القائمة إغلاق

قضية الامتناع المؤقت عن نشر الإصدارات الحديثة على الشبكة

بسم الله الرحمن الرحيم

قضية الامتناع المؤقت عن نشر الإصدارات الحديثة على الشبكة

أبو المُنتصر محمد شاهين التاعب

الذي يظن أن الوسيلة الوحيدة لنشر العلم هو نشر الكتاب نفسه على الشبكة مُخطئ، خصوصاً إذا كانت هناك أضرار كثيرة ستقع بنشر الكتاب بشكل عام على الشبكة.

الكثير من المكتبات ودور النشر تضع بعض الضوابط لنشر كتبها على الشبكة، بعضهم يسمح بنشر الكتاب على الشبكة بعد مرور فترة زمنية مُعيَّنة (عامان مثلاً)، البعض الآخر يسمح بنشر الكتاب على الشبكة بعد نفاذ الطبعة الأولى، في النهاية غالباً ما نجد أن الكتاب يتم نشره بالفعل على الشبكة، ولكن لماذا التأخير؟!

قديماً كنت أظن – مثل بعض الناس – أن السبب الوحيد هو اهتمام دور النشر بالمكسب المادي! القضية ليست كما كنت أظن، فعندما تقرَّبت من بعض المؤسسات اكتشفت بعض الأسباب!

الحقيقة التي أعلمها جيداً هي أن أمتنا الإسلامية تبذل الأموال الطائلة في كل شيء إلا نشر العلم النافع إلا من رحم بك، ولو تم بذل المال في العلم، وجدتُ من يظن أن علماً أنفع دون علمٍ، فيبذل هنا ويمنع هناك!

المشكلة هي أن المؤلفات العلمية الرصينة، والأعمال المُترجمة العالمية تحتاج إلى دعم مادي، سواء كأجور للباحثين، أو كأجور للمُترجمين، أو أجور لأي شخص يساعد في النهاية في إخراج هذا العمل ككتاب! ولعل أجر طباعة الكتاب نفسه هو أقل الأجور تكلفة بالنسبة لأي مؤسسة تريد إنتاج أعمال علمية قوية!

الواقع هو أن التأليف والبحث يحتاج إلى وقت، الوقت يحتاج إلى تفريغ الباحث أو المُترجم للعمل، والتفريغ يُقصد به أن هذا الباحث لن يعمل إلا في مجال البحث العلمي والتأليف والترجمة، إذن لابد من توفير أجر مُناسب للباحث حتى يستطيع أن يتفرغ لعمله البحثي العلمي، وفي نفس الوقت يجد ما يعول به بيته!

وللعلم، ليس كل مَن يعمل في مجال البحث العلمي يأخذ أجراً على عمله البحثي، رغم أن هذا الأجر لا يعيبه، إلا أن بعض الباحثين قادرين على التفرغ للبحث العلمي دون أن يؤثر هذا على حالتهم المادية، وقليل ما هم!

أنا على علم بأن الغالبية العظمى من المؤسسات العلمية والمراكز البحثية غير ربحية، وهذا لا يعني أنهم لا يربحون من الإصدارات، لكن المقصود هو أن الأرباح كافية فقط لسداد الأجور وتمويل الأعمال البحثية القادمة، بمعنى أن أصحاب هذه المراكز والمؤسسات لا يهدفون للربح الشخصي، ولكن لمنفعة المؤسسة واستمرار أعمالها العلمية والدعوية، ولو كان في الأمة من يقوم بتمويل هذه المؤسسات لوجدت الإصدارات منشورة مباشرة بشكل مجاني على الشبكة، وقد يتم توزيع المطبوعات على الناس مجاناً، ولكن يكاد ينتفي من يُعين!

إذن في النهاية أحب أن أقول إن نشر الإصدارات الحديثة بشكل عام على النت سيضر بالمؤسسات والمراكز البحثية التي تقوم بإنتاجها، حيث أنها لن تجد المال الكافي لسداد الأجور المتعلقة بالأعمال الحالية، ولن تجد المال الكافي لتمويل مشاريع بحثية مُستقبلية، وهكذا إذا ظن أحد أنه سينفع المُسلمين من خلال نشر الكتاب سريعا على الإنترنت، فإنه سيضر من حيث أراد النفع، فليفرح قليلاً بكتاب واحد نشره، ولكنه مع الوقت لن يجد إصدارات جديدة! لأن المؤسسات والمراكز البحثية لن تجد المال الكافي لتمويل أي مشاريع بحثية أخرى!

إذن القضية مُتعلقة بنشر الإصدارات الحديثة على النت قبل مرور سنتين على الأقل، أو قبل نفاذ الطبعة الأولى من الكتاب! هل يعني هذا أن هذه المؤسسات تكتم العلم؟ أو أن العلم غير مُتاح إلا للقادر على شراء الكتاب؟!

في الحقيقة الغالبية العُظمى من هذه المؤسسات والمراكز البحثية تُتيح إصداراتها بالمجان للباحثين غير القادرين على شراء الكتب، بل إنني أعلم يقيناً أن مركز براهين لدراسة الإلحاد ومعالجة النوازل العقدية على سبيل المثال تقوم بشحن إصداراتها لأي مكان في العالم مجاناً لغير القادرين على شراء الكتب! وعند ذكر شحن الكتب لأي مكان في العالم، فإن هذا يُبين حرص المؤسسة على نشر العلم، فإن كنت قادراً على الشراء، فبادر بهذا دعماً للمركز من أجل استمرار هذا العمل الدعوي العلمي الرائع، وإن لم تكن قادراً فإن المركز سيقوم بإرسال الإصدارات لك بالمجان! فكيف في النهاية تقول إنهم يكتمون العلم ولا يريدون نشره بين الناس؟!

هنا نأتي لنقطة مهمة جداً، ألا وهي أن الشخص الذي يظن أن نشر الكتاب نفسه على الشبكة هو السبيل الوحيد لنشر العلم مُخطئ تماماً بما لا يدع مجالاً للشك، فإن الشخص الذي يملك الكتاب قادر على نشر ما فيه من العلم بوسائل لا حصر لها، مع الامتناع عن نشر الكتاب نفسه على الشبكة! أما أن يتكاسل الشخص عن نشر العلم إلا بالطريقة السهلة التي يشتهيها والتي في النهاية ستعود بالضرر على المؤسسات والمراكز البحثية، فإن هذا لا يُعد من فطنة المؤمن ولا ذكائه ولا حكمته! هلَّا قمت بنشر مُلخَّص للكتاب؟ أو قمت بعمل تغريدات لأهم الاقتباسات في الكتاب؟ أو قمت بعمل محاضرات صوتية لشرح الكتاب؟ أو قمت بعمل أي شيء فيه نشر للمحتوى العلمي للكتاب بأي طريقة سواء مكتوبة أو مسموعة أو مرئية؟ ألا تستطيع أن تُفكِّر في أي وسيلة أخرى لنشر العلم الموجود في الكتاب إلا بنشر الكتاب نفسه على الشبكة؟! أم أنك متكاسل عن كل هذا وتريد الطريق السهل؟!

ثم في النهاية نأتي لنقطة في غاية الأهمية: ألا يوجد بالفعل على الشبكة إصدارات بديلة مُتاحة للناس؟! لقد جمعتُ شخصياً أكثر من مائة كتاب مصور عن نقد الإلحاد والرد على نظرية داروين متاحين على الشبكة عبر مواقع إسلامية – وغير إسلامية أيضاً، فهل تدعي أن الإصدارات القليلة الحديثة التي لا تتعدى 10 إصدارات من جميع المؤسسات والمراكز البحثية، تحتوي على معلومات حصرية غير موجودة في أي كتاب آخر على الشبكة؟! مثل هذا الادعاء يحتاج إلى من قام بقراءة كل الإصدارات المتاحة على الشبكة، وفهرسة كل ما فيها، مع قراءة كل الإصدارات الحديثة، وفهرسة ما فيها، ثم المقارنة للخروج بهذه النتيجة، ما أظن الذي يدعي كتم العمل قام بهذا أصلا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

في النهاية أحب أن أقول إن مركزاً مثل براهين، وإن لم يقم بنشر إصدارات على الشبكة بشكل عام الآن، إلا أنه وعد بنشر الإصدارات بعد نفاذ الطبعة الأولى، مع حرصه على شحن الإصدارات بريدياً لغير القادرين على الشراء، وفوق كل هذا، فإن المركز يقوم بنشر مجلة علمية رصينة ربع سنوية مجاناً على الشبكة، وبعد كل هذا يتم اتهام مثل هؤلاء بأنهم حريصون على المكسب المادي ويكتمون العلم ويريدون الشهرة فقط؟!

فقط للعلم، هل تدركون تكلفة تصميم عدد واحد من أعداد مجلة إلكترونية كبراهين؟ أو مجلة حراس الشريعة؟ أو مجلة الدراسات الدينية؟ أنت تريد الحصول على العلم مجاناً، والإخوة حريصون على توصيل العلم مجاناً قدر المستطاع، ولكن هل فكَّرت ولو للحظة في الجهد والمال المبذولان في كل هذه الأشياء التي تصلك دون تعب؟! هل فكرت في دعم مثل هذه المشاريع الفكرية مادياً من أجل استمرارها بشكل مجاني للجميع؟!

المنشور طويل، ولكنني أرجو أن يصل لكل مَن يظن أن الذين امتنعوا “مؤقتاً” عن نشر الإصدارات الحديثة على الشبكة يبحثون عن المال والشهرة ويكتمون العلم عن المسلمين! هدانا الله وإياكم إلى سواء الصراط.

ملحوظة هامة جداً:

لولا اقتناعي الشخصي بما ذكرته في هذا المنشور لكنت أول مَن قام بنشر الإصدارات الحديثة على الشبكة، فإن الذي قام بالتصوير أولى بالنشر من غيره!

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

1 Comments

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

اكتشاف المزيد من مدونة التاعب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading