القائمة إغلاق

خُلاصة كتاب: عقيدة الفداء للقس بيشوي حلمي

بسم الله الرحمن الرحيم

خُلاصة كتاب: عقيدة الفداء للقس بيشوي حلمي

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ7، 8. [عقوبة الموت: الموت هو الحكم الإلهي على الإنسان الخاطئ، وقد أعلن الله الحكم مسبقاً، وأنذر به الإنسان «يَوْمَ تَأكُلُ مِنْهَا مَوْتاً تَمُوتُ» (تك 2 : 17 ). وبمُجرَّد السُّقوط خضع الإنسان لهذا الحكم، وخضع له الكُلّ بعده إذ أصبح «طَرِيق الأرْضِ كُلِّهَا» (1 مل 2 : 2). والموت عند القديس أثناسيوس كما ذكره في كتابه «تجسُّد الكلمة» هو البقاء في فساد الموت إلى الأبد بعد اختفاء صورة الله بسبب الخطية، والعودة إلى العدم مرة أخرى: «ماذا يُمكن أن تعني عبارة "موتاً تموت" سوى البقاء في فساد الموت إلى الأبد، وليس مجرد الموت الجسدي ؟», «كان جنس البشر في طريقه إلى الهلاك، الإنسان العاقل المخلوق على صورة الله كان في سبيله إلى الاختفاء، وصنعة يد الله في طريقها إلى الانحلال]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ8-10. [أنواع الموت: (1) الموت الروحي: حدث هذا الموت بمُجرَّد أن أكلا آدم وحواء من الثَّمرة المُحرَّمة. وهو يعني الانفصال عن الله. انكسرت العلاقة بينهما وبين الله، وبَدَل الصَّداقة سعيا إلى الاختباء في ذُعر من وجهه. والكتاب المُقدَّس يؤكِّد أنَّ الخطية هي موت روحي، لأنَّها تفصل الإنسان عن الله: فالابن الضّال اعتُبِر ميِّتاً وهو في حالة الخطية، واعتُبِر قد عاد إلى الحياة حين رجع إلى أبيه. فقد قال أبوه عنه: «ابْنِي هَذا كَانَ مَيِّتاً فَعَاشَ» (لو 15 : 24). وقال الرَّب لملاك كنيسة ساردس: «أَنَّ لكَ اسْماً أَنَّكَ حَيٌّ وأَنْتَ مَيِّتٌ» (رؤ 3 : 1). فالخطية هي موت روحي لأنَّها تفصل الإنسان عن الله، لأنَّه لا شركة للظُّلمة مع النُّور. (2) الموت الأدبي: يتمثَّل هذا الموت في أنَّ الإنسان فقد صورة الله، وفقد كرامته وهيبته. كما فقد سُلطانه على باقي الخليقة، وأصبحت الحيوانات مُتمثِّلة في الحية تتمرَّد عليه, وأخذت سُلطاناً أن تؤذيه لو تمكَّنت منه، وطُرِدَ الإنسان أيضاً من الجنَّة إلى الأرض التي أصبحت تعصاه وتنبت له شوكاً وحسكاً، ويعمل لكي يكسب خبزه بعرق وجهه بعد أن كان يأكل من ثمار الجنَّة وينعم بكل ما فيها. (3) الموت الجسدي: بهذا الموت تنفصل الرُّوح عن الجسد، ويتحلَّل الجسد تنفيذاً للحُكم الإلهي: «لأَنَّكَ تُرَابٌ وإِلَى تُرَابٍ تَعُودُ» (تك 3 : 19). (4) الموت الأبدي: وهو أخطر نوع من الموت إذ يبقى الإنسان في الموت إلى ما نهاية.]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ10، 11. [تشوُّه الصُّورة المُقدَّسة التي خُلق عليها الإنسان: يوضِّح الآباء الأولون والمُعاصرون تشويه الصُّورة المُقدَّسة التي خُلق عليها الإنسان نتيجة للخطية، فيقولون: يقول القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 373م): «ولكنَّ البشر، إذ رفضوا الأمور الأبدية، وبمشورة الشيطان تحوَّلوا إلى أمور الفساد، صاروا السَّبب في فساد أنفسهم…». ويقول أيضاً القديس أثناسيوس: «فالله إذاً خلق الإنسان وقصد أن يبقى في عدم فساد، أما البشر فإذ احتقروا ورفضوا التأمُّل في الله واخترعوا ودبَّروا الشَّر لأنفسهم، فقد استحقُّوا حُكم الموت الذي سبق إنذارهم به. ومن ذلك الحين لم يبقوا بعد على الصُّورة لتي خُلِقُوا عليها، بل فسدوا حسبما أرادوا لأنفسهم. وساد عليهم الموت كملك». ويقول قداسة البابا شنودة الثالث: «إنَّ فساد الطَّبيعة البشرية لم يعد يتَّفِق مع الصُّورة الإلهية التي كانت له يوم خُلِق. لهذا نجد الله يُخاطبه بعد السُّقوط بلُغة أخرى تتَّفق وصورته في الخطية، فيقول له: "لأنَّك تُراب وإلى تراب تعود" (تك 3 : 19)» (قداسة البابا شنودة الثالث: آدم وحواء، مرجع سابق، ص38، 39).]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ11، 12. [الصِّراع بين الرُّوح والجسد: يشرح القدِّيس أوغسطينوس (354 430م) هذا الصِّراع بين الرُّوح والجسد، فيقول: «اختبرا (آدم وحواء) إحساساً جديداً في أجسادهما التي أصبحت تعصاهما، كجزاء صارم لعصيانهما الله. فالنَّفس المُعربدة في حُرِّيَّتها، والمُحتقِرة لخدمة الله، حُرمت من السَّيطرة التي كانت لها من قبل على الجسد … وبدأ صراع الجسد ضدّ الرُّوح (غل 5 : 17)». ويقول قداسة البابا شنودة الثالث في هذا الأمر: «فقدت الطَّبيعة البشرية نقاوتها الأولى، وبساطتها الأولى، وعرفت الخطية واختبرتها، ودخلت في ثُنائية معرفة الخير والشَّر، وفي الصِّراع بين الجسد والرُّوح. هبطت البشرية إلى المُستوى الجسدي, فأصبح من السَّهل أن تُخطئ, وانحدرت إلى مُستويات مؤسفة، وتوارثت ألواناً من الفساد» (قداسة البابا شنودة الثالث: آدم وحواء – ص38، 39).]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ15. [ويصف القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 373م) حالة الإنسان المريرة بعد السُّقوط فيقول: «انتصر الموت على البشر، واستقرّ عليهم الفساد. جنس البشر كان في طريقه للهلاك، الإنسان العاقل المخلوق على صورة الله كان في طريقه للاختفاء، وصنعة يد الله كانت في طريقها للانحلال، فالموت نال من ذلك الوقت فصاعداً قبضة شرعية علينا، وكان من المُستحيل التَّهرُّب من حُكم الناموس, حيث إنَّ الله هو الذي وضعه بسبب الخطية. والنَّتيجة بالحقيقة بشعة وغير لائقة.»]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ20. [ويذكر القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 373م) أنَّه لو سامح الله الإنسان، لكان الله غير صادق في كلامه، إذ يقول: «كان أمراً مُرعباً، لو أنَّ الله بعدما تكلَّم يصير كاذباً، إذ بعد أن أصدر حكمه على الإنسان بأن يموت موتاً إن تعدَّى الوصية، لا يموت الإنسان بل تبطل كلمته. إذا حدث بعد أن قال الله إنَّه لابد أن نموت ولم نمت، لكان الله غير صادق]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ21-23. [مُواصفات الفادي: (1) يجب أن يكون إنساناً: لأنَّ الذي أخطأ في حقّ الله كان إنساناً. وفي هذا يقول القدِّيس إيريناوس (140 202م): «حقاً، ما كان يُمكن بعدلٍ أن ينهزم العدو لو لم يكن الذي هزمه إنسان مولود امرأة, لأنَّه بامرأة تسَّلط على الإنسان في البداية, وكما تردَّى جنسنا في الموت من خلال إنسان مهزوم، يُمكن أيضاً أن نرتفع ثانية إلى الحياة بواسطة إنسان مُنتصر. وكما أنَّه بإنسان نال الموت النَّصر علينا، هكذا أيضاً بإنسان ننال النَّصر على الموت» (2) يجب أن يكون غير محدود: كان لابد من كفّارة غير محدودة تكفي لحمل ورفع خطايا كل البشر في جميع الأجيال، من آدم إلى آخر الدُّهُور. لهذا لم تكن الذَّبائح تكفي، لأنَّ فاعليتها محدودة. وهذا ما يؤكِّده نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب، إذ يقول: «يجب أن يكون الفادي غير محدود، لأنَّ عقاب آدم غير محدود وأبدي، لأنَّ خطيئته موجهة نحو الله غير المحدود (نيافة الأنبا موسى: التجسد افتقاد إلهي، أسقفية الشباب، القاهرة، يناير 2005 م، صـ16). (3) يجب أن يكون قُدُّوساً بلا خطية: لأنَّه إذا كان الفادي خاطئاً فكيف يستطيع أن يفدي غيره؟ أليس أعمى يقود أعمى يسقطان كلاهما في حُفرة ؟ وعن هذا الأمر يقول القدِّيس أوغسطينوس (354 – 430م): «بعد أن أقامت الخطية هُوَّة كبيرة بين الله والجنس البشري، استلزم الأمر وسيطاً يكون وحده من الجنس البشري, يولد ويعيش ويموت بدون خطية» (4) يجب أن يقبل أن يموت بإرادته، وينتصر على الموت: هذا بالطَّبع لكي يُمكنه أن يحمل العقوبة ويموت عن البشر. والأهمّ أن لا يبقى في الموت إلى النهاية، وإلا يكون الموت قد انتصر عليه. بل لابد أن يكون قادراً على أن يقوم ثانية فتقوم فيه البشرية وتحيا من جديد. يُوضِّح هذا الأمر القدِّيس أوغسطينوس (354 430م) فيقول: «هُناك أمران ضروريان: أن يصير مائتاً, وأن لا يستمر مائتاً». (5) يجب أن يكون خالقاً: يُوضِّح هذا نيافة الأنبا موسى أسقف الشباب، إذ يقول: «يجب أن يكون الفادي خالقاً، يُمكنه تجديد طبيعة الإنسان مرة أخرى» (نيافة الأنبا موسى، التجسد افتقاد إلهي – صـ16).]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ28، 29. [ويُوضِّح القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 373م) أنَّه لا يُمكن أن يكون المُخلِّص أحداً غير الله نفسه، فيقول: «لم يكن في مقدور أحد أن يُحوِّل الفاسد إلى عدم فساد سوى المُخلِّص نفسه الذي خلق من البداية كل شيء من العدم، لم يكن في مقدور أحد آخر أن يُعيد خلق البشر ليكونوا على صورة الله إلا الذي هو صورة الآب، ولم يكن مُمكناً أن يُلْبِس المائت عدم الموت إلا ربنا يسوع المسيح الذي هو الحياة، ولم يكن مُمكناً أن يُعلِّم البشر عن الآب ويقضي على عبادة الأوثان إلا الكلمة الضّابط الكُلّ الذي هو ابن الآب الوحيد الحقيقي». ويقول أيضاً القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 373م): «إذ تلطَّخت الصُّورة المنقوشة على الخشب بالأدران من الخارج وأزيلت، فلابد من حُضُور صاحب الصُّورة نفسه ثانية، لكي يُساعد الرَّسّام على تجديد الصُّورة على نفس اللّوحة الخشبية، لأنَّه إكراماً لصورته فإنَّه حتى الخشبة التي رُسِمت عليها لا يُمكن أن تُلقى بعيداً، بل يُجدَّد عليها الرَّسم. وعلى هذا المثال عينه أتى إلى عالمنا ابن الآب الكُلِّي القداسة إذ هو صورة الآب، لكي يُجدِّد خلقة الإنسان الذي خُلق مرَّة على صورته، ويُجدِّده بمغفرة الخطايا كما يقول هو نفسه في الإنجيل: "جَاءَ لِكَيْ يَطلُبَ وَيُخَلِّصَ مَا قَدْ هَلَكَ"، ومن أجل هذا قال أيضاً لليهود: "إِنْ كَانَ أَحَدٌ لا يُولَدُ مِنْ فَوْقُ" (يو 3 : 3، 5), وهو لا يقصد بهذا كما ظنُّوا الولادة من امرأة, وإنَّما قصد التَّحدُّث عن إعادة ميلاد النَّفس وتجديد خلقها على مثال صورة الله.»]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ24، 25. [الحلّ الوحيد والأوحد: إذن, الحلّ الوحيد والأوحد أن يكون الفادي هو الله بذاته, نعم فهو الوحيد الذي تنطبق عليه الشروط جميعها: فهو الوحيد غير المحدود. وهو الوحيد الذي بلا خطية. وهو الوحيد الخالق. ولكنَّه ليس إنساناً، فالذي اخطأ هو الإنسان. إذن, الحلّ الوحيد هو أن يتجسَّد الله, أي يأخذ جسداً إنسانياً، ويقبل في هذا الجسد حُكم الموت بدلاً من الإنسان. وهذا هو ما سُرَّ أن يفعله ابن الله أقنوم الكلمة المُتجسِّد في ملء الزمان، من أجل نجاة الإنسان من الموت. ويُوضِّح القدِّيس أثناسيوس هذه النُّقطة، قائلاً: «إذ رأى الكلمة أنَّ فساد البشرية، لا يُمكن أن يبطل بأي طريقة أخرى، إلا بالموت كشرط لازم، وأنَّه من المُستحيل أن يُكابد الكلمة الموت لأنَّه غير مائت، ولأنَّه ابن الآب، لهذا أخذ لنفسه جسداً قابلاً  للموت، حتى عندما يتَّحِد هذا الجسد بالكلمة الذي هو فوق الكُلّ، يُصبح قادراً أن يموت نيابة عن الكُلّ، بل ويبقى في عدم فساد بسبب اتِّحاد الكلمة به]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ78. [كيف تمّ فداء الإنسان ؟ الإجابة: أولاً: تجسَّد ابن الله الكلمة في ملء الزَّمان. وفي ملء الزَّمان، وبعد أن أعدَّ الله الأذهان بالنُّبوّات والشَّخصيّات والرُّموز والذَّبائح لفكرة الفداء بالدم، ولفكرة الذَّبائح التي تُذبح بدلاً من الإنسان الخاطئ، جاء أقنوم الابن وتجسَّد من الرُّوح القُدُس ومن العذراء مريم، فولدت يسوع المسيح ابن الله الكلمة بالحقيقة الذي شابهنا في كل شيء ماعدا الخطية وحدها. وهكذا جاء أقنوم الابن بذاته مُتجسِّداً من أجل إتمام الفداء والخلاص للإنسان. وكان لابد من التَّجسُّد ليكون له جسد قابلاً للموت، كما سبق أن أوضحنا من قبل.]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ29. [ويقول قداسة البابا شنودة في هذا الأمر: «كان لا يُمكن لمخلوق ما أن يموت عن الإنسان لسببين: (1) لأن كُلّ مخلوق محدود، فلا يُمكن له أن يُقدِّم كفّارة غير محدودة تُوفي العقوبة غير المحدودة، للخطية غير المحدودة. (2) لأنَّ الحُكم صَدَر ضدّ الإنسان، فيجب أن يموت الإنسان. وكان الحلّ الوحيد هو التَّجسُّد أن ينزل الله إلى عالمنا مولوداً من امرأة، فهو من حيث لاهوته غير محدود كإله. يُمكنه أن يُقدِّم كفّارة غير محدودة لمغفرة جميع خطايا الناس في جميع الأجيال. وهو من حيث ناسوته يُمكنه أن ينوب عن الإنسان المحكوم عليه في دفع ثمن الخطية.» (نيافة الأنبا شنودة (قداسة البابا شنودة الثالث حالياً): دُرُوس روحية من الميلاد والغطاس، الكلية الإكليريكية بالأنبا رويس، يناير 1971)]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ83، 84. [لماذا الصَّليب بالذّات ؟ لماذا مات السيد المسيح بالصَّليب، وليس بأي طريقة أخرى ؟ الإجابة: نُجيب على هذا السُّؤال من خلال فكر الآباء الأولين والمُعاصرين: يقول القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ مُؤكِّداً على أنَّ الصَّليب كان أصلح وسيلة للكفّارة والفداء: «لماذا الصَّليب بالذّات بين كُلّ طُرُق الموت الأخرى ؟ لم تكن هُناك طريقة أخرى أصلح من هذه، لأنَّه إن كان قد أتى ليحمل عنّا اللعنة فكيف كان مُمكناً أن يصير لعنة ما لم يمت موت اللعنة الذي هو الصَّليب كما هو مكتوب "مَلعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ" (غل 3 : 13، تث 21 : 23), وأيضاً إذا كان موت الرَّب فدية عن الجميع, وبموته نقض حائط العداوة المتوسِّط (أف 2 : 14) وصارت الدَّعوة للأمم, فكيف كان مُمكناً أن يدعونا إليه لو لم يُصلب؟ لأنَّه على الصَّليب فقط يموت الإنسان وهو باسط ذراعيه. لهذا لاق بالرَّب أن يحتمل هذا الموت فيبسط يديه حتى باليد الواحدة يجتذب الشَّعب القديم وبالأخرى يجتذب الأمم، ويُوحِّد الاثنين فيه. وهذا هو ما قاله بنفسه: "مُشِيراً إلى أَيَّةِ مِيتَة كَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَمُوتَ" (يو 12 : 33), جاء الرَّب ليطرح الشَّيطان إلى أسفل ويُطهِّر الهواء، ويُهيِّئ لنا الطَّريق نحو السَّماء, كان لابد أن يتمّ هذا بالموت، وبأي موت كان يُمكن أن يتمّ سوى بالموت الذي يتمّ في الهواء, أعني بالصَّليب؟ فإذ رُفِعَ هكذا, طهَّر الهواء من خُبث الشَّيطان ومن خبث الأرواح النَّجسة بجميع أنواعها كما يقول: "رَأيتُ الشَّيْطَانَ سَاقِطاً مِثْلَ الْبَرْقِ مِنَ السَّمَاءِ" (لو 10 : 18) وفتح طريقاً جديداً للسَّماء». وهكذا يُوضِّح القدِّيس أثناسيوس أنَّ السيد المسيح قَبِلَ الموت بهذه الطَّريقة للأسباب الآتية: (1) ليحمل عنّا اللعنة. (2) ليدعونا جميعاً إليه، يهوداً وأمماً. (3) ليطرح الشَّيطان إلى أسفل، ويُطهِّر الهواء، ويُهيِّئ لنا الطَّريق نحو السَّماء.]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ91. [وهكذا يُقدِّم الآباء الأوَّلون والمُعاصرون، أسباباً عديدة لموت المسيح بالصَّليب بالذّات أهمَّها: (1) ليحمل عنّا لعنة الخطيئة. (2) لأنَّه أراد أن يموت بأشنع الميتات، وأكثرها عاراً. (3) لأنَّ المسيح أراد أن يرفعنا معه إلى أعلى. (4) لأنَّ بموت الصَّليب، أُتيح للمسيح أن يُوضِّح أنَّه الكاهن والذَّبيحة. (5) لأنَّ بموت الصَّليب، أُتيح للمسيح أن يوضح أنَّه الميت والقائم. (6) لأنَّه بموت الصَّليب، أُتيح للمسيح أن يُوضِّح أنَّه صالح الأرضيين بالسَّمائيين. (7) لأنَّ بموت الصَّليب، أُتيح للمسيح فُرصة ثلاث ساعات لإتمام العمل. (8) لأنَّ الصَّليب من الشَّجرة، والمسيح هو شجرة الحياة. وهكذا كان موت الصَّليب هو الوسيلة المُناسبة جداً للفداء.]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ134، 135. [ويُؤكِّد آباء الكنيسة على موت المسيح نيابة عن الجميع، في كثير من كتاباتهم، مثل كما ورد في الرِّسالة إلى ديوجنيتس (أواخر القرن الثاني الميلادي): «حمل بنفسه آثامنا، وبذل ابنه فدية عنّا: القُدُّوس من أجل الأئمة، الذي بلا لوم من أجل الأشرار، البار من أجل الفاسدين، غير المائت من أجل المائتين. لأنَّه أي شيء كان يُمكن أن يستر خطايانا غير برّه، وبمن كان يُمكن لنا نحن الأشرار والأثمة أن نتبرَّر سوى بابن الله الوحيد ؟ يا للمُبادلة العذبة ! أن تختفي شرور الكثيرين في الواحد البار، وأن يتبرَّر الكثيرون من الأثمة ببرّ الواحد !». ويقول القدِّيس أثناسيوس الرَّسُوليّ (296 373م): «إذ كان الجميع تحت قصاص فساد الموت، فقد بذل جسده عوضاً عن الجميع، وقدَّمه للآب, هذا فعله أيضاً شفقة منه علينا وذلك أولاً: إذ يُعتبر الكُلّ قد مات فيه, ثانياً: لكي يُعيد البشر ثانية إلى عدم الفساد، ويُحييهم من الموت». ويقول أيضاً: «أخذ لنفسه جسداً قابلاً للموت، حتى باتِّحاده "بالكلمة" الذي هو فوق الكُلّ، يكون جديراً أن يموت بدلاً من الكُلّ». ويقول أيضاً: «إذ هو كلمة الآب، وفوق الكُلّ، كان وحده قادراً بطبيعة الأمر أن يُعيد خلق كل شيء، ويتألَّم عن الجميع، وأن يكون نائباً لدى الآب عن الكُلّ».]

بيشوي حلمي: عقيدة الفداء، مطابع النُّوبار – صـ109. [كما يسترشد الأستاذ الدكتور موريس بأقوال الآباء عن وجوبية معمودية الأطفال الصِّغار لغسلهم من الخطية الأصلية، كدليل آخر على وراثة الخطية الأصلية ونتائجها، ويذكر كثيراً من الأقوال، ها بعضها (موريس تاوضروس: الخطية الأصلية والخطايا الفعلية، مرجع سابق، ص36 38): يقول القدِّيس كبريانوس (200 258م): إذا كان الذين أخطأوا سابقاً أمام الله، إذ يؤمنون يأخذون صفح خطاياهم، ولا يُمنع أحد منهم عن المعمودية والنِّعمة، وإن كان قد فعل خطايا غير مُحصاة، فالأطفال الذين ضميرهم غير مُتفتِّح ولم يُخطئوا في شيء والذين نظراً للخطية الكامنة فيهم وتدنَّسوا بها وصاروا مُشاركي الموت الآدمي، يحتاجون أيضاً إلى المعمودية لأنَّها شرط لنوال الخلاص والصَّفح، ليس عن الخطايا الشَّخصية بل الأبوية. وقد حدَّد مجمعنا "بأنَّه لا يجوز أن نمنع أحداً من المعمودية ونعمة الله الذي هو صالح ورءوف بالجميع. فالمعمودية هي للجميع وخصوصاً للأطفال الصِّغار، الذين بنوع خُصُوصي يستميلون انتباهنا وصلاح الله"» (القدِّيس كبريانوس: رسالة 59). يقول القدِّيس غريغوريوس الثيئولوغوس (329 390م): «هل عندك طفل. فلا يأخذنّ فيه الشَّر فرصة، بل ليُقدَّس وهو رضيع وليُكرَّس للرُّوح مُنذ نعومة أظافره» (القدِّيس غريغوريوس الثيئولوغوس: خطاب في المعمودية).]

الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: