القائمة إغلاق

نُقُلات من كُتُب التَّفسير حول حديث سحر الرسول صلى الله عليه وسلم

بسم الله الرحمن الرحيم

نُقُولات من كُتُب التَّفسير حول حديث سحر الرسول صلى الله عليه وسلم

أبو القاسم الحسين بن محمد المعروف بالراغب الأصفهاني (المتوفى: 502هـ): تفسير الراغب الأصفهاني, تحقيق ودراسة: د. محمد عبد العزيز بسيوني, الناشر: كلية الآداب بجامعة طنطا, صـ275-277.

[وقد أنكر الجدليون ما روي في ذلك من الأخبار الصحيحة والآثار الواضحة كنحو ما روي أن اليهود سحرت رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال – عليه السلام: " أتاني ملكان، فقعد أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي، فقال أحدهما: ما بالرجل فقال الأخر: مطبوب، قال: ومن طببه؟ قال: بنات لبيد بن أعصم اليهودي "، فبماذا قال في مشط ومشاطه، وجف طلعه ذكر في بئر ذوى أروان، فبعث من أخرجه وحل عقده، فكلما حل, حل عقده، وجد لذلك خفة كأنما أنشط من عقال " قالوا: إن ذلك إن قلنا بصحته لكان يقدح في نبوته، وليس الأمر على ما ظنوه لما تقدم، ولأن تأثير السحر لم يكن في النبي – عليه السلام – من حيث ما هو نبي، وإنما كان في بدنه من حيث هو إنسان وبشر، وكما كان يأكل ويتغوط ويشرب ويمشي ويقعد ويغضب ويشتهي ويمرض ويصح من حيث هو بشر لا من حيث هو نبي، وإنما كان ذلك قادحا في النبوة لو وجد للسحر تأثير في أمر يرجع إلى النبوة، ثم كون النبي – عليه السلام – معصوما من الشيطان لا يقتضي أن لا يؤثر في بدنه ذلك تأثيراً صغيرا لا يقدح فيه من حيث ما هو نبي، فقد كأن تأثير ذلك في جزء من بدنه تأثيرا محسوسا لم يتعده إلى زوال عقله ولا إلي إفساد نفسه، كما أن جرحه وكسر ثناياه يوم أحد لم يقدح فيما ضمن الله له من عصمته، حيث قال: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، وكما لا اعتداد بما يقع في الإسلام من ارتداد أهل بلد أو غلبة المشركين على بعض النواحي فيما ذكر من كمال الإسلام بقوله: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} ومن أثبت كليات الحقائق بإثبات جزئياتها لم يسعفه في قياسه لدى التحصيل مقدمته ولا يثبت به في المقامات قدمه، وأما متصرفات لفظ السحر، فقد كثرت، وذاك إنه من حيث يتصور تارة دقته وتارة، حسنه وتارة فتنته، وتارة خبثه وشرارته استعمل في كل ذلك لفظه بحسب تصور كل واحد من ذلك، فسمي الشعبذة سحرا ومنه قوله: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ}، والكلام الرائق سحرا، ومنه قيل: (إن من البيان لسحرا)، والعين الفاتنة ساحرة، والعالم ساحرا، [وعلى ذلك حمل قوله: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَ السَّاحِرُ ادْعُ لَنَا رَبَّكَ}، والفعل الدقيق سحرا] حتى قالت الأطباء: الطبيعة ساحرة، وسمي الغذاء سحرا من حيث يدق تأثيره، قال: وتسحر بالطعام وبالشراب والسحر الرئة، فيجوز أنه سمي بذلك اعتبارا بدقة تأثيره في ترويحه القلب بإيصال النفس (البارد إليه) إخراج الحار منه، فكأنه ساحر في فعله ذلك، وقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ} قبل من المخلوقين وحقيقته من المجعول له سحر، أي من الحيوان، وقيل فيه، وفي قوله: {إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا}، أي معه رأي من الجن.]

 

أبو الحسن علاء الدين علي بن محمد الخازن (المتوفى: 741هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل, المحقق: تصحيح محمد علي شاهين, الناشر: دار الكتب العلمية ببيروت, المجلد 4, صـ500-501.

[وقد أنكر بعض المبتدعة حديث عائشة المتفق عليه، وزعم أنه يحط منصب النّبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثّقة بالشّرع. ورد على هذا المبتدع بأن الذي ادعاه باطل لأن الدّلائل القطعية، والنقلية قد قامت على صدقه صلّى الله عليه وسلّم، وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ، والمعجزة شاهدة بذلك، وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل. وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا، وهو ما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من أمور الدنيا ما لا حقيقة له. وقد قيل إنه كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته، وليس واطئ، وهذا مثل ما يتخيله الإنسان في المنام. فلا يبعد أن يتخيله في اليقظة، ولا حقيقة له، وقيل إنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله، ولكن لا يعتقد ما تخيله فتكون اعتقاداته على السّداد قال القاضي: وقد جاءت في بعض روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما سلط على بدنه وظواهر جوارحه لا على قلبه وعقله واعتقاده وليس في ذلك ما يوجب لبسا على الرسالة ولا طعنا لأهل الزّيغ والضّلالة]

 

محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ): تفسير القرآن الكريم (ابن القيم), المحقق: مكتب الدراسات والبحوث العربية والإسلامية بإشراف الشيخ إبراهيم رمضان, الناشر: دار ومكتبة الهلال ببيروت, صـ630.

[وهذا الحديث ثابت عند أهل العلم بالحديث، متلقّى بالقبول بينهم. لا يختلفون في صحته (…) قالوا: فالأنبياء لا يجوز عليهم أن يسحروا. فإن ذلك ينافي حماية الله لهم، وعصمتهم من الشياطين. وهذا الذي قاله هؤلاء مردود عند أهل العلم. فإن هشاما من أوثق الناس وأعلمهم، ولم يقدح فيه أحد من الأئمة بما يوجب رد حديثه. فما للمتكلمين وما لهذا الشأن؟ وقد رواه غير هشام عن عائشة. وقد اتفق أصحاب الصحيحين على تصحيح هذا الحديث، ولم يتكلم فيه أحد من أهل الحديث بكلمة واحدة. والقصة مشهورة عن أهل التفسير والسنن والحديث والتاريخ والفقهاء. وهؤلاء أعلم بأحوال رسول الله وأيامه من المتكلمين.]

 

محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ): تفسير القرآن الكريم (ابن القيم), المحقق: مكتب الدراسات والبحوث العربية والإسلامية بإشراف الشيخ إبراهيم رمضان, الناشر: دار ومكتبة الهلال ببيروت, صـ631.

[والسحر الذي أصابه كان مرضا من الأمراض عارضا شفاه الله منه. ولا نقص في ذلك، ولا عيب بوجه ما. فإن المرض يجوز على الأنبياء. وكذلك الإغماء. فقد أغمى عليه صلّى الله عليه وسلّم في مرضه، ووقع حين انفكّت قدمه وجحش شقّه وهذا من البلاء الذي يزيده الله به رفعة في درجاته. ونيل كرامته. وأشد الناس بلاء الأنبياء. فابتلوا من أممهم بما ابتلوا به: من القتل، والضرب، والشتم، والحبس. فليس ببدع أن يبتلى النبي صلّى الله عليه وسلّم من بعض أعدائه بنوع من السحر، كما ابتلى بالذي رماه فشجّه. وابتلى بالذي ألقى على ظهره السّلا «1» وهو ساجد، وغير ذلك. فلا نقص عليهم. ولا عار في ذلك، بل هذا من كمالهم، وعلو درجاتهم عند الله.]

 

محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ): تفسير القرآن الكريم (ابن القيم), المحقق: مكتب الدراسات والبحوث العربية والإسلامية بإشراف الشيخ إبراهيم رمضان, الناشر: دار ومكتبة الهلال ببيروت, صـ633.

[«المسحور» على بابه. وهو من سحر حتى جنّ. فقالوا: مسحور، مثل مجنون أي زائل العقل، لا يعقل ما يقول. فإن المسحور الذي لا يتّبع: هو الذي فسد عقله، بحيث لا يدرى ما يقول. فهو كالمجنون. ولهذا قالوا فيه 44: 14 مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ فأما من أصيب في بدنه بمرض من الأمراض يصاب به الناس، فإنه لا يمنع ذلك من اتّباعه. وأعداء الرسل لم يقذفوهم بأمراض الأبدان، وإنما قذفوهم بما يحذّرون به سفهاءهم من أتباعهم. وهو أنهم قد سحروا، حتى صاروا لا يعلمون ما يقولون، بمنزلة المجانين. ولهذا قال تعالى: 17: 48 انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ؟ فَضَلُّوا. فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا مثّلوك بالشاعر مرة، والساحر أخرى، والمجنون مرة، والمسحور أخرى. فضلوا في جميع ذلك ضلال من يطلب في تيهه وتحيّره طريقا يسلكه، فلا يقدر عليه. فإنه أيّ طريق أخذها فهي طريق ضلال وحيرة. فهو متحير في أمره، لا يهتدي سبيلا، ولا يقدر على سلوكها.]

 

محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين ابن قيم الجوزية (المتوفى: 751هـ): تفسير القرآن الكريم (ابن القيم), المحقق: مكتب الدراسات والبحوث العربية والإسلامية بإشراف الشيخ إبراهيم رمضان, الناشر: دار ومكتبة الهلال ببيروت, صـ634.

[وأما قولكم: إن سحر الأنبياء ينافي حماية الله لهم فإنه سبحانه كما يحميهم ويصونهم ويحفظهم ويتولاهم، فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته، وليتسلى بهم من بعدهم من أممهم وخلفائهم إذا أوذوا من الناس، فرأوا ما جرى على الرسل والأنبياء، صبروا ورضوا، وتأسّوا بهم، ولتمتلئ صاع الكفار فيستوجبون ما أعدّ لهم من النكال العاجل، والعقوبة الآجلة، فيمحقهم بسبب بغيهم وعدوانهم، فيعجل تطهير الأرض منهم. فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائه ورسله بإيذاء قومهم. وله الحكمة البالغة، والنعمة السابغة لا إله غيره، ولا رب سواه.]

 

شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي (المتوفى: 1270هـ): روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني, المحقق: علي عبد الباري عطية, الناشر: دار الكتب العلمية ببيروت, المجلد 15, صـ521-522.

[وقال الإمام المازري: قد أنكر ذلك الحديث المبتدعة من حيث إنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها، وإن تجويزه يمنع الثقة بالشرع، وأجيب بأن الحديث صحيح وهو غير مراغم للنص ولا يلزم عليه حط منصب النبوة والتشكيك فيها لأن الكفار أرادوا بقولهم مسحور أنه مجنون وحاشاه، ولو سلم إرادة ظاهره فهو كان قبل هذه القصة أو مرادهم أن السحر أثر فيه وأن ما يأتيه من الوحي من تخيلات السحر وهو كذب أيضا لأن الله تعالى عصمه فيما يتعلق بالرسالة، وأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث عليه الصلاة والسلام بسببها وهي مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه من ذلك ما لا حقيقة له، وقد قيل إنه إنما كان يخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطئ وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام فلا يبعد تخيله في اليقظة، وقيل إنه يخيل أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما تخيله فتكون اعتقاداته عليه الصلاة والسلام على السداد. وقال القاضي عياض: قد جاءت روايات حديث عائشة مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده الشريف صلّى الله عليه وسلم وظواهر جوارحه لا على عقله عليه الصلاة والسلام وقلبه واعتقاده، ويكون معنى ما في بعض الروايات حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهن، وفي بعض أنه يخيل إليه أنه إلخ: أنه يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنا منهن أخذته أخذة السحر فلم يأتهن ولم يتمكن من ذلك كما يعتري المسحور، وكل ما جاء في الروايات من أنه عليه الصلاة والسلام يخيل إليه فعل شيء ولم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لا لخلل تطرق إلى العقل وليس في ذلك ما يدخل لبسا على الرسالة ولا طعنا لأهل الضلالة انتهى.]

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

اكتشاف المزيد من مدونة التاعب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading