بسم الله الرحمن الرحيم
سلسلة مُحاضرات الرد على الأنبا بيشوي (فيديو)
العبد الفقير إلى الله أبو المنتصر شاهين الملقب بـ التاعب
عقائد النَّصارى الكُفْرِيَّة والآيات التي تتناولها (الجزء الرابع)
للتحميل:(PDF) (المُحاضرة الصوتية) (المُحاضرة مُصوَّرة من البالتوك)
·يقول اللهU: {وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} [الإخلاص : 4]
·هذه الآية أيضاً ضد العقيدة المسيحية التي تقول بـ “مُساواة الأقانيم“
·(الله الـ) الآب و(الله الـ) الابن و(الله الـ) الروح القدس متساوين
·وكل منهم إله كامل لا يُعجزه شيء
·فإن كل مسيحي يعتقد بأن (الله الـ) الآب قادر على الخلق
·و(الله الـ) الابن أيضاً قادر على الخلق
·و(الله الـ) الروح القدس أيضاً قادر على الخلق
·ولكن (الله الـ) الآب هو الذي خلق.
·وكل مسيحي يعتقد أيضاً بأن (الله الـ) الآب قادر على التجسَّد
·و(الله الـ) الابن قادر على التجسَّد
·و(الله الـ) الروح القدس قادر على التجسد
·ولكن (الله الـ) الابن هو الذي تجسَّد
·كل أقنوم له كل ما للإله الحق
·ولكن لكل أقنوم عمله الخاص
·رغم قدرة أي أقنوم من الثلاثة على فعل جميع الأشياء وحده !
·قال الإمام النسفي رحمه الله: [وقوله {وَلَمْ يَكُنْ لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ} نَفْيٌ أن يُمَاثِلَه شيء. ومن زَعَمَ أن نَفْي الكُفْء وهو المِثْل في الماضي لا يدل على نَفْيه للحال, والكُفَّار يَدْعُونه في الحال, فقد تاه في غَيِّه، لأنه إذا لم يكن فيما مضى لم يكن في الحال ضرورة؛ إذ الحادث لا يكون كُفؤاً للقديم، وحاصل كلام الكفرة يئول إلى الإشراك والتشبيه والتعطيل، والسورة تدفع الكل كما قررنا.][[1]]
وهكذا تلخيصاً لما سبق أقول:
·المسيحي يعتقد بأن اللهI ثلاثة,
·وأن الألوهية في ثلاثة أقانيم: الآب والابن والروح القدس.
·الله I في قرآن يصف نفسه بأنه “أَحَدٌ“, وبهذا يكون قد نفى I أي نوع من أنواع التعددية في ذاته
·فلا إله من ثلاثة, ولا ثلاثة إله واحد, إنما هي وحدانية خالصة مُطلقة
·ثم أعلن I أنه هو “الصَّمَدُ“, أي الإله الحقيقي الوحيد الـمُستحق للعبادة
·الذي له جميع صفات الكمال والجلال, والذي تحتاج إليه الخليقة كلها
·وهو I لا يحتاج لأحد قط, لذلك نفى I أن يكون والداً أو مولوداً
·وفي النهاية يُخبرنا I أن ليس هناك من يساويه أو يكافئه إذ ليس أحد من جنس ألوهيته I
·فهو وحده الإله وكل من سواه عبد مخلوق خاضع مقهور.
التفسير الأرثوذكسي القويم للقرآن الكريم: (حوار بين الأنبا بيشوي والـمُلحق العسكري بالسفارة القبرصية)
[وكان الملحق العسكري حاضراً, وهو شخص ذكي جداً, فقال لي: “لقد شرحت لنا أن المسيح مولود من الآب باعتباره الكلمة, وأن الكلمة تجسد من أجل خلاص البشرية في ملء الزمان, وهذا لا يعني أن الآب تزوج العذراء, وشرحت لنا أن الآب هو الأصل وأن الكلمة مولود من الآب قبل كل الدهور, وأن الروح القدس منبثق من الآب, فعندما تقولون أن الله أحب العالم حتى بذل ابنه الوحيد, فأنتم تقصدون هنا الله الآب ؟” فأجبته بالإيجاب, وسألني عن رأيي إن قال أحد أن المسيح هو الله الآب, هل يكون كافراً ؟ فأجبته: “بالطبع يكون كافراً لأن سابيليوس بعدما قال أن الله الآب هو الابن هو الروح القدس قامت الكنيسة بحرمه وأعتُبِر هرطوقي كافر“, فقال الملحق العسكري: “إذن إذا قمنا بتفسير هذا النص “لقد كفر الذين قالوا أن المسيح هو الله” وقلنا “لقد كفر الذين قالوا إن المسيح هو الله الآب“, فهل تقبل هذا التفسير ؟“, فأجبت قائلاً: “أقبله جداً“, فقال: “إذن اعتبرها هكذا“, فقلت: “لا أعتبرها هكذا إلا في حالة أن يكون متفق عليها“.][[2]]
·في البداية نجد أن الحوار خاص بالعقيدة الأرثوذكسية حول الأقانيم الثلاثة, وشرح التجسد وما إلى ذلك
·وكل هذا ليس له دخل بالإسلام في شيء
·ولكن أن نأتي بالمفاهيم الأرثوذكسية ونُفسر بها القرآن الكريم ! من أين جاء بهذا التفسير ؟
·هل جاء به من كتاب التفسير الأرثوذكسي القويم للقرآن الكريم لأحد آباء الكنيسة الأرثوذكسية ؟!
·لا أريد أن أقول أن هذا تهريج, ولا يجوز بأي حال من الأحوال.
وللرد أقول:
·كما قلنا سابقاً, القرآن الكريم ينفي تماماً أن اللهI والد
·فلا يجوز لنا كمسلمين إطلاقاً أن نُطلق على اللهI اسم “الآب“
·المسيحي يطلق على اللهI هذا الاسم لأنه يعتقد أن الآب وَلَدَ الابن, وهذا كفر في حُكم الإسلام
·ثم أننا قد بيَّنا أن اللهI قد وصف نفسه في كتابه بأنه “أَحَدٌ“, وهذا ينفي التثليث عن اللهI
·ثم أننا إذا نظرنا إلى تكملة الآيتين سنجد أسباباً للتكفير, فيقول اللهI:
·{قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعاً وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة : 17] وهذا دليل عقلي على بُطلان ألوهية المسيح عليه السلام وأنه ليس الله عز وجل الذي تجسَّد وتأنَّس وعاش على الأرض.
·{وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة : 72] وهذا دليل نقلي على لسان المسيح عليه السلام الذي ينفي عن نفسه الألوهية والربوبية ويُثبتها لله عز وجل.
·قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية الأولى: [ثم قال مخبراً عن قدرته على الأشياء، وكونها تحت قهره وسلطانه: {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ ٱللَّهِ شَيْئاً إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ ٱلْمَسِيحَ ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي ٱلأَرْضِ جَمِيعاً} أي: لو أراد ذلك، فمن ذا الذي كان يمنعه منه، أو من ذا الذي يقدر على صرفه عن ذلك ؟][[3]]
هذا ما نجده في أناجيل العهد الجديد:
·نقرأ عن المسيحu أنه كان يدعو اللهU أن يرفع عنه كأس الموت
·ولكنه كرر مراراً وتكراراً أنه سيرضى بمشيئة اللهU, وأن ما يُريده الله هو الذي سيكون
·فإن أراد اللهU أن يُهلك المسيحu فسَيَهْلَك
·وإن أراد أن يُنجِّيه من الموت سيَنْجُو ولن يستطيع أحد أن يُصيب المسيحu بأذى.
متَّى 26/39-43 {39 ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ». 40 ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَاماً فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «أَهَكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 41 اسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». 42 فَمَضَى أَيْضاً ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ». 43 ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. 44 فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذَلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ.}
مرقس 14/34-38 {34 فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ! امْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا». 35 ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى الأَرْضِ وَكَانَ يُصَلِّي لِكَيْ تَعْبُرَ عَنْهُ السَّاعَةُ إِنْ أَمْكَنَ. 36 وَقَالَ: «يَا أَبَا الآبُ كُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لَكَ فَأَجِزْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِيَكُنْ لاَ مَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ مَا تُرِيدُ أَنْتَ». 37 ثُمَّ جَاءَ وَوَجَدَهُمْ نِيَاماً فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «يَا سِمْعَانُ أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ 38 اِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلاَّ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». 39 وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى قَائِلاً ذَلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ.}
لوقا 22/39- 44 {39 وَخَرَجَ وَمَضَى كَالْعَادَةِ إِلَى جَبَلِ الزَّيْتُونِ وَتَبِعَهُ أَيْضاً تَلاَمِيذُهُ. 40 وَلَمَّا صَارَ إِلَى الْمَكَانِ قَالَ لَهُمْ: «صَلُّوا لِكَيْ لاَ تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ». 41 وَانْفَصَلَ عَنْهُمْ نَحْوَ رَمْيَةِ حَجَرٍ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَصَلَّى 42 قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ شِئْتَ أَنْ تُجِيزَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسَ. وَلَكِنْ لِتَكُنْ لاَ إِرَادَتِي بَلْ إِرَادَتُكَ». 43 وَظَهَرَ لَهُ مَلاَكٌ مِنَ السَّمَاءِ يُقَوِّيهِ. 44 وَإِذْ كَانَ فِي جِهَادٍ كَانَ يُصَلِّي بِأَشَدِّ لَجَاجَةٍ وَصَارَ عَرَقُهُ كَقَطَرَاتِ دَمٍ نَازِلَةٍ عَلَى الأَرْضِ.}
·قال الإمام السمرقندي رحمه الله في تفسير الآية الأولى: [{وَللَّهِ مُلْكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} يعني خزائن السموات والأرض، وجميع الخلق عبيده وإماؤه، وحكمه نافذ فيهم، ثم قال: {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ} لأن نصارى أهل نجران كانوا يقولون: لو كان عيسى بشراً كان له أب، فأخبر الله تعالى على أنه قادر على أن يخلق خلقاً بغير أب. {وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} من خلق عيسى وغيره.][[4]]
·قال الإمام ابن الجوزي رحمه الله: [وفي قوله: {يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} ردٌ عليهم حيث قالوا للنبي: فهات مثله من غير أب.][[5]]
·قال الإمام القرطبي رحمه الله: [{يَخْلُقُ مَا يَشَآءُ} عيسى من أُم بلا أب آية لعباده.][[6]]
إذن:
·الآية الأولى تُكَفِّر من قال بأن الله هو المسيح ابن مريمu
·ليس لأن الله(الآب) أقنوم (شخص أو كائن) والمسيحu (الابن) أقنوم (شخص أو كائن) آخر !
·رغم أن هذا صحيح, ونحن لا ننكر ذلك
·ولكن مع بيان أننا نجد في القرآن الكريم أنه ليس هناك إلا اللهU (الآب) صاحب الجنس (الجوهر) الإلهي, وكل ما سواه مخلوق !
·والآية أيضاً تُعلن صراحة كما نجد في العهد الجديد أن المسيحu تحت إرادة وقهر وسلطان اللهU
·يفعل فيه كما شاء, وأنه مخلوق من مخلوقاته, فإن كان المسيحu كذلك فهو ليس الله قطعاً, ومن قال كذلك فقد كفر.
·أما الآية الثانية فهي تُخبرنا أن المسيحu قال لبني إسرائيل: {اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ}
·هذا أيضاً نجد معناه في العهد الجديد
·ففي يوحنا20/17 {قَالَ لَهَا يَسُوعُ: «لاَ تَلْمِسِينِي لأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلَكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلَهِي وَإِلَهِكُمْ».}
الحياة الأبدية في العهد الجديد:
·نجد أيضاً في العهد الجديد أن المسيحu يقول صراحة أن الحياة الأبدية (دخول الجنة) شرطَيها:
·أولاً: الاعتقاد بأن الله(الآب) هو الإله الحقيقي الوحيد
·أن الله(الآب) هو الوحيد صاحب الجنس (الجوهر) الإلهي الحقيقي الذي من أجلها يستحق العبادة
·ثانياً: الاعتقاد بأن المسيحu هو رسول الله(الآب).
·أي أن يشهد الإنسان بأن: لا إله إلا الله (الآب), وأن: المسيح uرسول الله (الآب).
·من عبد مع الله(الآب) إلها آخر, أي أشرك به, فلن يدخل الجنة أبداً
·لأنه أعطى العبادة لمن لا يستحقها, ومن رفع المسيحu فوق مقام الرسالة فلن يدخل الجنة أبداً.
يوحنا 17/3 {وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ, وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ.}
Joh 17:3 αὕτη δέ ἐστιν ἡ αἰώνιος ζωή, ἵνα γινώσκωσι σὲ τὸν μόνον ἀληθινὸν Θεὸν καὶ ὃν ἀπέστειλας ᾿Ιησοῦν Χριστόν.
·نجد أن النص اليوناني مُحكم جداً ليس فيه تأويل
·العبارة اليونانية المقابلة لـ: {الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ} هي: (τον μονον αληθινον θεον)
·قد تُترجم أيضاً إلى: الإله الحقيقي الوحيد, أو: الإله الحق الوحيد
·وهذا إعلان صريح بأن الله(الآب) هو الوحيد الـمُستحق للعبادة, لأنه وحده صاحب الألوهية الحقيقية
·وقد قال اللهU في كتابه الكريم: {فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ} [يونس : 32]
إخبار المسيح عليه السلام:
·بما أن المسيحu قد أخبر بني إسرائيل بأنه رسول الله(الآب)
·وأن الله(الآب) هو الإله الحقيقي الوحيد, وأن الله(الآب) هو ربه كما أنه ربهم, أو إلهه كما أنه إلههم
·فلا يجوز لأحد أن يأتي ويعبد المسيحu بعد كل هذه التنبيهات والتصريحات الخطيرة
·فمن قال بعد ذلك أن الله هو المسيح ابن مريم, فقط كفر بالله وبما أخبره المسيحu عن الله
·واستحق أن يخلد في النار. وهكذا أخبرنا اللهU على لسان المسيحu
·{يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة : 72]
·قال الإمام الحافظ ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}: [يقول تعالى مخبراً وحاكماً بكفر النصارى في ادعائهم في المسيح ابن مريم، وهو عبد من عباد الله، وخلق من خلقه؛ أنه هو الله، تعالى الله عن قولهم علواً كبيراً.][[7]]
·قال الإمام الطبري رحمه الله: [هذا ذمّ من الله عزّ ذكره للنصارى والنصرانـية الذين ضلوا عن سبل السلام، واحتـجاج منه لنبـيه مـحمد rفـي فريتهم علـيه بـادعائهم له ولداً، يقول جلّ ثناؤه: أقسم لقد كفر الذين قالوا: إن الله هو الـمسيح بن مريـم، وكفرهم فـي ذلك تغطيتهم الـحقّ فـي تركهم نفـي الولد عن الله جلّ وعزّ، وادّعائهم أن الـمسيح هو الله فرية وكذبـاً علـيه.][[8]]
·قال شيخ الأزهر السابق محمد طنطاوي رحمه الله: [اللام في قوله: {لَّقَدْ كَفَرَ} واقعة جواباً لقسم مقدر. والمراد بالكفر: ستر الحق وإنكاره، والانغماس في الباطل والضلال. والمعنى: أقسم لقد كفر أولئك النصارى الذين قالوا كذباً وزوراً: إن الله المستحق للعبادة والخضوع هو المسيح عيسى ابن مريم.][[9]]
التجسُّد كُفر بالله:
·العقيدة الخاصة بأن اللهI هو المسيحu, لها علاقة بالثالوث, ولها علاقة أيضاً بالتجسُّد
·(الله الـ) الابن هو الذي تجسَّد وعاش على الأرض كإنسان, وهذا الإنسان هو المسيحu
·عقيدة التجسُّد إذاً تستلزم الاعتقاد بأن الله هو المسيح u
·السؤال الـمُهم هنا هو: هل يجوز على اللهI التجسُّد أصلاً ؟!
·الكتاب المقدس والقرآن الكريم يعلنان بشكل غير مُباشر أن التجسُّد لا يجوز على اللهI
·ومن اعتقد بأن الله تجسَّد قد نفى عن الله ألوهيته !
أريد أولاً أن أنقل كلاماً في غاية الروعة, ثم أقوم بالتعليق وإضافة بعض الشرح.
·قال الإمام أبو حيَّان الأندلسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}: [ظاهره أنهم قالوا بأن الله هو المسيح حقيقة، وحقيقة ما حكاه تعالى عنهم ينافي أن يكون الله هو المسيح، لأنهم قالوا ابن مريم، ومن كان ابن امرأة مولوداً منها استحال أن يكون هو الله تعالى. واختلف المفسرون في تأويل هذه الآية. فذهب قوم إلى أنهم كلهم قائلون هذا القول وهم على ثلاث فرق كما تقدم، وأنهم أجمعوا وإن اختلفت مقالاتهم على أنّ معبودهم جوهر واحد أقانيم ثلاثة: الأب، والابن، والروح أي الحياة ويسمونها روح القدس. وأن الابن لم يزل مولوداً من الأب، ولم يزل الأب والداً للابن، ولم تزل الروح منتقلة بين الأب والابن. وأجمعوا على أن المسيح لاهوت وناسوت أي: إله وإنسان. فإذا قالوا: المسيح إله واحد، فقد قالوا الله هو المسيح.][[10]]
·وقال أيضاً الشيخ محمد عاشور رحمه الله: [ويفيد قولهم هذا أنّهم جعلوا حقيقة الإله الحقّ المعلوم متّحدة بحقيقة عيسى عليه السلام بمنزلة اتّحاد الاسمين للمسمّى الواحد، ومرادهم امتزاج الحقيقة الإلهيّة في ذات عيسى. ولـمّا كانت الحقيقة الإلهيّة معنونة عند جميع المتديّنين باسم الجلالة جَعَل القائلون اسم الجلالة المسندَ إليه، واسمَ عيسى المسند ليدلّوا على أنّ الله اتّحدَ بذات المسيح. وحكاية القول عنهم ظاهرة في أنّ هذا قالوه صراحة عن اعتقاد، إذ سرى لهم القول باتّحاد اللاهوت بناسوتتِ عيسى إلى حدّ أن اعتقدوا أنّ الله سبحانه قد اتّحد بعيسى وامتزج وجود الله بوجود عيسى.][[11]]
ألفاظ يجب أن نُفرِّق بينها:
·الظُّهور: الكشف عن الذات لكي يُرى. (أَخِيراً ظَهَرَ لِلأَحَدَ عَشَرَ) [مرقس 16/14]
·التَّجَلِّي: الظُّهور تدريجياً. {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل : 2]
·التَّمَثُّل: الظُّهور في هيئة غير هيئته. {فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً} [مريم : 17]
·التَّجَسُّد: اتِّحاد الألوهية بالإنسانية. (لفظ مسيحي غير موجود في كتابهم)
·التّأنُّس: أن يصير إنساناً. (لفظ مسيحي غير موجود في كتابهم)
فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً
{وَلَمَّا جَاء مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف : 143]
·هذه القصة موجودة أيضاً في العهد القديم
·نجد أن موسىu يطلب من اللهU أن يُريه ذاته الشريفة: {رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ}
·الله U أخبره باستحالة ذلك فقال: {لَن تَرَانِي}
·ثم أراد اللهU أن يُري موسىu أمراً ما حتى يفهم لماذا لن يستطيع رؤيته
·قال اللهU: {وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}
·بعد هذا يقول اللهU: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}
·والتَجَلِّي هنا معناه أن يَظْهَر اللهU بذاته للجبل ولكن تدريجياً
·كقوله تعالى: {وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل : 2], فالنهار لا يأتي بعد الليل فجأة
·ولكن الأمر يأخذ بعد الوقت, حتى يأتي وقت الظهيرة, عندما تكون الشمس في كبد السماء
معنى التَّجَلِّي لُغةً:
·مختار الصحاح: [ج ل ا: (الْجَلِيُّ) ضِدُّ الْخَفِيِّ.][[12]]
·معجم اللغة العربية المعاصرة: [تَجَلَّى يَتَجَلَّى، تَجَلَّ، تَجَلِّيًا، فَهُوَ مُتَجَلٍّ، والمفعول مُتَجَلًّى (للمتعدِّي), تجلَّى الأمرُ: انْكَشَفَ واتَّضَحَ، بَدَا لِلْعَيَانِ، ظَهَرَ.][[13]]
·لسان العرب: [وجَلَوْت أَي أَوضحت وكشَفْتُ. وجَلَّى الشيءَ أَي كَشَفَهُ. (…) وتَجَلَّى الشيءُ أَي تكشَّف. (…) {تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ} أَي ظَهَرَ وبانَ، قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ أَهل السُّنة وَالْجَمَاعَةِ، وَقَالَ الْحَسَنُ: تَجَلَّى بَدَا لِلْجَبَلِ نُور العَرْش.][[14]]
إذن:
·الله U بدأ يُظهر ذاته للجبل تدريجياً, وبداية الظهور كانت بكشف حجاب النور للجبل
·فماذا حدث للجبل ؟ يقول تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً}
·وكأن هناك مطرقة عظيمة هَوَت على الجبل فصار الجبل مدكوكاً !
·عندما رأى موسىu هذا المشهد صُعق وصار مغشياً عليه
·فلمَّا أفاق, أدرك أنه إذا لم يكن في استطاعة جبل عظيم أن يرى اللهU
·فكيف بالإنسان الذي قال عنه الله: {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً} [النساء : 28]
·أي أن طبيعة موسىu الإنسانية ليس في استطاعتها تحمُّل رؤية ذات اللهU.
حِجَابُهُ النُّورُ
·صحيح مسلميقول:[عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ rبِخَمْسِ كَلِمَاتٍ فَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لاَ يَنَامُ وَلاَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ, يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ, يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ, وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ, حِجَابُهُ النُّورُ– وَفِى رِوَايَةِ أَبِى بَكْرٍ النَّارُ – لَوْ كَشَفَهُ؛ لأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ ».][[15]]
·قال الإمام المباركافوري رحمه الله مُعَلِّقاً على الحديث السابق: [فيه إشارة إلى أن حجابه خلاف الحُجُب المعهودة, فهو مُحتجب عن الخلق بأنوار عزه وجلاله, وأشعة عظمته وكبريائه, وذلك هو الحجاب الذي تُدهش دونه العقول, وتُبهت الأبصار, وتتحير البصائر, فلو كشفه فتجلى لما وراءه بحقائق الصفات وعظمة الذات؛ لم يبق مخلوق إلا احترق ولا منظور إلا اضمحل.][[16]]
·وقال أيضاً الإمام النووي رحمه الله: [لو أزال المانع من رؤيته, وهو الحجاب المسمى نوراً أو ناراً, وتجلى لخلقه؛ لأحرق جلال ذاته جميع مخلوقاته.][[17]], وقال أيضاً الإمام البغوي رحمه الله: [قال الخطابي: ومعنى الكلام أنه لم يطَّلِع الخلق من جلال عظمته إلا على مقدار ما تطيقه قلوبهم، وتحتمله قواهم، ولو أطْلَعَهم على كنه عظمته، لانخلعت أفئدتهم، وزهقت أنفسهم، ولو سلَّط نوره على الأرض والجبال، لاحترقت وذابت، كما قال في قصة موسى u: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً وَخَرَّ موسَى صَعِقاً}.][[18]]
القصة في العهد القديم:
الخروج 33/18-20 {فَقَالَ (موسى): «ارِنِي مَجْدَكَ». 19فَقَالَ (الإله): «أجِيزُ كُلَّ جُودَتِي قُدَّامَكَ. وَأنَادِي بِاسْمِ الرَّبِّ قُدَّامَكَ. وَاتَرَافُ عَلَى مَنْ اتَرَافُ وَارْحَمُ مَنْ ارْحَمُ». 20وَقَالَ (الإله): «لا تَقْدِرُ أنْ تَرَى وَجْهِي لانَّ الْإنْسَانَ لا يَرَانِي وَيَعِيشُ».}
·القمص تادرس يعقوب ملطي فَسَّر النصوص السابقة قائلاً: [كأن الله يُجيب موسى: لقد سألت أمرًا أنت لا تحتمله، فأنا لا أبخل على خليقتي، أني أقدم لك كل إحساناتي وخيراتي وأعلن اسمي لك وأتراءف وأرحم، أقدم كل شيء للإنسان، أما وجهي فلا يقدر الإنسان أن يراه ويعيش ! إن هذه الرؤيا المجردة الكاملة للاهوت هي فوق كل طاقة بشرية!][[19]]
·قاموس الكتاب المقدس: [وبسبب محدوديتنا وخطايانا فإننا لا نقدر أن نرى الله كما هو ونعيش. أن يسمح لهم بأن ينظروا إلى الله في ظهره يعني أننا لا نقدر أن نرى إلا آثار الله أو ما يحدث بعد أن يمر بنا.][[20]]
وهنا أختم بكلام الشيخ الشعراوي رحمه الله في تفسير قوله تعالى {وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}: [وسبحانه هنا يعلل لموسى بعملية واقعية فأوضح: لن تراني ولكن حتى أطمئنك أنك مخلوق بصورة لا تمكنك من رؤيتي انظر إلى الجبل، والجبل مفروض فيه الصلابة، والقوة، والثبات، والتماسك؛ فإن استقر مكانه، يمكنك أن تراني. إن الجبل بحكم الواقع، وبحكم العقل، وبحكم المنطق أقوى من الإِنسان، وأصلب منه وأشد، ولما تجلّى ربه للجبل اندك. والدكُّ هو الضغط على شيء من أعلى ليسوَّي بشيء أسفل منه.][[21]]
تلخيصاً لما سبق:
·إن الطبيعة الإنسانية لا تستطيع أن تتحمل رؤية الذات الإلهية
·وبكلمات أقرب إلى الفهم المسيحي: الطبيعة الإنسانية لا تستطيع أن تتحمل رؤية اللاهوت
·وهذا هو سبب الذي منع موسىu من رؤية اللهU
·هذا مُتَّفق عليه بين المسلمين والمسيحيين
·ومن المعلوم أن المسلمين يعتقدون بأنهم سيروا اللهU يوم القيامة
·كما قال اللهU في كثير من الآيات منها:
·{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ (22)إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)} [القيامة]
·{كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ} [المطففين : 15].
قال شيخ الإسلام ابن القيم رحمه الله: [وقد ذكرنا في كتاب صفة الجنة أربعين دليلاً على مسألة الرؤية من الكتاب والسُنَّة والعقل الصريح شاهد بذلك, فإن الرؤية أمر وجودي لا يَتَعَلَّق إلا بموجود, وما كان أكمل وجوداً كان أحق بأن يُرى؛ فالباري سبحانه أحق بأن يُرى من كل ما سواه, لأن وجوده أكمل من وجود كل ما سواه, يُوَضِّحه أن تَعَذُّر الرؤية إما لخفاء المرئي, وإما لآفة وضعف في الرائي, والرب سبحانه أظهر من كل موجود, وإنما تعذرت رؤيته في الدنيا لضعف القوة الباصرة عن النظر إليه, فإذا كان الرائي في دار البقاء؛ كانت قوة الباصرة في غاية القوة, لأنها دائمة فقويت على رؤيته تعالى.][[22]]
والآن يجب أن نسأل أنفسنا سؤالاً في غاية الأهمية: ما هو التجسُّد ؟
·أجاب الأنبا بيشوي قائلاً: [التجسُّد الإلهي هو اتحاد غير مفترق لطبيعتين مختلفتين في طبيعة واحدة, وهو اتحاد أقنومي واتحاد حقيقي واتحاد بحسب الطبيعة.][[23]]
·والطبيعتان هما: الطبيعة الإلهية(اللاهوت أو الجنس الإلهي), والطبيعة الإنسانية (الناسوت أو الجنس البشري).
والآن إلى سؤال آخر في غاية الأهمية أيضاً: هل الله يُمكنه بحسب ألوهيته أن يتجسَّد ؟
قال الأنبا بيشوي: [نجيب بقولنا إن الله قادر على كل شيء, مُنزَّه عن الخطية ولكن ليس عن التجسد, ولأن الله قادر على كل شيء فإذا كان لا يستطيع أن يتجسد إذاً يوجد شيء لا يستطيع أن يعمله, والشيء الوحيد الذي لا يفعله الله هو الشر. وحيث إن التجسد هو عمل من أعمال القدرة وليس الضعف إذاً فهو داخل في قدرة الله.][[24]]
وللرد أقول:
·لقد قام الأنبا بيشوي بتنزيه اللهI عن الخطية, وقال أن الله لا يفعل الشر
·أقول: تنزيه اللهI عن شيء يقتضي أنه I يستطيع فعل هذا الشيء ولكنه لم ولن يفعله
·وهذا ما نفهمه من الحديث الموجود في صحيح مسلم بخصوص الظلم
·وفيه أن اللهUقال: [يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلاَ تَظَالَمُوا.][[25]]
·بمعنى أن اللهU يستطيع أن يظلم عباده إذا شاء, ولكن فعل الظلم ضد طبيعة الله الإلهية لذلك لا يفعله.
المسلمون يعتقدون تمام الاعتقاد بأن الله على كل شيء قدير
·ولكن ما هو الشيء ؟!
·هو كل أمر مُمكن ليس بمستحيل
·بمعنى: هل يستطيع اللهI أن يموت ؟ بالطبع لا
·لأنه لو مات لما كان الله, فطبيعة الله الإلهية لا تُجيز عليه الموت
·إذن, اللهU قادر على كل ما يوافق طبيعته الإلهية
·وبالمثل, الإنسان قادر على كل ما يوافق طبيعته الإنسانية
·لذلك لم يقدر موسىu أن يرى اللهU
هل الله يُمكنه أن يتجسُّد ؟
·حتى نستطيع أن نُجيب على السؤال, يجب أن نعلم ما هو التجسُّد
·أخبرنا الأنبا بيشوي أن التجسُّد هو اتحاد غير مفترق لطبيعتين
·الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية, في طبيعة واحدة !
·وهكذا نسأل سؤالاً بسيطاً, هل استطاعت الطبيعة الإنسانية تحمل مُجرد رؤية الطبيعة الإلهية ؟ لا, لم تستطع
·فهل تستطيع إذاً أن تتحمل الاتحاد بالطبيعة الإلهية ؟! بالطبع لا
·إذن: الله U لا يجوز له أن يتجسَّد لطبيعته الإلهية, ولعدم تحمل الطبيعة الإنسانية الاتحاد مع الطبيعة الإلهية.
لنرجع سريعاً إلى أقوال الإمام أبو حيَّان الأندلسي رحمه الله: [ومن كان ابن امرأة مولوداً منها استحال أن يكون هو الله تعالى]
·بمعنى أن الشخص إما أن يكون إنساناً وإما أن يكون إلهاً, فإن الطبيعتين متضادتين
·على سبيل المثال: الإله لا يموت, والإنسان يموت, فكيف نجمع بين عدم الموت والموت ؟! هذا مستحيل
·فإذا اعتقد المسيحي بأن المسيحu قد مات, فقد تغلَّبت الطبيعة الإنسانية على الطبيعة الإلهية
·لذا لا يكون المسيحu إلهاً أصلاً, ومن قال بأنه اللهI فقد كفر؛ لأن اللهI لا يموت
نرى هذا في قول الله U: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ} [المائدة : 75]
{مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}
·عندما أراد اللهU أن ينفي عن المسيحu أنه الله قال: {كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ}
·بمعنى أن المسيحu كان يحتاج إلى الطعام بحسب طبيعته البشرية
·واللهU بحسب طبيعته الإلهية لا يحتاج إلى طعام, فالمسيحu إذاً ليس هو الله
·الشيخ محمد عاشور رحمه الله: [أنّهم جعلوا حقيقة الإله الحقّ المعلوم متّحدة بحقيقة عيسى uبمنزلة اتّحاد الاسمين للمسمّى الواحد]
·قال الأنبا بيشوي: [اتحاد غير مفترق لطبيعتين مختلفتين في طبيعة واحدة]
·أي أنه بعد تجسد (الله الـ) الابن, لم يعد هناك تفريق بين الألوهية والإنسانية
·هذه هي العقيدة المسيحية الأرثوذكسية الـمُسمَّاة بـ “الطبيعة الواحدة” !
·أي عندما يفعل المسيحu مُعجزة يقولون: الله الـمُتجسِّد فعل المعجزة
·وعندما مات المسيحu على الصليب – بحسب مُعتقدهم – يقولون: الله الـمُتجسِّد مات على الصليب
·وقد أوردنا فيما سبق أقوالاً لآباء الكنيسة تُبيِّن بجلاء مدى بشاعة هذا الكفر.
·قال الشيخ محمد عاشور رحمه الله: [ومُرادهم امتزاج الحقيقة الإلهيّة في ذات عيسى]
·بمعنى إنك لم تعد قادراً على التفريق بين الطبيعة الإلهية والطبيعة الإنسانية
·قال الشيخ محمد عاشور رحمه الله: [إذ سرى لهم القول باتّحاد اللاهوت بناسوتتِ عيسى إلى حدّ أن اعتقدوا أنّ الله سبحانه قد اتّحد بعيسى وامتزج وجود الله بوجود عيسى]
·وهو يقصد هنا ما وضَّحناه منذ قليل عن عقيدة الطبيعة الواحدة
تلخيصاً لما سبق:
·بحسب التعريف المسيحي للتجسُّد, فإن اللهI مُنزَّه عن التجسُّد
·لأن الطبيعة الإلهية لا تجتمع مع الطبيعة الإنسانية
·فلابد لطبيعة منها أن تتغلب على الأخرى
·فإن كان اللهI لا يحتاج إلى الطعام, والمسيحu يحتاج إلى الطعام
·وإن كان اللهI لا يموت, والمسيحu يموت, إلى غير ذلك من الأمور التي لا تجتمع عليها الطبيعتان الإلهية والإنسانية
·فإنه من المستحيل أن نجد اتحاداً بين الطبيعتين المتضادتين
·وكما أن رؤية الطبيعة الإلهية مستحيلة على الإنسان, فمن الأولى استحالة الاتحاد بها !
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات
[1]أبو البركات عبد الله النسفي (ت 710 هـ): مَدَارِك التنزيل وحقائق التَّأويل, دار الكَلِم الطَّيِّب ببيروت, الجزء الثالث – صـ695.
[2]كتاب مؤتمر العقيدة الأرثوذكسية 2010 بعنوان: عقيدتنا الأرثوذكسية – آبائية وكتابية, المحاضرة الثالثة للأنبا بيشوي: الميديا وتأثيرها على الإيمان والعقيدة– صـ45.
[3]أبو الفداء عماد الدين إسماعيل ابن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, الجزء الثالث – صـ68.
[5]أبو الفرج جمال الدين عبد الرحمن الجَوزي (ت 597 هـ): زاد المسير في علم التفسير, المكتب الإسلامي ببيروت, الجزء الثاني – صـ317.
[6]أبو عبد الله شمس الدين القرطبي (ت 671 هـ): الجامع لأحكام القرآن, دار عالم الكتب بالرياض, الجزء السادس – صـ119.
[7]أبو الفداء إسماعيل بن كثير (ت 774 هـ): تفسير القرآن العظيم, دار طيبة بالرياض, المجلد الثالث – صـ68.
[8]أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت 310 هـ): جامع البيان في تأويل القرآن, مؤسسة الرسالة ببيروت, المجلد العاشر – صـ146.
[10]أبو حيَّان محمد بن يوسف الأندلسي (ت 754 هـ): البحر المحيط, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء الثالث – صـ464.
[12]زين الدين أبو عبد الله محمد الرازي (ت 666 هـ): مختار الصحاح, الدار النموذجية ببيروت, الطبعة الخامسة – صـ60.
[13]أحمد مختار عبد الحميد عمر (ت 1424 هـ) بمساعدة فريق عمل: معجم اللغة العربية المعاصرة, عالم الكتب, الطبعة الأولى، الجزء الأول – صـ388.
[14]أبو الفضل جمال الدين ابن منظور الأنصاري (ت 711 هـ): لسان العرب, دار صادر ببيروت, الطبعة الثالثة, الجزء الرابع عشر – صـ150, 151.
[16]أبو العلى محمد المباركافوري (ت 1353 هـ): تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي, دار الكتب العلمية ببيروت, الجزء السابع – صـ226.
[17]أبو زكريا يحيى النووي (ت 676 هـ): المِنهَاج شرح صحيح مسلم بن الحجاج, دار إحياء التراث العربي ببيروت, الجزء الثالث– صـ14.
[18]الحسين بن مسعود البَغَوي (ت 516 هـ): شرح السُّنَّة, المكتب الإسلامي ببيروت, الجزء الأول – صـ175.
[21]محمد متولي الشعراوي (ت 1418 هـ): تفسير الشعراوي, دار أخبار اليوم بالقاهرة, المجلد السابع – صـ4343, 4344.
[22]شمس الدين ابن القيم الجوزية (ت 751 هـ): الصواعق المرسلة في الرد على الجهمية والمعطلة, دار العاصمة بالرياض, الجزء الرابع – صـ1332.