشاع. أمَّا التَّقنُّم والأقنوم فيدُلّ على الشيء الذي هو خاصّ لكُلّ فرد. بطرس وبولس مثلاً هما ذوا طبيعة واحدة, وأمَّا أقنومهما فمُختلفان». والقدِّيس أثناسيوس قال: «إنَّ الطَّبيعة شيء والأقنوم شيء آخر». ثم قال: «فالذّات والجنس والطَّبيعة من الصُّورة هي شيء واحد. وأمَّا الأقنوم والرَّسم والقِيام والفرد والخاصَّة هي أيضاً شيء واحد».]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ116، 117. [وبالجملة، فإنَّ كلمة «أقنوم» يونانية الأصل، معناها الوضعي كما عرَّف العلماء، يقرُب من كلمة شخص، ومعناها الاصطلاحي تُطلق على الآب والابن والرُّوح القُدُس. فالأقنوم عبارة عن شخص عاقل مُستقلّ قائمٌ بذاته ينسب أفعاله إلى نفسه إذ يقول: (أنا) أقول, أنا أفعل, أنا أحبّ .. إلخ. فنفس الإنسان لا تُعدّ شخصاً لأنَّها، وإن كانت عاقلة، فهي غير مُستقلِّة بذاتها، بل خُلِقَت لتكون مُقيَّدة بجسد، وبدونه لا تكون كاملة ولا تَنْسِب أفعالها لذاتها. ولذا لا يقول الإنسان: نفسي تُحبّ، نفسي تفهم .. إلخ. بل يقول: أنا (المُركَّب من نفس وجسد) أحبّ وأفهم وأقوم وأقعد وأمشي و.. و.. إلخ.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ117. [غير أنَّ الفرق عظيم بين الأشخاص المخلوقين والأشخاص غير المخلوقين؛ فالأشخاص المخلوقين ترى لكُلّ منهم طبيعة مُختصَّة به، وبها ينفرد عن غيره تمام الانفراد. ففي العائلة مثلاً الأب والأم والولد, ثلاثة أشخاص لكُلّ منهم طبيعة بشرية يُدعى معها إنساناً ويمتاز بها عن غيره، وهم ثلاثة أشخاص بثلاث طبائع. وإنَّما في الله ثلاثة أقانيم أو أشخاص؛ أب وابن وروح قُدُس. وليس لهم، يا للعجب، إلا طبيعة واحدة، فإنَّهم ثلاثة أشخاص في طبيعة واحدة. فيا له من سِرّ عميق، والأغرب من ذلك أنَّه مع كونهم ثلاثتهم ذوي طبيعة واحدة، ترى كُلًّا منهم مُنفرداً عن الآخر كاملاً بذاته يتكلم باسمه، فيقول الآب: «أنا خلقت العالم», ويقول الابن: «أنا فديت العالم», ويقول الرُّوح القُدُس: «أنا قدَّست العالم».]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ17. [بل إنَّك تجد أنَّ الإنجيليين الثلاثة الأُوَل رَوُوا فقط حوادث المسيح, دون أن يُشيروا صراحةً إلى أنَّه إله, كما أشار إلى ذلك يوحنا الإنجيلي الرابع. وذلك لأنَّهم أرادوا أن يرسموا المسيح للعالم كما رأوه في حياته, لا كما كانوا يعتقدون فيه وقت تدوينهم كتاباتهم، أي أنَّه الله الظّاهِر في الجسد، ويتركون للعالم الذي يقرأ كتاباتهم النَّزيهة أن يحكم بناءً عليها بصحَّة ما اعتقدته الكنيسة الأولى في المسيح.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ175. [ويقول بعضهم : لماذا لم يقل المسيح صريحاً «أنا الله» ؟ بل قال «أنا ابن الله». فذلك لأنَّه لو قال «أنا الله» يجمع إلى أقنومه أقنومي الآب والرُّوح، وهُما معه أقنومان مُمتازان في اللاهوت، بل قال «أنا ابن الله» لتُعرف نسبته الأزلية إلى الأقنوم الأول، وقال «أنا والآب واحد» لنعرف مُساواته له.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ147. [بُنُوَّية المسيح للآب في تاريخ الكنيسة: سُمِّيَت الأقانيم الثلاثة بالآب والابن والرُّوح القُدُس. وكان أوّل من صرَّح بهذه الألقاب المسيح نفسه حيث قال: «عمدوهم باسم الآب والابن والرُّوح القُدُس» (مت 28: 19). ولم يُفصح لنا المُخلِّص ولا الرُّسُل عن سبب إطلاق هذه الألقاب على الأقانيم الإلهية من باب التَّلميح. ولبِثَت الكنيسة لا تَلْتَفِت إلى البحث في معناها، حتى قام آريوس الهرطوقي وعلَّم تعليماً مُخالفاً في السيد المسيح، فحدَّدت الكنيسة، دَفْعاً لبدعته، عقيدتها في سَبَب تسمية الأقنوم الثاني بالابن. قال آريوس: «إنَّ الابن لم يكن مُنذ الأزل، بل أصدره الآب من العدم, وخلقه مثلنا. وأنَّ المسيح، بحسب اختياره المعتُوق، كان ذا طبيعة مُتغيِّرة، فكان يُمكنه عمل المآثم والرَّذائل، لكنه اعتنق الصَّلاح والفضائل، فأشركه الله من أجل أعماله الصّالحة بطبيعته الإلهية، مُجمِلاً إياه بهذه الألقاب: كلمة، ابن، حكمة».]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ148. [فالكنيسة حينئذ قاومت عقيدة آريوس هذه بكل قُوَّتها وشجبتها، ووضعت قانون الإيمان, وحدَّدت فيه عكس آريوس بشأن ولادة الابن من الآب، هذا الإيمان: «ونؤمن .. برب واحد يسوع المسيح, ابن الله الوحيد, المولود من الآب قبل كل الدُّهور, نورٌ من نور, إلهٌ حقٌ من إله حق, مولود غير مخلوق, مساوٍ للآب في الجوهر (أو: واحد مع الآب في الجوهر)». ثمّ حرم المجمع النيقاوي الذي وضع هذا القانون كل من يقول أنَّ ابن الله كان وقتاً لم يكن فيه، وأنَّه لم يكن قبل أن يولد، أو أنَّه خُلِقَ من العدم، أو يقول أنَّه من جوهر آخر أو ذات أخرى، أو أنَّه مخلوق أو مُتغيِّر، أو استحال ابناً لله. فقوله: «إله من إله» يُقصد به أنَّ طبيعة الابن هي ذات طبيعة الآب, وأنَّ ولادته منه، بمقدار ما استطاع المجمع أن يُعبِّر، هي كولادة النُّور من النُّور. ومعنى قول المجمع، أن لا فرق بينهما في كل شيء سوى أنَّ الآب والد والابن مولود. أمَّا كيفية هذه الولادة، فلم يُعطَ عنها بياناً كافياً. فالفرق بين عقيدة آريوس وعقيدة الكنيسة؛ أنَّ آريوس قال بعدم أزلية الابن وأنَّه ليس من جوهر اللاهوت، والكنيسة علَّمت أنَّ الابن أزلي, لم يتقدَّمه الآب لحظة واحدة, وأنَّه مولود من ذات جوهر الآب.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ130، 131. [رابعاً: في اليونان – كان أفلاطون (400 ق.م) قد فرض قبل كُلّ شيء بوجود العقل السّامي عِلَّة العالم، ثمّ بعد ذلك الرُّوح الذي هو المثال الأول لكُلّ تصوُّرات, فهو على وجه الفكر الإلهي أو كلمته، وأخيراً يعترف ذلك الفيلسوف الشّاعر بوجود روح عظيمة مُنتشرة تحيي العالم وتحركه، وهي على مذهبه جزء أزلي من الله مُتَّحِد بالمادّة. ولمَّا تأسَّست المدرسة الأفلاطونية الجديدة في الإسكندرية، علَّمت تعليم أفلاطون فيلوتين في سنة 260م, الذي اعترف بوجود ثالوث واحد في ثلاثة أقانيم؛ الأول على مذهبه هو الوحدة الثّابتة، والثالث على مذهب أفلاطون هو الرُّوح الذي يُحرِّك العالم، أمَّا الثاني، فهو الرّابط بين الأقنومين الأول والثالث، وهو معروف عنده بالعقل المُتحرِّك الذي سوَّى التَّصوُّر الإلهي. إلا أنَّ المُعطِّلين، عِوضاً عن أن ينسبوا اهتداء الوثنيين إلى التَّثليث الإلهي, أو إلى الوجدان, أو إلى الغريزة عينها التي تُعلِّمنا بوجود إله، قالوا أنَّ عقيدة الثّالُوث المسيحية مُستمدَّة من الفلسفات الوثنية. وقد فاتهم أنَّ الوثنيين مُضطربون في اعتقادهم بالتَّثليث كما اضطربوا في عقيدة الوجود الإلهي، نظراً لأنَّهم لم يهتدوا بنور الوحي الإلهي كما بنور الوجدان، وشتّان ما بينهما كليهما من طُرُق التَّنوير. وكانت عقيدة الوثنيين في الثّالُوث أنَّه ثلاثة آلهة، بعكس المسيحية التي تُوحِّد الله ولا تُشرك معه آخر. وكما اختلف الأمم في الكيفية التي تصوَّروا بها الله، كذلك اختلفوا في الكيفية التي تصوَّروا بها التَّثليث. وهكذا يقول المُعطِّلون: «إنَّ براهما وفيشنو وسيفا في الدِّيانة الهندوستانية، يُمثِّلون الآب والابن والرُّوح القُدُس».]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ130، 131. [ثانياً: في الصين – إنَّ الفيلسوف الصِّيني «لاوشو» يُوضِّح عقيدة قومه في التَّثليث بقوله: «إنَّ الذي تفتش عنه ولا تجده  «ى I», والذي تصغي له ولا تسمع صوته يُدعى «هـ  HI», والذي تمتد إليه يدك ولا تتمكَّن من لمسه يُدعى «وهـ WEI». فتخيَّلوا في تقليدهم أولاً المبدأ  أو الآب (الذي تُفتِّش عليه), ثانياً الكلمة, أي الابن (الذي تُصغي إليه), ثالثاً الرُّوح القُدُس (الذي لا تتمكَّن من لمسه), والحروف الثلاثة «ى هـ و هـ» تتألَّف منها كلمة غريبة عن اللُّغة الصِّينية، فهي إذاً بلا شك مأخوذة عن اللُّغة العبرانية، وهي بلا ريب «يَهْوَه».]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ130، 131. [نجد في أُصُول الأديان الوثنية شيئاً يُنبّئ عن الثّالُوث: أولاً: في الهندكان الثّالُوث الإلهي مؤلَّفاً من ثلاثة؛ «براهما» و «فيشنو» و «سيفا». فبراهما هو الموجود غير المُتناهي الأزلي الذي أوجد المادة وظهر في إبداع العالم. وفيشنو هو الحكمة الحافظة هذا العالم المخلوق. وسيفا هو إله الموت والملاشاة فيلاشي كل ما يجد. وفي زعمهم أنَّ هؤلاء الثلاثة يتولون معاً تدبير العالم.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ130، 131. [ثالثاً: في الفُرس – إنَّ الفيلسوف «لزور واسنار» كان يتعبَّد (أولاً) إلى عقل «هرموفورا» الذي له الكلمة السّامية. (ثانياً) إلى روح الفاعل له الذي يُتمِّم تلك الكلمة. (ثالثاً) إلى لسانه الذي يلفظ الكلمة السّامية دون انقطاع.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ232. [الهند : وفي الهند وفارس اللذين يقال أنَّ بلادهما في موقع جنّة عدن، حيث كان الوحي الأول محفوظاً. في تقاليدهم الاعتقاد بمجيء مُخلِّص العالم. ففي الهند، كانوا يزعمون أنَّ حيَّة تُدعى «شين كاليوغ» نفثت سمّها الزّعاف فسمَّمت الأرض وأهلكت سكانها، فنزل إله من السماء اسمه «شيفين»، ولبس جسماً بشرياً وامتصّ السّم، فنجا العالمون بفضله. ومن خُرافاتهم المُنبِّئة بانتظارهم لمولود مُخلِّص العالم قولهم عن إلههم «فشنوا» القُوَّة الثانية، تقمّص ثماني مرّات لينفي الشُّرور التي عمَّت المخلوقات بفعل سيد عدو البشر، ثمّ تجسَّد في المرَّة التاسعة واتَّخذ شكل إنسان, ليعمل عمل السَّلام على الأرض. وكان من أعظم ذبائح الهُنُود ذبيحة يدعونها «أكيام»، ويُقدِّمون فيها لآلهتهم حملاً للتَّكفير عن الذُّنُوب، وكانوا يَتْلُون في هذه التَّقدِمة صلاة من ضمنها قولهم: «متى يا تُرى يولد المُخلِّص المُنتظر ؟ متى يأتي الفادي لينقذنا ؟».]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ232، 233. [الفُرس: أمَّا الفُرس فتنحصر خُرافتهم في نِزاع قام بين النُّور والظَّلام، بين عُنصري الخير والشَّر، بين «اهريمان» الذي تسَّلط بشروره على الأرض, وبين «ارموزد» إله الخير الذي تقمَّص في جسد إنسان دُعي «متراس», وانتصر على الشَّر وخلَّص الإنسانية وأعاد إليها السَّلام. وذكر «ابن العبزي» في كتاب «مُختصر الدُّول» عن «زرادشت» مُشترع الفُرس: «في هذا الزّمان، كان زرادشت مُعلِّم المجوسية، وأصله من بلد أزربيجان, وقيل من بلاد آشور، وقيل أنَّه من تلاميذ إيليا النَّبي، وهو عرَّف الفُرس بظهور السيد المسيح وأمرهم بحمل القرابين إليه، وأخبرهم أنَّ في آخر الزَّمان بِكراً تحبل بجنين من غير أن يمسَّها رجل، وعند ولادته يظهر كوكب يضيء بالنَّهار, وتُرى في وسطه صورة عذراء. وأنتم يا أولادي قبل كُلّ الأمم تحسّون بظهوره، فإذا شاهدتم الكوكب، امضوا حيث يهديكم واسجدوا لذلك المولود وقدِّموا قرابينكم، فهو الكلمة مقيمة في السَّماء».]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ233.  [الصِّين: ومثلهم الصِّين، فإنَّ «كونفوشيوس» مُشترعهم صرَّح غير مرَّة بمُعتقده بمُخلِّص يقوم ليُرشد العالم. قال في أحد كُتُبه المدعو بالوسط غير المُتغيِّر: «سمعت أنَّ في الجهات الغربية من آسيا، سيظهر رجل صالح يعمل أعمالاً عجيبة لأنَّه مُرسل من السَّماء، ويكون له السُّلطان على الأرض، وهو يُباشر من المبرات ما لا يُحصى عداً، أمَّا اسمه فلا يُستطاع أن يُفَوَّهَ به، وأنا كونفيشيوس قد بلغني أنَّه القُدُّوس الحقّ». وقال في كتابه «تشونغ برنغ»: «سوف يَقدُم أمير حكيم, عالم بسُنَن السَّماء وأحكام الإله, جامع في شخصه كل الكمالات والفضائل، فتعنو له كل الأمم والقبائل حتى أبعدها حدوداً وأعرقها في الهمجية، لأنَّ حكمته واسعة لا يسبر غورها ولا ينفذ معينها». وسبق «كونفوشيوس» فيلسوف صيني آخر يدعى «ماتينوس»، ذكر المُخلِّص المُنتظر المُرسل من السَّماء, كما تنتظر الأرض اليابسة النَّدى والمطر لتنتعش بهما. وكان لأهل الصِّين صورة تدُلّ على ذلك النَّعيم الرَّمزي، فيجعلون القماطة في حجر امرأة، دلالة على أنَّ المولود المُنتظر سوف يُولَد من امرأة، وإن كان أصله من السَّماء.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ234. [مصر: وكذا نجد أصلاً لسِرّ التَّجسُّد في وثنية المصريين، فإنَّ «أزوريس» و «إيزيس» يُمثِّلان القوتين الفاعلة والمفتعلة، وأنَّ روح الشَّر المتمثل بهيئة التِّنين ملأ تيفوسه الأرض بالشُّرور، فلكي تضع الآلهة حداً لهذه المفاسد، وُلد لإيزيس من جيوبتر طفل يسمى «أوروس» فسحق التِّنين، وخلَّص الجنس البشري وأعاد إليه السَّلام.]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ234، 235. [اليونان: وكُلّ من يطَّلع على عقيدتها القديمة ويشعر بوصيتها، لا شكّ يعلم أنَّه وُجِدَ من يُدعى بـ «روميه» الذي تكَّبر وأراد أن يُساوي نفسه بالآلهة، فأرسلت له عقاباً يعذِّبه على جبال القوقاز، فشفقت اليونان عليه وأرسلت له هِرقل مُخلِّصاً فلم يفلح. قال «أشيل»: «الإله وحده هو الذي يأتي ويفتدي هذا اليائس». ويظهر من المحاورة الآتية أنَّ أفلاطون اعتقد أنَّ الإنسان لا يقدر أن يعلم حقيقة الآلهة, ولا الطَّريق المناسبة للعبادة، ما لم يأتِ مُعلِّم من السَّماء يُعلِّمه ذلك. وهذه المحاورة كانت بين «سُقراط» و «ألبيادس»: قال سُقراط: «إنَّ الصَّبر أجمل، وعليك أن تصطبر حتى يأتي من يُعلِّمك واجباتك للآلهة والبشر». قال ألبيادس: «متى يأتي ذلك الوقت يا سُقراط، ومن يُعلِّمني, فإني أودّ أكثر أن أراه من هو ؟», قال سُقراط: «إنَّه ليهتم بك. ولكن، ألا ترى أنَّ "هوميروس" قال عن "مترفا" أنَّها نزعت الظُّلمة عن عيني "ديوميدس" لكي يُميِّز الإله من الإنسان. فكذلك على هذا الإله أن ينزع أولاً الظُّلمة عن عقلك، ويُقرِّب إليه الأمور التي تجعلك تُميِّز الخير والشَّر», قال ألبيادس: «ينزع الظُّلمة وكل ما يُريد أن ينزعه منّي، وأياً كان هذا الشَّخص، فإني مُستعد أن لا أخالف له قولاً إذا كان في وسعه أن يجعلني أفضل مما أنا», وقال أفلاطون: «ليس لنا أن نعرف الحقائق إلا من الآلهة أو من أبناء الآلهة، ولا وسيلة لمعرفة إرادة الآلهة إلا بنبي يعلنها لنا». وقال أيضاً: «واحد هو الإله العلي في العُلا, الذي كلمته غير المحسوسة حبلت بها جارية. وهذا مثل الفأس المتروسة بالنار، وسلك في أحشائها، ويدخر للعالم ويقربه لأبيه قرباناً، واسم الجارية العذراء». ومن قوله: «إنَّ العلي الأعلى يظهر في الأرض، ويُقيم الموتى، ويظهر آياته الرَّبانية، ويرجع إلى عرشه الرَّهيب، ولا يعودون يرونه إلى يوم الحكم العظيم». وقال أرسطو في كتابه المُسمَّى الكُنُوز: «إنَّ كنز الحياة عندي أدوناي الإله الذي يظهر في المسكونة أجمع، ويسمع صوته الذين في القبور ويقومون».]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ235، 236. [الرُّومان: وكذا نجد هذه العقيدة عينها عند الرُّومانيين، ولأنَّها كانت أمّة حروب وفتوحات، فآمنت بمجيء إنسان يسود على العالم ويخضعه لسلطانه. ولقد تساءل أكبر خطبائها «شيشرون»: «من هو هذا الإنسان ومتى يجيء ؟». وقال الشّاعر الخالد «فيرجيل» في أنشودته الرابعة: «سترى الإنسانية جيلاً جديداً بولادة طفل ينزل من السَّماء وينتسب إلى الآلهة». وقال «سونيون» في ترجمة القيصر «فسباسيانوس»: «كان قد شاع في الشَّرق خبر قديم ومُتواتر أنَّ الأقدار قد حتَّمت أنَّه من اليهود يوجد من يسود العالم». وقال «ناقيتوس» المؤرِّخ: «كان كثيرون يعتقدون أنَّه ورد في أسفار الكهنة الأقدمين أنَّ في هذا الزَّمان يفوز الشَّرق، وأنَّ  رجالاً  من اليهودية يقدمون فيتولون التَّدبُّر، وعرف بين أهل غاليا أنَّ عذراء ستحبل بمُخلِّص العالم واتَّخذ لها كهنتهم المعروفون بالدرويد هيكلاً في مدينة شرتر كتبوا على واجهته "للعذراء الوالدة"».]

القسّ منسَّى يوحنا: شمس البِر, مكتبة المحبَّة – صـ236. [وممّا حُفِظَ أيضاً عن حكماء العالم وفلاسفته من هذا القبيل، ما قاله «هرمن» في كتابه المعروف بكتاب «التسعة الأحجار»: «العدل يبطل والأمة القديرة تشغب (تنحط) وتطلب ما ليس لها بحق والمخزون تظهر إياه "وهو آب يكون في الأرض وتتآمر الأمّة النَّجسة بالباطل هم وحكماؤهم على ملك الملوك"». وقال «سولس»: «الملك العظيم التقى بلا دنس, رب الآثام الذي كل شيء بعد ضيائه ننتظر». وقال «أدنس»: «واحد هو الضوء غير المحسوس, وهو في كل وقت الذي يجوز الفكرين والكلمة المولود منه كامل في كل شيء». وبالجملة، كما قال «تاسيتوس» المؤرِّخ القديم: «سينهض الشَّرق ويخرج من اليهودية من يسود العالم». وقد وجد الفاتحون لأمريكا تقاليداً مثل هذه في المكسيك وبلاد بيرو.]

الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

اكتشاف المزيد من مدونة التاعب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading