بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير الآيات في سورة الإسراء
ﵟوَقَضَيۡنَآ إِلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَٰٓءِيلَ فِي ٱلۡكِتَٰبِ لَتُفۡسِدُنَّ فِي ٱلۡأَرۡضِ مَرَّتَيۡنِ وَلَتَعۡلُنَّ عُلُوّٗا كَبِيرٗا ٤ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ أُولَىٰهُمَا بَعَثۡنَا عَلَيۡكُمۡ عِبَادٗا لَّنَآ أُوْلِي بَأۡسٖ شَدِيدٖ فَجَاسُواْ خِلَٰلَ ٱلدِّيَارِۚ وَكَانَ وَعۡدٗا مَّفۡعُولٗا ٥ ثُمَّ رَدَدۡنَا لَكُمُ ٱلۡكَرَّةَ عَلَيۡهِمۡ وَأَمۡدَدۡنَٰكُم بِأَمۡوَٰلٖ وَبَنِينَ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ أَكۡثَرَ نَفِيرًا ٦ إِنۡ أَحۡسَنتُمۡ أَحۡسَنتُمۡ لِأَنفُسِكُمۡۖ وَإِنۡ أَسَأۡتُمۡ فَلَهَاۚ فَإِذَا جَآءَ وَعۡدُ ٱلۡأٓخِرَةِ لِيَسُـُٔواْ وُجُوهَكُمۡ وَلِيَدۡخُلُواْ ٱلۡمَسۡجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٖ وَلِيُتَبِّرُواْ مَا عَلَوۡاْ تَتۡبِيرًا ٧ عَسَىٰ رَبُّكُمۡ أَن يَرۡحَمَكُمۡۚ وَإِنۡ عُدتُّمۡ عُدۡنَاۚ وَجَعَلۡنَا جَهَنَّمَ لِلۡكَٰفِرِينَ حَصِيرًا ٨ﵞ [الإسراء: 4-8]
«تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث» (17/ 356):
[وفرغ ربك إلى بني إسرائيل فيما أنزل من كتابه على موسى صلوات الله وسلامه عليه بإعلامه إياهم، وإخباره لهم. (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ) يقول: لتعصنّ الله يا معشر بني إسرائيل ولتخالفنّ أمره في بلاده مرّتين (وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) يقول: ولتستكبرنّ على الله باجترائكم عليه استكباراً شديداً.]
«تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث» (17/ 356):
[وقال آخرون: معنى ذلك: وقضينا على بني إسرائيل في أمّ الكتاب، وسابق علمه.]
«تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث» (17/ 362-365):
[فعلى القول الذي ذكرنا عن ابن عباس من رواية السديّ، وقول ابن زيد، كان إفساد بني إسرائيل في الأرض المرّة الأولى قتلهم زكريا نبيّ الله صلى الله عليه وسلم، مع ما كان سلف منهم قبل ذلك وبعده، إلى أن بعث الله عليهم من أحلّ على يده بهم نقمته من معاصي الله، وعتوّهم على ربهم.، وأما على قول ابن إسحاق الذي روينا عنه، فكان إفسادهم المرّة الأولى ما وصف من قتلهم شعياء بن أمصيا نبيّ الله. وذكر ابن إسحاق أن بعض أهل العلم أخبره أن زكريا مات موتا ولم يُقتل، وأن المقتول إنما هو شعياء، وأن بختنصر هو الذي سُلِّط على بني إسرائيل في المرّة الأولى بعد قتلهم شعياء. حدثنا بذلك ابن حميد، عن سلمة عنه.
وأما إفسادهم في الأرض المرّة الآخرة، فلا اختلاف بين أهل العلم أنه كان قتلهم يحيى بن زكريا. وقد اختلفوا في الذي سلَّطه الله عليهم منتقما به منهم عند ذلك، وأنا ذاكر اختلافهم في ذلك إن شاء الله.]
«تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث» (17/ 365):
[وأما قوله (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا) يعني: فإذا جاء وعد أولى المرّتين اللتين يفسدون بهما في الأرض. كما حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا) قال: إذا جاء وعد أولى تينك المرّتين اللتين قضينا إلى بني إسرائيل (لَتُفْسِدُنَّ فِي الأرْضِ مَرَّتَيْنِ). وقوله (بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا) يعني تعالى ذكره بقوله (بعَثْنا عَلَيْكُمْ) وجَّهنا إليكم، وأرسلنا عليكم (عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) يقول: ذوي بطش في الحروب شديد. وقوله (فَجَاسُوا خِلالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا) يقول: فتردّدوا بين الدور والمساكن، وذهبوا وجاءوا.]
«تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث» (17/ 366):
[ويعني بقوله (وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا) وكان جوس القوم الذين نبعث عليهم خلال ديارهم وعدا من الله لهم مفعولا ذلك، لا محالة، لأنه لا يخلف الميعاد.]
«تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث» (17/ 368-370):
[القول في تأويل قوله تعالى: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا (6) }
يقول تعالى ذكره: ثم أدلناكم يا بني إسرائيل على هؤلاء القوم الذين وصفهم جلّ ثناؤه أنه يبعثهم عليهم، وكانت تلك الإدالة والكرّة لهم عليهم، فيما ذكر السديّ في خبره أن بني إسرائيل غزوهم، وأصابوا منهم، واستنقذوا ما في أيديهم منهم. وفي قول آخرين: إطلاق الملك الذي غزاهم ما في يديه من أسراهم، ورد ما كان أصاب من أموالهم عليهم من غير قتال، وفي قول ابن عباس الذي رواه عطية عنه هي إدالة الله إياهم من عدوّهم جالوت حتى قتلوه، وقد ذكرنا كلّ ذلك بأسانيده فيما مضى.
(وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ) يقول: وزدنا فيما أعطيناكم من الأموال والبنين.
وقوله (وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) يقول: وصيرناكم أكثر عدَدَ نافرٍ منهم. وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.]
«تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث» (17/ 370-371):
[القول في تأويل قوله تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا (7)}
«يقول تعالى ذكره لبني إسرائيل فيما قضى إليهم في التوراة (إِنْ أَحْسَنْتُمْ) يا بني إسرائيل، فأطعتم الله وأصلحتم أمركم، ولزمتم أمره ونهيه (أَحْسَنْتُمْ) وفعلتم ما فعلتم من ذلك (لأنْفُسِكُمْ) لأنَّكم إنما تنفعون بفعلتكم ما تفعلون من ذلك أنفسكم في الدنيا والآخرة. أما في الدنيا فإن الله يدفع عنكم من بغاكم سوءا، وينمي لكم أموالكم، ويزيدكم إلى قوّتكم قوّة. وأما في الآخرة فإن الله تعالى يثيبكم به جنانه (وإِنْ أَسَأْتُمْ) يقول: وإن عصيتم الله وركبتم ما نهاكم عنه حينئذ، فإلى أنفسكم تسيئون، لأنكم تسخطون بذلك على أنفسكم ربكم، فيسلط عليكم في الدنيا عدوّكم، ويمكِّن منكم من بغاكم سوءا، ويخلدكم في الآخرة في العذاب المهين. وقال جلّ ثناؤه (وَإِنْ أَسَأْتُمْ فلها) والمعنى: فإليها كما قال (بأنَّ رَبَّكَ أوْحى لَها) والمعنى: أوحى إليها.
وقوله (فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ) يقول: فإذا جاء وعد المرّة الآخرة من مرّتي إفسادكم يا بني إسرائيل في الأرض (لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ) يقول: ليسوء مجيء ذلك الوعد للمرّة الآخرة وجوهكم فيقبِّحها.]
«تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث» (17/ 372):
[وكان مجيء وعد المرّة الآخرة عند قتلهم يحيى.]
«تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث» (17/ 388):
[وقوله (وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ) يقول: وليدخل عدوّكم الذي أبعثه عليكم مسجد بيت المقدس قهرا منهم لكم وغلبة، كما دخلوه أوّل مرَّةٍ حين أفسدتم الفساد الأوّل في الأرض.
وأما قوله (وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا) فإنه يقول: وليدمِّروا ما غلبوا عليه من بلادكم تدميرا.]
«تفسير الطبري جامع البيان - ط دار التربية والتراث» (17/ 388-389):
[القول في تأويل قوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا (8)}
يقول تعالى ذكره: لعلّ ربكم يا بني إسرائيل أن يرحمكم بعد انتقامه منكم بالقوم الذين يبعثهم الله عليكم ليسوء مبعثه عليكم وجوهكم، وليدخلوا المسجد كما دخلوه أوّل مرّة، فيستنقذكم من أيديهم، وينتشلكم من الذلّ الذي يحله بكم، ويرفعكم من الخمولة التي تصيرون إليها، فيعزّكم بعد ذلك، وعسى من الله: واجب، وفعل الله ذلك بهم، فكثر عددهم بعد ذلك، ورفع خَساستهم، وجعل منهم الملوك والأنبياء، فقال جلّ ثناؤه لهم: وإن عدتم يا معشر بني إسرائيل لمعصيتي وخلاف أمري، وقتل رسلي، عدنا عليكم بالقتل والسِّباء، وإحلال الذلّ والصِّغار بكم، فعادوا، فعاد الله عليهم بعقابه وإحلال سخطه بهم.]
«تفسير الماتريدي = تأويلات أهل السنة» (7/ 7):
[(وَإِن عُدتُم عُدْنَا) أي: عدتم إلى العصيان عدنا إلى العقوبة.]
«تفسير السمرقندي = بحر العلوم» (2/ 302):
[وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا أي: إن عُدْتُمْ إلى المعصية عُدْنا، إليكم بالعذاب. ويقال: إِنْ عُدْتُمْ إلى تكذيب محمد صلى الله عليه وسلم كما كذبتم سائر الأنبياء عُدْنا يعني: سلطناه عليكم، فيعاقبكم بالقتل والجزية والسبي في الدنيا.]
«الهداية الى بلوغ النهاية» (6/ 4149-4150):
[ثم قال: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا}. أي: وإن عدتم لمخالفة أمري، وقتل أنبيائي عدنا عليكم بالقتل، والسباء، والذلة، والصغار. فعادوا، فعاد الله عليهم بذلك. إذ بعث محمداً.]
«تفسير الماوردي = النكت والعيون» (3/ 231):
[{وإن عدتم عدنا} فيه تأويلان: أحدهما: إن عدتم إلى الإساءة عدنا إلى الانتقام، فعادوا. قال ابن عباس وقتادة: فبعث الله عليهم المؤمنين يذلونهم بالجزية والمحاربة إلى يوم القيامة. الثاني: إن عدتم إلى الطاعة عدنا إلى القبول، قاله بعض الصالحين.]
«تفسير البغوي - طيبة» (5/ 80):
[{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} أَيْ: إِنْ عُدْتُمْ إِلَى الْمَعْصِيَةِ عُدْنَا إِلَى الْعُقُوبَةِ. قَالَ قَتَادَةُ: فَعَادُوا فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم فَهُمْ يُعْطُونَ الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.]
«التيسير في التفسير - أبو حفص النسفي» (9/ 373):
[قوله تعالى: {عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ}: بإرسال محمد إليكم {وَإِنْ عُدْتُمْ} إلى الإفساد بتكذيب محمد عليه الصلاة والسلام {عُدْنَا} إلى تعذيبكم في الدنيا، وهو بأيدي العرب بنحو ما أريناكم في المرتين.]
«تفسير الرازي = مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير» (20/ 302):
[ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا} يَعْنِي: أَنَ بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ مَنْ بَعَثْنَا، فَفَعَلُوا بِكُمْ مَا فَعَلُوا عُقُوبَةً لَكُمْ وَعِظَةً لِتَنْتَفِعُوا بِهِ وتنزجروا بِهِ عَنِ ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي، ثُمَّ رَحِمَكُمْ فَأَزَالَ هَذَا الْعَذَابَ عَنْكُمْ، فَإِنْ عُدْتُمْ مَرَّةً أُخْرَى إِلَى الْمَعْصِيَةِ عُدْنَا إِلَى صَبِّ الْبَلَاءِ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا مَرَّةً أُخْرَى.]
«تفسير ابن كثير - ت السلامة» (5/ 48):
[{وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا} أَيْ: مَتَى عُدْتُمْ إِلَى الْإِفْسَادِ {عُدْنَا} إِلَى الْإِدَالَةِ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا مَعَ مَا نَدَّخِرُهُ لَكُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْعَذَابِ وَالنَّكَالِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} أَيْ: مُسْتَقَرًّا وَمَحْصَرًا وَسِجْنًا لَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهُ.]
«تفسير الشعراوي» (14/ 8371):
[ثم يُهدِّد الحق سبحانه بني إسرائيل، فيقول: {وَإِنْ عُدتُّمْ عُدْنَا} [الإسراء: 8] إنْ عُدتُّم للفساد، عُدْنا، وهذا جزاء الدنيا، وهو لا ينجيكم من جزاء الآخرة، فهذه مسألة وتلك أخرى حتى لا يفهموا أن العقاب على الذنوب في الدنيا يُبرّئهم من عذاب الآخرة.]
الحمد لله رب العالمين