بسم الله الرحمن الرحيم
الإله أفضل تفسير لوُجُود النِّظام والقوانين
هُناك من يرى أنَّ وُجُود النِّظام يدُلّ ضرورةً وبشكل بديهي على وُجُود مُنظِّم، والبعض الآخر يجد صُعُوبة في رؤية ذلك، ويحتاج إلى بعض الشَّرح والمجهود، والبعض الآخر يُنكر ذلك تماماً. في النِّهاية هُناك أسئلة كثيرة جداً حول نظام الكون وقوانينه،(1) وأتباع المذهب الألوهي يدَّعون أنَّ إجابة كلّ هذه الأسئلة مُتعلِّقة بالوُجُود الإلهي!
عالِم الفيزياء المُلحد الشَّهير (لورانس كراوس) يتكلَّم عن النِّظام ودلالته وُجُوده قائلاً: « على أيَّة حال؛ حتى لو كُنَّا في كونٍ بلا مُعجزات، فعندما تُواجَه بنظام أساسي وبسيط للغاية، عندها تستطيع أن تستنتج نتيجتين مختلفتين؛ الأولى، وهي التي استنتجها نيوتن نفسه، ومُؤخَّراً تبنَّاها جاليليو وجماعة من العُلماء الآخرين على مرّ السِّنين؛ وهي أنَّ مِثْل هذا النِّظام قد خلقه الذَّكاء الإلهي، فهو ليس مسؤولًا عن وُجُود الكون فحسب، ولكن أيضًا عن وُجُودنا نحن، وأنَّ الإنسان قد خُلِق على صورة الإله، والظَّاهر أنّ الكائنات الأخرى المُعقَّدة والجميلة لم يُخلَقوا كذلك!. والنَّتيجة الأخرى هي: أنَّ القوانين نفسها هي كلّ ما في الوُجُود؛ وتستلزم نفس هذه القوانين وُجُود كوننا لكي ينمو ويتطوَّر، وأنَّنا نتاجٌ حتميّ لهذه القوانين، وقد تكون هذه القوانين أزلية، أو جاءت إلى الوُجُود أيضًا بواسطة عملِيَّات فيزيائية بحتة غير معروفة، ولكنَّها مُمكنة».(2)
ولا أفهم كيف لهذا المسكين أن يعتقد أنَّ القوانين هي كّل الوُجُود! إنَّها حادِثة ولكنَّها مُعتمدة في وُجُودها على عمليَّات فيزيائية أخرى! إنَّه يفترض أيّ شيء، وحتى ولو كان غير معقول، من أجل فقط أنَّه لا يُريد الإيمان بوُجُود الإله، مع الإشارة إلى أنَّ عُقُولاً أعظم منه بكثير، أقرَّت ببداهة أنَّ النِّظام يحتاج إلى مُنظِّم!
السُّؤال الأوَّل: ما المقصود بالنِّظام؟
الفيلسوف الشَّهير (أنتوني فلو) يقول: « ماذا أعني بقوانين الطَّبيعة؟ بالقانون، أعني ببساطة أنَّه انتظام أو تناظر في الطَّبيعة».(3)
الفيلسوف الشَّهير (ريتشارد سوينبرن) يقول: « ما هو القانون الطَّبيعي؟ لا يوجد أحد من نُقَّادي يعترض على هذا التَّعريف: قولك إنَّه أحد قوانين الطَّبيعة يعني أنَّ كلّ الأجسام تتصرَّف على نحوٍ مُعيَّن، مثل اجتذاب بعضها بعضاً وفقًا لمُعادلة مُعيَّنة، هو -على سبيل الاقتراح- تماماً أن تقول إنَّ كلّ جِسْم يتَّصرَّف بهذه الطَّريقة كضرورة فيزيائية، مثل اجتذاب كلّ جسم بتلك الطَّريقة. افتراض أنَّ التَّصرُّف المُنظَّم نتج بسبب فعل شيء واحد تسبَّب في أنَّ كل الأجسام تصرَّفت بهذه الطَّريقة، أبسط بكثير من افتراض أنَّ جميع الأجسام التي تتصرَّف بنفس الطَّريقة الواحدة حقيقة نهائية محضة».(4)
إذن، نستطيع أن نقول ببساطة أنَّ النِّظام المقصود هو أنَّ المادَّة لا تتصرَّف بشكل عشوائي، وإنَّما تتصرَّف وِفق نَمَط أو نموذج أو مِثال مُعيَّن مُتكرِّر يُمكن رصده، وأنَّ المادَّة في استسلام تامّ لهذا النِّظام، ولا تستطيع إلَّا الخُضُوع له بشكل حتمي، ولا تُخالفه أبداً.
السُّؤال الثَّاني: ما السَّبب وراء وُجُود هذا النِّظام وتفعيله؟
كما قُلنا مُنذ قليل، بالنِّسبة لكثيرين، مُجرَّد وُجُود نظام يدُلّ على وُجُود مُنظِّم، هذا المُنظِّم هو الإله الذي وضع النِّظام، وقام بتحديده، وتفعيله، وضمان استمراريته!
الفيزيائي (ستيفن هوكينج) يقول: « إنَّ الانطباع السَّاحق هو انطباع النِّظام. فكُلَّما اكتشفنا أكثر عن الكون؛ وجدنا أنَّه محكومٌ بقوانين نستطيع إدراكها بعُقُولنا».(5)
الفيزيائي الأمريكي الشَّهير (ريتشارد فينمان) يقول: « حقيقة وُجُود قوانين أصلًا لنختبرها تُعتبر مُعجزة؛ إمكانية رصد قانون مثل قانون التَّربيع العكسي للجاذبية تُعتبر مُعجزة. إنَّه غير مفهوم بالمرَّة، لكنَّه يقود لإمكانية التَّنبُّؤ، وهذا يعني أنَّه يُخبرك بما قد تتوقَّع حُدُوثه خلال تجربة لم تَقُم بها بعد».(6)
الفيلسوف الأمريكي (ويليام كريج) يقول: « وفقًا لأفلاطون، يوجد شيئان يقودان الإنسان للإيمان بالله: حُجُّة وُجُود الرُّوح، وحُجَّة الحركة المُنتظمة للنُّجُوم ولكُلّ شيء تحت سيطرة العقل الذي نظَّم الكون».(7)
وفي موضعٍ آخر يقول: «وظَّف أفلاطون تلك الحُجج لدحض الإلحاد، واستنتج أنَّه لابُدَّ من وُجُود "الرُّوح الأفضل" الذي هو "خالق الجميع وأبوهم"، و"الملك" الذي نظَّم الفوضى البدائية إلى كونٍ معقولٍ نُلاحظه اليوم».(8)
الفيزيائي الشَّهير (ستيفن هوكينج) يلفت أنظارنا إلى أنَّ القوانين تحتاج إلى أساس أنطولوجي وُجُودي، فيقول: « حتى لو لم يكن هُناك سوى نظرية مُمكنة مُوحَّدة (نظرية كلّ شيء)، فهي محض مجموعة من القوانين والمُعادلات. ما الذي ينفخ النَّار في القوانين ويخلق كونًا على مواصفاتها؟».(9)
كذلك عالِم الرِّياضيات الشَّهير (ديفيد بيرلنسكي) يقول: « قوانين الطَّبيعة هي قوانين الطَّبيعة، فهي أساسية، ولكن لماذا هذه القوانين صحيحة؟ لماذا تجذب العناصر المادِّيَّة بعضها البعض في أنحاء الكون في نوع من الحتمية الوحشية والمؤلمة؟ لماذا تتأثَّر المكان والزَّمان بوُجُود المادَّة؟ لماذا الإلكترون مشحون؟ لماذا؟ نعم، لماذا؟».(10)
الفيلسوف البريطاني الشَّهير (ويليام بيليه)، صاحب حُجَّة التَّصميم المشهورة، يقول كلاماً في غاية الأهمِّيَّة: « إنَّه لتحريفٌ للُّغة أنَّ تُحدِّد أيّ قانون على أنَّه السَّبب الكافي الفعَّال لأيّ شيء. فالقانون يفترض مُسبقًا وُجُود عامل؛ فالقانون مُجرَّد الآلية التي يسير عليها العامل. والقانون يتضمَّن قُوَّة؛ لأنَّه النِّظام الذي تعمل تِلْك القُوَّة وِفقًا له. وبدون هذا العامل، وبدون هذه القُوَّة، المُستقلَّين كلاهما عن القانون، لا يفعل القانون شيئًا؛ فهو لا شيء».(11)
الفيلسوف الأمريكي (بالي يورغراو) يقول: « نظام العالَم يعكس نظام العَقْل الأسمى الذي يحكمه».(12)
عالِم الرِّياضيات الكبير (جون لينوكس) يقول: «يُمكن الاحتجاج بالتَّأكيد على أنَّ الإيمان بالخالق وحده هو من يمنح أرضية مُرْضِيَة للإيمان بانتظام الطَّبيعة في المقام الأول».(13)
الشَّخص الذي يُقال أنَّه أكبر عالِم مشى على الأرض، (إسحاق نيوتن) يقول: « هذا النِّظام فائق الجمال للشَّمس والكواكب والمُذنَّبات يُمكن أن يصدر فقط من الخُطَّة والسِّيادة لكائن ذكيّ وقويّ».(14)
العالِم الكبير (أينشتاين) يقول: « يقتنع كلّ من هو مُنهمك بجِدّ في طَلَب العِلْم بتجلِّي روح ما في قوانين الكون، روح أسمى بكثير من روح الإنسان، روحٌ يتحتَّم علينا بقُوانا المُتواضعة أن نشعر بالتَّواضع في وجهها. وبهذه الطَّريقة، يقود طَلَب العِلْم إلى شُعُورٍ دينيٍّ من نوعٍ خاصٍّ، وهو بالتَّأكيد مُختلف تمامًا عن تديُّن أحد الأشخاص الأكثر سذاجة».(15)
الفيلسوف البريطاني (جون فوستر) يقول: « الانتظام والاطِّراد في الطَّبيعة، كيفما تصفها، يُمكن تفسيرها على النَّحو الأمثل بعقلٍ إلهي. لو أنك قبلت حقيقة وُجُود قوانين، فلابُدَّ مِن وُجُود شخصٍ ما فرض هذا الانتظام على الكون. أيّ عاملٍ (أو عوامل) تُسبِّب في حُدُوث هذا؟»
وهو يؤكِّد على أنَّ تصوُّر المذهب الألوهي هو أفضل تصوُّر فيما يخُصّ تبرير مصدر الانتظام، ويقول: «سنكون مُبرَّرين منطقيًّا عندما نستنتج أنَّ الإله وِفق المذهب الألوهي، هو الذي يخلق القوانين عن طريق فرض الانتظام على العالم كانتظامات».(16)
أستاذ الكونيات بجامعة كاليفورنيا (جوئيل بريماك)، صاغ سؤالاً للفيزيائي (نيل توروك) قائلاً: «ما الذي يجعل الإلكترون يُواصل اتِّباعه للقوانين؟» فأجابه (توروك) بابتسامة: « بالتَّأكيد، شخصٌ ما عليه أن يفعل هذا. لم أفهم قط الحُجَّة القائلة بأنَّ بدء الكون يستلزم خالقًا ولكنَّ استمرار وُجُوده يستلزم».(17)
ونختم بكلام الفَلَكي الأمريكي الشَّهير (ألان سنديج)، والذي يُعتبر مُؤسِّس عِلْم الفَلَك الحديث، يقول: « أجده أمرًا غير مُرجَّحٍ إطلاقًا، أنَّ مثل هذا النِّظام نتج عن فوضى. لابُدَّ من وُجُود مبدأ مُنظِّم. الإله بالنِّسبة لي شيء غامض لكنَّه تفسير مُعجزة الوُجُود؛ لماذا يوجد شيء بدلًا مِن لا شيء؟».(18)
السُّؤال الثَّالث: لماذا نستطيع أن نثق في استمرارية هذا النِّظام؟
ونختم بعبارات جميلة للعالِم الكبير (أينشتاين) الذي يقول: « لم أجد أبدًا تعبيرًا أفضل من "دينيّ" لوصف هذه الثِّقة في الطَّبيعة المعقولة للواقع، وإمكانيتها المميزة للوُصُول إلى العقل البشري.».(19)
عالِم الرِّياضيات الشَّهير (ديفيد بيرلنسكي) يصف ردّ فِعل عُلماء اللاهوت في العُصُور الوُسطى عندما تمّ سؤالهم عن سبب استقرار النِّظام الطَّبيعي واستمراريته، وإمكانية الوُثُوق فيها، قائلاً: «لقد قدَّموا إجابة، اعتقدوا أنَّها بديهية بالنِّسبة لطريقة تفكيرهم، وهي أنَّ الإله مُحيط بالعالَم وقيُّوم عليه، فالإله هو مَن يجعل الإلكترون يتَّبع قوانينه (الإلهية)».(20)
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
لدى (هوكينج ثلاث أسئلة حول قوانين الطَّبيعة: ما أصل تِلْك القوانين؟ هل تُوجد استثناءات لتلك القوانين؛ أعني مُعجزات؟ هل توجد مجموعة واحدة من القوانين الممكنة؟ أمَّا (بول ديفيس) فإنَّه يقول: من أين جاءت قوانين الفيزياء؟ لماذا لدينا تلك القوانين بدلًا من مجموعة أخرى من القوانين؟ كيف يكون لدينا مجموعة من القوانين التي تجعل من الغازات السَّاكنة حياةً ووعيًا وذكاءً؟
Stephen Hawking, Leonard Mlodinow: The Grand Design, Random House Publishing Group 2010, p29. Cited in: John Lennox: God and Stephen Hawking (Kindle Locations 441-448). Lion Hudson. Kindle Edition.; Paul Davies, Templeton Prize Address, May 1995, See also Davies’s “Where Do the Laws of Physics Come From?” (2006). CIted in: Antony Flew with Roy Abraham Varghese: There is a God (How the World’s Most Notorious Atheist Changed His Mind), HarperCollins e-books, p108.
Krauss, A Universe from Nothing, 142. Cited in: Rice Broocks, God’s Not Dead: Evidence for God in an Age of Uncertainty (Kindle Locations 1176-1182). Thomas Nelson. Kindle Edition.
Antony Flew with Roy Abraham Varghese: There is a God (How the World’s Most Notorious Atheist Changed His Mind), HarperCollins e-books, p96.
Richard Swinburne, “Design Defended,” Think (Spring 2004): 14. Cited in: Antony Flew with Roy Abraham Varghese: There is a God (How the World’s Most Notorious Atheist Changed His Mind), HarperCollins e-books, p110.
Gregory Benford, “Leaping the Abyss: Stephen Hawking on Black Holes, Unified Field Theory and Marilyn Monroe,” Reason 4.02 (April 2002): 29. Cited in: Antony Flew with Roy Abraham Varghese: There is a God (How the World’s Most Notorious Atheist Changed His Mind), HarperCollins e-books, p97.
Richard Feynman: The Meaning of It All, London, Penguin, 2007, p. 23. Cited in: John Lennox: God and Stephen Hawking (Kindle Locations 576-581). Lion Hudson. Kindle Edition.
Plato, Laws 12.966e. Cited in: William Lane Craig, On Guard: Defending Your Faith with Reason and Precision (Kindle Locations 1569-1571). David C. Cook. Kindle Edition.
Plato, Laws 10.893b–899c. Cited in: William Lane Craig, On Guard: Defending Your Faith with Reason and Precision (Kindle Locations 1571-1573). David C. Cook. Kindle Edition.
Stephen Hawking with Leonard Mlodinow: A Briefer History of Time (Kindle Locations 1752-1754). Random House.
David Berlinski: The Devil's Delusion (Atheism and It's Scientific Pretensions), Basic Books 2009, p111.
William Paley, Natural Theology, 1802, p. 7. Cited in: John Lennox: God and Stephen Hawking (Kindle Locations 529-534). Lion Hudson. Kindle Edition.
Palle Yourgrau, A World Without Time: The Forgotten Legacy of Gödel and Einstein (New York: Basic Books, 2005), 104–5. Cited in: Antony Flew with Roy Abraham Varghese: There is a God (How the World’s Most Notorious Atheist Changed His Mind), HarperCollins e-books, p167.
John C. Lennox: God’s Undertaker: Has Science buried God?, Lion Hudson plc 2009, Page 205.
Isaac Newton, “General Scholium,” in Mathematical Principles of Natural Philosophy (1687) in Great Books of the Western World, Robert M. Hutchins, ed. (Chicago: Encyclopedia Britannica, n.d.), 369. Cited in: Norman L. Geisler & Frank Turek: I Don't Have Enough Faith to Be an Atheist (Kindle Locations 1604-1607). Crossway. Kindle Edition.
Letter from Einstein to Phyllis Wright, 24 January 1936, Albert Einstein Archive 52-337. Cited by Walter Isaacson, Einstein, London, Simon and Schuster, 2007, p.388. Cited in: John C. Lennox, Gunning for God (Kindle Locations 788-793). Lion Books. Kindle Edition.
John Foster, The Divine Lawmaker: Lectures on Induction, Laws of Nature and the Existence of God (Oxford: Clarendon, 2004), 160. Cited in: Antony Flew with Roy Abraham Varghese: There is a God (How the World’s Most Notorious Atheist Changed His Mind), HarperCollins e-books, p109, 110.
Neil Turok, quoted in: Did the cosmos arise from nothing? By Alan Boyle <http://www.nbcnews.com/id/3077375/ns/technology_and_science-science/t/did-cosmos-arise-nothing>. Cited in: David Berlinski: The Devil's Delusion (Atheism and It's Scientific Pretensions), Basic Books 2009, p132.
Allan Sandage, New York Times, 12 March 1991, p.B9. Or see http://www.nytimes.com/1991/03/12/science/sizing-up-the-cosmos-an-astronomer-s-quest.html. Cited in: John C. Lennox, Gunning for God (Kindle Locations 518-521). Lion Books. Kindle Edition.
Albert Einstein, Lettres a Maurice Solovine reproduits en facsimile et traduits en francais (Paris: Gauthier-Vilars, 1956), 102–3. Cited in: Antony Flew with Roy Abraham Varghese: There is a God (How the World’s Most Notorious Atheist Changed His Mind), HarperCollins e-books, p101, 102.
David Berlinski: The Devil's Delusion (Atheism and It's Scientific Pretensions), Basic Books 2009, p132.