القائمة إغلاق

ما هي الأنواع المختلفة من نسخ الكتاب المقدس؟

بسم الله الرحمن الرحيم

سلسلة فيديوهات: مَدْخَلٌ إلَى دِرَاسَةِ الكِتَابِ المُقدَّسِ

فيديو (04): ما هي الأنواع المُختلفة من نُسَخ الكتاب المُقدَّس؟ (تحميل PDF)

إعداد: أبو المُنتصر محمد شاهين التاعب

تفريغ: خادم الإسلام أبو بكر مُصطفى الشامي

تعلَّمنا أنَّ هُناك أنواع مُختلفة كثيرة من نُسَخ الكِتاب المُقدَّس، وقد تكلَّمنا عن أنواع النُّسَخ المُقسَّمة حَسَب المُحتوى، فهناك نُسَخ كاملة، وهناك نُسَخ تحتوي على عهدٍ واحدٍ فقط، القديم أو الجديد، وهُناك نُسَخ تحتوي على مجموعة مُعيَّنة من الكُتُب، وهُناك نُسَخ عبارة عن سفرٍ واحدٍ فقط مطبوع على حِدى.

الآن سنتكلَّم عن أنواع أخرى من نُسَخ الكتاب المُقدَّس، ألَا وهي: النُّسَخ التَّقليدية والنَّقدية، النُّسَخ العادية والدِّراسية.

النُّسَخ النَّقدية والنُّسَخ التَّقليدية

نحن نعلم يقيناً أنَّ النُّسَخ الأصلية للكتاب المُقدَّس مفقودة، وقد تمَّ تحريف نصّ الأسفار المُقدَّسة أثناء انتقال النَّص تاريخياً عن طريق النَّسْخ اليدوي، وهكذا نجد أنَّ المخطوطات القديمة للكتاب المُقدَّس التي بين أيدينا الآن مليئة بالاختلافات، والاختلافات نتيجة للتَّحريف الذي حدث أثناء عملية النَّسْخ!

لذلك نشأ عِلْم النَّقد النَّصِّي، وهو فرعٌ من فُرُوع عِلْم النَّقد الكِتابي، وهدفه: دراسة المخطوطات القديمة من أجل الوُصُول لأقدم وأصحّ شكل للنَّص المُقدَّس.

النُّسَخ النَّقدية هي النُّسَخ المَبْنِيَّة على عِلْم النَّقْد النَّصِّي، أي أنَّها مبنِيَّة على النَّصّ الموجود في أقدم مخطوطات الكتاب المُقدَّس. أمَّا النُّسَخ التَّقليدية، فهي النُّسَخ المبنِيَّة على نص تقليدي مُتأخِّر وسيِّئ جداً.

النَّصّ التَّقليدي العبري للعهد القديم هو المُسمَّى بـ “النَّصّ الماسوري“، ويرجع لبدايات القرن 11م.

والنَّصّ التَّقليدي للعهد الجديد هو المُسمَّى بـ “النَّصّ المُسْتَلَم“، ويرجع لبدايات القرن 16م.

اليهود والنَّصارى قبلوا هذه النُّصُوص المُتأخِّرة، ومعنى الاستلام في مُسمَّى “النَّصّ المُسْتَلَم” هو التَّلقِّي بالقبول، كمن يهدي إليك هدية، فتتسلَّمها منه، أي أنك قبلت الهدية منه.

وهذه النُّصُوص المُستلمة، سواء للعهد القديم العبري أو العهد الجديد اليوناني، نُصُوص مُتأخِّرة جيداً وفي غاية السُّوء، بمعنى أنها جاءت بعد كلّ عمليات التَّحريف المُمكنة، وكل ما في الموضوع هو قبول هذه النُّصُوص من قبل رؤساء الدِّين اليهودي والمسيحي، واعتبروها تُمثِّل نصّ كتابهم المُقدَّس، بغضّ النَّظر عن قِدَم النَّص وموثوقيته وجودته وكمّ التَّحريف الذي وقع فيه على مدى قُرُون طويلة!

النُّسَخ العادية والنُّسَخ الدِّراسية

النُّسَخ العادية هي التي تحتوي فقط على نصّ الأسفار المُقدَّسة، ولا تحتوي على أي أدوات تساعد على فهم النَّصّ بشكل أعمق وأفضل. أمَّا النُّسَخ الدِّراسية، فهي التي تحتوي على أدوات كثيرة جداً ورائعة تساعد على فهم أعمق وأدق للنُّصُوص المُقدَّسة، كالمداخل، والهوامش والتَّعليقات، والإشارة إلى النُّصُوص المُقابلة.

المداخل عبارة عن مجموعة قيِّمة من المعلومات، تُمهِّد لك الطَّريق قبل قراءة الأسفار، فتُعطيك لمحات تاريخية ومعلومات مُتنوِّعة عن الكَتَبة والمخطوطات وبعض الإشكاليات، لتفهم بشكلٍ أفضل، فأحياناً تجد مدخلاً عن الكتاب المُقدَّس ككُلّ، ومدخلاً عن كل عهد ككُلّ، ثم مدخلاً مُستقِلًّا قبل كل سفر.

الهوامش والتَّعليقات تحتوي أحياناً على تفسير للنُّصُوص، وشرح بعض الكلمات، والإشارة إلى بعض الإشكاليات التي وُجِدَت عند دراسة النُّصُوص، بالإضافة إلى الإشارة إلى النُّصُوص المُقابلة من الأسفار الأخرى.

والمقصود بـ “النُّصُوص المُقابلة” هو نصّ مُشابه لما تقوم بقراءته حالياً، سواء في حرفيَّة النَّص، أو في معناه. على سبيل المثال: في كثير من الأحيان، نجد اقتباسات لنُصُوص العهد القديم أثناء قراءة نص العهد الجديد، وهكذا نجد في النُّسخ الدِّراسية إشارات إلى أماكن النُّصُوص المُقتبسة في العهد القديم. كذلك عند قراءة إنجيل من الأناجيل، قد تجد هذه القصَّة مذكورة أيضاً في إنجيل آخر من الأناجيل، فتقوم النُّسَخ الدِّراسية بالإشارة إلى مكانها. أي أنَّ النُّسَخ الدِّراسية تُساعدك على مُقارنة النُّصُوص المُتشابهة.

كيف نعرف اسم النُّسخة أو التَّرجمة التي بين أيدينا؟

يُمكننا معرفة اسم النُّسخة أو التَّرجمة التي نستخدمها بأكثر من وسيلة، إمَّا من خلال الغلاف مُباشرة، أو من خلال صفحة معلومات الكتاب الموجودة خلف الغلاف الداخلي، والذي يحتوي على معلومات رقم الطَّبعة ودار النَّشر … إلخ، أو من خلال مُقدِّمة النُّسخة نفسها.

أحياناً تجد اسم النُّسخة مطبوعاً على الغلاف بشكل واضح، مثل نُسخة “كتاب الحياة” والتي تحتوي أيضاً على نُسخة إنجليزية اسمها: New International Version.[[1]]

وأحياناً لا تجد على الغُلاف إلَّا عبارة “الكتاب المُقدَّس” أو “العهد القديم” أو “العهد الجديد“، حينئذٍ نستطيع معرفة اسم النُّسخة من الدَّاخل، سواء من صفحة معلومات النُّسخة في ظهر الغلاف الدَّاخلي، أو من خلال المُقدِّمة التَّعريفية للنُّسخة.

للأسف الشَّديد، عامَّة المسيحيين لا يعرفون شيئاً عن الأنواع المُختلفة لنُسخ الكتاب المُقدَّس، ولا عن الاختلافات التي بينها، ولكنَّنا نعرف أنَّ الغالبية العُظمى من المسيحيين العرب في الشرق الأوسط، وخُصُوصاً في مصر،  يستخدمون ترجمة الفاندايك التَّقليدية.

كيفية معرفة النُّسَخ التَّقليدية من النُّسَخ النَّقدية

نستطيع أن نعرف ما إذا كانت النُّسخة التي بين أيدينا تقليدية أم نقدية بطريقتين.

الطَّريقة الأولى هي مُراجعة المُقدِّمة التَّعريفية للنُّسخة، فقد تجد بشكل صريح أنَّ اللجنة القائمة على التَّرجمة رجعت إلى نُسخ نقدية أو دراسات نصِّيَّة، مثل ما نجده في التَّرجمة العربية المُشتركة، فقد ذكرت أنَّ “التَّرجمة استندت إلى أفضل النُّصُوص المطبوعة للكتاب المُقدَّس“، ثم قامت بذكر أسماء النُّسخ النَّقدية التي رجعت إليها، ألَا وهي نُسخة “شتوتغارت” العبرية للعهد القديم، ونُسخة “نسله – آلاند” ونُسخة “اتِّحاد جمعيّات الكتاب المُقدَّس UBS” اليونانية للعهد الجديد.

وفي بعض الأحيان تجد عبارات في مُقدِّمات النُّسخ النَّقدية تُشير إلى أنَّ النَّص مُترجم عن اللغات الأصلية حسب أحد نشرة علمية، أو أنَّها اعتمدت على البُحُوث والتَّرجمات الحديثة، أو أحدث الدِّراسات الكتابية، أو أي عبارة أخرى تُفيد أن اللجنة المسئولة لم ترجع إلى مرجع تقليدي قديم، وإنَّما إلى مرجع حديث مبني على دراسات وأبحاث ومقارنات.

الطريقة الأخرى هي فحص النَّص نفسه، لمعرفة ما إذا كانت النُّسخة مُعتمدة على الشَّكل التَّقليدي للنَّص، أم على الشَّكل النَّقدي الموجود في أقدم المخطوطات، فهُناك نُصُوص مُعيَّنة لها أكثر من شكل في المخطوطات، فقد تجد أنَّ النًّص له شكل طويل في النَّص التَّقليدي والمخطوطات المُتأخِّرة، أمَّا في النُّسخ النَّقدية المبنية على أقدم المخطوطات، تجد أنَّ النَّص له شكل قصير، وليس بحجم النَّص التَّقليدي.

مثال على ذلك، نصّ الثَّالُوث المشهور، الموجود في يوحنا الأولى 5 / 7-8.[[2]]

نجد أنَّ النَّص له شكل طويل في النُّسخ التَّقليدية والمخطوطات المتأخِّرة، وهذا هو النَّصّ كما نجده في ترجمة الفاندايك التَّقليدية: “فَإِنَّ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي السَّمَاءِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الآبُ، وَالْكَلِمَةُ، وَالرُّوحُ الْقُدُسُ. وَهَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةُ هُمْ وَاحِدٌ. وَالَّذِينَ يَشْهَدُونَ فِي الأَرْضِ هُمْ ثَلاَثَةٌ: الرُّوحُ، وَالْمَاءُ، وَالدَّمُ. وَالثَّلاَثَةُ هُمْ فِي الْوَاحِدِ“.

أمَّا في النُّسخ النَّقدية المبنية على أقدم المخطوطات، فنجد أنَّ النَّص أقصر بكثير، وهذا هو النَّصّ كما نجده في التَّرجمة العربية المُشتركة (النَّقدية): “والذين يشهدون هم ثلاثة، الروح والماء والدم، وهؤلاء الثلاثة هُم في الواحد“.

هُناك أمثله أخرى كثيرة على نُصُوص نفحصها لمعرفة نوع النُّسخة، مثل:

نصّ إنجيل متى 18 / 11، ستجد أنَّ النَّصّ موجود بالكامل في النُّسَخ التَّقليدية، ومحذوف أو موضوع بين قوسين مُربَّعين في النُّسخ النَّقدية.

نصّ تيموثاوس الأولى 3 / 16، ستجد في النُّسَخ التَّقليدية أنَّ النَّصّ يقول “الله ظهر في الجسد“، أمَّا في النُّسَخ النَّقدية فستجد أنَّ النَّصّ يقول: “الذي ظهر في الجسد“.

إذن، من خِلال مُعاينة النَّص وفحصه، يُمكننا معرفة ما إذا كانت النُّسخة نقدية أم تقليدية.

كيفية معرفة النُّسخة العادية من النُّسخة الدِّراسية

يُمكن معرفة ذلك بمُنتهى البساطة بمُجرَّد تصفُّح سريع للنُّسخة. فإذا كانت نُسخة دراسية، ستجد الهوامش والتَّعليقات في نهاية الصَّفحات، والمداخل قبل كلّ سفر، أمَّا إذا كانت نُسخة عادية، فلن تجد إلَّا نصّ الأسفار فقط.

ملحوظة: هُناك نُسَخ نقدية عادية، ونُسَخ نقدية دراسية، ونُسَخ تقليدية عادية، ونُسَخ تقليدية دراسية.

في النِّهاية أدركنا أنَّ هُناك أنواع مُختلفة كثيرة جداً من نُسَخ الكتاب المُقدَّس، مُقسَّمة حَسَب المُحتوى (كامل، عهد واحد، مجموعة مُعيَّنة، سفر واحد)، ونوع النَّص (تقليدي، نقدي) وطبيعة النُّسخة (عادية، دراسية).

أبرز الاختلافات بين نُسخ الكتاب المُقدَّس

        هُناك اختلافات كثيرة جداً بين نُسخ الكتاب المُقدَّس المُختلفة، ولكن أبرزها من حيث عدد الأسفار، ومن حيث المُحتوي النَّصِّي للنُّسخة، ومن حيث طريقة التَّرجمة.

        في البداية يجب أن نُوضِّح أنَّ كلّ نُسخة من نُسخ الكتاب المُقدَّسة لابُدَّ وأن تكون تابعة لكنيسة أو طائفة مسيحية، وفي بعض الأحيان نجد نُسخاً للكتاب المُقدَّس تأتي نتيجة عمل مُشترك بين أكثر من كنيسة أو طائفة.

هُناك نُسَخ كاثوليكية، ونُسَخ بروتستانتية، ولكن لا توجد نُسَخ كاملة للكتاب المُقدَّس من إصدار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية، كانت هُناك بعض المُحاولات القديمة أيام البابا “كيرلُّس” السادس، ولكنَّها لم تكتمل.

ملحوظة: التَّرجمة العربية المُشتركة سُمِّيت “المُشتركة” لأنَّها “أوّل ترجمة وضعتها لجنة مؤلَّفة من عُلماء كتابيِّين ولاهوتيين ينتمون إلى مُختلف الكنائس المسيحية من كاثوليكية وأرثوذكسية وإنجيلية“. [تقديم التَّرجمة]

        نحن نعلم أنَّ ترجمة الفاندايك التَّقليدية نُسخة بروتستانتية بامتياز، وقد تكلَّمنا سابقاً عن بعض الأسفار المرفوضة من قِبَل البروتستانت[[3]]، ولكنَّها مقبولة من قِبَل الكنائس التَّقليدية: الأرثوذكس والكاثوليك، وهكذا نجد اختلافات بين نُسخ الكتاب المُقدَّس من حيث عدد الأسفار!

البروتستانت يؤمنون بكتاب يحتوي على 66 سفراً، والكنائس التَّقليدية من أرثوذكس وكاثوليك يؤمنون بكتاب يحتوي على 73 سفراً، وهذا اختلافٌ لا تعلمون عظيم!

اختلافات أخرى من حيث مُحتوى النَّصّ نفسه، وقد عرفنا مُنذ قليل أنَّ مُحتوى النَّصّ مُتوقِّف على كون النُّسخة تقليدية أو نقدية، بغض النَّظر عن كونها عادية أو دراسية.

هُناك بعض النُّصُوص – كما أشرنا مُنذ قليل – لها أشكال مُختلفة بين النُّسخ التَّقليدية والنُّسخ النَّقدية، قد تجد نصًّا في النُّسخ التَّقليدية ولا تجدها في النُّسخ النَّقدية، أو قد تجد النَّص أقصر ممَّا تجده في النُّسخ التَّقليدية.[[4]]

النُّصُوص المُستلمة للعهد القديم والعهد الجديد، والتي تعتمدها التَّرجمات التَّقليدية مثل الفاندايك، نصوص رديئة وسيئة ومُتأخِّرة جداً، فإنَّ نصّ العهد القديم يرجع إلى بدايات القرن 11م، ونصّ العهد الجديد يرجع إلى بدايات القرن 16م، ولا حول ولا قوّة إلَّا بالله العلي العظيم!

أمَّا النُّسَخ النَّقدية، فإنَّها تقوم بترجمة نصّ مُعتمد على أقدم المخطوطات الكتابية، والتي تمّ اكتشافها حديثاً في القرنين الماضيين، مثل مخطوطات قمران البحر الميت (بالنِّسبة للعهد القديم)، والبرديات المشهورة مثل “بودمر” و “تشستر بيتي“، وبعض المخطوطات الأخرى الشَّهيرة مثل: “السينائية” و “الفاتيكانية” و “السَّكندرية“.

هذه الاختلافات النَّصية التي نجدها بين النُّسخ التَّقليدية والنُّسخ النَّقدية نتيجة للتَّحريف الذي حدث أثناء انتقال النَّص تاريخياً بواسطة النَّسخ اليدوي، وهكذا نقول إنَّ أبسط وسيلة لكشف التَّحريف هي مُقارنة النُّسخ والتَّرجمات المُختلفة (مقارنة النُّسخ التَّقليدية بالنُّسخ النَّقدية)، لأنَّ الاختلافات بين النُّسخ والتَّرجمات تعكس التَّحريف الذي حدث في المخطوطات.

نُسخ الكتاب المُقدَّس تختلف أيضاً من حيث طبيعة ترجمة النَّصّ من اللُّغات الأصلية، فهناك حالات كثيرة جداً، تجد فيها أنَّ النَّص ليس له أي أشكال مُختلفة في المخطوطات القديمة، ولكنَّك تجد اختلافات جوهرية عندما تُقارن بين التَّرجمات المُختلفة لهذا النَّصّ.

التَّرجمة تتمّ أحياناً بدوافع إيمانية ولاهوتية، وكما قلنا منذ قليل، كل ترجمة من إصدار كنيسة أو طائفة مسيحية مُعيَّنة، ونحن نعلم أنَّ كل كنيسة لها عقائدها المُختلفة عن عقائد الكنائس الأخرى، لذا تقوم بنُصرة عقائدها عن طريق ترجمة النُّصُوص بطريقة تتوافق مع عقائدها.

وهكذا لا تكاد تجد نُسخة من نُسخ الكتاب المُقدَّس تقوم بترجمة النُّصُوص بطريقة توافق عقائد الكنيسة أو الطائفة التي أصدرتها، فعلى سبيل المثال: نعرف أنَّ البروتستانت عندهم عقائد مُيَّنة مُخالفة لعقائد الكنائس التَّقليدية، ولذلك عندما تتصَّفح التَّرجمات البروتستانتية، ستجد أنَّ النُّصُوص مُترجمة بالطريقة التي توافق عقائد البروتستانت، وهكذا الحال أيضاً في ترجمات الكاثوليك، يقومون بترجمة النُّصُوص بحيث توافق عقائدها الكاثوليكية وتدحض العقائد البروتستانتية.

وهكذا تجد حرباً عقائدية بين الطَّوائف المُختلفة أثناء ترجمة النُّصُوص.[[5]]

بعض الأُمُور  المُشتركة بين كلّ  نُسَخ الكتاب المُقدَّس

مع أهمية الاختلافات التي ذكرناها مُنذ قليل، إلَّا أنَّ نُسخ الكتاب المُقدَّس تحتوي على الكثير من الأمور المُشتركة، فإنَّ كلّ نُسخة من نُسخ الكتاب المُقدَّس تحتوي على “فهرس”، وكذلك نجد عناوين مُتشابهة قبل كل إصحاح أو كلّ مقطع، بالإضافة إلى أنَّ التَّقسيم إلى إصحاحات وأعداد واحد في كلّ نُسخ الكتاب المُقدَّس، وفي النِّهاية، نجد أنَّ كلّ نُسخ الكتاب المُقدَّس تحتوي على ملاحق، وبعض الخرائط والصّور التَّوضيحية.

الفهرس يُساعدك على تصفُّح الكتاب المُقدَّس، ويحتوي على أسماء الأسفار واختصاراتها، مع الإشارة إلى عدد إصحاحات كل سفر.

إذا كنت تتصفَّح نُسخة كاملة من الكتاب المُقدَّس، فإنَّك ستجد فهرس العهد القديم في بداية الكتاب قطعاً ولا شك، أمَّا فهرس العهد الجديد، فقد تجده مُباشرةً بعد فهرس العهد القديم، وقد تجده أحياناً بعد نهاية نصّ العهد القديم، فهُناك بعض نُسخ الكتاب المُقدَّس المُقسَّمة إلى قسمين داخلياً، قسم العهد القديم بترقيم صفحات يبدأ من واحد، ثم قسم العهد الجديد بترقيم صفحات يبدأ من واحد.

نُسخ الكتاب المُقدًّس المُختلفة تحتوي أيضاً على عناوين تشير إلى اسم السفر ورقم الإصحاح في أعلى كلّ صفحة، وهكذا تستطيع أن تتصفَّح النُّسخة بسهولة لتصل إلى الموضع الذي تريده سريعاً.

هُناك أيضاً عناوين في بداية كل إصحاح أو كل مقطع يُشير إلى موضوع المقطع، ومن خلال ملاحظة العناوين المُختلفة تستطيع أن تُقارن بين العناوين المُشابهة من أجل استخراج التَّناقضات والاختلافات.

هُناك أيضاً ملاحق كثيرة ومُختلفة في نهاية كلّ نُسخة من نُسخة الكتاب المُقدَّس، فنجد مثلاً: مُعجم الألفاظ والكلمات الصَّعبة، والذي يُساعد على فهم بعض الكلمات غير المُعتادة، والمُتعلِّقة بأُمُور تاريخية قديمة، أو بأُمُور إيمانية لاهوتية، أو حتى بعض الكلمات المُعتاد استخدامها بين المسيحيين، ولكن لا يعرفها كثير من النَّاس.

هُناك أيضاً مُلحق خاصّ بالأناجيل الأربعة، اسمه: “موضوعات الإنجيل كما وردت في كتبه الأربعة“، والمُلحق عبارة عن جدول يُبيِّن اسم الموضوع، ثمَّ يُشير إلى مكان الموضوع في كلّ إنجيل من الأناجيل الأربعة، وهذا المُلحق هام جداً، يُساعد على مقارنة الموضوع الواحد في أكثر من إنجيل، وهذا يُساعد على اكتشاف الاختلافات والتَّناقضات بين الأناجيل الأربعة.

هُناك أيضاً مُلحق عبارة عن جدول للمكاييل والموازين والمسافات والعُملات. والجدول يُقارن بين المعايير القديمة التي كانت تُستخدم في الأزمنة القديمة، والمعايير المُستخدمة حالياً، حتى تستطيع فهم الأحداث التاريخية.

ملحوظة: تعامل مع الكتاب المُقدَّس على أنَّه كتاب تاريخي وليس كتاباً دينياً.

هُناك أيضاً مُلحق الخرائط التَّوضيحية، وهذا المُلحق مُختص ببيان الجغرافيا التي كانت موجودة في الأزمنة القديمة حتى تستطيع فهم الأحداث التاريخية. على سبيل المثال: بولس كان يقوم برحلات تبشيرية كثيرة، لذلك ستجد في نهاية نسخ العهد الجديد مجموعة من الخرائط التي توضِّح خطّ سير بولس في رحلاته، وكذلك تستطيع أن تعرف أماكن المُدُن القديمة على الخرائط الحالية.[[6]]

ملحوظة: عندما نتكلم عن الاختلافات بين نُسخ الكتاب المُقدَّس، ونقول إنَّ الاختلافات من حيث عدد الأسفار، ومن حيث محتوى النَّص، ومن حيث طريقة التَّرجمة، ثمَّ نقول إنَّ الأُمُور المُشتركة بين نُسخ الكتاب المُقدَّس هي الفهرس، وعناوين الفقرات، والتَّقسيم إلى إصحاحات وأعداد، وبعض الملاحق والصّور التَّوضيحية، فإنَّ هذا يعني أنَّ الاختلافات بين نُسخ الكتاب المُقدَّس عظيمة جداً، وأنَّ المُشترك بين نُسخ الكتاب المُقدَّس أشياء تافهة بالنِّسبة للاختلافات.

مُميِّزات النُّسخ النَّقدية الدِّراسية

أهمّ نُسخة نقدية دراسية هي “التَّرجمة اليسوعية” أو “الرهبانية اليسوعية” أو ترجمة “الآباء اليسوعيين“.[[7]]

المداخل تُعدّ من أهمّ مُميِّزات النُّسخ النَّقدية الدِّراسية، وأعتقد أنَّه ينبغي على كلّ من يُريد دراسة الكتاب المُقدَّس دراسة جادَّة أن يقرأ مداخل التَّرجمة اليسوعية، ولا شكّ أنَّ كتاب “تاريخ الكتاب المُقدَّس[[8]] يُعَدّ مدخلاً رائعاً لدراسة الكتاب المُقدَّس، ولكنَّك ستُذهل من كمّ المعلومات التي تستطيع استخراجها من مداخل التَّرجمة اليسوعية من أجل استخدامها في مجالات الحوار الإسلامي المسيحي.

هُناك معلومات في المداخل عن كتبة الأسفار، وكيف أنَّهم مجاهيل، ومعلومات عن مخطوطات الأسفار والتَّحريف الذي حدث أثناء عملية النَّسخ، ومعلومات عن بعض الإشكاليات والتَّناقضات والأخطاء الموجودة في الأسفار، وهكذا إذا قمت بدراسة هذه المداخل جيداً، فإنك ستحصل على كمّ لا بأس به من المعلومات النَّقدية.

الهوامش والتَّعليقات تحتوي أيضاً على الكثير من المعلومات النَّقدية، ففي كثير من الأحيان تجد أنَّ الهامش يدلُّك على أنَّ هذا النَّص أصابه التَّحريف، أو أنَّ موضوع النَّصّ مُقتبس من الأساطير اليونانية أو البابلية القديمة، أو أنَّ النَّص غير مفهوم وقد فقدنا معناه من كثرة التَّحريف، أو على الأقل، ستحصل على تفسير مُناسب لبعض النُّصُوص الصَّعبة المُتعلِّقة إمَّا بأمرٍ تاريخي أو بأمرٍ إيماني لاهوتي.

الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصَّالِحات


[1] راجع صفحة: أغلفة نُسَخ الكتاب المُقدَّس العربية المُختلفة http://goo.gl/y4FbTx

[2] للمزيد من المعلومات حول هذا النص راجع المواضيع التالية:

نفي أصالة الفاصلة اليوحناوية http://goo.gl/YgAi8W

الفاصلة اليوحناوية شرح كتاب: تحريف أقوال يسوع http://goo.gl/9K5ZS7

الفاصلة اليوحناوية – نظرات في أقوال العلماء http://goo.gl/pJ4bl5

الفاصلة اليوحناوية – نظرات في التَّرجمات http://goo.gl/GPyOX4

[3] البروتستانت هُم الإنجيليون، وكنيستهم تُسمَّى الكنيسة الإنجيلية.

[4] راجع ملزمة: اكتشف التحريف بنفسك، من هنا http://goo.gl/jHwtGk أو من هنا http://goo.gl/mXkWpD

[5] للمزيد من المعلومات حول موضوع التَّرجمة راجع الآتي:

دائماً بين الأصل والترجمة فرق ظاهر http://goo.gl/S7EIDl

مشكلة ترجمة العهد الجديد http://goo.gl/gAOQKh

ترجمة النص اليوناني http://goo.gl/NOfMcY

ترجمة الكتاب المُقدَّس http://goo.gl/yfl1OZ

موجز لتاريخ ترجمة الكتاب المقدس http://goo.gl/3sOStE

علاقة الطباعة والمخطوطات بالترجمة http://goo.gl/WljvWe

[6] راجع صفحة أدوات دراسة الكتاب المقدس لمُطالعة الملاحق http://goo.gl/yypXRI

[7] راجع صفحة أدوات دراسة الكتاب المقدس لتحميل نُسخ الكتاب المُقدَّس المُختلفة http://goo.gl/yypXRI

[8] قُم بتحميل الكتاب من هذا الرابط http://goo.gl/zGdHNu

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: