القائمة إغلاق

ما هو تعريف النقد النصي ؟

بسم الله الرحمن الرحيم

_______________

ما هو تعريف النقد النصي ؟

_______________

بسبب أن المعلومات الخاصة بالكتاب المُقدَّس تحتوي على كثير من الباطل

وجب على علماء المسيحية أن يختبروا هذه المعلومات ويعرضوها للنقد

من أجل معرفة الحق من الباطل

وهذا يُسمّى: النقد الكتابي Biblical Criticism

وقد قسَّم العلماء النقد الكتابي إلى قسمين

القسم الأول: النقد الأعلى Higher Criticism

القسم الثاني: النقد الأدنى أو النقد النصي Lower or Textual Criticism

النقد الأعلى هو: دراسة كل ما يخُص مؤلف الكتاب

من الذي كتب ؟ متى كتب ؟ لماذا كتب ؟ ما المقصود من كتابته ؟ … إلخ

النقد الأدنى أو النقد النصي هو: دراسة ما يخص نص الكتاب

أو بمعنى أدق: تحديد النص الذي كتبه المؤلف

والنقد النصي ليس علماً خاصاً بالكتاب المُقدَّس

بل هو علم خاص بتحديد نص أي كتاب نجد صعوبة في معرفة نصه

وتعريف النقد النصي هو

دراسة مخطوطات أي عمل أدبي ضاع أصله

بهدف إعادة تكوين النص الأصلي للكتاب

أو أقرب صورة له

_______________

وبالمثال يتَّضح المقال

فلنأخذ على سبيل كتاب إنجيل مرقس

هذا الكتاب في البداية خالص عبارة عن نسخة أصلية كتبها المؤلف بخط يده

كان هُناك بعض الناس يُريدون الحصول على نسخة من هذا الكتاب

فقاموا بعمل نسخة من الكتاب بشكل يدوي

بمعنى: جاءوا بالنسخة الأصلية من الكتاب

وأعدوا ما يحتاجونه لعمل نسخة جديدة

مادة للكتابة عليها, سواء جلد حيوان أو بردية … إلخ

قلم وحبر مُناسب, وبالطبع ناسخ يستطيع نقل الكتاب الأصلي

هذا النّاسخ يضع أمامه الورق الجديد

وبجانبه يضع النسخة الأصلية التي سينقل منها

ويبدأ بنسخ الكتاب …

صفحة صفحة, فقرة فقرة, سطر سطر, حرف حرف

عمل طويل ومُمِل !

أثناء عملية النسخ كانت تحدث أشياء تجعل النسخة الجديدة مُختلفة عن النسخة الأصلية

فكانت تحدث أخطاء غير مقصودة من الناسخ

ناتجة غالباً بسبب الخداع البصري

وكان الناسخ أحياناً يُغيِّر النص عمداً وهو ينقل

فالنتيجة المترتبة عن كل هذا هي

النسخة الجديدة مُختلفة عن النسخة الأصلية التي نسخ منها

_______________

مع مرور الوقت … تبلى النسخة الأصلية وتتهرأ إلى أن تنتهي من الوجود

ولا يبقى لنا إلا النُّسخ المأخوذة عن هذا الأصل الذي انتهى من الوجود

ولكن هُناك ملحوظة في غاية الأهمية

ليس من الضرورة أن جميع النُّسخ الباقية منقولة مُباشرة من الأصل

بل في حالة الكتاب المُقدَّس على وجه الخصوص

نسخة جديدة, منقولة من نسخة أقدم أصلاً مُختلفة عن الأصل

هذا أدى إلى تضاعف عدد الاختلافات

فإن النسخة الجديدة تنقل جميع الاختلافات والأخطاء التي قام بها الناسخ الذي قبله

والموجودة في النسخة الأقدم التي ينقل منها

بالإضافة إلى كل هذا, يُضيف الناسخ الجديد أخطاءه الغير مقصودة

وتغييراته المقصودة التي أجراها هو وهو ينقل من النسخة الأقدم

في النهاية تجد نسخ كثيرة من الكتاب, ولكن جميع النسخ مختلفة عن بعضها البعض

لذلك يحتاج العلماء إلى دراسة جميع هذه النُّسخ أو المخطوطات

ويقوموا بالمُقارنة بين جميع هذه المخطوطات

من أجل مُحاولة إعادة تكوين النص الأصلي المفقود

_______________

وبالمثال يتَّضح المقال:

في بداية إنجيل مرقس, الإصحاح الأول, العدد الثاني

تجد أن بعض المخوطات تقول: كما هو مكتوب في إشعياء النبي

وباقي المخطوطات تقول: كما هو مكتوب في الأنبياء

يجب على عالم النقد النصي أن يعرف على وجه التحديد أيهما كتب كاتب الإنجيل !

هل كتب إشعياء النبي” أم الأنبياء” ؟

من خلال معرفة جميع المخطوطات التي تقول إشعياء النبي”

وجميع المخطوطات التي تقول الأنبياء”

ودراسة هذه المخطوطات ومعرفة تاريخ كتابتها وجودتها … إلخ

ودراسة الأمور المُحيطة بهذا الاختلاف

يستطيع العالم في النهاية أن يختار من بين المخطوطات الشكل الذي يظنه هو صحيحاً

هذا الشكل المُختار من جميع مخطوطات الكتاب هي عملية: إعادة التكوين

_______________

وبناءً على المخطوطات المُتاحة للدراسة تكون جودة هذا النص المُعاد تكوينه

بمعنى: النُّسخة الأصلية للإنجيل المنسوب لمرقس مكتوب في النصف الثاني من القرن الأول

والمخطوطات الباقية للإنجيل المنسوب لمرقس أقدمها من القرن الرابع الميلادي

أي أن هُناك فارق زمني بين النسخة الأصلية وأقدم مخطوطت تُقدَّر بحوالي ثلاثة قرون تقريباً

هذا الفارق الزمني يُسمِّيه العلماء: الحقبة المفقودة أو الحقبة السوداء

أي أننا لا نملك أي مخطوطات من هذه الحقبة الزمنية فلا نعرف شكل النص في هذه الفترة

فإذا كان النص من القرن الأول, والمخطوطات الباقية من القرن الرابع

ودرسنا مخطوطات القرن الرابع وخرجنا منه بنص, هل نستطيع أن نقول أن هذا هو نص القرن الأول ؟

بالطبع لا, فهو نص مأخوذ من القرن الرابع, ويوجد انقطاع كبير بين الأصل وأقدم مخطوطة

هذا هو معنى عبارة: أو أقرب صورة له, أي للأصل

فهذا القُرب يُقاس بطول أو قصر الحقبة المفقودة

_______________

وفي النهاية يجب أن نعلم أمراً في غاية الأهمية

المسيحي يحتاج إلى النقد النصي لمعرفة نص كتابه لذلك يقوم بتطبيقه على العهد الجديد والقديم

فالأمر ليس رخامة” على المسيحي, بل لحاجة المسيحي للعهد الجديد

وأيضاً هُناك من يقول أن النقد النصي إذا تم تطبيقه على القرآن الكريم سيثبت أنه مُحرَّف أيضاً

هذا كلام من لا يفهم أصلاً معنى النقد النصي

فالنقد النصي ليس اختباراً نمرر عليه الكتاب ليخبرنا هل تم تحريفه أم لا

ولكن النقد النصي هو حل مشكلة, والمشكلة في نقطتين

1- ضياع النسخة الأصلية

2- وجود اختلافات بين المخطوطات الباقية

أولاً: هاتان النقطتان ليستا في القرآن الكريم أصلاً, لذلك لا نحتاج للنقد النصي

ثانياً والأهم: القرآن الكريم كتابٌ فوق مستوى النقد النصي أصلاً

بمعنى: القرآن الكريم ليس حبراً على ورق, ولكنه كلام يُتلى

فالقرآن الكريم كلام الله عز وجل الذي نقله له نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بطريقة مُعيَّنة

فهناك أحكام لقراءة القرآن الكريم بغيرها لا يكون القرآن قرأناً

مثل المدود والغُنن والقلقلة والتفخيم والترقيق والادغام والاخفاء … إلخ

هذه الأحكام جميعها لا تستطيع تدوينها بحبر على ورقة, فهي أصوات وطريقة قراءة

لذلك القرآن الكريم أصلاً لا يعتمد على المخطوطات أو على المصاحف

لأن هذه المخطوطات أو المصاحف صمّاء, لا تُخبرك بالقراءة الصحيحة

لذلك, ومُنذ البدء, كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن على الصحابة

حتى يُعلمهم القراءة الصحيحة للقرآن الكريم, كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم

{وَقُرْآناً فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلاً} [الإسراء : 106]

وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يحرص أيضاً على استماع القرآن الكريم من الصحابة

حتى يتأكد من أنهم تعلموا القراءة الصحيحة للقرآن الكريم

من أجل ذلك, ليس للنقد النصي سلطاناً على القرآن الكريم

أما الكتاب المُقدَّس, فبسبب ضياع أصوله واختلاف مخطوطات احتاج المسيحي إلى النقد النصي

فمُجرَّد تطبيق النقد النصي على الكتاب المُقدَّس إعلان بأنه مُحرَّف

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

_______________

للإفادة

تعليم اليونانية القديمة (على اليوتيوب)

أدوات دخول المخطوطات اليونانية (على اليوتيوب)

محاضرات في النقد النصي واللغة اليونانية

النقد النصي للعهد الجديد – غرفة محمد رسول الله

مُحاضرات في النقد النصي واللغة اليونانية – مدرسة الإسكندرية

شرح كتاب: تحريف أقوال يسوع, لـ بارت إيرمان – غرفة إظهار الحق

مشاكل نصية في العهد الجديد – غرفة إظهار الحق

النقد النصي – غرفة الحوار الإسلامي المسيحي

4 Comments

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.