بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة مُحاضرات الرد على الأنبا بيشوي (المُحاضرات فيديو)
العبد الفقير إلى الله أبو المنتصر شاهين الملقب بـ التاعب
ما لا يسع المُسلم أن يجهله عن القرآن الكريم (الجزء الثالث)
للتحميل:(PDF) (المُحاضرة الصوتية) (المُحاضرة مُصوَّرة من غرفة البالتوك)
[ثم قلت لهم أنه لابد أن يكون الحديث في صراحة دون هجوم, لأن هناك نصوص أخرى لست أدري إن كانت قيلت وقتما قال نبي الإسلام القرآن أم أنها أضيفت فيما بعد في زمن متأخر, أنا لا أدري, لكم أنتم أن تبحثوا هذا الأمر, وهذه مسئوليتكم, لكن أن يقال: “لقد كفر الذين قالوا أن المسيح هو الله” هنا لن يكون هناك اتفاق, فهل قيلت هذه العبارة أثناء بعثة نبي الإسلام, أم أضيفت أثناء تجميع عثمان بن عفان للقرآن الشفوي وجعله تحريري, لمجرد وضع شيء ضد النصارى, لا أعرف, وهناك نصوص أخرى تشبه هذا النص لكن هذا النص ذُكِر مرتين.][[1]]
عقيدة المسلم في حفظ اللهUللقرآن الكريم من التحريف:
قال اللهU عن كتابه الكريم: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ(48) بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ(49)} [العنكبوت]
·قال الإمام الطبري رحمه الله في تفسير الآية الأولى: [يقول تعالـى ذكره: {وَما كُنْتَ} يا مـحمد {تَتْلُوا} يعنـي تقرأ {مِنْ قَبْلِهِ} يعنـي من قبل هذا الكتاب الذي أنزلته إلـيك {مِنْ كِتَابٍ وَلا تَـخُطُّهُ بِـيَـمِينِكَ} يقول: ولـم تكن تكتب بـيـمينك، ولكنك كنت أمِّيًّا {إذاً لارْتابَ الـمُبْطِلُونَ} يقول: ولو كنت من قبل أن يُوحَى إلـيك تقرأ الكتاب، أو تـخطه بـيـمينك، إذن لارتاب: يقول: إذن لشكّ بسبب ذلك فـي أمرك، وما جئتهم به من عند ربك من هذا الكتاب الذي تتلوه علـيهم الـمبطلون القائلون إنه سجع وكهانة، وإنه أساطير الأوّلـين.][[2]]
·وقال أيضاً الإمام القرطبي رحمه الله: [قوله تعالى: {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ} الضمير في {قَبْلِهِ} عائد إلى الكتاب وهو القرآن المنزل على محمد r؛ أي وما كنت يا محمد تقرأ قبله، ولا تختلف إلى أهل الكتاب، بل أنزلناه إليك في غاية الإعجاز والتضمين للغيوب وغير ذلك، فلو كنت ممن يقرأ كتاباً، ويخط حروفاً {لاَّرْتَابَ ٱلْمُبْطِلُونَ} أي من أهل الكتاب، وكان لهم في ارتيابهم متعلَّق، وقالوا الذي نجده في كتبنا أنه أميّ لا يكتب ولا يقرأ وليس به.][[3]]
·وقال الإمام أبو السعود العَمادي رحمه الله في تفسير الآية الثانية: [{بَلْ هُوَ} أي القرآنُ {آيَاتٌ بَيّنَاتٌ} واضحاتٌ ثابتةٌ راسِخةٌ {فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ} من غيرِ أنْ يُلتقطَ من كتابٍ يحفظونَهُ بحيثُ لا يقدرُ أحدٌ على تحريفِه.][[4]]
·وقال أيضاً الإمام الماوردي رحمه الله: [أنه القرآن {ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ} وهم النبي rوالمؤمنون به، قاله الحسن. قال الحسن: أعطيت هذه الأمة الحفظ, وكان من قبلها لا يقرؤون كتابهم إلا نظراً, فإذا طبقوه لم يحفظوا ما فيه إلا النبيين.][[5]]
هناك أيضاً حديث رائع في صحيح مسلم يحتوي على وصف جميل جداً للقرآن الكريم
الحديث طويل ولكن فيه أن اللهUقال لنبينا محمدr: [إِنَّمَا بَعَثْتُكَ لأَبْتَلِيَكَ وَأَبْتَلِىَ بِكَ وَأَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ.][[6]]
·وقد استفاض علماء المسلمين في شرح هذا الجزء من الحديث
·وأنا أريد أن أعرض عليكم أكبر كم من هذه الأقوال الرائعة التي توضح مدى تميُّز القرآن الكريم عن غيره من جميع كتب الأرض
·قال القاضي أبو الفضل عياض رحمه الله: [وقوله {أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ} قيل: معناه لا يُفْنَى ولا يُدْرَس, وقيل: لا يُنْسَى حِفْظُه من الصُّدُور, ولو مُحِي كتابه وغُسِل بالماء.][[7]]
·قال الإمام النووي رحمه الله في شرحه لصحيح مسلم: [أما قوله تعالى {لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ} فمعناه محفوظ في الصدور, لا يتطرق إليه الذهاب, بل يبقى على مر الأزمان, وأما قوله تعالى {تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ} فقال العلماء: معناه يكون محفوظاً لك في حالتي النوم واليقظة, وقيل: تقرأه في يسر وسهولة.][[8]]
·وقال أيضاً الإمام البغوي رحمه الله: [وقوله {أَنْزَلْتُ عَلَيْكَ كِتَابًا لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ} أي: لا ينمحي أبداً، بل هو محفوظ في صدور الذين أوتوا العلم, لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وقوله: {تَقْرَؤُهُ نَائِمًا وَيَقْظَانَ}، أي: تجمعه حفظاً وأنت نائم، كما تجمعه وأنت يقظان، وقيل: معناه: تقرؤه في يسر وسهولة ظاهراً، يقال للرجل إذا كان قادراً على الشيء: هو يفعله نائماً، كما يقال: هو يسبقه قاعداً، والقاعد لا سبق له.][[9]]
·وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: [وقوله {لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ} أي لا يَنْمَحِي لِدَوَام ظُهُوره وشُهْرَته, فهو لكونه مَبْثُوثاً في الصُّحُف والصُّدُور لو مُحِي من صحيفة وُجِد في أخرى أو قام به الحفاظ.][[10]]
·وفي هذا إشارة إلى ما قلناه سابقاً من أن القرآن الكريم له المصدر الشفهي المتواتر
·والمصدر المكتوب المأخوذ من المصاحف القديمة الكثيرة.
·وقال الإمام ابن الجوزي رحمه الله أيضاً: [قوله: {لاَ يَغْسِلُهُ الْمَاءُ} يعني: محفوظ في الصدور, وكانت كتب القدماء لا يحفظونها؛ فإذا غسل الكتاب, ذهب ما فيه.][[11]]
·وفي هذا إشارة إلى ما قلناه سابقاً من أن الكتاب المقدس ليس له إلا مصدر واحد
·وهو المصدر المكتوب المأخوذ من المخطوطات القديمة
·فإذا ذهبت هذه المخطوطات ذهب نص الكتاب بلا رجعة !
·وقال الكلام نفسه الإمام ابن الجزري رحمه الله: [أرادَ أنه لَا يُمْحَى أبداً, بل هو مَحْفوظ فِي صُدُور الذّين أُوتُوا العِلْم, لا يأتيهِ الباطلُ من بين َيَديه ولا مِن خَلْفه. وكانت الكُتُب الـمُنَزَّلة لا تُجْمَع حِفْظاً, وإنَّما يُعْتَمد في حِفْظها على الصُّحف, بخلاف القرآن فإن حُفَّاظَه أضْعافٌ مُضَاعَفَة لصُحُفِه.][[12]]
·وهذا يدل أيضاً على تميُّز القرآن الكريم وأفضليته على جميع الكتب السابقة.
·وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: [فَأَخْبَرَ أَنَّ كِتَابَهُ لَا يَحْتَاجُ فِي حِفْظِهِ إلَى صَحِيفَةٍ تُغْسَلُ بِالْمَاءِ, بَلْ يَقْرَؤُهُ فِي كُلِّ حَالٍ كَمَا جَاءَ فِي نَعْتِ أُمَّتِهِ: {أَنَاجِيلُهُمْ فِي صُدُورِهِمْ}[[13]]بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَا يَحْفَظُونَهُ إلَّا فِي الْكُتُبِ وَلَا يَقْرَءُونَهُ إلَّا نَظَرًا لَا عَنْ ظُهْرِ قَلْبٍ.][[14]]
·وقد قام شيخ الإسلام رحمه الله بمقارنة بسيطة رائعة بين حال القرآن الكريم وحال الكتاب السابقة فقال: [وأيضاً فالمسلمون يحفظون القرآن في صدورهم حفظاً يستغنون به عن المصاحف, كما ثَبُت في الصحيح الذي رواه مسلم عن النبي أنه قال: {إن ربي قال لي: إني مُنْزِل عليك كتاباً لا يَغْسِله الماء تقرأه نائماً ويقظاناً} يقول: ولو غُسِل بالماء من المصاحف لم يغسل من القلوب, كالكتب المتقدمة, فإنه لو عُدِمَت نُسَخِها لم يُوجَد من ينقلها نقلاً متواتراً محفوظة في الصدور. والقرآن ما زال محفوظاً في الصدور نقلاً متواتراً, حتى لو أراد مُرِيدٌ أن يغير شيئاً من المصاحف, وعُرِض ذلك على صبيان المسلمين لعرفوا أنه قد غَيَّر المصحف, لحفظهم للقرآن من غير أن يقابلوه بمصحف, وأنكروا ذلك. وأهل الكتاب يَقْدِر الإنسان منهم أن يكتب نسخاً كثيراً من التوراة والإنجيل, ويُغَيِّر بعضها, ويعرضها على كثير من علمائهم, ولا يعرفون ما غير منها إن لم يعرضوه على النسخ التي عندهم. ولهذا لما غير من نسخ التوراة, راج ذلك على طوائف منهم ولم يعلموا التغيير.][[15]]
ماذا أستطيع أن أقوله بعد ما قاله علماؤنا من السلف الكرام ؟ لا شيء !
إلا أن أدعوا اللهU بأن يحشرني معهم يوم القيامة, وأن يجعلني أهلاً لحَمْل علومهم وفقههم
وأن يجعلني سبباً في حب الناس لكتاباتهم وأقوالهم, اللهم آمين.
استحالة إضافة شيء على كتاب اللهUدون أن يكتشفه المسلمون:
·للقرآن الكريم أسلوب مُعجِز خاص به وحده دون سائر الكتب الأخرى
·والتي معها يستحيل على أي شخص أن يضيف شيئاً إلى مصحف ما دون أن يكتشفه المسلمون.
·قال الإمام البيضاوي رحمه الله: [{وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر : 9] أي من التحريف والزيادة والنقص, بان جعلناه معجزاً مبايناً لكلام البشر, بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللسان, أو نفي تطرق الخلل إليه في الدوام, بضمان الحفظ له كما نفى أن يطعن فيه بأنه المنزل له.][[16]]
·وقد عَلَّق الشيخ محمد القوجَوي رحمه الله على هذا الكلام فقال: [وذكر لطريق حفظ الله تعالى إياه وجهين: الأول: جعله إياه معجزاً مبايناً لكلام البشر, فإن الخلق عجزوا بذلك عن الزيادة والنقصان, لأنهم لو زادوا فيه ونقصوا لتغير نظم القرآن, وظهر لكل العقلاء أن هذا ليس من القرآن, فصار كونه مُعجِزاً كإحاطة السور بالمدينة, في كونه سبباً للحفظ والصيانة.][[17]]
·وقال أيضاً الإمام النسفي رحمه الله: [{بَلْ هُوَ} أي القرآن {بَيّنَـٰتٌ فِي صُدُورِ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْعِلْمَ} أي في صدور العلماء به وحفاظه, وهما من خصائص القرآن, كون آياته بَيِّنَات الإعجاز, وكونه محفوظاً في الصدور, بخلاف سائر الكتب, فإنها لم تكن معجزات, ولا كانت تقرأ إلا من المصاحف.][[18]]
وهذا كلام من أعظم ما يكون
·لا يُدرك قيمته إلا من رأى الإضافات التي حدثت في الكتب السابقة
·فعلى سبيل المثال, هناك قصة مشهورة في الإنجيل المنسوب إلى يوحنا تُدعى “قصة المرأة الزانية” (يوحنا7/53 – 8/11)
·هذه القصة غير موجودة في أقدم المخطوطات اليونانية مثل: البردية 66و 75 (القرن الثالث), والمخطوطة السينائية والفاتيكانية(القرن الرابع)
·وأول مخطوطة يونانية نجد فيها هذه القصة هي المخطوطة البيزية والتي ترجع إلى القرن الخامس الميلادي.[[19]]
الآن, نجد أن هناك خلافاً بين علماء المسيحيين:
·حول هل كانت قصة المرأة الزانية مكتوبة في النسخة الأصلية لإنجيل يوحنا
·أم أن هناك من قام بإضافتها في زمن لاحق ثم أخذت القصة في الانتشار ؟
·رغم أن هناك العديد من العلماء الذين قالوا بأن هذه القصة تم إضافتها لاحقاً
·ما زال هناك من يُدافع عن هذه القصة على أساس أن صاحب الإنجيل قام بكتابتها في نسخته الأصلية
·ويحاولون جاهدين تبرير سبب غياب القصة من المخطوطات القديمة.
ما الذي جعل إضافة قصة كاملة مثل قصة المرأة الزانية أمراً ممكناً ؟
·السبب الرئيسي هو أن العهد الجديد كتاب مكتوب بأسلوب بشري بحت
·يستطيع أي إنسان أن يُقَلِّد هذا الأسلوب البشري ويكتب مثله
·فيَدُسّ ما كتبه في أي مخطوطة من مخطوطات الكتاب
·ونظراً لعدم وجود أحد يحفظ الكتاب عن ظهر قلب
·فسيَظُنّ قارئ المخطوطة التي تحتوي على قصة مُزَوَّرَة أنها من أصل الكتاب !
·وإذا قام شخص ما بعمل نسخة من هذه المخطوطة التي تحتوي على قصة كاملة مُزَوَّرَة
·سيُسَاهِم في نشرها, وهكذا نجد مخطوطات تحتوي على القصة ومخطوطات أخرى لا تحتويها !
لا يستطيع مخلوق أن يكتب مثل القرآن الكريم:
·أعلن اللهU عن تحديه لجميع خلقه – لإثبات وحي القرآن الكريم الـمُعجز – بأن يأتوا بعشر سور مثل سور القرآن الكريم
·قال اللهU: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} [هود : 13]
·وبعد أن عجز الجميع عن الإتيان بعشر سور, قام اللهU بتقليل مستوى التحدي
·لا لشيء إلا لبيان مدى ضعف وعجز الخلق عن الإتيان بمثل القرآن
·قال اللهU: {وَمَا كَانَ هَـذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (37)أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (38)} [يونس]
·قال الإمام الطبري رحمه الله: [قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: أم يقول هؤلاء المشركون: افترى محمد هذا القرآن من نفسه فاختلقه وافتعله؟ قل يا محمد لهم: إن كان كما تقولون إني اختلقته وافتريته، فإنكم مثلي من العَرب، ولساني مثل لسانكم، وكلامي مثل كلامكم، فجيئوا بسورة مثل هذا القرآن.][[20]]
·وقال أيضاً الإمام القرطبي رحمه الله: [{قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ} ومعنى الكلام الاحتجاج، فإن الآية الأُولى دلّت على كون القرآن من عند الله؛ لأنه مصدّق الذي بين يديه من الكتب وموافق لها من غير أن يتعلم محمد rعن أحد.وهذه الآية إلزام بأن يأتوا بسورة مثله إن كان مفترًى.][[21]]
وهكذا في النهاية:
·أعلن اللهU أن هذا أمر مُحال على جميع خلقه وإن اجتمعوا على ذلك
·قال اللهU: {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً} [الإسراء : 88]
·قال الإمام الطبري رحمه الله مُفسِّراً هذه الآية: [يقول جل ثناؤه: قل يا مـحمد للذين قالوا لك: أنا نأتـي بـمثل هذا القرآن: لئن اجتـمعت الإنس والـجنّ علـى أن يأتوا بـمثله، لا يأتون أبداً بـمثله، ولو كان بعضهم لبعض عوناً وظهراً.][[22]]
·وقال أيضاً الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [ثم نبه تعالى على شرف هذا القرآن العظيم، فأخبر أنه لو اجتمعت الإنس والجن كلهم، واتفقوا على أن يأتوا بمثل ما أنزل على رسوله، لما أطاقوا ذلك، ولما استطاعوه، ولو تعاونوا وتساعدوا وتظافروا؛ فإن هذا أمر لا يستطاع، وكيف يشبه كلام المخلوقين كلام الخالق الذي لا نظير له، ولا مثال له، ولا عديل له ؟][[23]]
·وقال أيضاً الإمام البغوي حفظه الله: [قوله جلّ وعلا: {قُل لَّئِنِ ٱجْتَمَعَتِ ٱلإِنسُ وَٱلْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـٰذَا ٱلْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ}، لا يقدرون على ذلك، {وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا}، عوناً ومظاهراً. نزلت حين قال الكفار: لو نشاء لقلنا مثل هذا فكذبهم الله تعالى. فالقرآن معجز في النظم والتأليف والإِخبار عن الغيوب، وهو كلام في أعلى طبقات البلاغة لا يشبه كلام الخلق، لأنه غير مخلوق، ولو كان مخلوقاً لأتوا بمثله.][[24]]
·وقال أيضاً الإمام علاء الدين البغدادي رحمه الله: [فالقرآن معجز في النظم والتأليف والإخبار عن الغيوب، وهو كلام في أعلى طبقات البلاغة لا يشبه كلام الخلق لأنه كلام الخالق وهو غير مخلوق ولو كان مخلوقاً لأتوا بمثله.][[25]]
·وقال أيضاً شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله: [والمقصود أنهم لا يستطيعون الإِتيان بمثله على أية حال من الأحوال؛ وبأية صورة من الصور، لأنه متى انتفى إتيانهم بمثله مع المظاهرة والمعاونة، انتفى من باب الأولى الإِتيان بمثله مع عدمهما.][[26]]
وأعلن الله Uعن عجزهم مرة أخرى فقال:
{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23)فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (24)} [البقرة]
·قال الإمام الطبري رحمه الله: [يعنـي تعالـى بقوله: {فإنْ لَـمْ تَفْعَلُوا}: إن لـم تأتوا بسورة من مثله، وقد تظاهرتـم أنتـم وشركاؤكم علـيه وأعوانكم. فتبـين لكم بـامتـحانكم واختبـاركم عجزكم وعجز جميع خـلقـي عنه، وعلـمتـم أنه من عندي، ثم أقمتـم علـى التكذيب به. وقوله: {وَلَنْ تَفْعَلُوا} أي لن تأتوا بسورة من مثله أبداً.][[27]]
·وقال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله: [قال تعالى: {فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ} ولن لنفي التأبيد في المستقبل، أي: ولن تفعلوا ذلك أبداً. وهذه –أيضًا– معجزة أخرى، وهو أنه أخبر أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبداً وكذلك وقع الأمر، لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن، وَأنَّى يَتَأتَّى ذلك لأحد، والقرآن كلام الله خالق كل شيء ؟ وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين ؟!][[28]]
وهكذا نكون قد أثبتنا أن بما لا يدع مجالاً للشك أنه يستحيل تحريف القرآن الكريم بأي طريقة من الطرق
·فقد سخَّر اللهُU لكتابه من يحفظه من كل سوء
·وأريد أن أقول عبارة, وليتفكر فيها الجميع: إذا قام أحدٌ بالتشكيك في القرآن الكريم فقد شكك في مصداقية جميع الكتب على وجه الأرض, فإننا لا نجد لأي كتاب على وجه الأرض ما للقرآن الكريم من حفظ وانتشار.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
[1]كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة– صـ45.
[2]أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد العشرون – صـ50.
[3]أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, المجلد الثالث عشر – صـ351.
[4]أبو السعود محمد العَمادي (ت 951 هـ): إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم, إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء السابع – صـ43.
[5]أبو الحسن علي بن محمد الماوردي (ت 450 هـ): النُّكَت والعُيُون, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الرابع – صـ287.
[6]صحيح مسلم (7386), كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها, باب الصفات التي يعرف بها في الدنيا أهل الجنة وأهل النار.
[7]القاضي أبو الفضل عياض (ت 544 هـ): مشارق الأنوار على صحاح الآثار, دار التراث بالقاهرة, الجزء الثاني – صـ138.
[8]أبو زكريا يحيى النووي (ت 676 هـ): المِنهَاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء السابع عشر – صـ198.
[9]الحسين بن مسعود البَغَوي (ت 516 هـ): شرح السُّنَّة, المكتب الإسلامي ببيروت, الجزء الرابع عشر – صـ408, 409.
[10]أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن ابن الجوزي (ت 597 هـ): كشف المُشكِل من حديث الصحيحين, دار الوطن بالرياض, الجزء الرابع – صـ243, 244.
[11]أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمنالجوزي (ت 597 هـ): غريب الحديث, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثاني – صـ156.
[12]أبو السعادات المبارك بن محمد الجزري (ت 606 هـ): النهاية في غريب الحديث والأثر, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء الثالث – صـ367.
[13]ضعَّفه محمد ناصر الدين الألباني: سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة, مكتبة المعارف بالرياض, المجلد الثامن, الحديث رقم: 3770 – صـ244, 245.
[14]أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): مجموعة الفتاوى, دار الوفاء بالمنصورة, الجزء الثالث عشر (13/400) – صـ216.
[15]أبو العباس تقي الدين أحمد بن تيمية (ت 728 هـ): الجواب الصحيح لِمَنْ بَدَّل دين المسيح, دار العاصمة بالرياض, المجلد الثالث, – صـ13, 14.
[16]محمد مُصلح الدين القوجَوي (ت 951 هـ): حاشية مُحي الدين شيخ زادة على تفسير البيضاوي, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الخامس – صـ196, 197.
[18]أبو البركات عبد الله النسفي (ت 710 هـ): مَدَارِك التنزيل وحقائق التَّأويل, دار الكَلِم الطَّيِّب ببيروت, الجزء الثاني – صـ681.
[20]أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد الخامس عشر – صـ91.
[21]أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, المجلد الثامن – صـ344.
[22]أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد السابع عشر – صـ546, 547.
[23]أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد الخامس – صـ117.
[24]أبو محمد الحسين البغوي (ت 516 هـ): مَعَالِم التَّنْزِيل, دار طيبة بالرياض, المجلد الخامس – صـ127.
[25]علاء الدين علي البغدادي الشهير بالخازن (ت 725 هـ): لباب التأويل في معاني التنزيل, دار الفكر ببيروت, الجزء الرابع – صـ183.
[26]محمد سيد طنطاوى (ت 1431 هـ): التفسير الوسيط للقرآن الكريم, مكتبة نهضة مصر, الجزء الثامن – صـ425, 426.