القائمة إغلاق

لماذا دعوني مجنوناً ؟

لماذا دعوني مجنوناً ؟

بقلم أخوكم في الله العبد الفقير إلى الله أبو المنتصر شاهين الملقب بـ التاعب

 

من الواضح ان العصر والزمان اختلف , والإعتبارات والطموحات تبدلت , وصار الغالي رخيصاً وتحت الأقدام لا يهتم به أحد , وتبدل الحال بالرخيص الداني وأصبح هو الغالي النفيس الذي من أجل الوصول إليه يبذل الغالي قبل الرخيص , ولكن في النهاية نقول صدق الله , قد يكون كلامي مبهماً ولكني سوف أقوم بالتوضيح , يقول الله عز وجل في كتابه الكريم عن حال الناس في الدنيا ( { بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا } الأعلى 16 ) أى ان الله عز وجل يخبرنا ان الناس تفضل زينة الحياة الدنيا على نعيم الآخرة مع ان الله عز وجل يقول صراحة في كتابه الكريم في الآية التي تليها تماماً ( { وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى } الأعلى 17 ) أى ان الله عز وجل يخبرنا ان الدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم, خير من الدنيا وأبقى , ولكن مع هذا يفضل الناس الحياة الدنيا مع ان الله عز وجل اخبرنا كثيراً في آيات بينات من الهدى والفرقان ان هذه الدنيا لا تساوي شئ في الآخرة :

 

{ يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الْآخِرَةَ هِيَ دَارُ الْقَرَارِ } غافر 39

{ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ } العنكبوت 64

 

فيوضح الله عز وجل إن هذه الحياة الدنيا حياة يتنعَّم الناس فيها قليلا ثم تنقطع وتزول, فينبغي ألا نركن إليها, وإن الدار الآخرة بما فيها من النعيم المقيم هي محل الإقامة التي سنستقر فيها, فينبغي لنا أن نؤثروها, ونعمل لها العمل الصالح الذي يُسعِدنا فيها , ويزيدنا الله عز وجل ويقول إن الحياة الدنيا لهو ولعب, تلهو بها القلوب وتلعب بها الأبدان; بسبب ما فيها من الزينة والشهوات, ثم تزول سريعًا, وإن الدار الآخرة لهي الحياة الحقيقية الدائمة التي لا موت فيها, لو كان الناس يعلمون ذلك لما آثروا دار الفناء على دار البقاء , ولكن المشكلة الحقيقية هي عندما تنعكس المفاهيم , حيث ان الله عز وجل يخبرنا في آيات كثيرة انه من يعلم انه وما الحياة الدنيا في غالب أحوالها إلا غرور وباطل, والعمل الصالح للدار الآخرة خير للذين يخشون الله, فيتقون عذابه بطاعته واجتناب معاصيه , وأيضاً يقول الله عز وجل انه ما أُعطينا من شيء من الأموال والأولاد, فإنما هو متاع نتمتع به في هذه الحياة الدنيا, وزينة يُتزيَّن بها, وما عند الله لأهل طاعته وولايته خير وأبقى; لأنه دائم لا نفاد له , والمهم في الموضوع انه من يكتشف هذه الحقائق يقول عنه الله عز وجل انه من الذين يعقلون , والآيات الكريمات أمامكم :

 

{ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ } الأنعام 32

{ وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ } القصص 60

 

ولكن كما قلت لكم من قبل , الحال تغير وأصبح الإنسان الذي يترك دينه ويتجه إلى الحصول على أعلى المناصب الدنيوية , يكون هو العاقل والمثل الأعلى للجميع , أما الإنسان الذي يترك الدنيا ويقول ان حياته من أجل الدعوة إلى الله عز وجل , ويقول انه يريد إصلاح الطبائع الفاسده يعتبر مجنوناً خائب بل ويعتبر من الخاسرين , الذي يكرس حياته من أجل العلم الشرعي يعتبر الآن عبيط , من يشتري كتب الفقه والعقيدة يعتبر أهبل يصرف ماله في الأشياء الخايبه إلي متفيدش , كل ما فعلته انتي وضعت ثلاثة آيات أمامي وقلت لنفسي اني سوف افني حياتي من اجلهم :

 

{ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } الأنعام 161

{ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ } يوسف 108

{ إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ } هود88

 

الحمد لله رب العالمين انا من المسلمين , وأقولها بأعلى صوتي ( إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِيناً قِيَماً مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً ) وأريد كل العالم ان يعرف بأنني على الصراط المستقيم , والسبيل الوحيد إلى الجنة , ليس هذا فسب بل إني قلت ان ( هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ ) وسوف أمضي حياتي كلها من أجل الدعوة إلى دين الله الحق , وان قابلت احداً يخالفني في العقيدة والفكر سوف أقول له ( إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ ) فإن قال لي أحد انه يجب عليك الإهتمام بالدنيا والمناصب والمال والولد لقلت لهم أنه ( { مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ }الشورى20 ) ولأضفت لهم أنه قد ( { زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ } آل عمران 14 ) ولو قالوا لي انه يجب عليك ان تترك كل هذا الكلام الفاضي وتنتبه إلى العمل والمال لقلت لهم ان ( { اللّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقَدِرُ وَفَرِحُواْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ } الرعد 26 ) وسوف أقوم بتحذيرهم وأقول لهم ان ( { الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجاً أُوْلَـئِكَ فِي ضَلاَلٍ بَعِيدٍ } إبراهيم 3 ) وسوف أقوم بتنبيههم وأقول ( { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ } فاطر 5 ) ولكنهم بعد كل هذا قالوا لي إني مجنون .

 

هل كان شيخ الإسلام إبن تيمية مجنوناً عندما أفنى عمره في الذود عن عقيدة أهل السنة والجماعة , هل كان تلميذه إبن القيم الجوزية مجنوناً عندما اتبع نهج استاذه شيخ الإسلام إبن تيمية وترك الحياة الدنيا من أجل العلم الشرعي والدعوة إلى دين الله , هل كان الإمام أحمد بن حنبل مجنوناً عندما تركت القصور والأموال وأفنى عمره من أجل تحصيل العلم وتعليمه للناس , هل كان الإمام أبي حنيفه مجنوناً عندما نسى الدنيا وما فيها واهتم فقط بالدعوة الإسلامية والفقة الإسلامي , أقول لكم انهم هم العقلاء ونحن المجانين , أولائك الذين قال عنهم الله عز وجل ( { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَاللّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ } البقرة 207 ) لأنهم عرفوا الحقيقة ولم يؤثروا الحياة الدنيا على الآخرة وكنت أود ان أكون مثلهم لكن يبدوا ان يحاول ان يفعل مثلهم يعد مجنوناً هذه الأيام ولا حول ولا قوة إلا بالله .

 

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين

2 Comments

  1. محمد

    بارك الله فيك اخي التاعب وأسأل الله -عزوجل- أن يثبتك على الحق وأن يزيدك علما وعملا وتقوى
    وأذكرك أخي الفاضل بقول الله -عزوجل- ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ )
    وبقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ( لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم )
    وبقوله (موضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها)
    ثبتك الله على الهدى وجعلك مفتاحا للخير مغلاقا للشر.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

اكتشاف المزيد من مدونة التاعب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading