القائمة إغلاق

خُلاصة كتاب: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير

بسم الله الرحمن الرحيم

خُلاصة كتاب: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ23، 24. [والمُلاحَظ في مُعظم هذه التَّشبيهات أنَّ الجوهر الإلهي مُمثَّل فيها بواسطة النار. فالنار رمز مُناسب لجوهر الله: إنَّنا نعلم أنَّ طبيعة الله هي المحبة «الله محبة», وأنَّ هذه المحبة مُتأجِّجة كالنار «المحبة قوية كالموت … لهيبها لهيب لَظَى الرَّب» (نش 8 : 6)؛ لذلك قيل أيضاً أنَّ «إلهنا نار آكلة» (عب 12 : 29). ولذلك فمن المُناسب جداً أن يُرمَز لجوهر اللاهوت بواسطة النار المُتأجِّجة التي هي أقوى من كلّ شيء سواها.]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صـ3. [عندما عَجَزَ الإنسان أن يحيا مع الله، إذ عَجَزَ عن حِفظ الوصية, وسَقَطَ في المُخالفة والتَّعدِّي، وطُرِحَ خارجاً عن حَضْرَة الله، تنازل الله في مِلء الدُّهُور, وجاء إلينا ليحيا معنا. هذا هو التَّجسُّد وهذا هو ميلاد المسيح «عمانوئيل» الذي تفسيره الله معنا.]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ22. [أوَّلاً: كيفية التَّجسُّد الإلهي الفائق الوصف: كثيراً ما يَنْعَت القدِّيس كيرلُّس التَّجسُّد الإلهي بأنَّه: فائق الوصف afrastoV, سرِّيٌ بصفة مطلقة aporrhtoV  pantelwV, لا يُنْطَق به arrhtoV, يفوق العقل aperinohtoV, سرِّي وفائق العقل aporrhtoV kai uper noun. وهو لا يقصد بذلك أن ينهينا عن معرفة حقيقة هذا السِّر الإلهي – وإلَّا فكيف نؤمن به ؟ بل هو ينهينا عن إخضاعه للفحص العقلي: «إنَّ كيفية الاتِّحاد عميقة حقاً وفائقة الوصف وفائقة لمداركنا. فمن الجهالة التّامَّة أن نُخضِعَ للبحث (العقلي) ما يفوق العقل, وأن نُحاول أن نُدرك بعقولنا الذي لا يُدرَك بالعقل. أم لست تعلم أنَّ ذلك السِّر العميق ينبغي أن يُعبَدَ بإيمان بلا فحص ؟ وأمَّا السُّؤال الجاهل "كيف يُمكن أن يكون هذا ؟", فإنَّنا نتركه لنيقوديموس وأمثاله. وأمَّا نحن فإنَّنا نقبل بدون تردُّد أقوال روح الله ونثق أنَّ المسيح القائل: "الحق الحق أقول لكم: إنَّنا نتكلَّم بما نعلم, ونشهد بما رأينا"…» (في تجسُّد الابن الوحيد PG 57, 1217).]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ22، 23. [فنحن أمام هذا السِّر الإلهي الفائق الوصف, ليس لنا أن نفحصه بعُقُولنا, بل أن نؤمن به بقُلُوبنا, وأن نعبده بأرواحنا: «إنَّ كيفية التّأنُّس عميقة حقاً وفائقة الوصف وفائقة لمداركنا, فإنَّ هذا السِّر العميق الذي يفوق العقل ينبغي أن يُعْبَد بإيمان بدون التواء.» (عن الإيمان القويم إلى ثيئودوسيوس: 23. PG 76, 1165). «بأيّة كيفية يصير جسد الرَّب مُحيياً ؟ هذا سِرّ لا يستطيع فكر الإنسان أن يُسبِر غوره, ولا أي لسان أن يُعبِّر عنه، ولكنَّه جدير بأن يُعْبَد في صمت وإيمان» (تفسير يوحنا 6 : 64. PG 73, 604 D).]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ29. [وهكذا فإنَّ جسد المسيح قد اغتنى بمجد اللاهوت الحالِّ فيه وصار مجيداً ومُحيياً، غير أنَّه لم يتحوَّل عن كونه جسداً بشرياً مُساوياً لأجسادنا تماماً في كلّ شيء ما خلا الخطية وحدها ! إنَّ جميع التَّشبيهات السّابقة تُعبِّر بدرجات مُتفاوتة عن حقيقة الاتِّحاد الأقنومي الذي تمّ بين اللاهوت والناسوت في المسيح الواحد. غير أنَّ القدِّيس كيرلُّس لا يقصد بذلك أن يرفع طابع السِّرّية عن هذا الاتِّحاد الفائق الوصف الذي على الرَّغم من كلّ هذه التَّشبيهات يبقى على مُستوى السِّر الفائق على مداركنا الذي لا يستطيع فِكر الإنسان أن يسبر غوره. «نحن نقول إنَّ كلمة الله قد اتَّحد بطبيعتنا, غير أنَّ كيفية هذا الاتِّحاد تفوق كلّ فِكر بشري. فهي تختلف عن كافَّة التَّشبيهات التي قدَّمناها حتى الآن, بل هي تفوق كلّ تعبير وكلّ وصف, وليس أحد من الكائنات يعرف حقيقتها إلَّا ذاك الذي هو وحده عالم بكلّ شيء» (تعاليم في تجسُّد الابن الوحيد. PG 75, 1375 1378 A). «إنَّ الكلمة المُحيي وحَّد بذاته جسده الخاصّ بالكيفية التي هو وحده يعلمها».]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ45. [إذن, غاية التَّجسُّد الإلهي قد بلغت ذروتها يوم الخمسين, حينما صار الكُلّ في المسيح «مِلء الذي يملأ الكُلّ» (أف 1 : 23), فالجسد الإلهي المُعبَّر عنه بـ «مِلء اللاهوت جسدياً», صِرنا مُنذ يوم الخمسين «مملوئين فيه». لقد اتَّحد المسيح بالكنيسة فاكتسبت الكنيسة كلّ ما للمسيح, لقد صار وكمَّل في العلّية ما بدئ به في بيت لحم. لقد وُلِدَ المسيح في بيت لحم, لتُولَد الكنيسة في العلّية.]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ10. [أمَّا الآن فهو ذا الله نفسه يأتي إلينا يُعاشرنا ويتودَّدنا ويلبس أضعف ما فينا, وهو جسدنا، لقد انعكس الوضع تماماً، لم نعد مُهدَّدين بالخروج من حضرته أبداً, وبأي حال من الأحوال، فهو نفسه الذي أتى إلينا راضياً بنا ونحن في حضيض موتنا وذُلِّنا وخطايانا، لا لكي يعيش معنا كصديق مع صديق، كما كان آدم مع الله، بل جاء راضياً أن يحمل ثِقَل بشريتنا فيه، وقد اتَّحد بلحمنا وعِظامنا، فصار مِنّا وصِرنا منه، يحيا فينا ونحن نحيا فيه. لا نستطيع أن نخرج عنه إذ قد وُلِدنا منه، وصرنا «من لحمه وعِظامه» (أف 5 : 30)، وارثين فيه ومعه، ولا هو يستطيع أن يتخلَّى عنّا، فقد رَفَعَ بشريتنا معه إلى السَّماء، وسَكَبَ روحه القُدُّوس في قُلُوبنا لكي نحيا، لا بأرواحنا فيما بعد، بل نحيا بروحه، أو بالحريّ, بينما يحيا هو فينا هُنا على الأرض يجلس بجسدنا عن يمين العظمة في الأعالي شفيعاً وضامناً لخلاصنا إلى الأبد.]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ11. [ولكن بالرَّغم من أنَّ الجسد مدعو للقيامة ليكون في الدَّهر الآتي شريكاً هو الآخر في مجد المسيح، آخذاً بقُوَّة القيامة صورة خالقه وبهاءه: «لأنَّه سيُغيِّر شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده» (في 3 : 21)؛  أقول، وبالرَّغم من هذا الوعد اليقيني، إلَّا أنَّه فيما يخُصّ الدَّهر, فلا رجاء لنا في أجسادنا التُّرابية ولا طائل من ورائها، فالقُوَّة الإلهية والمجد والكرامة والحياة الأبدية وكلّ هِبات الرُّوح القُدُس هي للإنسان الجديد فينا الآن غير المنظور، روح الإنسان الخفي الذي خُلِقَ لنا مُجدَّداً في المعمودية من الماء والرُّوح خلقاً كاملاً غير منظور، وهو نصيبنا غير الظّاهر، المحفوظ لنا بنعمة الله الكلمة، بروحه، ليس فقط لكي نحيا نحن بالجسد معه عن قُرب مثل آدم، بل بالحريّ لكي يتَّحِد هو بنا ونحن نتَّحِد به مُنذ الآن بالرُّوح بسِرّ الإيمان والكلمة، وبسِرّ الجسد والدم الإلهيين، لنصير واحداً فيه.]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ12، 13. [بنوية جديدة للإنسان في الله أقوى من بنويتنا لآدم: يقول يوحنا الرسول مؤكِّداً: «أيُّها الأحباء, الآن نحن أولاد الله, ولم يُظهَر بعد ماذا سنكون، ولكن نعلم أنَّه إذا أُظهِر نكون مثله، لأنَّنا سنراه كما هو» (ا يو 3 : 2). هذا القول ليوحنا الرسول هامّ جداً وخطير للغاية، فهذا يدعونا بكلّ ثِقة أن نرتكز على إيمان واثق وثيق لا يتزعزع أنَّنا الآن أولاد الله، كما يقول الرسول يوحنا: «أيُّها الأحباء, الآن نحن أولاد الله». هذه أول حقيقة مسيحية, وأعظم هبة قد صارت لنا بتجسُّد ابن الله الكلمة، أي المسيح، وميلاده في بيت لحم. فلأنَّه ابن الله, ولأنَّه أخذ مِنّا لنفسه جسداً بشرياً كاملاً واتَّحد به اتِّحاداً أقنومياً دائماً وأبدياً، أصبحت البشرية كلّها مُتبنَّاه في المسيح الله، أي صار الإنسان بكلّ كيانه الجسدي ابناً لله في المسيح. مرَّة أخرى أقول، بتجسُّد ابن الله وميلاده بشرياً كإنسان وهو الله، دخل الإنسان دُخُولاً حاسماً ومَهِيباً، بسِرّ لا يُنطق به، في بنوية لله غير مُنفصلة وغير مائتة، أمَّا المعمودية ومسحة الرُّوح القُدُس فهُما السِّرّان اللذان يهبان هذه البنوية لله، أي يهبان كل شخص خاصّ قائم بذاته، طِفلاً كان أو رجلاً، هذه الهبة العامَّة العُظمى، التي صارت للإنسان عامَّة، أي البنوية لله التي صارت لنا جميعاً في المسيح بتجسُّده.]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ36، 37. [المسيح صار ابناً للإنسان لكي نصير نحن أبناء لله: لقد رأينا القدِّيس كيرلُّس يؤكِّد أنَّ غاية التَّجسُّد الوحيدة هي أن نستمدَّ من المسيح بالرُّوح القُدُس «غِنَى التَّبنِّي»، والآن ها هو يُبَلْور هذه الفِكرة في عِبارة مُحْكَمة صريحة بديعة في اختصارها ووضوحها: «ابن الله صار إنساناً لكي يصير الناس فيه وبواسطته أبناءً لله بالتَّبنِّي» (تفسير يوحنا 12 : 1. PG 74, 70). على أنَّ هذا المبدأ الواضح الذي كثيراً ما يُكرِّره القدِّيس كيرلُّس بصِيَغ مُختلفة، لا ينبع من فراغ, بل هو مُجرَّد توضيح وبَلْوَرة للآية التي قالها بولس الرسول: «أرسل الله ابنه مولوداً من امرأة … لننال التَّبنِّي» (غل 4 : 5). ويلِذّ للقدِّيس كيرلُّس أن يعود و يُعبِّر عن هذا المبدأ بعبارات جديدة في جميع كتاباته: «لقد وَضَعَ نفسه لكي يرفع إلى رِفْعَتِهِ الخاصَّة ما هو وضيع بحسب الطَّبيعة، ولَبِسَ صورة العبد, مع كونه بحسب الطَّبيعة هو الرَّب وهو الابن، لكي يجعل الذي هو عبد بالطَّبيعة شريكاً في مجد التَّبنِّي الذي يُشبه مجده الخاصّ، فقد صار مِثلنا, أي إنساناً, لكي يجعلنا مِثله, أي أبناءً، وهكذا أخَذَ لنفسه خاصَّة ما هو لنا, وأعطانا عوضاً عنه ما هو له» (تفسير يوحنا 20 : 17. PG 74, 700 AB). «فكإله, هو الابن الوحيد monogenhV، غير أنَّه هو نفسه كإنسان, من حيث الاتِّحاد التَّدبيري, قد صار ابناً بِكراً prwtotokoV بين إخوة كثيرين, أي بيننا نحن, لنصير نحن فيه وبواسطته أبناءً الله» (في تجسُّد الابن الوحيد PG 75, 1229 B. انظر أيضاً تفسير لوقا 2 : 7. PG 72, 485 B). «وهو الإله وابن الله من قبل الدُّهُور, يقول عنه الآب (في مز 2 : 27) أنَّه قد وَلَدَه اليوم, وذلك لكي يقبلنا نحن فيه بالتَّبنِّي، لأنَّ البشرية كُلّها كانت في المسيح (مُنذ لحظة ميلاده) من حيث أنَّه صار إنساناً» (تفسير يوحنا 7 : 39. PG 73, 753 B).]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ38. [«إنَّنا نقول إنَّ الجسد الإلهي حُبِلَ به من الرُّوح في بطن العذراء بطريقة لا يُنطق بها. فبِكر القدِّيسين prwtotokoV لم يكن مُحتاجاً إلى زرع بشر (ليُولد به) لأنَّه هو نفسه كان باكورة aparch الذين يُولَدون من الله بالرُّوح, الذين قيل عنهم أنَّهم "وُلِدوا, لا من دم, ولا من مشيئة جسد, ولا من مشيئة رجل, لكن من الله".» (تفسير لوقا 2 : 22. PG 72, 500 BC). فميلاد المسيح قد صار «باكورة» aparch لميلاد البشرية كُلّها من الله بواسطة الرُّوح القُدُس. «فقد صار هو بصِفته الأول prwtoV مولوداً من الرُّوح القُدُس. ذلك لنرتقي نحن أيضاً إلى ميلاد جديد روحي, "لا من دم, ولا من مشيئة جسد, ولا من مشيئة رجل, لكن من الله" بواسطة الرُّوح» (المسيح واحد. PG 75, 1272). فهذا الميلاد الرُّوحي الذي لنا هو غاية ميلاد المسيح وهو غاية تجسُّده: «فإنَّه لهذه الغاية قد صار مِثلنا، لكيّ يُحرِّرنا ويجعلنا إخوة له. فالكلمة الذي من الله الآب قد صار معنا مولوداً بحسب الجسد, لكي نستطيع نحن أيضاً أن نغتني بالولادة التي من الله بالرُّوح القُدُس, فلا نُدعَى بعد أولاداً للجسد, بل نتحوَّل بالحريّ إلى ما هو فوق الطَّبيعة, فنُدعَى أولاداً لله بالنِّعمة، لأنَّه قد جعل نفسه كواحد مِنّا, ذاك الذي هو وحده بالطَّبيعة وبالحقّ ابن الله الوحيد» (ضدّ نسطور 3 : 2. PG 76, 125).]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ15. [كما في بساطة وفقر مُذهل أخذ شكلنا، هكذا أيضاً في بساطة وفقر مُذهل أخذنا شكله: ثمّ أعود وأُكرِّر مرَّة أخرى أنَّه بقدر مُعجزة ميلاد ابن الله في بيت لحم, وكيف قد صار في بشرية ضعيفة مُستضعَفَة مثلنا في كلّ شيء، ببساطة وفقر وهدوء مُذهل لا يتناسب ظاهره قطّ مع حقيقة جوهره، هكذا وعلى نفس المُستوى من الإعجاز المُذهل يتمّ ميلاد الإنسان من الله، من السَّماء، من فوق، بالماء ومن الرُّوح القُدُس في جرن المعمودية، بنفس البساطة المُذهلة والفقر المُذهل الذي ظاهره لا يتناسب مع حقيقة جوهره.]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ17، 18. [بالتَّجسُّد أكمل الله وعده الأول «نخلق الإنسان على صورتنا كشبهنا»: يا أحبّائي, أُنبِّه ذهنكم أنَّ رجاء العودة إلى الله الذي نتكلَّم عنه، ليس هو رجاء يختصّ بالمُستقبل, نتوسَّله ونتمنّاه بدُمُوع وخوف، بل هو رجاء حيّ بحياة المسيح الذي تجسَّد في لحمنا ودمنا، وهو قائمٌ ودائمٌ لنا, وقد تمّ بقيام المسيح. لأنَّ المسيح وُلِدَ فينا وقام بنا، فضَمِنَ لنا ميلاداً من الله مجاناً, وحياة مع الله إلى الأبد, بلا انزعاج ولا خوف كالذي أجراه في نفسه من جهتنا. فنحن في المسيح المولود في بيت لحم قد حُسِبنا في الحال وإلى الأبد أنسباء بل أقرباء كأهلٍ في بيت الله، لأنَّه قد صار لنا بِكراً بين إخوة, وصار مُشابهاً لنا في كلّ شيء، وبالصَّليب والجسد والدم صِرنا لا أقرباء وحسب, بل مُتَّحدين به كأعضاء في الجسد عينه، لنا نفس الصُّورة والشَّبه، إنَّ حياتنا مع الله قد صارت في الحقيقة حياة في الله، مُكتملة الصُّورة والشَّبه كقصد الله مُنذ البدء تماماً، بواسطة المسيح. هذا رجاء عظيم لا نترجّاه كأنَّه بعيد عنّا، بل نحياه، لأنَّ المسيح وروح المسيح فينا, وقد شكَّل حياتنا بالفعل لنكون على شكله، والذي قدَّمه لنا الله في ابنه لن ينزعه مِنّا قط.]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ16. [الاتِّحاد الأقنومي الوثيق بين اللاهوت والناسوت في المسيح، ضَمِنَ لنا وجوداً وحياة أبدية مع الله بلا تهديد ! ليس كما كان يحيا آدم قديماً تحت تهديد الوصية بالحِرمان والطَّرد والموت، بل إنَّه طالما قد تمّ الاتِّحاد بين الله وجسد الإنسان في تجسُّد المسيح وميلاده، وطالما أنَّ هذا الاتِّحاد غير قابل للانفصال أبداً وبأي حال من الأحوال، هكذا ضمن المسيح بتجسُّده وميلاده في عالمنا, ومن لحمنا ودمنا, عهداً أبدياً أن نحيا مع الله, أو بالحري يحيا الله معنا بلا أي تهديد، لأنَّه هو هو الذي أتى إلينا مُتَّحِداً بنا بروحه في شخص يسوع المسيح، عندما عزَّ علينا واستحال استحالة أبدية أن نذهب إليه بأجسادنا التُّرابية. هذا هو تفسير التَّجسُّد وقُوَّة ميلاد المسيح «عمانوئيل», أي الله معنا !]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ21. [يُعتَبَر القدِّيس كيرلُّس أعمق من تفاعَل بالقِيَم الرُّوحية الفائقة المُذخرة في سِرّ التَّجسُّد الإلهي. ولذلك فهو أكثر مَن اهتمّ بالدِّفاع عن حقيقة «الاتِّحاد الفائق الوصف» الذي تمّ بين اللاهوت والناسوت في شخص المسيح. فهذه الحقيقة تملَّكت على تفكيره الرُّوحي سواء في كتاباته التَّفسيرية, أو في شُرُوحه للعقيدة, أو في كتاباته الرُّوحية، والسَّبب في ذلك أنَّه تيقَّن في عُمق كيانه الرُّوحي أنَّ الاتِّحاد الأقنومي الذي تمّ في المسيح هو «بداية ووسيلة اتِّحادنا بالله»، وهو «حُلُول اللُّوغوس – الكلمة – في الجميع بواسطة الواحد»، وهو بداية قيام «الكنيسة التي هي جسده», بمعنى أنَّ الكنيسة هي امتداد لسِرّ التَّجسُّد الإلهي الفائق الوصف.]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ32. [فحُلُول اللُّوغوس في هيكل جسده الخاصّ هو حُلُول طبيعي ومُطلق، وأمَّا حُلُوله فينا, فهو حُلُول نسبي, وبالنِّعمة والمُشاركة. ولكن على الرَّغم من هذا الفرق بين هذين النَّوعين من الحُلُول, كثيراً ما نجد القدِّيس كيرلُّس يربط بينهما مُبيِّناً أنَّ الحُلُول الأول هو الأساس والوسيلة التي بها يتمّ الحُلُول الثاني: «فالسِّر الذي حَدَثَ في المسيح هو بداية ووسيلة اتِّحادنا بالله thV proV qeon enwsewV» (تفسير يوحنا 17 : 20. PG 74, 577). «نظراً لأنَّ اللُّوغوس أخذ جسداً بشرياً لذلك صار داخلنا gegonen en hmin» (الكنز في الثالوث 12. PG 75, 204). «نحن نقبل داخلنا (decomeqa en autoiV) اللُّوغوس الذي من الله الآب, الذي صار إنساناً من أجلنا, وهو اللُّوغوس الحيّ والمُحيي، ولنبحث الآن كيفية هذا السِّر, لقد صار اللُّوغوس جسداً, ووُلِدَ بحسب الجسد من امرأة, آخذاً منها جسده لكي يتَّحِد بِنا اتِّحاداً لا يقبل الانفصال !» (تفسير لوقا 19 : 22. PG 72, 908 909).]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ33، 34. [اتِّحاد اللاهوت بالناسوت في المسيح أساسٌ لاتِّحادنا نحن بالله: من المبادئ العقائدية السّائدة عند القدِّيس كيرلُّس التي يعود إليها في جميع كتاباته أنَّ الاتِّحاد الذي تمّ في المسيح بين اللاهوت والناسوت هو أساس ووسيلة لاتِّحادنا نحن بالله. وبهذه العقيدة الرُّوحية السّامية, يرتفع القدِّيس كيرلُّس من مُستوى الجدل العقائدي في الدِّفاع عن الاتِّحاد الأقنومي إلى مُستوى الخبرة الرُّوحية السِّرّية (mystical) لهذا الاتِّحاد الفائق الوصف الذي هو الغاية التي من أجلها جاء المسيح على الأرض وتجسَّد. فالمسيح قد وَحَّد في نفسه اللاهوت بالناسوت «بطريقة لا يُمكن تصوُّرها» لكي يستطيع بذلك أن يُوحِّدنا «بواسطة نفسه» مع الله: «فهو يُعتَبر "واحداً من اثنين"، فهو ابن واحد قد اجتمعت إليه واتَّحدت فيه, في شخصه الواحد, بطريقة لا تُوصف ولا تُفحص, الطَّبيعتان الإلهية والبشرية, لتكونا وِحْدَة واحدة, بطريقة لا يُمكن تصوُّرها. فلهذا السَّبب أيضاً يُعتَبر هو الوسيط بين الله والناس, لأنَّه قد جَمَعَ ووَحَّد داخل نفسه الشَّيئين اللذين كانا مُتباعدين جداً أحدهما عن الآخر, واللذين كان يفصل بينهما هُوَّة عظيمة، أعني اللاهوت والناسوت. فقد أظهرهما مُجتمِعَيْن ومُتَّحِدَيْن في نفسه, وبذلك ربطنا بواسطة نفسه مع الله أبيه» (في الثّالُوث 1. PG 75, 692, 693). «فهو مُتَّحِد (حرفياً: مُتداخِل dihkontoV ) بالاثنين, فهو من جِهَة مُتَّحِد بالبشرية التي يتوسَّط لها؛ ومن جهة أخرى بالله الآب. فهو بطبيعته إله لكونه ابن الله الوحيد غير المُنفصل عن جوهر الذي ولده, بل بالحري يستمدّ وجوده من هذا الجوهر, كما يُعتَبر أيضاً من نفس هذا الجوهر. ومن جِهَة أخرى فهو عينه إنسان بصفته قد صار جسداً, جاعلاً نفسه مُشابهاً لنا, لكي يُوحِّد بالله، بواسطة نفسه، ما كان بحسب الطَّبيعة مُنفصلاً جداً عنه» (تفسير يوحنا 4 : 46. PG 73, 429 B).]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ34-36. [أي أنَّ المسيح هو بعينه إله وإنسان واحد, لكي يُوحِّد في نفسه الإنسان مع الله, فيُعطينا إمكانية الاتِّحاد بالله. فهذا الجسد الإلهي الذي فيه يحلّ كلّ مِلء اللاهوت جسدياً, هو بالحقيقة «حلقة الوصل» meqorion بيننا وبين الله: «إنَّه يُوحِّد بواسطة نفسه وفي نفسه البشرية مع الله. فقد صار "حلقة وصل" meqorion, لأنَّه يجمع في نفسه الطَّرفين اللذين يسعيان معاً نحو الوحدة والمحبَّة (أي الله والبشرية)» (تفسير يوحنا 14 : 5 و 6. PG74, 192 AB). «نحن نتَّحِد بالآب بواسطة المسيح كما بوسيط, وكأنَّه هو "حلقة الوصل" meqorion بين اللاهوت الفائق السُّمُو وبين الناسوت، من حيث أنَّ له الاثنين في كيانه, وكأنَّه يجمع داخل نفسه الذين تباعدوا بمثل هذا القدر، لأنَّه مُتَّحِد من جهة بالله الآب, نظراً لأنَّه هو نفسه الله بحسب الطَّبيعة، ومن جهة أخرى بالناس, نظراً لأنَّه بالحقيقة صار إنساناً» (تفسير يوحنا 10 : 14. PG 73, 1045 C). وهذا الجسد الإلهي هو "الأداة" organon التي بها تتِمّ عملية اتِّحادنا بالله (راجع: تفسير يوحنا 17 : 13. PG 74, 488 A. وأيضاً: تفسير لوقا 4 : 38. PG 72, 552. B. وأيضاً: تفسير لوقا 22 : 19. PG 72, 909.)، لأنَّنا حينما نقبله فينا نصير مُتَّحِدين به بمثل ما هو مُتَّحِد باللُّوغوس الحال فيه. فمُباركٌ هو هذا الجسد الإلهي المُمتلِئ بكُلّ مِلء اللاهوت جسدياً, الذي بواسطته صِرنا شُركاء الطَّبيعة الإلهية, واتَّحدنا بالله ! «لقد وَحَّد بنوعٍ ما في نفسه الشَّيئين المُفترقَين جداً عن بعضهما بحسب الطَّبيعة, والمُتباعدَين جداً عن أي تجانُس بينهما (أي اللاهوت والناسوت), حتى يجعل الإنسان بذلك شريكاً للطَّبيعة الإلهية. فالسِّر الذي حَدَثَ في المسيح هو بداية ووَسِيلَة اشتراكنا في الرُّوح, واتِّحادنا بالله !» (تفسير يوحنا 17 : 20 و21. PG 74, 557-560). «وبالإجماع قد صِرنا أقرباء لله الآب (suggeneiV أي حرفياً: شُركاء في جنسه, أي شُركاء في طبيعته الإلهية) بالجسد الذي في سِرّ المسيح !» (تفسير يوحنا 8 : 37. PG 73, 869 C).]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ30، 31. [الكلمة قد حلَّ في الجميع بواسطة الواحد. كثيراً ما يعتمد القدِّيس كيرلُّس على قول يوحنا الإنجيلي: «والكلمة صار جسداً وحلَّ فينا» (يو 1 : 14), (الشَّطر الثاني من هذه الآية هو في الأصل اليوناني: και εσκηνωσεν εν ημιν، حيث المعنى المباشر لعبارة «εν ημιν» هو «فينا» وليس «بيننا», وبهذا المعنى يُفسِّرها القدِّيس كيرلُّس في كلّ أقواله), لكي يربط بين تجسُّد الكلمة وحُلُول الكلمة في كلّ واحد منا: «"الكلمة صار جسداً وحلَّ فينا", ما أعمق هذا السِّر ! فالكلمة قد حلَّ في الجميع بواسطة الواحد (يسوع)، لأنَّه إذ قد استعلن الواحد (يسوع) أنَّه ابن الله بقُوَّة من جهة روح القداسة, فهذه الكرامة امتدَّت منه إلى كل جنس البشرية, حتى إنَّه بسبب الواحد الذي مِنّا أدركتنا نحن أيضاً الآية القائلة: "أنا قلت إنَّكم آلهة"…» (تفسير يوحنا 1 : 14. PG 73, 161). وفي تفسيره لإنجيل متَّى يقول: «فقد حلَّ فينا كلمة الله, وجعل جسد البشرية خاصًّا له» (تفسير متَّى 11 : 18. PG 72, 401 B). وفي كتابه المُسمَّى «الكنز في الثّالُوث»: «لقد حلَّ فينا كلمة الله, لكي يرفع الذي بلا كرامة إلى كرامته الخاصَّة» (الكنز في الثّالُوث 21. PG 75, 364 C). وفي كتاب «تعاليم في تجسد الابن الوحيد» يقول بخصوص الآية «والكلمة صار جسداً وحلَّ فينا»: «لاحظوا، أرجوكم، كيف أنَّ الإنجيلي (يوحنا) اللاهوتي يُتوِّج بحكمة كلّ طبيعة البشر بقوله أنَّ الكلمة "حلَّ فينا". فهو يقصد بذلكعلى ما يبدو ليأن يقول أنَّ تجسُّد الكلمة لم يحدث لأيّة غاية أخرى إلَّا لكي نغتني نحن أيضاً بشركة اللُّوغوس بواسطة الرُّوح القُدُس, فنستمد منه غنى التَّبني» (تعاليم في تجسُّد الابن الوحيد. PG  75, 1400).]

الأب متَّى المسكين: التَّجسُّد الإلهي في تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير, دير القدِّيس أنبا مقار – صــ10. [ولكن يا لسعادة الإنسان، فهو ذا الله يأتي إلينا بنفسه, لأنَّه حينما خُلِقَ الإنسان ودُعِي للوجود في حضرة الله للحياة في نوره ومجده؛ كان مُهدَّداً بالانطراح خارجاً حيث الظُّلمة والموت إن هو تعدَّى وصية الحياة. وها هو ذا تعدَّى وانطرح خارجاً وعاش في الظُّلمة وعايشها وذاق في البُعد عن الله الموت والذُّل والهوان.]

الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

اكتشاف المزيد من مدونة التاعب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading