بسم الله الرحمن الرحيم
شرح كتاب: تحريف أقوال يسوع, لـ بارت إيرمان
Misquoting Jesus: The Story Behind Who Changed The Bible And Why
العبد الفقير إلى الله أبو المنتصر شاهين الملقب بـ التاعب
المُحاضرة الـ(18): النَّسخ في العالم اليوناني الروماني
للتحميل: (PDF) (المُحاضرة الصوتية)
[As we saw in chapter 1, Christianity from its very beginning was a literary religion, with books of all kinds playing a central role in the life and faith of the burgeoning Christian communities around the Mediterranean. How, then, was this Christian literature placed in circulation and distributed? The answer, of course, is that for a book to be distributed broadly, it had to be copied.] Page 45.
كما رأينا في الفَصْل الأول، كانت المسيحية مُنْذ بدايتها ديانة مُعتمدة على الأعمال الأدبية، حيث لعبت الكتب بكافة أنواعها دوراً محورياً في حياة وإيمانيات الـمُجتمعات المسيحية الناشئة في حوض البحر المتوسط. كيف إذاً كان وضع هذه الأدبيات المسيحية من ناحية النشر والتوزيع؟ الإجابة – بطبيعة الحال – هي أنه لكي يتم توزيع كتاب ما على نطاق واسع، فلابد من أن يتم نسخه.
[The only way to copy a book in the ancient world was to do it by hand, letter by letter, one word at a time. It was a slow, painstaking process – but there was no alternative. Accustomed as we are today to seeing multiple copies of books appear on the shelves of major book chains around the country just days after they are published, we simply accept that one copy of, say, The Da Vinci Code will be exactly like any other copy. None of the words will ever vary – it will be exactly the same book no matter which copy we read.] Page 45, 46.
كانت الطريقة الوحيدة لنسخ كتابٍ في العالم القديم هي أن يتم نسخ الكتاب يدوياً, حرفاً بحرف، كلمة وراء الأخرى. كان ذلك عملاً بطيئاً ومُجهداً – لكن لم تكن هُناك وسيلة أخرى. ولأننا اعتدنا اليوم أن نرى نُسَخاً عديدة من الكُتُب تظهر على رفوف المكتبات في طول البلاد وعرضها خلال أيام من نشرها، فإننا نَتَقَبَّل بِبَساطَة أن تكون نُسْخَة ما من “شفرة دافنشي” مثلاً مُطابِقة تماماً لأي نسخة أخرى من نفس الكتاب. لن تتغير أي من الكلمات – سيكون هو نفس الكتاب أياً كانت النسخة التي نقرأها.
لاحظ النِّقاط الآتية:
· أدوات الطباعة الحديثة أدت إلى تطابق النُّسَخ
· على الوجه الآخر من العُملة: أدوات النسخ القديمة, وقلة مهارة النُّساخ أدت إلى اختلاف النُّسَخ
تعريف كلمة اختلاف: (Variation)
· أن يكون للنص الواحد أكثر من شكل في المخطوطات الـمُختلفة
· هُناك ثلاثة أشكال من الاختلافات:
o أن يكون النص بالكامل موجوداً في بعض المخطوطات وغير موجود في البعض الآخر (إضافة وحذف النص)
o أن يكون للنص الواحد شكل طويل وشكل قصير (إضافة وحذف كلمات)
§ أي أن يكون في النص بعض الكلمات الموجودة في بضع المخطوطات وغير موجودة في البعض الآخر
o أن يكون للنص صيغة مُحدَّدة في بعض المخطوطات وصيغة أخرى في البعض الآخر (تبديل وتغيير كلمات)
§ أي أن كلمة أو كلمات في النص بشكل معين في بعض المخطوطات وبشكل آخر المخطوطات الأخرى
[Not so in the ancient world. Just as books could not easily be distributed en masse (no trucks or planes or railroads), they could not be produced en masse (no printing presses). And since they had to be copied by hand, one at a time, slowly, painstakingly, most books were not mass produced.] Page 46.
لكن الحال لم يكن كذلك في العالم القديم. فكما أنه لم يكن مُتَيَسِّراً توزيع الكُتُب على نطاق واسع (لعدم وجود شاحنات، ولا طائرات، ولا سكك حديدية) لم يكن مُمْكِناً كذلك إصدارها على نطاق واسع (لعدم وجود مطابع). ولأنه كان لابد من نسخها باليد، نسخة بنسخة، ببطء، وبمعاناة، فإن مُعْظَم الكُتُب لم يتم إصدارها بكميات كبيرة.
لاحظ النِّقاط الآتية:
· بسبب الحياة البداية في العصور القديمة كانت هناك صعوبة في إنتاج وتوزيع الكتب
· هذا ينفي ما يقوله المسيحيون من نظرية انتشار الكتاب المقدس في كل العالم
· الكتاب المقدس لم ينتشر إلا عندما أخذت المسيحية دعماً من الإمبراطورية الرومانية
[Those few that were produced in multiple copies were not all alike, for the scribes who copied texts inevitably made alterations in those texts – changing the words they copied either by accident (via a slip of the pen or other carelessness) or by design (when the scribe intentionally altered the words he copied).] Page 46.
والكُتُب القليلة التي تم إصدار نُسَخ عديدة منها لا تَتَطابَق، فإن النُّساخ الذين قاموا بنسخ الكُتُب حَتْماً قاموا بتعديلات (تغييرات) – مُبَدِّلِين الكَلِمات أثناء نَسْخِها، إما عن طريق الخطأ (زلات الأقلام وغيرها من صور الإهمال) أو عَمْداً (عندما يقصد النّاسِخ تَغْيِير الكَلِمات التي ينسخها).
تَذَكَّر دائماً: هذه الاختلافات الموجودة في المخطوطات جاءت لسبب من اثنين:
· الأول: خطأ غير مقصود أحدثه النّاسِخ لسبب ما (by accident)
· الثاني: تغيير مُتعمَّد ومقصود من النّاسِخ لسبب ما (by design)
[Anyone reading a book in antiquity could never be completely sure that he or she was reading what the author had written. The words could have been altered. In fact, they probably had been, if only just a little.] Page 46.
إن أي شخص يقرأ كِتاباً مِن العُصُور القديمة لا يَسْتَطيع أن يَجْزِم أنَّه يَقْرأ ما كَتَبَه الـمُؤلِّف فعلاً، فَلَرُبَّما تَمّ تَبْدِيل الكَلِمات. بل – في الحقيقة – إن الأرجح أنَّه تَمّ تَبْدِيل الكَلِمات، وَلَو قَلِيلاً.
لاحظ النِّقاط الآتية:
· إذا كان قارئ أي كتاب في العصور القديمة لا يستطيع أن يجزم أنه يقرأ ما كتبه المؤلِّف فعلاً
· فالعهد الجديد أيضاً لا يُستثنى من هذا, فقارئه أيضاً لا يستطيع أن يجزم أنه يقرأ ما كتبه المؤلِّف فعلاً
· وحتى بعد النقد النصي, وبعد اختيار شكل من أشكال النص الموجود في المخطوطات
· لا يستطيع عالم النقد النصي أن يجزم أن اختياره كان صحيحاً
· وحتى إن كان العالم قد اختار ومتأكد جداً من اختياره, فلا يستطيع أن يجزم أن اختياره هو الأصل الذي كتبه المؤلِّف
[Today, a publisher releases a set number of books to the public by having them sent to bookstores. In the ancient world, since books were not mass produced and there were no publishing companies or bookstores, things were different.] Page 46.
يَصْدُر النّاشِر اليوم عَدَداً مُعَيَّناً مِن الكُتُب للجُمْهَور عَن طَرِيق إرْسالِها لـمَحَلّات بَيع الكُتُب. أمَّا فِي العالَم القَدِيم، وَلِأنَّ الكُتُب لَم تَكُن تُصْدَر بِكِمِّيّات كَبِيرَة وَلَا كانَت هُناك شَرِكات لِلنَّشْر وَلَا مَحَلّات لِبَيع الكُتُب، فَقَد كانَتَ الأمور مُخْتَلِفَة.
[Usually an author would write a book, and possibly have a group of friends read it or listen to it being read aloud. This would provide a chance for editing some of the book’s contents. Then when the author was finished with the book, he or she would have copiesmade for a few friends and acquaintances. This, then, was the act of publication, when the book was no longer solely in the author’s control but in the hands of others.] Page 46.
عادًة ما كان المؤلِّف يَكْتُب كِتاباً، وَرُبَّما جَعَل مَجْمُوعًة مِن الأصدِقاء يقرؤونه، أو يستمعون إليه وهو يُقرأ عليهم. مما يُعطي فُرْصة لِتَعْدِيل وَتَصْحِيح بَعْض مُحْتَوَياتِه. بَعَدَ ذَلِك، وَعِنْدَما يَكُون المؤلِّف قَدْ أتَمَّ كِتابَه، فإنَّه يَنْسَخ بَعْض النُّسَخ لِبَعْض الأصْدِقاء والـمَعارِف. هذا هو النَّشر، عندما لا يَعُود الكِتاب تَحْت السَّيْطَرَة الكامِلَة للمؤلِّف، وإنَّما بَين أيْدِي آخَرِين.
لاحظ النِّقاط الآتية: خطوات نشر الكُتُب في العالم القديم
· أولاً – التّأليف: المؤلِّف يكتب الكتاب
· ثانياً – التَّحرير: يقرأ الكتاب علناً على بعض الأصدقاء والمعارف, ليسمع تعليقاتهم
· ثالثاً – النَّشر: يقوم الكاتب بعمل بعض النُّسَخ ويقوم بتوزيعها على الأصدقاء والمعارف
[If these others wanted extra copies – possibly to give to other family members or friends – they would have to arrange to have copies made, say, by a local scribe who made copies for a living, or by a literate slave who copied texts as part of his household duties.] Page 46.
إن أراد هؤلاء الآخرون المزيد من النُّسَخ – ربما لإعطائها لأقرباء أو أصدقاء آخرين – لكان عليهم أن يتَّخِذُوا التَّرْتِيبات الضَّرُوريَّة لِنَسْخِها، مثلاً، بالاعْتِماد على ناسِخ مَحَلِّي يَتَعَيَّش مِن مِهْنَة النَّسْخ، أو على عَبْدٍ يُجِيد القِراءة والكِتابة ويقُوم بالنَّسْخ كَجُزْء مِن واجِباتِه الـمَنْزِليَّة.
[We know that this process could be maddeningly slowand inaccurate, that the copies produced this way could end up being quite different from the originals. Testimony comes to us from ancient writers themselves.] Page 46.
نَعْلَم أنَّ هَذِه الطَّرِيقَة يمكِن أن تَكُون بَطِيئة لِدَرَجة تَدْفَع إلى الجُنُون وغَير دَقِيقَة ، وأن النُّسَخ التي تم إنتاجها بهذِه الطَّرِيقَة يمكن أن تَنْتَهِي بِها الأمر إلى أن تُصْبِح مُخْتَلِفَة تمام الاخْتِلاف عَن الأصل. والدَّلِيل عَلَى ذَلِك يأتِينا مِن الكُتّاب القُدامَى أنْفُسِهِم.
لاحظ النِّقاط الآتية:
· عملية نسخ الكُتُب كانت عملية طويلة جداً ومُمِلَّة
· فالنسخ يكون صفحة بصفحة, سطراً بسطر, حرفاً بحرف
· نتيجة لطُرُق الكتابة القديمة, ونتيجة لسوء حال أدوات الكتيبة, ونتيجة لسوء حال النَّاسخ
· كانت النُّسَخ الجديدة تخرج مُختلفة عن الأصل المنقول منه !
[Here I will mention just a couple of interesting examples from the first century C.E. In a famous essay on the problem of anger, the Roman philosopher Seneca points out that there is a difference between anger directed at what has caused us harm and anger at what can do nothing to hurt us.] Page 46, 47.
سأذكُر هُنا مِثالَيْن مِن الأمْثِلَة الـمُثِيرَة للاهْتِمام مِن القَرْن الأول الـمِيلادِي. فِي مَقَالة شَهِيرَة عَن مُشْكِلة الغَضَب، يُشِير الفَيلَسُوف الرُّومانِي “سينيكا” إلى الفارق بين الغضب الموجه نحو ما قد سبب لنا الأذى، والغضب الموجه نحو ما ليس بإمكانه أن يفعل أي شيء يعرضنا للأذى.
[To illustrate the latter category he mentions “certain inanimate things, such as the manuscript which we often hurl from us because it is written in too small a script or tear up because it is full of mistakes.” It must have been a frustrating experience, reading a text that was chockfull of “printer’s errors” (i.e., copyist’s errors), enough to drive one to distraction.] Page 47.
ولِيُوضِّح النَّوع الثّاني، يَضْرِب مثلاً بـ “بعض الأشياء النّاتِجة عن عدم الوعي، كالمخطُوطة التي نُلْقي بها لأنها مَكْتُوبة بِخَطٍّ صَغِير لِلغايَة، أو نُمَزِّقها لأنَّها مَلِيئة بالأخطاء“. لا شَكَّ أن تجربة قراءة نص ممتلئ بـ “الأخطاء المطبعية” (أو أخطاء النسخ) هي تجربة مُحْبِطَة لدرجة قد تؤدِّي إلى تَشْتِيت ذِهْن القارئ.
لاحظ النِّقاط الآتية:
· هذا مثال على كثرة أخطاء النَّسْخ يرجع إلى القرن الأول الميلادي
· إذا كان الفيلسوف “سينيكا” قد أتى بمثال قراءة مخطوطة مليئة بالأخطاء على أنها تُثير الغضب
· هذا يعني أن هذه حالة شائعة ومُنتشرة اشتكى منها كثير من النّاس وأفقدتهم أعصابهم
[A humorous example comes to us from the epigrams of the witty Roman poet Martial, who, in one poem, lets his reader know: If any poems in those sheets, reader, seem to you either too obscure or not quite good Latin, not mine is the mistake: the copyist spoiled them in his haste to complete for you his tale of verses. But if you think that not he, but I am at fault, then I will believe that you have no intelligence. “Yet, see, those are bad. “As if I denied what is plain! They are bad, but you don’t make better.] Page 47.
هُناك أيضاً هذا الـمِثال الظَّريف الذي نجده في إحدى القصائد القصيرة للشاعر الروماني الساخر “مارشال“، الذي يحيط قارئه علماً في إحدى قصائده بأنه: “إن بدت لك – أيها القارئ – أياً من القصائد المكتوبة في هذه الأوراق غامضة أو ركيكة فتلك ليست غلطتي، ولكن النّاسِخ هو من أفسدها بسبب عجلته لإتمام نسخ القصيدة من أجلك. أما إن كنت تظن أنها غلطتي وليست غلطته، فسأعرف أنك معدوم الذكاء “ومع ذلك، أنظر، هؤلاء سيئون” كما لو كنت أنكر ما هو واضح، أجل إنهم سيئون، لكنك لا تستطيع أن تأتي بأفضل منهم؟“
[Copying texts allowed for the possibilities of manual error; and the problem was widely recognized throughout antiquity.] Page 47.
نَسْخ النُّصُوص أفْسَح الـمَجال لاحتمالات الأخطاء؛ وهذِه الـمُشْكِلَة لُوحِظَت بِشَكْلٍ واسعٍ طَوال العُصُور القديمة.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات