بسم الله الرحمن الرحيم
خُلاصة كتاب: تجسُّد الابن الوحيد لـ إسحق إيليا منسى
الدكتور إسحق إيليا منسّى: تجسُّد الابن الوحيد بين تعليم القدِّيس كيرلُّس الكبير وهرطقة نسطور
تقديم ومُراجعة الأنبا بيشوي, مُطران دمياط وكفر الشيخ
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ15. [إذا كان تعبير «الذي له نفس الجوهر الذي للآب» omoousioV, الذي أكَّده المجمع الكبير في نقية, قد أجاب على شُكُوك وتساؤلات الآريوسيين التي أثاروها ضِدّ لاهوت الابن, فقد سَلَّم الجدل الآريوسي للقرن التالي له تساؤلات جديدة عن طبيعة العلاقة بين اللاهوت والناسوت في المسيح. فحيث أنَّ صِيغة نقية قد أكَّدت أنَّ الابن غير مخلوق, وأنَّه مع الآب له نفس الجوهر الأزلي الواحد الكائن بالضَّرُورة ولم يُوجِده أحدٌ، فقد كان على المؤمنين بإيمان نقية أن يُفسِّروا كيف أنَّ غير المُبتَدئ, وغير المُتغيِّر, وغير القابِل للضَّعف والألم, أن يقبل الولادة من امرأة, وأن يقبل الضَّعف والألم, بل والموت أيضاً !]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ20، 21. [ويشرح القدِّيس أثناسيوس ويقول: «إنَّ الخلاص يَبطُل ولا يتِمّ في الحالات الآتية: (1) إذا كان «الكلمة» ليس إلهاً حقيقياً كما يقول الآريوسيون. (2) إذا كان جسد المسيح ليس جسداً حقيقياً كأجسادنا, كأن يكون مثلاً جسداً خيالياً كما يقول الدُّوسِيتِيُّون. (3) إذا كان الذي صُلِبَ على الصَّليب إنساناً عادياً اصطحبه اللاهوت كما يقول بولس السَّاموساطي ومن تلاه من الهراطقة الذين فَصَلُوا بين لاهوت المسيح وناسوته. فاتِّحاد جسد المسيح الخاصّ بلاهوته هو اتِّحاد طبيعي (enwsiV fusikh), وهو الذي يجعل لهذا الجسد القُدرة أن يُحَل من أن يمسكه الموت, وقادراً على القيامة من الأموات.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ30. [كان «أوريجانوس» من مُعلِّمي مدرسة الإسكندرية اللاهوتية. ومع أنَّ كنيسة الإسكندرية كانت قد قطعته من شركة الكنيسة وحرمت تعاليمه, فهو على أي حال محسوب على الإسكندرية, وإن كان «على التَّعليم المُنحرِف» منها. وقد حرمت كثير من الكنائس في الشَّرق والغرب في القديم تعاليمه وكُتُبه, إلا أنَّ ذلك كان مثار كثير من الجَدَل في مراحل التّاريخ وفي أكثر من مكان. ولا تعترف الكنيسة القبطية بأنَّه من آبائها القدِّيسين لوجود كثير من الأخطاء في تعاليمه, بالرَّغم من أبحاثه ودراساته الكتابية الكثيرة، ومن أجلها يُلقَّب بـــ «العلَّامة».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ30، 31. [يتلخَّص تعليم أوريجانوس الذي وَصَلَ إلينا عن هذا الموضوع في: إنَّ نُفُوس البشر جميعاً بما فيهم نفس المسيح البشرية كانت مخلوقة مُنذ الأزل, كجُزء من العالم الرُّوحي أو العقلي (ta logika), وأنَّهم كانوا محفوظين انتظاراً لارتباط كلّ نفس بجسدها الذي ستَتَّحِد به. ونفس المسيح البشرية كانت أيضاً مع الأنفس البشرية الأخرى المُنتَظِرَة مُنذ الأزل. ولكن نفس المسيح, لأنَّها تميَّزَت وتفرَّدَت عن الأنفُس الأخرى بخاصِّية حُبّ التّأمُّل والحقّ, فقد التصقت التصاقاً شديداً «باللُّوغُوس», «كلمة الله» و «حكمة الله», واتَّحدت به مُنذ الأزل أيضاً. وهكذا عند التَّجسُّد, عندما اتَّحدت النَّفس البشرية بجسدها, اتَّحد اللُّوغُوس المُتَّحِد بها بالجسد. وكان هذا هو تفسير أوريجانوس للتَّجسُّد, جاعلاً النَّفس البشرية للمسيح هي أداة الاتِّصال بين «اللُّوغُوس» الذي هو سامٍ عن المادة وبين جسده المادي. وهذه النَّظرية تختلف عن تعليم الكنيسة عن التَّجسُّد, وتعتمد أساساً على الأصل الأفلاطوني عن العالم العقلي, وتعتمد على فِكرة خلق الأرواح البشرية مُنذ الأزل.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ33. [وفي قطعة أُخرى يقول (أثناسيوس في رسالته إلى أبيكتيتوس) بكلّ وُضُوح: «أو كيف يتجاسر أولئك الذين يُدعَوْن مسيحيين أن يشكُّوا فيما إذا كان الرَّب المولود من مريم, بينما هو ابن الله بالجوهر والطَّبيعة, فإنَّه من نسل داود من جهة الجسد, ومن جسد القدِّيسة مريم ؟ أو من هُم إذاً هؤلاء الذين تجاسروا هكذا حتى يقولوا بأنَّ المسيح المُتألِّم بالجسد والمصلوب، ليس هو الرَّب والمُخلِّص والإله وابن الآب. أو كيف يُريدون أن يُدعَوا مسيحيين هؤلاء الذين يقولون بأنَّ الكلمة قد حلَّ على إنسانٍ قدِّيس, كما كان يحلّ على أي واحد من الأنبياء، ولم يَصِرْ هو نفسه (الكلمة) إنساناً باتِّخاذه الجسد من مريم, (ويقولون) إنَّ المسيح هو شخصٌ, وأنَّ كلمة الله الموجود قبل مريم، وهو ابن الآب من قبل الدُّهُور، هو شخصٌ آخر؟!».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ34، 35. [ونختم هذا الجُزء من الدِّراسة بإجمال السِّمات الرَّئيسية لتعليم آباء الإسكندرية اللاهوتي بخُصُوص التَّجسُّد: إنَّ «اللُوغُوس», «الكلمة», الأقنوم الثاني من الثّالُوث القُدُّوس, الذي له نفس الجوهر الذي للآب omoousioV, تجسَّد من الرُّوح القُدُس والعذراء مريم. وكما قال القدِّيس أثناسيوس, فقد جاء الكلمة في شخصه الخاصّ. (1) إنَّنا عندما نقول إنَّ «الكلمة» تجسَّد, فإنَّنا نعني أنَّه وَحَّد في أقنومه جسداً بشرياً مُحيياً, بنفسٍ بشريةٍ عاقلةٍ, وهو كأجسادنا تماماً, ما خَلَا الخطية أو المَيل للخطية. (2) إنَّ هذا الاتِّحاد تمّ في الحَشَا البتولي لحظة التَّجسُّد. ولا يُمكن الفصل بين «الكلمة» وجسده الخاصّ، وإنَّما يُمكن تَتَبُّع طبيعتهما المُختلفتين من خلال التّأمُّل والتَّفكُّر فقط, لأنَّنا واقعياً نرى طبيعة واحدة للتَّجسُّد, هي الطَّبيعة المُتجسِّدة للإله الكلمة mia fusiV tou Qeou Logou sesarkwmenh, وهي طبيعة مُركَّبة من طبيعتين, ولكن لا يُمكن فصلهما إلى طبيعتين: طبيعة إلهية وطبيعة بشرية. لأنَّه لم يكُن في أي وقتٍ من الأوقات قائماً في طبيعتين كلّ على حِدة, لأنَّ الاتِّحاد تمّ في لحظة التَّجسُّد, ولم يقُم ناسوت المسيح مُنفصلاً عن لاهوته في أي لحظة قبل أو أثناء أو بعد التَّجسُّد والقيامة. (3) وحيث أنَّ «الكلمة» هو الأقنوم الواحد في المسيح, فإنَّ كلّ الأفعال والأقوال التي فعلها ربنا يسوع المسيح أو قالها تُنسب إلى «الكلمة», حتى تلك الأقوال أو الأفعال التي تخُصّ الجسد, لأنَّه جسده الخاصّ, فيُقال مثلاً إنَّ «الكلمة» تألَّم في جسده الخاصّ, مع أنَّه غير القابل للألم بحسب طبيعته الإلهية؛ وأنَّه مات, لأنَّ جسده الخاصّ قد مات على الصَّليب, مع أنَّ الكلمة بالطَّبيعة الإلهية الأزلية غير قابل للموت. (4) إنَّ كلمة الله حينما تجسَّد, لم يتَّخِذ شخصاً من البشر, أي إنساناً, وإنَّما اتَّخذ طبيعة بشرية كاملة, جسداً وروحاً, وصار هو نفسه بالتَّجسُّد إنساناً, دون أن يتحوَّل عن كونه الإله الأزلي من حيث لاهوته.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ35. [من القُدّاس الإلهي: يهتف الشَّعب كلّه ويُقرّ بالآتي: «آمين, آمين, آمين, بموتك يا رب نُبشِّر, وبقيامتك المُقدَّسة وصُعُودك إلى السَّموات نعترف, نُسبِّحك, نُباركك يا رب, ونتضرَّع إليك يا إلهنا». هذه صيغة سكندرية تُعبِّر بصدق عن الإيمان الأرثوذكسي للكنيسة الجامعة.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ37. [وتَنقَسِم هرطقته (أي: بولس السّاموساطي) إلى شِقَّين: شِقّ يخُصّ الثّالُوث القُدُّوس, وشِقّ يخُصّ علاقة لاهوت الابن بجسده. أمَّا عن الشِقّ الأول، فهو يطمس التَّمايُز بين الأقانيم الثلاثة, ويقول إنَّ الآب هو الإله الحقيقي وحده, أمَّا الابن والرُّوح القُدُس فهُما مُجرَّد أنشطة للآب الإله الواحد. فهو لا يعترف بأنَّ الابن والرُّوح القُدُس هُما أقنومان مُتميزان. فهو وإن كان ظاهرياً يقول بثالُوث، ولكنَّه في الحقيقة يؤمن بفردانية مُطلقة (أي بوحدانية ترفض التَّثليث). والابن في نظره هو تسمية الكنيسة ليسوع المسيح. أمَّا النِّعمة التي انسكبت على الكنيسة في يوم الخمسين فهي في نظره الرُّوح القُدُس. أمَّا عن الشِّق الثاني من هرطقته، فهو لم يكُن يؤمن بإله مُتجسِّد، بل بإنسانٍ حلَّ عليه اللاهوت, وحتى هذا اللاهوت – بمُوجب الشِّق الأول من هرطقته – لم يكُن أقنوماً (مُتمايزاً). ولا يؤمن باتِّحاد حقيقي بين اللاهوت – حسب مفهومه – مع الإنسان الذي حلَّ فيه.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ38، 39. [النُّصُوص الكتابية عن الثلاثة في واحد: (1) «فاذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والرُّوح القُدُس» (مت 28 : 19). وهو يقول «باسم» وليس «بأسماء», ممّا يؤكِّد أنَّ الثلاثة هُم واحد. (2) «فإنَّ الذين يشهدون في السَّماء هُم ثلاثة: الآب، والكلمة، والرُّوح القُدُس، وهؤلاء الثلاثة هُم واحد» (1يو 5 : 7). وهذا النَّص يُشير إلى تواجد الأقانيم الثلاثة في وقت واحد, فهم ليسوا أدواراً مُتعاقبة لأقنوم واحد.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ39. [الأقانيم هُم أشخاص حقيقيون وليسوا مُجرَّد أنشطة، بدليل أنَّ أقنوماً يُرسل أقنوماً آخر: «لأنَّه هكذا أحبّ اللهُ العالم حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل من يؤمن به» (يو 3 : 16). «لأنَّه لم يُرسل اللهُ ابنه إلى العالم ليدين العالم بل ليُخلِّص به العالم» (يو 3 : 17). «ولكن لمَّا جاء مِلء الزَّمان أرسل اللهُ ابنه مولوداً من امرأة» (غل 4 : 4). «ومتى جاء المُعزِّي الذي سأُرسله أنا إليكم من الآب، روح الحق الذي من عند الآب ينبثق» (يو 15 : 26). وفي هذا النَّص نرى أقنوم الابن يُرسل أقنوم الرُّوح القُدُس, وفيه أيضاً إشارة واضحة إلى أنَّ الرُّوح القُدُس ينبثق من «الآب», وليس من الآب والابن كما يدَّعي الكاثوليك. الانبثاق شيء, والإرسال شيء آخر. أقنوم الرُّوح القُدُس ينبثق من الآب ولكن يُرسل من الابن إلى الكنيسة. «الرُّوح القُدُس الذي سيُرسله الآب باسمي» (يو 14 : 26). «تُرسل روحك فتخلق وتُجدِّد الأرض» (مز 104 : 30). هنا الآب هو الذي يُرسل، طبعاً إلى جوار أنَّه الباثِق أصلاً.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ41. [يُعتبر «ديودور» أسقف طرطوس نموذجاً للتَّيار المُنحرف الذي أفرخ النَّسطورية، ومع أنَّه مات وهو في شركة الكنيسة, بل وكان يُعَدُّ أحدُ مشاهيرها في حياته, وعلى الأخصّ من أجل موقفه من يوليانوس الجاحد، إلا أنَّ كتاباته أُدينت بعد ذلك بعد موته في مجمع أفسس الثاني 449 م.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ42، 43. [شهادة القدِّيس كيرلُّس الكبير ضِدّ تعاليم ديودور في الرِّسالة إلى «سكسينسوس» (الرسالة 45 الفقرة 2، 3). «ولكن حيث أنَّ غِبطتكم تتساءلون عمّا إذا كان من اللّائق أن نتكلَّم عن طبيعتين في المسيح من عدمه, فقد رأيتُ أنَّه كان ينبغي أن أتكلَّم في هذا. فإنَّ واحداً اسمه "ديودور" كان في وقتٍ من الأوقات عدوًّا للرُّوح القُدُس – كما كانوا يُسمُّونهم – ثمّ عاد بعض الوقت إلى شركة الكنيسة. وبعد أن ظنَّ أنَّه قد تخلَّص من لطخة المقدونية, سَقَطَ في مرضٍ آخر, لأنَّه اعتقد وكَتَبَ أنَّ هُناك ابناً وُلِدَ من نسل داود من العذراء القدِّيسة والدة الإله, وابناً آخر على حِدَة, الكلمة من الله الآب. وكَمَن يُخفي الذِّئب بين الحِملان (مت 7 : 15), تظاهر بأنَّه يقول بمسيحٍ واحدٍ لمُجرَّد أنَّه أطلق اسم المسيح على الابن الوحيد الكلمة المولود من الآب, حيث أنَّه – كما يقول هو بنفسه – أنَّه أسند اسم المسيح إليه حسب النِّعمة. وهو يقول إنَّه يدعو الذي من نسل داود ابناً, لأنَّه مُتَّحِد بالابن الذي هو ابن بالحقيقة – ليس مُتَّحِداً كما نجده نحن, بل حسب العِزَّة، وحسب السُّلطان، وحسب المُساواة في الكرامة وحَسْب. وقد تتلمذ "نسطور" على "تيودور" هذا, وعندئذٍ, وقد أُظْلِمَ عقله بكُتُبه, تظاهر بأنَّه يعترف بمسيح واحد، ولكنَّه هو أيضاً يُقسِّم الواحد إلى اثنين قائلاً: "إنَّ الإنسان غير مُنقَسِم قد اتَّصل بالله الكلمة بنفس الاسم وبنفس الكرامة وبنفس العِزَّة", لذلك فهو يفصل الأقوال التي قيلت عن المسيح في الشَّهادات الإنجيلية والرَّسُولية، ويقول إنَّ بعض هذه الأقوال ينبغي أن تُطلق على الإنسان, وواضح أنَّها الأقوال التي تُناسب الإنسانية. وأُخرى يجب أن تُخصَّص لله الكلمة, وهي طبعاً تِلْك التي تليق باللاهوت. ولمَّا كان وفي مواضع كثيرة يفصل ويعتبر على التَّوالي المولود من العذراء القدِّيسة كإنسان على حِدَة، وكذلك الكلمة (الذي) من الله الآب كواحد آخر على حِدَة, فإنَّه لأجل ذلك يقول إنَّ القدِّيسة العذراء ليست والدة الإله, بل هي بالأحرى والدة الإنسان».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ46. [الشَّذرات الواضحة (بقايا كتابات ديودور) الاتِّجاه المُنحرف الذي أفرخ النَّسطورية فيما بعد: أمَّا عن النّوع الأول من الشَّذرات, وهي الواضحة الاتِّجاه المُنحرف فَمِن أمثلتها: «كان هُناك ابنٌ واحدٌ فقط, ابن الله بالطَّبيعة, وإنسانٌ من مريم, الذي هو بالطَّبيعة من نسل داود, ولكنَّه ابن الله حسب النِّعمة، فقد شارك في بُنُوَّة الابن الوحيد ومجده، وعَدَم الموت, والعبادة التي له بالنِّعمة». مأخوذة من شذرات رقم 30 (بريير / أبرام)، أرقام 31، 34، 38 (أبرام). «إنَّ اللهَ الكلمة سَكَنَ في ابن داود سُكنى دائمة، وفي ملء الجلال والمجد, بينما في الأنبياء, فالسُّكنى جُزئية, ولِلَمَحات قصيرة في قمَّة الإلهام». «"شِبْه الآب" يجب أن يتميَّز عن "شِبْه العبد", فبولس لم يتحدَّث عن الله الكلمة أن يُصبح طفلاً من مريم, بل عن الإنسان الذي أُرسل لخلاصنا, فالمولود من مريم هو إنسانٌ حقيقيٌ, ولذلك لا يُمكن أن يكون كائناً قبل السَّموات والأرض, فإن كان كذلك فكيف يكون بشراً ؟ إذا كان ابن إبراهيم فكيف كان كائناً قبل إبراهيم ؟! وإذا كان من نسل داود فكيف كان كائناً قبل كلّ الدُّهُور؟».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ53. [كان ثيئودور يُعارض بشِدَّة التَّقليد السَّكندري وصيغة (الكلمة – جسد), (logos – sarx), وعلى الأخصّ, الجانب المُزيَّف لهذا التَّقليد (الآريوسية والأبولينارية), ففي مُقابل الآريوسية: كان يؤكِّد كمال اللاهوت, ويقول إنَّ لاهوت «الكلمة» لا يجوز أن يُنتَقص. الكلمة لا يُمكن أن يَنْتَقِل من هُنا إلى هُناك, ولا يصير جسداً إلا على سبيل التَّصوُّرkata to docein , وهو يقصد بذلك الاستعارة وليس الخيال Metaphorically rather than docetically ويقول: «إنَّه من الغباء أن نظُنّ أنَّه يُمكن أن تقوم قرابة أو نسب بين طبيعة الله وطبيعة الإنسان. فالله مُنزَّه عن الزَّمان والمكان والتَّغيير والمحدودية». لذلك فهو يقول إنَّ «الكلمة» حلَّ في خيمتنا (Tabernacled) أو اتَّخذ جسداً (assumed flesh) وبذلك لا يكون التَّجسُّد – بحسب شرحه – قد أضفى شيئاً جديداً على اللاهوت.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ53، 54. [في مُقابل أبوليناريوس كان يؤكد [أي: ثيئودور أسقف مبسويستيا] على كمال ناسوت المسيح مُعطياً اهتماماً بالغاً لمُمارسات المسيح الإنسانية, مُثيراً للجدل عن أنَّه حيث إنَّ الخطية تنبع عن الإرادة, لذلك فالضَّرورة أن يتَّخِذ المسيح نفساً بشرية, وحتى يهدم النَّظرية التي تفترض أنَّ اللوغوس هو المُحرِّك الرَّئيسي لشخص المسيح وأنشطته الحيوية, كان يقول إنَّه إذا كان هذا صحيحاً فإنَّ ناسوت الرَّب يجب أن لا يتعرَّض للضَّعفات الطَّبيعية للأجساد البشرية مثل الجوع والعطش والتَّعب.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ55. [(هذا كلام ثيئودور أسقف مبسويستيا) «الكلمة لا يُمكن أن يتَّحِد بالإنسان, لا جوهرياً (kaq ousian), ولا بالعمل المُباشر (kaq energeian), فاللاهوت يتواجد في كلّ مكان بالوسيلتين. ولكن وجوده في الإنسان المُتَّخَذ هو وجودٌ خاصّ, فإن كان وجود الله في البشر العاديين والأنبياء يُعطيهم الدَّعم والمعونة, فإنَّه بالمُقابل يتواجد في الإنسان المُتَّخَذ هو كما في ابن. وهذا يعني أنَّ الإنسان بكُلِّيَّتِه قد اتُّخِذ حتى جُعِل يُشارك الابن الذي هو ابن بالطَّبيعة في الكرامة والمجد, ولكنَّ الاتِّحاد هُنا هو حسب النِّعمة أو التَّفضُّل (kaq eudocian), ويقول إنَّه كان من الأصوب (!!) للقدِّيس بولس في (رو 9 : 5) أن يقول: «الذي فيه الله كائناً فوق الكُلّ», بدلاً من قوله «الكائن على الكل إلهاً مُباركاً إلى الأبد آمين», ويقول إنَّ القدِّيس بولس قال النَّص بهذه الطَّريقة التي قالها بها رُبَّما لأنَّ ذهنه كان مُنصرفاً إلى المُصاحبة اللَّصيقة للطبائع (!!)]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ58. [رأينا من الأمثلة التي ذكرناها أنَّ السِّمة الرَّئيسية للّاهوت النَّسطوري هي الاعتقاد بأقنوم وشخص مُستقل لناسوت المسيح, وأنَّ الارتباط بينه وبين الكلمة لا يزيد عن المُصاحبة أو السُّكنى: اللوغوس يسكن الجسد كما في هيكل, أو يلتحف به كرداء, وأنَّ الجسد ينال كرامة مع اللوغوس كما أنَّ رداء الملك يجد كرامة من أجل أنَّه الرِّداء الذي يلتحف به الملك. وسِمة أخرى ظهرت بالأكثر عند ثيئودور أنَّ نفس المسيح البشرية لها دور خلاصي, وهو أنَّه مادامت الخطية ناتجة عن الإرادة الحُرَّة للنَّفس, فوجود نفس بشرية للمسيح ضرورة للخلاص, حيث يتمّ الخلاص بانتصار المسيح كإنسان على الخطية، وهذا يجعل الخلاص عملاً إنسانياً وليس عملاً إلهياً.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ59-61. [آباء الإسكندرية يُعلِّمون بأنَّ الله الكلمة اتَّحد بجسد بشري مُحَيَياً بنفس عاقلة (nouV) وأنَّ الصِّلة بين اللاهوت وجسده هو اتِّحاد حقيقي (enwsiV), ليس بمعنى الاختلاط أو الامتزاج, بل لأنَّ الجسد هو جسده الخاصّ الذي وُجِد في ذات لحظة التَّجسُّد, ولأجل التَّجسُّد, وأنَّه لم يُوجد مُستقلّاً, ولن يُوجد مُستقلّاً أو على انفراد, لا قبل التَّجسُّد, ولا بعد التَّجسُّد. ولذلك فإنَّ مركز الشَّخصية للإله المُتجسِّد هو «الكلمة», لذلك فإنَّ كلّ ما قاله, وما فعله الإله المُتجسِّد, قاله وفعله اللوغوس, حتى تلك الأقوال والأفعال التي تخُصّ الجسد, لأنَّ اللوغوس هو مركز الشَّخصية, أمَّا الجسد فهو أداة الشَّخصية في القول أو الفعل, لذلك فالتَّقليد السَّكندري يُحرِّم تجزئة الأقوال والأفعال إلى أقوال وأفعال تُنسب إلى الله الكلمة على حِدَة, وأقوال وأفعال تُنسب إلى الإنسان على حِدَة (الحرم الرّابع من الحُرُومات الاثني عشر للقدِّيس كيرلُّس), ولذلك نقرأ في كتابات القدِّيس أثناسيوس وغيره من آباء كنيسة الإسكندرية تعبيرات مثل: «المسامير التي دُقَّت في يديه ورجليه, والموت الذي جازه على الصَّليب, والقيامة والصُّعُود إلى السَّموات, والجلوس عن يمين الآب … إلخ». نقرأ هذه التَّعبيرات جميعها منسوبة إلى الكلمة المُتجسِّد, مع أنَّها في واقع الأمر أشياء حدثت لجسده، فلأنَّها حدثت في جسده الخاصّ فهي تُنسب إليه. وليس عجيباً إذاً أن نسمع في القُدّاس الإلهي للكنيسة القبطية تعبيرات مثل: «آمين, آمين, آمين, بموتك يا رب نُبشِّر, وبقيامتك المُقدَّسة, وصُعُودك إلى السَّموات نعترف, نُسبِّحك, نُباركك, نشكرك يا رب» …. إلخ. ومع أنَّ الموت والقيامة والصُّعُود أشياء حدثت بالجسد, وأنَّ التَّسبيح والشُّكر أُمُور خاصَّة باللاهوت, إلا أنَّ الذي مات بجسده هو هو الذي نُسبِّحه … الكلام مُوجَّه لشخصٍ واحدٍ, هو شخص الكلمة المُتجسِّد الذي مات (بجسده), وقام (بجسده), وصَعد (بجسده), وله التَّسبيح والبركة والشُّكر. لابد أن يكون المُخلِّص هو الله نفسه, لأنَّه هو وحده الذي يُمكنه أن يُقدِّم ذبيحة لا محدودة في قيمتها, بالرَّغم من أنَّها ذبيحة بشرية وبلا عيب، إلا أنَّها إلهية أيضاً لسبب اتِّحاد اللاهوت بالنّاسوت المُقدَّم كذبيحة, ولسبب أنَّ الذي قام بتقديم نفسه عن حياة العالم هو الله الكلمة بحسب إنسانيته الخاصَّة. وقد ورد في رسالة القدِّيس كيرلُّس إلى سكسينسوس أسقف أيقونية الفقرة 13 أنَّ موته هو وحده يُعَدّ مُساوياً لحياة الجميع.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ64. [المؤرِّخ الكنسي «سُقراط» [ضمن المصادر التاريخية التي أرَّخت للصِّراع النَّسطوري]: للسَّبب المُتقدِّم نفسه [أي أنَّ سُقراط هو المصدر الرَّئيسي لتاريخ القدِّيس كيرلُّس الكبير وللصِّراع النَّسطوري] نجد أنَّنا ينبغي علينا التَّعرُّف على هَوِيَّة الكاتب نفسه ومُيوله, للتّأكُّد من صِدْق روايته، وللحُكم على حَيْدَته, ولنتعرَّف على عمّا إذا كانت آراؤه ونظرته الخاصَّة للأحداث قد أثرَّت فيما أورد من أخبار أم لا.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ78. [كان نسطور يقول: «لا يُمكن أن يكون لله أُمّ, فالمخلوق لا يَلِد اللاهوت … الذي ولدته مريم إنسانٌ هو. هو أداة اللاهوت وحَسْب. لا يُمكن أن يُلَفَّ اللهَ في خِرَق، ولا يُمكن أن يتألَّم أو يموت أو يُدفن». لذلك لا غرابة فيما كتبه القدِّيس كيرلُّس في رسالته الأولى إلى نسطور, وهي الرِّسالة الثانية في سلسلة رسائل القدِّيس كيرلُّس: «لأنَّ البعض قد اقتربوا من رفض الاعتراف بأنَّ المسيح هو الله، بل يقولون إنَّه بالحريّ أداة ووسيلة للاهوت، ومُجرَّد إنسان حامل لله».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ90، 91. [بل أنَّ كتاب (Bazaar of Heracleides) الذي أُلِّف بعد عشرين عاماً من الحُكم عليه, والذي اكتشف «Loofs» نُسخة سريانية منه وترجمه وقام بنشره أوائل هذا القرن, وحاول به إثارة دفاع حديث عن نسطور. هذا الكتاب الذي كُتِبَ أصلاً – كما ذكرنا – بغرض الادِّعاء بأنَّ مجمع خلقيدونية أنصف فِكر نسطور ! هذا الكتاب يؤكِّد أنَّه لم يكن يتكلَّم بزلَّة لسان أو تسرُّع. وإنَّما عن عقيدة يُصِرّ عليها هو وأتباعه, حتى وهُم يُحاولون تجميلها, تفضحه ثلاثة جُمَل نقتبسها على سبيل المثال: (1)«هُما شخصان (proswpa), شخصُ ذاك الذي ألبَس, وشخص الذي لَبِسَ». (2) «لذلك فإنَّ صورة الله هي التَّعبير التامّ عن الله الإنسان. فصورة الله المفهومة من هذا المُنطلق يُمكن أن نظن أنَّها الشَّخص الإلهي. الله سكن في المسيح وكشف ذاته للبشر من خلاله. مع أنَّ الشَّخصين (proswpa) هُما في الحقيقة صورة واحدة لله». (3) «يجب أن لا ننسى أنَّ الطَّبيعتين تستلزمان أقنومين وشخصين (proswpa) فيه مُتَّحِدان بقرض بسيط وتبادل». فهذه الاقتباسات الثَّلاث تُوضِّح أنَّ الفِكر النَّسطوري عن المسيح أنَّه أقنومين وشخصين باتِّحاد رباطي وحسب.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ96، 97. [لم تكُن المجامع المسكونية عملاً كنسياً صِرْفاً، بل كانت فعلاً ذا شقَّين مُتلازمين, لا يصِحّ أن تنعقد إلا بتوافرهما معاً: الشِّق الأول: كنسي, لأنَّها كانت تلتئم من خلال اجتماع أساقفة الكنيسة الجامعة من أكثر من إيبارشية، بغرض بحث قضايا كَنَسِيَّة, سواء أكانت هذه القضايا هي البحث في صِحَّة تعليم ما, أو الحُكم على شخص ما من الإكليروس, غالباً لسبب يتعلَّق بعقيدته, أو أحد تصرُّفاته الكَنَسِيَّة, أو لاستحداث أو تعديل نِظام مُعيَّن في الكنائس العامَّة. أمَّا الشِّق الثاني الواجب توافره فهو مدني, أي سُلطة الدَّولة, وكلمة (Ecumenical Councils) مُشتقَّة من الكلمة (oikoumenh) أي المسكونة أو المعمورة. لذلك فالمجامع السّابقة على عصر قُسطنطين الكبير كانت كُلّها مجامع مكانية, ولم يُمكن أن تبدأ مجامع مسكونية قبل أن يعتنق قُسطنطين المسيحية. وهو الذي دعا إلى المجمع المسكوني الأول بنقية. والدَّعوة إلى المجمع المسكوني هو حقٌ فريدٌ للتّاج بلا مُنازع. ويُصْدِر الإمبراطور مرسوماً إمبراطورياً بالتئام المجمع مُبيِّناً به مكان وزمان المجمع ويُسمِّى رئيسه. ويُدعَى لعضوية المجمع والمُشاركة فيه الأساقفة الخاضعين مدنياً لنطاق الإمبراطور الدّاعي. وكانت خزانة الدَّولة تتكفَّل بجميع تكاليف الانتقال والإعاشة للأعضاء المُشاركين, وكان من واجبها أيضاً حفظ النِّظام داخل الجلسات, ومُراقبة كلّ ما يحدث فيها بواسطة مندوبين (commissioners).]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ98. [عقد كرسي الإسكندرية مجمعاً مكانياً ناقش فيه عقيدة نسطور, وحكم بفسادها, وقطع كلّ من يعتقد بها. وأرسل القدِّيس كيرلُّس لنسطور رسالة يشرح فيها الإيمان الصَّحيح حاثَّاً إيّاه على ترك مُعتقداته الهرطوقية, وضمَّنها اثني عشر حرماً, وطلب منه التَّوقيع عليها (الرِّسالة 17). ولكن نسطور استشاط غضباً, وعقد مجمعاً مكانياً في القُسطنطينية من الأساقفة الذين شايعوه, وكَتَبَ للقدِّيس كيرلُّس رسالة مُضادَّة ضمَّنها اثني عشر حرماً مُضاداً.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ98، 99. [وبعد المُكاتبات المُتبادلة مع أساقفة الشَّرق ومع أسقف رومية والقدِّيس كيرلُّس الكبير, أصبح الرّأي السّائد بين الجميع أن يُوضع حدّ للعثرة التي أصابت الكنيسة, وفوَّضوا القدِّيس كيرلُّس لمُخاطبة الإمبراطور في ذلك, فكَتَب إليه قائلاً: «إنَّ آباءك كانوا غيورين على الكنيسة, مؤيِّدين لها, مُدافعين عن عقائدها, ولقد عاونوا رجالها في تثبيت الإيمان الأرثوذكسي الصَّحيح, فنالوا منهم البركة. وها إنَّه في عهدكم الزّاهر قد ظَهَرَ نسطور هذا الذي يُريد أن يُشتِّت البَيْعة بضلاله … لهذا نسأل جلالتكم أن تأمروا بعقد مجمع عامّ للنَّظر في موضوع هذا الرَّجل, فندعو لك ونبارك مُلكك». وهكذا صَدَرَ أمر الإمبراطور أن ينعقد مجمع عام في مدينة أفسس. ودعا جميع الأساقفة لحضوره برسائل, وعيَّن القدِّيس كيرلُّس ليرأسه, كما عيَّن مندوبي الدَّولة برئاسة ضابط كبير من حرسه الخاصّ يُسمَّى «كنديديان», وتحدَّد عيد العنصرة من عام 431م موعداً لهذا المجمع.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ106، 107. [نماذج من استعمال الكلمة [المقصود استعمال كلمة "الطَّبيعة"] في العهد الجديد: (2 بط 1 : 3 ، 4): «كما أنَّ قدرته الإلهية قد وهَبَتْ لنا كل ما هو للحياة والتَّقوى بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة (doxh kai areth) اللذين بهما قد وَهَب لنا المواعيد العُظمى والثَّمينة, لكي تصيروا بها شُركاء الطَّبيعة الإلهية (qeiaV koinwnoi fusewV) هاربين من الفساد الذي في العالم بالشَّهوة». والكلمة «شُركاء» جاءت باللُّغة اليونانية (koinwnoi) وهي الكلمة التي تستعملها الكنيسة للتَّعبير عن اشتراك الأفراد في العمل الواحد والإيمان الواحد والتَّكامل والمحبة والاتِّحاد بينهم, وواضح هُنا أنَّ المعنى المقصود أن نشترك مع الله في بعض الأوصاف الإلهية. تماماً مثل قوله «كونوا أنتم كاملين كما أنَّ أباكم الذي في السَّماوات هو كامل» (مت 5 : 48), إنَّه اشتراك البشر في صفة الكمال الذي لله. ولكن كمال البشر هو كمال نسبي وكمال الله هو كمال مُطلق. وفي نصّ القدِّيس بطرس, نراه يحرس المعنى ببعض التَّعبيرات الهامَّة, فالذي يُعطينا الشَّركة في بعض الأوصاف الإلهية هي المواعيد العُظمى والثَّمينة التي أتت لنا بالدَّعوة بالمجد والفضيلة, لنشترك مع الله في قداسته, هاربين من الفساد الذي في العالم بالشَّهوة. إذن, معنى الطَّبيعة (fusiV) هُنا هو مجموعة الصِّفات التي تُميِّز الكائن.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ109. [رأينا استعمالات مُتكرِّرة للكلمة (fusiV) أو (fosewV), أي الطَّبيعة, وجميعها – رغم اختلاف سياق الجملة – إنَّما تقود بعد التَّحليل إلى معنى واحد, وهو مجموع الصِّفات التي تخُصّ نوع من الكائنات وتُميِّزها، ويُمكن التَّعرُّف عليها من خلالها.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ112، 113. [مع أنَّ صيغة: «الطَّبيعة الواحدة المُتجسِّدة لله الكلمة» (mia fusiV tou Qeou Logou sesarkwmenh) هي ميراث التَّقليد الرَّسُولي لكنيسة الإسكندرية, وأكَّدتها كتابات القدِّيس أثناسيوس المُختلفة, إلا أنَّها ارتبطت ارتباطاً وثيقاً بالقدِّيس كيرلُّس الكبير, نظراً للصِّراع النَّسطوري الذي فُرِضَ على هذا القدِّيس, واستنفذ حياته كلّها, وكانت تلك الصِّيغة هي مجال جهاده كلّه. استعمل القدِّيس كلمة «الطَّبيعي» (fusikh) و «حسب الطَّبيعة» (kata fusin) مِراراً كثيرة في رسائله, وكان استعماله للكلمة هو ذات استعمال الإنجيل المُقدَّس الذي عرضناه قبلاً, وبنفس استعمال القدِّيس أثناسيوس لها أيضاً. في الرِّسالة الأولى مثلاً: «لأنَّه حينما يُتأكَّد هكذا أنَّ المولود من العذراء القدِّيسة هو الله "حسب الطبيعة", فإنَّي أظُنّ بالضَّرورة أنَّه لن يخشى أحدٌ مُطلقاً أن يُفكِّر وأن يُجاهر أيضاً أنَّه ينبغي أن تُدعى والدة الإله, وهذا لائق جداً» (فصل 10).]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ119، 120. [وهذا التَّعبير يَرِد بصيغتين مُتبادلتين: (mia fusiV tou Qeou Logou sesarcwmenh) طبيعة مُتجسِّدة واحدة لله الكلمة. (mia fusiV tou Qeou Logou sesarcwmenou) طبيعة واحدة لله الكلمة المُتجسِّد. فاللفظ عندما يكون عائداً على «الطَّبيعة» يأتي هكذا (sesarcwmenh). وعندما يكون عائداً على «الكلمة» يأتي هكذا (sesarcwmenou).]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ121. [كلمة (proswpon) كلمة قديمة في الاستعمال الأدبي والشَّعبي اليوناني القديم. وقد استعملت في الحياة الأدبية اليونانية القديمة بمعنى شخص على المسرح, ثم تدرَّجت في الاستعمال الدّارج على المسرح فأصبحت تعني «القناع» الذي يلبسه المُمثِّل ليؤدي شخصية ما على المسرح, ثم أصبحت تعني «الدَّور» الذي يقوم المُمثِّل بتأديته على المسرح. وقد وردت الكلمة في العهد الجديد 73 ثلاثة وسبعين مرَّة, أكثرها بمعنى «وجه» أو «مُواجهة» أو «وجهاً لوجه», وبعضها تُرجم في التَّرجمة البيروتية التي بين أيدينا بـــ «حضرة» أو «قُدّام» أو «شخص», وكلها بطريقة أو بأخرى تحمل في طيّاتها معنى «الوجه» أو «النَّظر إلى» أو بـــ «مُواجهة».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ125، 126. [هرطقة «سابليوس»: كانت لكلمة (proswpon) في الاستعمال اليوناني القديم, إلى جوار استعمالات العهد الجديد, واستعمال أرسطو, بمعنى «وجه» كما بيَّنا كان لها على المسرح, كما ذكرنا استعمالات اشتقاقية أخرى, فقد استعملت بمعنى القناع الذي كان يلبسه المُمثِّل على خشبة المسرح ليساعده في تقمُّص دوره, ثمّ تطوَّر استعمال الكلمة إلى الشَّخصية التي كان يُقدِّمها المُمثِّل على المسرح, ثمّ إلى الدَّور نفسه الذي كان يؤدِّيه. وقد أرجع «سابليوس» الهرطوقي الكلمة إلى هذه الاستعمالات، حين جنح إلى هرطقته التي أزاحت التَّمايُز بين الأقانيم, وعلَّمت أنَّ الآب والابن والرُّوح القُدُس ليسوا إلا أدوار (proswpa) مُتعاقبة لأقنوم واحد, هو هو نفسه كان «الآب» في العهد القديم, وأصبح «الابن» في التَّجسُّد, ثمّ «الرُّوح القُدُس» في يوم الخمسين. لقد أنكر سابليوس وجود ثلاثة أقانيم أو وجوه (proswpa) بالمعنى الذي علَّم به الآباء, وعلَّم أنَّ هذه الثلاثة وجوه هي ثلاث حالات أو أدوار لأقنوم واحد، فاستعمل كلمة (proswpon) بالمعنى المسرحي القديم, وليس بالمعنى الكتابي الآبائي. فاضَّطر الآباء المُتكلِّمون باليونانية إلى هجر كلمة (proswpon) لئلا تختلط بالمفهوم الهرطوقي الذي استحدثه سابليوس, واستعملوا بدلاً منها كلمة قريبة منها في المعنى (upostasiV), ومع ذلك فقد بقي لكلمة (proswpon) شأن كبير سيظهر في الجدل الخريستولوجي في القرن الخامس, وسنورده بتفصيل فيما بعد.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ126، 127. [معنى كلمة (proswpon) في الاستعمال اللاهوتي: رأينا أنَّ الأصل في استعمال الكلمة في العهد الجديد هو «وجه» أو أي اشتقاق لهذا المعنى. وبتحليل مُكوِّنات الكلمة نجد أنَّها تتكوَّن من مقطعين: عين (wy) + نحو (proV), فتكون للكلمة (proswpon) معنى «ينظر نحو». ويُلاحظ أنَّ حرف المعنى (proV) يتضمَّن معنى «الحركة نحو». وقد استعمل هذا الحرف في (يو 1 : 1) «وكان الكلمة نحو الله» (kai o LogoV hn proV ton Qeon) ليُشير إلى العلاقة بين الابن والآب، فهي علاقة حركة وحياة وليس علاقة سُكُون، فاستعمال كلمة (proswpon) بمعنى «شخص», لا تُرادف كلمة «فرد», وإنَّما معناها «من يتَّجِه نحو الآخر». فثلاثة أفراد لا يُمكن أن يكونوا ثلاثة (proswpon) إلا إذا كان الثلاثة ينظرون ويتَّجهون إلى بعض، ومن هُنا كان اختيار الآباء للكلمة للتَّعبير عن الأقانيم. فالأقانيم الثلاثة هم أشخاص لهم ارتباط ببعض وليسوا أفراداً مُنعزلين. وفي الجدل الخريستولوجي في القرن الخامس ظلّ نسطور يؤكِّد على وجود شخصين في المسيح مُتَّحدَين، شخص الكلمة, وشخص الإنسان, وشخص ثالث هو «شخص الاتِّحاد». فإذا تذكَّرنا معنى كلمة (proswpon) كما وضَّحناه أعلاها أنَّه «من يتَّجِه أو ينظر إلى آخر», فإنَّنا سوف نُدرك للتَّو أنَّه يستحيل اتِّحاد شخصين في شخصٍ واحد, لأنَّه يستحيل أن يتَّجه نحو آخر من هو مُتَّجِه نحو نفسه.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ128. [تتكوَّن الكلمة [أي كلمة هيبوستاسيس "أقنوم"] لُغوياً من جزئين: (1) upo مقطع له عِدَّة معانٍ في اللغة اليونانية: أ) بواسطة (by, by means of) – تحت يديّ (at the hands of), ب) تحت (under) – أسفل (below) – تحت سُلطة (under the authority of). (2) stasiV ولها أيضاً معنيان: أ) جَدَل، حِوار عنيف (dispute) – نقاش (argument) – خِلاف، نِزاع (discord) – شَغَب، هِياج، إخلال بالأمن العام (riot). ب) وقوف (standing) – وجود، كينونة (existence). فالكلمة إذاً تعني «الوجود والكينونة والقيام بواسطة أو فوق». وقد استعملت الكلمة في الفلسفة اليونانية القديمة عند المدارس الأفلاطونية.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ131، 132. [أمَّا اللاهوت الشَّرقي النّاطق باليونانية, وعلى الأخصّ اللاهوت السَّكندري البالغ الدِّقة, فقد ميَّز في الاستعمال بين الكلمتين [أي: كلمتيّ جوهر وأقنوم], فخصَّ الجوهر الواحد لله بكلمة (ousia), وخصَّ الأقنوم بكلمة (upostasiV). وقد ركَّز أوريجانوس على تمايُز الأقانيم (upostasiV) دون اهتمام كافٍ للتأكيد على وحدة الجوهر الإلهي, فبدا كما لو كان يؤكِّد على التَّمايز دون التأكيد على وحدة الجوهر, فمهَّد ذلك لِما صار يُعرف بالتَّدرُّج القِيَمِي (subordination) وعدم مُساواة الأقانيم الثلاثة في الجوهر، وكان هذا منشأ الفكر الأريوسي.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ135، 136. [«أرسطو» أيضاً استعمل الكلمة (ousia), وإن كان ليُعبِّر عن كلّ ما هو حقيقي, ولكن بمعنى آخر. الحقيقي عند أرسطو هو كلّ ما هو عامّ وغير مُشخصن. فالإنسان كحقيقة عامَّة, أي جوهر, هو ousia، ولكن لكل إنسان وجوده الخاصّ الذي يُميِّزه كفرد. عموم البشر لهم جوهر واحد, هو جوهر البشرية, ولكن لهم وجود مُشخصن في كل شخص على حدة. يوجد جوهر (ousia) واحد للبشر عامَّة ووجود شخصي في كل فرد. ويشترك أبناء الجوهر الواحد في صِفات عامَّة يشتركون فيها شرحناها سابقاً على أنَّها طبيعة (fusiV) هذا الجوهر.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ137. [الشَّخص (proswton) يعني مَنْ له ضمير المِلكية. ويحمل الطَّبيعة ويتعامل مع الآخر ويتبادل العلاقات. وهو صاحب القرار. والشَّخص يُمكنه أن يحمل طبيعة واحدة (طبيعة بسيطة), ويُمكنه أن يحمل أكثر من طبيعة (طبيعة مُركَّبة), على أن تكون هذه الطَّبائع في حالة اتِّحاد طبيعي أقنومي. والشَّخص دائماً بسيط ولا يتركَّب من شخصين أو أكثر على الإطلاق.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ137. [الطَّبيعة (fusiV) مجموع الصِّفات التي تُميِّز الكائن, وتظل الطَّبيعة مُجرَّد معنىً مُجرَّداً حتى توجد بالفعل في شخص يحملها (وهذا طبعاً بالنِّسبة للكائنات العاقلة), فالشَّخص هو مالك الطَّبيعة.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ138. [الأقنوم (upostasiV) هو الشَّخص مع الجوهر أو الطَّبيعة التي يحملها. والأقنوم يعني التَّمايُز, فهو يعني الكينونة المُتمايزة. ولذلك فهُناك أقنوم بسيط له طبيعة بسيطة, وأقنوم مُركَّب (sunqetoV upostasiV) له طبيعة مُركَّبة.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ139. [«كلمة الله» كان يملك الطَّبيعة الإلهية الواحدة مع الآب والرُّوح القُدُس, أي له ذات الجوهر الواحد مع الآب, ولكنَّه حينما تجسَّد صار يملك بالإضافة إلى الطَّبيعة الإلهية التي هي طبيعته الأصلية، الطَّبيعة البشرية التي اتَّخذها من العذراء مريم بالرُّوح القُدُس. وبهذا الاتِّحاد الأقنومي أو الطَّبيعي صار أقنوم الكلمة مُركَّباً (synthetos) – (sunqetoV) حسبما علَّم القدِّيس كيرلُّس الكبير. إذن, فالله الكلمة المُتجسِّد: له شخص (proswton) واحد بسيط. ولكن له أقنوم (upostasiV) مُركَّب.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ140. [في الثالوث الأقدس مثلاً: على الرَّغم من وحدة الأقانيم في الجوهر الواحد, فإنَّ أقنوم «الآب» هو والد, وأقنوم «الابن» هو مولود, والوالد لا يُمكن أن يكون مولوداً في نفس الوقت !]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ145. [في الرِّسالة المجمعية (رقم 17): «نحن لا نعتقد أنَّ "الكلمة" صار جسداً بمعنى أنَّه سكن فيه كما يسكن في أي من القدِّيسين، فالسُّكنى فيه ليست كالسُّكنى فيهم. لقد اتَّحد "الكلمة" حسب الطَّبيعة (kata fusin) بالجسد ولم يتحوَّل إلى الجسد, بل أحدث سُكنى مثل ما يُقال عن سُكنى النَّفس البشرية في جسدها الخاصّ» (17 : 9).]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ153. [إنَّنا لا نستطيع أن نعرف كيفية الاتَّحاد الأقنومي لأنَّه كما يصفه هو: فائق الوصف (afrastiV), سرّي بصفة مُطلقة (aporrhtoV pantelwV), لا يُنطق به (arrhtoV), يفوق العقل (aperigohtoV), سرّي وفائق العقل (aporrhtoV kai uper noun). «إنَّ كيفية الاتِّحاد عميقة جداً, وفائقة الوصف, وفائقة لمداركنا. فمن الجهالة التامَّة أن نخضع للبحث العقلي ما يفوق العقل، وأن نُحاول أن نُدرك بعقولنا الذي لا يُدرك بالعقل. أم لستَ تعلم أنَّ ذلك السِّر العميق ينبغي أن يُعبد بإيمان بلا فحص ؟ وأمَّا السُّؤال الجاهل: "كيف يُمكن أن يكون هذا ؟", فإنَّنا نتركه لنيقوديموس وأمثاله. وأمَّا نحن فإنَّنا نقبل بدون تردُّد أقوال روح الله, ونثق أنَّ المسيح القائل: "الحق أقول لكم: إنَّنا نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا"».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ156. [الحرم الثاني: «ومن لا يعترف أنَّ "الكلمة" الذي من الله الآب قد اتَّحد بالجسد أقنومياً. وهو مع جسده الخاصّ مسيح واحد، وأنَّه هو نفسه إله وإنسان معاً، فليكن محروماً». وهذا الفصل يؤكِّد على الاتِّحاد الأقنومي. ومعنى الاتِّحاد الأقنومي هو اتِّحاد طبيعتين أو أكثر في شخص واحد, على أن يكون الاتِّحاد طبيعي, ويتكوَّن نتيجة هذا الاتِّحاد طبيعة واحدة بأقنوم واحد وشخص واحد. مُلاحظة: ليس كل اتِّحاد طبيعي هو اتِّحاد أقنومي, فاتِّحاد النار بالحديد مثلاً هو اتِّحاد طبيعي, ولكنَّه ليس اتِّحاداً أقنومياً لأنَّه لا يتمّ في شخص.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ170. [من الرِّسالة الخامسة من سلسلة مُكاتبات القدِّيس كيرلُّس, وهي من رسالة نسطور الثانية إلى القدِّيس كيرلُّس: «في كلّ موضع من الكتاب المُقدَّس, حينما يُذكر تدبير الرَّب, فإنَّ الولادة من أجلنا, والآلام تُنسب لا إلى لاهوت المسيح, بل إلى ناسوته, وهكذا فحسب أدقّ تسمية, فإنَّ العذراء القدِّيسة تُدعى والدة المسيح, وليس والدة الإله».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ170. [من الرِّسالة الخامسة أيضاً فقرة 6: «وفي هذا أنا أمتدح التَّمييز بين الطَّبائع حسب تعريفها إلهية وإنسانية, والارتباط بينهما في شخص واحد, وعدم القول بأنَّ الله الكلمة كان بحاجة أن يُولد مرة ثانية من امرأة، والاعتراف بأنَّ اللاهوت لا يقبل الآلام. حقاً فإنَّ هذا التَّعليم أرثوذكسي, وبخلاف كلّ الآراء الرَّديئة لجميع الهرطقات التي تمس طبيعتي السيد».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ171، 172. [فقرة 8: «لذلك فإنَّه صوابٌ وجديرٌ بالتَّقاليد الإنجيلية أن نعترف أنَّ الجسد هو هيكل للاهوت الابن، وهو هيكل مُتَّحِد باللاهوت, بحسب ارتباط إلهي سامٍ. وأنَّ ما يخُصّ الجسد, كما لو كان يخُصّ طبيعته اللاهوتية. ولكن أن تنسب باسم هذه العلاقة إلى لاهوته خصائص الجسد المُرتبطة به، أعني الميلاد والمُعاناة والموت, فهذا يا أخي نِتاج عقل قد انخدع حقاً كالوثنيين, أو عقل مريض كعقل ذلك المجنون أبوليناريوس, وآريوس, والهراطقة الآخرين, بل وأكثر مدعاة للأسى منهم. لأنَّهم بالضُّرورة مثل هؤلاء الذين ينزلقون إلى الضَّلال بكلمة "العلاقة" هذه قد جعلوا الله الكلمة يشترك في التَّغذِّي باللَّبن, ويشترك في النُّمو قليلاً قليلاً, ويتملَّكه الخوف وقت آلامه, ويكون مُحتاجاً لملاك يُقوِّيه. ولِأعبِّر في صمت على الختان وتقديمه نفسه ذبيحة، والعرق، والجوع، والعطش، الذي تعرَّض له جسده نيابةً عنّا، وهي مُرتبطة بلاهوته في العبادة. فإذا نُسبت هذه للاهوته، ومن الباطل أن تُنسب هكذا، فذلك مدعاة لإدانتنا العادلة كمفتريِّين».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ174، 175. [وعلى الرَّغم من أنَّ مجمع خلقيدونية أكدَّ حرم نسطور, وأعلن جميع الفرقاء في هذا المجمع اعترافهم بإيمان القدِّيس كيرلُّس, وضُمَّت الرِّسالة العقائدية (الرابعة) إلى وثائق المجمع المذكور. ومع كلّ ذلك, فقد حاول نسطور (أو أيًّ من كان الكاتب الحقيقي للكتاب) في كتابه أن يُوفِّق بين عقيدته ونتائج مجمع خلقيدونية. ولكنَّنا سنرى الآن أنَّ الكتاب فضح زيف هذا الادِّعاء, وسنرى أنَّه حمل كلّ سِمات فكره المُنحرف. وفيما يلي ثلاثة اقتباسات من الكتاب تؤكِّد ذلك: (1) «هُما شخصان (proswpa)، شخص ذاك الذي ألبَس, وشخص الذي لَبِسَ». (2) «لذلك فإنَّ صورة الله هي التَّعبير التّام عن الله الإنسان. فصورة الله المفهومة من هذا المُنطلق يمكن أن نظُنّ أنَّها الشَّخص الإلهي. الله سكن في المسيح, وكشف ذاته للبشر من خلاله. مع أنَّ الشَّخصين (proswpa) هُما في الحقيقة صورة واحدة لله». (3) «يجب أن لا ننسى أنَّ الطَّبيعتين تستلزمان أقنومين وشخصين (proswpa) فيه مُتَّحِدان بقرض بسيط وتبادل».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ177. [اقتباسات من أقوال نسطور وردت في كتابات القدِّيس كيرلُّس بهدف الرَّد عليها: من الرِّسالة إلى «أكاكيوس» أسقف ميليتين (الرسالة 40) الفقرة العاشرة: «وبناءً على ذلك، فإنَّنا نجد أنَّ نسطوريوس قد أنكر تماماً ميلاد ابن الله الوحيد حسب الجسد, لأنَّه يقول إنَّه لم يُولد من امرأة حسب الكُتُب, فهو يتكلَّم هكذا: "تعلَّمت من الكُتُب الإلهية أنَّ الله جاء من العذراء أم المسيح، ولكن لم أتعلَّم في أي مكان أنَّ الله وُلِدَ منها". وأيضاً في تفسير آخر يقول: "لا يَذْكُر الكتاب الإلهي في أي موضع أنَّ الله وُلِدَ من العذراء أُمّ المسيح، بل المسيح يسوع الابن والرَّب"، إنَّه يقول هكذا، فكيف يشُكّ أيّ واحد أنَّه بقوله هذه الأشياء هو يُقسِّم الابن الواحد إلى ابنين، واحد منهما مأخوذاً على حِدَة، يقول إنَّه هو ابن ومسيح ورب، الكلمة المولود من الله الآب، أمَّا الآخر وأيضاً مأخوذاً على حِدَة, يقول إنَّه ابن ومسيح ورب، وُلِدَ من العذراء القديسة ؟…».]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ178. [الفقرة 16 من نفس الرِّسالة: «ولكنَّ هرطقة نسطوريوس تختلف تماماً عن هذا, لأنَّه يتظاهر أنَّه يعترف أنَّ الكلمة الذي هو الله تجسَّد وصار إنساناً، ولكنَّه إذ لم يعرف معنى التَّجسُّد, فإنَّه يُسمِّي طبيعتين ويفصلهما عن بعضهما، وبالمثل الإنسان على حِدَة مُتَّصِلاً بالله نِسْبِيًّا فقط، بحسب مُساواة الكرامة, أي قُوَّة السِّيادة، لأنَّه يقول ما يلي: "الله غير مُنفصل عن ذلك الذي هو منظور, ومن أجل هذا, أنا لا أفصل كرامة الذي هو غير مُنفصل، أنا أفصل الطَّبيعتين ولكنِّي أُوحِّد العبادة.]
إسحق إيليا منسى: تجسُّد الابن الوحيد, دير القديسة دميانة – صـ184. [رفض نسطور أن يقول إنَّ الله «الكلمة» قد وُلِد من العذراء القدِّيسة مريم, وبالتالي رفض لقب «والدة الإله» (qeotokoV), وكان يقول إنَّ الله مُنزَّه عن الولادة الزَّمنية. وقد أصبح هذا اللَّقب هو مفتاح الأرثوذكسية, كما كانت كلمة هوموأوسيوس (omoousioV) هي مفتاح الأرثوذكسية أثناء الجدل الأريوسي. يقول في رسالته إلى القدِّيس كيرلُّس (الرِّسالة 5): «في كلّ موضعٍ من الكتاب المُقدَّس, حينما يُذكر تدبير الرَّب, فإنَّ الولادة من أجلنا, والآلام تُنسب لا إلى لاهوت المسيح بل إلى ناسوته, وهكذا فحسب أدقّ تسمية, فإنَّ العذراء القدِّيسة تُدعى والدة المسيح, وليس والدة الإله» (5 : 7). كان يتحاشى استعمال كلمة «اتِّحاد» (enwsiV) ليصف العلاقة بين «الكلمة» وجسده، بل كان يصف هذه العلاقة دائماً «بالمصاحبة» (sonafeia) أي أنَّ هُناك ارتباطاً ما بينهما, ولكنَّه ارتباط خارجي وليس اتِّحاداً.]
الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات