بسم الله الرحمن الرحيم
التَّصوُّر الصَّحيح لنظرية الانفجار الكبير
كيف بدأ العُلماء في تصوُّر نظرية الانفجار الكبير؟
«في 1920م، قدَّم كُلًّا مِن (فريدمان Friedmann) و (لوميتر Lemaître)، ولأوَّل مرَّة، نماذج التَّوسُّع الكوني المُستوحاة من أسئلة أينشتين؛ فقد رأي (فريدمان) أنَّ النَّظريَّة النِّسبيَّة العامَّة تستلزم أنَّ: "في زمنٍ ما في الماضي، بين 10-20 مليار عام، لابُدَّ أنَّ المسافة بيننا وبين المجرَّات المُجاورة كانت صفر".»(1)
وهكذا نجد أنَّ (فريدمان) و (لوميتر) كانا أوَّل مَن تصوَّرا، ولو نظرياً، البداية الحارَّة جداً للكون، وأنَّ المسافة بين مادَّة الكون في البداية كانت = صفر! هذا كلّه من خلال التَّأمُّل في مُعادلات (أينشتاين) الخاصَّة بنظرية النِّسبية العامَّة!
ولكن كيف نفهم أنَّ المسافة بين مادَّة الكون في البداية كانت = صفر؟ أو بكلماتٍ أخرى، أنَّ بداية الكون كانت من نُقطة قُطرها صفر؟! هذا ما يُسمِّي عُلماء الكوزمولوجيا بـ «المُفردة singularity».
عالِم الرِّياضيات الشَّهير (ديفيد بيرلنسكي) يقول: « لا تُمثل مُفردة الانفجار الكبير مفهومًا فيزيائيًا، لأنَّه لا يُمكن استيعابها من خِلال نظرية فيزيائية. إنَّها النُّقطة التي عندها توقَّفت النَّظريَّات الفيزيائية عن العَمَل».(2)
هذا يعني باختصار أنَّ العُلماء يستخدمون تعبير «المُفردة» للدَّلالة على نُقطة بداية الكون، ولكن هذه النُّقطة ليس لها وُجُود فيزيائي حقيقي، ولا يُمكن وصفها عن طريق استخدام أيّ نظرية فيزيائية، ولكنَّها نُقطة رياضية نظرية، النُّقطة التي كان قُطر الكون فيها = صفر، أو النُّقطة التي كانت المسافة بين مادَّة الكون فيها = صفر!
هذا يعني أيضاً أنَّ النظرية تقول بأنَّ الكون كان بعد أن لم يكُن! أو أنَّ الكون ظهر من لا شيء، بمعنى أنَّ كلّ الوُجُود الفيزيائي المعروف الآن لم يكُن له أيّ وُجُود، ثمَّ فجأة بدأ الكون في الوُجُود!(3)
الكثير من النَّاس يجدون صُعُوبة شديدة في تصوُّر بداية الكون وِفق نظرية الانفجار الكبير!
العالِم الأسترالي الشَّهير (بول ديفيس) يقول: « إنّ المادَّة التي تكوَّنت منها كلّ المجرَّات التي نراها اليوم، قد انبثقت من نُقطةٍ واحدةٍ، بسُرعة انفجارية! وهذا وصفٌ مثاليٌّ لما يُسمَّى بالانفجار الكبير».(4)
ويقول أيضاً: « إنَّ الانفجار الكبير هو أصلُ المكان، بالإضافة إلى المادَّة والطَّاقة، والأكثر أهمِّيَّة من ذلك هو إدراك أنَّه طِبقًا لهذه الصُّورة: لم يكن هُناك وُجُود لفراغٍ كائنٍ مِن قَبْل، هو الذي حَدَث فيه الانفجار الكبير».(5)
ويجب علينا أن نفهم المقصود بكلمة الانفجار، فإنَّ الكلمة لها دلالة العشوائية والفوضى في أذهان النَّاس، وهذا أبعد ما يكون عن واقع بداية الكون، فإنَّ نسبة الإنتروبيا في بداية الكون كانت أقلّ ما يُمكن، ممَّا يعني أنَّ نِسبة الفوضى والعشوائية عند بداية الكون كانت قليلة جداً، فما المقصود إذاً بالانفجار؟!
عالِم الرِّياضيات الشَّهير (ديفيد بيرلنسكي) يقول: « يعتقد عُلماء الكونيات، حسب التَّصوُّر الصَّحيح الثَّابت الآن، أنَّ الكون جاء إلى الوُجُود بطريقةٍ ما يتمّ التَّعبير عنها بالانفجار، وهو ما يُسمَّى الآن بالانفجار الكبير، وتُعدّ كلمة "انفجار" إشارة إلى أنَّ الكلمات أعجزتنا، وكثيرًا ما تُعجزنا، لأنَّها تقترح حدثًا مفهوماً لدى البشر (والواقع أصعب من ذلك بكثير)، انفجار ضخم أو ثوران هائج».(6)
وهكذا يتِمّ استخدام كلمة "انفجار" بشكلٍ رمزي، للدَّلالة على بداية الكون العجيبة، والتي كانت ساخنة جداً، بشكلٍ غير معقولٍ، وأخذت في التَّوسُّع بسُرعة شديدة جديداً تفوق الوصف، ممَّا يُعطي انطباع الانفجار، من حيث الحرارة الشَّديدة، وقُوَّة الدَّفع الكبيرة لخارج مركز الانفجار. وفي النِّهاية نقول كما يقول العُلماء: لا مشاحة في الاصطلاح، فإنَّ اسم النَّظرية في النِّهاية مُجرَّد اسم، ولا يُعوَّل عليه كثيراً، وإنَّما يُعوَّل على شرح وفَهْم العُلماء المُختصِّين للنَّظرية.
مُبسِّط العُلُوم الأمريكي (بيل برايسون) يقول: « من الطَّبيعي -إلَّا أنَّه خطأ- تصوير المُفردة على أنَّها شيء ما كنقطة مُخصَّبة مُدلَّاة في فراغ مُظلم لا حُدُود له. بيد أنَّه لا يُوجد فضاء ولا ظلام. فليس للمفردة محيط يحيطها. وليس لها فضاء لتشغله، ولا مكان لوجودها. فليس لنا حتى أن نسأل عن مدة وجودها –ما إذا كانت طرأت توًّا مثل فكرة جيدة، أم أنها أزلية تنتظر اللحظة المناسبة. فالزمان لا يوجَد. وليس له ماضٍ ينتج عنه. وهكذا بدأ كوننا من لا شيء».(7)
إذن، نستطيع أن نقول باختصار أنَّ نظرية الانفجار الكبير تضُمّ هذه العناصر بشكلٍ أساسي: الكون في بدايته كان حارًّا وكثيفاً جداً، حيث كانت المسافة بين مادَّة الكون نظرياً = صفر، أي أنَّ قُطر الكون كان يُساوي نظرياً = صفر، وهذا يعني أنَّ كلّ الوُجُود ظهر فجأة من لا شيء، فالزَّمان والمكان والمادَّة والطَّاقة ظهرت فجأة مع بداية الكون، وهكذا ظهر الكون للوُجُود وبدأ في اتِّساع سريع جداً، ومع الوقت تكوَّن كلّ شيء داخل الكون، بدءً من الذَّرَّة، إلى المجرَّة.
السُّؤال الهامّ هو: كيف يدُلّ توسُّع الكون على أنَّ له بداية؟
«فكِّر في هذا الأمر بهذه الطَّريقة: لو كان بإمكاننا مُشاهدة تسجيلًا مرئيًّا لتاريخ الكون ولكن بالرُّجوع للخلف، لرأينا أنَّ كلّ المادَّة التي في الكون تنهار إلى نقطة، ليست في حجم كُرة السَّلَّة، ولا في حجم كُرة الجولف، ولا حتى في حجم رأس الدبوس، بل رياضيًّا ومنطقيًّا سينهار إلى نُقطة هي في الحقيقة لا شيء (أعني لا مكان، ولا زمان، ولا مادَّة). بمعنى آخر، لم يكن ثمَّ شيء، وبعد انفجارٍ صار شيءُ، وانبثق الكون كلّه إلى الوُجُود! وهذا بالطَّبع ما شاعت تسميته بـ "الانفجار الكبير"».(8)
«من المهم فهم أنَّ الكون لا يتوسَّع في مكانٍ فارغٍ، بل إنَّ المكان نفسه هو الذي يتوسَّع؛ فلم يكن ثمَّ مكانٌ قبل الانفجار الكبير. ومِن المُهِمّ أيضًا فَهْم أنَّ الكون لم يظهر من مادَّة موجودة، بل من العَدَم؛ فلم يكن ثمَّ مادَّة قبل الانفجار الكبير. في الواقع -زمنيًّا- لم يكن ثمَّ "قبل" الانفجار الكبير؛ لأنَّه لا توجد "قبل" من دون زمان، ولم يكن ثمَّ وقت حتى الانفجار الكبير. فالزَّمان والمكان والمادَّة أتوا إلى الوُجُود في أثناء الانفجار الكبير.».(9)
الفيزيائي الأسترالي الشَّهير (بول ديفيس) يقول: « نشأة الكون، وِفق تصوُّر العِلْم الحديث، ليست مُجرَّد مسألة فرض شيء من التَّنظيم على حالةٍ سابقةٍ مُتنافرة (أو مُفكَّكة)، بل إنَّها حرفيًّا عبارة عن دُخُول جميع الأشياء المادِّيَّة من العَدَم، إلى حيِّز الوُجُود».(10)
عالِم الكونيات البريطاني (جون بارو) وعالِم الكونيات والفيزياء والرِّياضيات الأمريكي (فرانك تيبلر) يقولان كلاماً في غاية الأهمية: « عند هذه المُفردة (التَّعبير عن كون له قُطر = صِفر)، دخل المكان والزَّمان حيِّز الوُجُود، فلم يكن ثمَّ شيء حرفيًّا قبل المُفردة، فإذا نشأ الكون عند هذه المُفردة؛ فسيكون لدينا حقًّا خلقٌ من العَدَم».(11)
عالِم الفيزياء الفلكية الكندي (هيو روس) يُوضِّح الإشكالية أكثر قائلاً: « يتضمَّن العَدَم المُطلق حالة معلوماتية صفرية. فكيف لنظامٍ معلوماتي صِفْرِيّ أن يكتسب حالته التَّالية العالية معلوماتيًّا بدون تدخُّل شخصي من خالق ذكيّ».(12)
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
Originally published as “Über die Krummung des Raumes,” Zeitschrift für Physik 10 (1922): 377–386. Cited in: Guillermo Gonzalez and Jay W. Richards: The Privileged Planet (How Our Place in The Cosmos is Designed for Discovery), Regnery Publishing 2004, p172.
David Berlinski: The Devil's Delusion (Atheism and It's Scientific Pretensions), Basic Books 2009, p81.
سنؤكِّد على هذا المفهوم أكثر فيما بعد.
Paul Davies, The Last Three Minutes: Conjectures About the Ultimate Fate of the Universe, BasicBooks, 1994, p22, 23.
Ibid, p24.
David Berlinski: The Devil's Delusion (Atheism and It's Scientific Pretensions), Basic Books 2009, p69.
Bill Bryson: A Short History of Nearly Everything: Special Illustrated Edition (Kindle Locations 223-226). Crown Publishing Group. Kindle Edition.
Norman L. Geisler & Frank Turek: I Don't Have Enough Faith to Be an Atheist (Kindle Locations 1296-1300). Crossway. Kindle Edition.
Ibid, (Kindle Locations 1301-1305).
Interview of Paul Davies by Philip Adams, “The Big Questions: In the Beginning,” ABC Science Online, January 17, 2002 <www.abc.net.au/science/bigquestions/s460625.htm> Cited in: William Lane Craig; Chad Meister, God Is Great, God Is Good: Why Believing in God Is Reasonable and Responsible (Large Print 16pt) (Kindle Locations 156-160). ReadHowYouWant.com, Limited. Kindle Edition.
John Barrow and Frank Tipler, The Anthropic Cosmological Principle (Oxford: Clarendon, 1986), 442. Cited in: William Lane Craig, Reasonable Faith: Christian Faith and Apologetics, Crossway Books 2008, 3rd edition, Page 127.
Hugh Ross, The Creator and the Cosmos: How the Latest Scientific Discoveries Reveal God (Kindle Locations 2102-2103). Reasons To Believe. Kindle Edition.