القائمة إغلاق

يسوع يدعو على تلاميذه في المخطوطة الفاتيكانية

بسم الله الرحمن الرحيم

يسوع يدعو على تلاميذه في المخطوطة الفاتيكانية

بقلم العبد الفقير إلى الله أبو المنتصر شاهين الملقب بـ التاعب

الحمد لله نحمده , ونستعين به ونستغفره , ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مُضِل له , ومن يضلل فلن تجد له وليّاً مرشداً , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمداً عبده ورسوله , وصفيه من خلقه وخليله , بلَّغ الرسالة , وأدى الأمانة , ونصح الأمة , فكشف الله به الغمة , ومحى الظلمة , وجاهد في الله حق جهاده حتى آتاه اليقين , وأشهد أن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله , وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه .

ثم أما بعد ؛

« اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرَائِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ اهْدِنِى لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِى مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ »(صحيح مسلم-1847).

قرأت كثيراً عن جودة المخطوطات المزعومة, وأيضاً عن روعة المخطوطات التي أخرجتها مدرسة الإسكندرية المُحترفة, وقرأت بالخصوص عن روعة المخطوطة الفاتيكانية وأنها من أفضل المخطوطات اليونانية التي لدينا, لذلك أحببت أن أعرض عليكم نموذجاً يبين لكم مدى روعة المخطوطة الفاتيكانية .

إنجيل يوحنا 17: 15 لست أسأل أن تأخذهم من العالم بل أن تحفظهم من الشرير.

Joh 17:15 οὐκ ἐρωτῶ ἵνα ἄρῃς αὐτοὺς ἐκ τοῦ κόσμου, ἀλλ᾿ ἵνα τηρήσῃς αὐτοὺς ἐκ τοῦ πονηροῦ.

هكذا نقرأ النص في ترجمة الفاندايك, وفي أي ترجمة أخرى, ولكن في المخطوطة الفاتيكانية نجد النص مختلف تماماً

Vaticanus: οὐκ ἐρωτῶ ἵνα ἄρῃς αὐτοὺς ἐκ τοῦ πονηροῦ.

الترجمة: لست أسأل أن تأخذهم من الشرير !

يا لها من عبارة مُفزعة, يقولها يسوع للآب من أجل تلاميذه !

نحن نعلم بالتأكيد أن هذه ليست القراءة الأصلية للنص على الإطلاق, وأن هذا خطأ فردي من ناسخ المخطوطة الفاتيكانية حيال نسخة لهذا العدد, ولكن أريد أن نتأمل هذا الخطأ ونتعمق فيه وسنخرج بإذن الله بإستنتاجات رائعة ! في البداية علينا أن نطلع على صورة المخطوطة الفاتيكانية لهذا النص:

Vaticanus_jn17-15_color

Vaticanus_jn17-15

الصورة الفوتوغرافية الملونة للمخطوطة تُظهر لنا مأساة ! إنها مُحاولة مستميتة لتصحيحة الخطأ الفاضح الذي ارتكبه ناسخ المخطوطة الفاتيكانية, فقد حاول جاهداً مسح كلمة (πονηροῦشرير) وإبدالها بكلمة (κόσμουعالم) ولكننا نرى أن أول حرفين (πο) من كلمة (πονηροῦشرير) في نهاية سطر وباقي الكلمة (νηροῦ) في بداية السطر الذي يليه, ذلك فإصلاح الخطأ لم يكن موفقاً فنحن نعلم أن العدد الخامس عشر ينتهي عند كلمة شرير وبداية العدد السادس العشر يبدأ بعبارة موجودة سابقاً في العدد الذي قبله (εκ του κοσμου – من العالم).

وجدنا أن الناسخ وضع نقاط فوق بقية كلمة (πονηροῦشرير) الموجودة في بداية السطر وقام بكتابة الجزء الناقص في الهامش:

κοσμου αλλ ινα τηρησης αυτους

لذلك في المخطوطة بعد التصحيح نقرأ:

ουκ ερωτω ινα αρης αυτους εκ του κοσμου αλλ ινα τηρησης αυτους

والنقاط الموجودة فوق بقية كلمة (πονηροῦشرير) تشير إلى استبدالها بما في الهامش, ولكن ما زالت هناك مشكلة, فنهاية العدد الخامس عشر ما زال ناقصاً, لذلك نجد الناسخ يضع حروف صغيرة فوق كلمة (κόσμουعالم) المأخوذة من بداية النص السادس عشر, فيضع فوق حرف الكابّا (κ) حرف البي (π), وفوق حرف السيجما (σ) حرفيّ النو والآيتا (νη), وفوق حرف المو (μ) حرف الرو (ρ), فإذا بدلنا الحروف الأصلية بما فوقها من حروف حولنا كلمة (κόσμουعالم) إلى (πονηροῦشرير), وبقي فقط أن يكتب المُصَحِح مرة أخرى بداية العدد السادس عشر, وهذا ما فعله في الهامش, فقام بإضافة عبارة (εκ του κοσμου – من العالم), وهكذا تنتهي الإشكالية بتصحيح موفق ولكن بشكل غير لطيف بالمرة !

هذا الخطأ الفادح جاء نتيجة تشابه عبارتين, فعندما قام الناسخ بنقل العبارة الأولى وقع بصره على نهاية العبارة الثانية فترك ما بين العبارتين مما أدى إلى المأساة التي رأيناها في المخطوطة ! هذا الخطأ يُسمى (periblepsis) أي قفزة عينولعل هذه الصورة توضح لك الأمور أكثر:

jn17-15_periblepsis

انتهى الناسخ من كتابة الجزء الملون بالأحمر في السطر الأول, ولكن بدلاً من إكمال نقل ما بعده مباشرة قفز بعينيه إلى نهاية العبارة التي بالأحمر في السطر الثاني تاركاً العبارة المكتوبة بالأسود بين العبارتين المتشابهتين, وهكذا حدث الخطأ.

والآن يجب أن نُحيط سيادتكم علماً بأن ناسخ المخطوطة الفاتيكانية كان ناسخاً مُحترفاً ! فتذكروا ما قاله بروس متزجر عن هذه المخطوطة[1]: (وعلى الوجه الآخر, بعض العلماء يعتقدون بأن المخطوطة السينائية والمخطوطة الفاتيكانية كانوا ضمن خمسين نسخة من الكتاب المقدس كتبها يوسابيوس بامر من الإمبراطور قسطنطين. بالفعل قال ثيادور كريسي سكيت العامل بالمتحف البريطاني بأن المخطوطة الفاتيكانية كانت مخطوطة مرفوضة وحذفت من الخمسين نسخة, حيث أنها غير موجودة في القائمة القانونية الخاصة بيوسابيوس القيصري, وتحتوي على تصحيحات كثيرة من نساخ مختلفين, بالإضافة إلى عدم إحتوائها لأسفار المكابيين. سواء كانت مرفوضة أم لا, على أي حال, اعتبر العديد من العلماء النص الموجود في المخطوطة نموذج ممتاز للنص السكندري الخاص بالعهد الجديد).

إذن, فالمخطوطة الفاتيكانية منسوخة بعد أن أصبحت المسيحية هي الديانة الرسمية للإمبراطورية الرومانية, وهذا لا شك فيه, فإنها ترجع إلى عام 340م تقريباً, لذلك أريد أن أنقل لكم كلام بارت إيرمان[2] عن نُساخ الإمبراطورية الرومانية في عهد قسطنطين: (متى بدأت الكنيسة في استخدام النسَّاخ المحترفين لنسخ نصوصها ؟ هناك أسباب مقنعة تدفعنا إلى الاعتقاد بأن ذلك قد حدث في وقت ما قريب من بداية القرن الرابع. فقبل ذلك الحين، كانت المسيحية ديانة صغيرة تعتنقها أقلية داخل الإمبراطورية الرومانية، كثيرًا ما تعرضت هذه الأقلية للاضطهاد، وللتعذيب أحيانًا. ولكنَّ تغييرًا عنيفًا وقع حينما تحول إمبراطور روما، قسطنطين، إلى الإيمان عام 312 ميلاديًا تقريبًا. فجأة تغير حال المسيحية من كونها ديانة المنبوذين مجتمعيًا، المعذبين بأيدي الرعاع و سلطات الإمبراطورية على حدٍ سواء، إلى لاعبٍ رئيسيّ في المشهد الديني في الإمبراطورية).

يبدوا أن حال النُساخ لم يتغير كثيراً قبل أو بعد قسطنطين, ولكن ما لاحظته من هذا الخطأ البشع, أن الناسخ لا يُدرك ما ينقله ! فقط ينقل كلمات ومن بعدها الكلمات دون أن يستوعب ما ينقله, فكيف لناسخ يعقل ما ينقل أن يترك العبارة هكذا دون أن يقوم بتصليحها في الحال !

إلى هذا الحد أكتفي وأترك المسلم والمسيحي على السواء أن يمعن النظر في إحدى أفضل مخطوطات العهد الجديد المنسوخة في زمن الرخاء والخير, فإذا كان هذا حال المخطوطات المنسوخة من قِبل المحترفين في أزمنة الرخاء والسلام, فماذا كان حال المخطوطات المنسوخة من قِبل الهُواة الغير مدربين في أزمنة الإضطهاد والحرب ؟! أترك لكم الإجابة.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 


[1] Bruce M. Metzger: Text of the New Testament – 2nd Edt. – Important Witnesses to the New Testament – Codex B; Pages 47, 48

[2] Bart D. Ehrman: MISQUOTING JESUS – Page 72 [When did the church begin to use professional scribes to copy its texts? There are good reasons for thinking that this happened sometime near the beginning of the fourth century. Until then, Christianity was a small, minority religion in the Roman Empire, often opposed, sometimes persecuted. But a cataclysmic change occurred when the emperor of Rome, Constantine, converted to the faith about 312 C.E. Suddenly Christianity shifted from being a religion of social outcasts, persecuted by local mobs and imperial authorities alike, to being a major player in the religious scene of the empire.]

 

6 Comments

  1. sef muslim

    ههههههههه

    بارك الله فيك اخي التاعب وجهودك ان شاء الله هوزعها في المنتديات لتنتشر

    مشكور

  2. التاعب

    جزاكم الله خيراً جميعاً على مروركم الطيب
    حفظكم الله ورعاكم, اسألكم الدعاء كلما ذكرتموني
    نسأل الله القبول وأن تشفع لنا أعمالنا هذه

  3. الحبيب أويس

    ما شاء الله تبارك الله موضوع رائع وجميل لكن الصور متداخله في القائمه اليمنى حاول تنسيق الصور من جديد لحجم اقل لتناسب حجم الصفحه حفظكم الله استاذي التاعب

  4. التنبيهات:يوحنا 7: 8 – مشكلة العيد – صراع القراءات وتضارب التفاسير « AL_TA3B أبو المنتصر شاهين الملقب بـ التاعب

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: