القائمة إغلاق

فيلم لملحد عن الخطية والأخلاق (3) الحياة بعد الموت

بسم الله الرحمن الرحيم

خواطر حول فيلم لملحد عن الخطية والأخلاق بين الأديان والإلحاد

(3) الحياة بعد الموت!

أبو المُنتصر محمد شاهين التاعب

قم بتحميل المقالة PDF

المُلحد البريطاني المشهور يُكرِّر دائماً هذا السُّؤال: «هل هُناك دليل على الحياة بعد الموت؟!», ثمَّ يُجيب على السُّؤال بنفسه ويقول: «إنَّه لا يوجد أي دليل علمي على وُجُود حياة بعد الموت!», وأظنّ أنَّ المطلوب من العُلماء هو الوُصُول لطريقة تُمكِّنهم من إحياء الموتى بأنفسهم حتى يكون هذا دليلاً عِلْمياً مادِّيًّا ملموساً على الحياة بعد الموت! الله المُستعان.

1

أهل الأديان الثَّلاثة: الإسلام, والمسيحية, واليهودية, يؤمنون بأنَّ الله هو مُحيي الموتى, وأنَّه سيبعث الموتى من قُبُورهم يوم القيامة ليُحاسبهم على حياتهم الدُّنيا, وما فعله الإنسان في الدُّنيا سيُقرِّر مصيره في الآخرة, فإمَّا نعيم أبدي في جنَّة الخُلد, جعلنا الله من أهل الجنَّة, اللهم آمين, أو عذاب أبدي في جهنَّم, ونسأل الله عزَّ وجلَّ أن يصرف عنَّا عذاب جهنَّم, اللهم آمين.

هذا الإيمان بالبعث والحساب هو أكبر دافع لاتِّباع الأوامر والابتعاد عن النَّواهي والمعاصي, ولكنَّ هذا المُلحد البريطاني المشهور يقول إنَّ هذه الفكرة ليس عليها دليل علمي, وهُناك فارق بين قُوَّة هذه العقيدة فعلاً, وتأثيرها على حياة الناس ودفعهم للخير, وبين وُجُود دليل علمي على هذه العقيدة من عدمه, فإنَّ للإيمان باليوم الآخر ثمرات جليلة منها: الرَّغبة في فعل الطَّاعة والحِرص عليها, رجاءً لثواب ذلك اليوم. بالإضافة إلى الرَّهبة من فعل المعصية, ومن الرِّضى بها, خوفاً من عِقاب ذلك اليوم. أيضاً في هذا الإيمان تسلية للمؤمن عمّا يفوته من الدُّنيا بما يرجوه من نعيم الآخرة وثوابها.

كباحث في مجال مُقارنة الأديان, وكمُسلم مُنحاز لديني طبعاً, أدَّعي ادِّعاءً خطيراً جداً, ألَا وهو أنَّ الإسلام هو الدِّين الوحيد الذي يُقدِّم الأدلة والبراهين المُختلفة والمُتنوِّعة على وجود حياة بعد الموت, والقرآن يُقرِّر هذا بشكل واضح جداً وصريح, ولكنَّ القرآن هو الكتاب الوحيد الذي يسعى بكل وسيلة مُمكنة لإقناع قارئه بأنَّ الحياة بعد الموت ليس أمراً مُستحيلاً, بل هو مُمكن جداً, وهُناك في الكون أدلَّة تُوضِّح هذا بما لا يدع مجالاً للشَّكّ.

في الحقيقة, عندما بدأت تصفُّح القرآن الكريم, بحثاً عن إجابة لسؤال المُلحد: «هل هُناك دليل على الحياة بعد الموت؟!», وجدتُ أنَّ القرآن الكريم يستخدم أساليب كثيرة مُختلفة في للاستدلال على إمكان البعث وتحقُّق وُقُوعه. كثرة أساليب الاستدلال تدُلّ على أهمية هذه العقيدة, وتدُلّ أنَّ الله عزَّ وجلَّ لا يترك أيّ فُرصة لكفار حتى يقول: «لا يوجد دليل!», وتدفعني في النِّهاية لأن أقول: «الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة!».

ملحوظة هامَّة: الأدلَّة المُقدَّمة في القرآن الكريم الهدف منها إقناع الكافر بـ «إمكان» البعث, والإخبار بتحقُّق وُقُوعه, وإقناع الكافر بأنَّ فكرة «استحالة البعث» فكرة خاطئة, أو أنَّ «الحياة بعد الموت» ليس أمراً مُستحيلاً, بل هو مُمكن, وهُناك ما يدُلّ على هذا, وسيحدث فعلاً لأنَّ الله عزَّ وجلَّ أخبرنا بهذا!

أوَّلاً: أنا كمُسلم أعتقد أنَّ أوَّل منهج يجب اتِّباعه لإثبات صحَّة أيّ عقيدة إسلامية هو إثبات أنَّ القرآن الكريم هو فعلاً كلام الإله الحيّ, خالق السموات والأرض. فإذا ثبت لقارئ القرآن أنَّه يقرأ بالفعل كلام الإله, فيجب عليه أن يُصدِّق بكلّ ما أخبره الله, ومنها البعث بعد الموت, والعرض على الله للحساب يوم القيامة!

إذن, القضية المفصلية هي كيف أتحقَّق من أنَّ القرآن الكريم كلام الإله خالق هذا الكون فعلاً؟! هُناك وسائل كثيرة جداً, فهذا الخالق العظيم, يُخبرك عن خلقه دائماً في القرآن الكريم, بتفاصيل لم يعرفها أي مخلوق وقت نزول القرآن الكريم على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم, وهذه من ضمن الأدلَّة التي تُشير إلى أنَّ القرآن الكريم هو كلام الله فعلاً!

ما نُسمِّيه اليوم بـ «الإعجاز العلمي للقرآن الكريم» من أكبر الأدلَّة على أنَّ القرآن الكريم هو كلام الله, والمقصود بالإعجاز العلمي هو أنَّ القرآن الكريم يحتوي على معلومات كثيرة علمية دقيقة جداً, يستحيل أن يعرفها أيّ مخلوق عاش في العُصُور القديمة, مُنذ 1435 عاماً تقريباً!

2

القرآن الكريم يُخبرنا هذه المعلومات في سياق أنَّ الخالق عزَّ وجلَّ يتكلَّم عن خلقه وهو أعلم بهم, كوسيلة تستطيع من خلالها اختبار حقيقة أنَّ القرآن كلام الله! فإذا كانت هذه المعلومات التي يُقدِّمها الخالق عن خلقه صحيحة فعلاً, وتأكَّدنا بما لا يدع مجالاً للشَّكّ أنَّ مثل هذه المعلومات لم تكُن مُتاحة أبداً لأي مخلوق عاش مُنذ 1435 عاماً, فعلينا أن نتأكَّد من أنَّ القرآن الكريم هو كلام الله فعلاً, ويجب علينا تصديق كلّ ما ورد فيه!

هُناك أيضاً وسائل أخرى غير «الإعجاز العلمي» نستطيع من خلالها أنَّ نتأكَّد من أنَّ القرآن الكريم كلام الله, منها على سبيل المثال: «عُمُوم تشريعاته وكمال», فنجد أنَّ القرآن الكريم يُقدِّم للإنسان أحكاماً في جميع مجالات الحياة, سواء الإنسانية والعلاقات الاجتماعية, أو الخاصَّة بالعلاقات المالية والتجارية, وتشريعات أخرى تخص الزراعة والصناعة, وأخرى تخصّ العلاقات القضائية من أحكام قانونية وتنظيمات وحدود وما شابه, وهُناك أيضاً ما يخُص العلاقات السِّياسية والعامَّة, ناهيك عن التَّشريعات الخاصَّة بالعِبادات!

كلّ هذا يُقدِّمه القرآن الكريم في سياق كلام الخالق عن ما يُصلح أحوال خلقه, وأنَّه أعلم بهم, وبما ينفعهم, وبما يضرّهم, فلا تجد شاردة ولا واردة يحتاج الإنسان أن يعرفها لينصلح بها حياته, إلَّا و وجدها في القرآن الكريم! سُبحان الله العظيم!

من ضمن الأدلَّة التي تُشير إلى أنَّ القرآن الكريم كلام الله فعلاً: «الإخبارات الغيبية», سواء كانت مُستقبلية أو عن الماضي السَّحيق! فقد أخبر الله عزَّ وجلَّ عن أنَّ المُسلمين سيدخلون مكَّة فاتحين قبل أن يفتحوها فعلاً! وقد أخبر الله عزَّ وجلَّ عن انتصار الرُّوم على الفُرس من بعد هزيمتها, وهذا قبل أن تنتصر فعلاً! وقد أخبر الله عزَّ وجلَّ عن استقرار فُلك نوح على جبل الجودي, وهذا ما تم اكتشافه حديثاً بالفعل!

القرآن الكريم يُخبرنا بكلّ هذا في سياق الكلام عن الإله صاحب العلم المُطلق, الذي يُخبرنا هذه الأخبار التي هي بالنِّسبة لنا غيبية, وليس لنا سبيل لمعرفتها إلَّا عن طريق الوحي الإلهي. فمع ثُبُوت صدق هذه الأخبار فعلاً, وجب علينا أن نؤمن بأنَّ القرآن الكريم هو كلام الله العليم.

لا أُريد أن أُطيل أكثر في مسألة: «كيفية إثبات أنَّ القرآن الكريم كلام الله», ولكنَّني سُقتُ الكلام السَّابق لأنَّ من ضمن وسائل استدلال القرآن الكريم على إمكان البعث, والحياة بعد الموت, هو إخبارنا بحالات تاريخية قديمة, لناس قاموا أحياء مرَّة أخرى فعلاً من بين الأموات! ولكنَّ منهج الاستدلال هذا سيكون مرفوضاً من قِبَل المُلحد لأنَّه لن يُصدِّق القرآن أصلاً! لذا وجب علينا وضع منهجية علمية, نستطيع تجربتها, تؤدِّي في النِّهاية إلى إقناعنا بأنَّ القرآن فعلاً كلام الله, لذا وجب تصديق كلّ ما ورد فيه!

أخبر الله عزَّ وجلَّ كثيراً في القرآن الكريم عن حالات تاريخية سابقة لإحياء موتى.

قال تعالى: {وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [البقرة : 55-56]

وقال تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ * فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [البقرة : 72-73]

وقال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ} [البقرة : 243]

وقال تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِـي هَـَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة : 259]

وقال تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِـي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن قَالَ بَلَى وَلَـكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة : 260]

وهُناك آيات قرآنية كثيرة تُخبرنا عن عيسى عليه السَّلام الذي كان يُحيي الموتى بإذن الله.

قال تعالى: {وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِـي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [آل عمران : 49]

وقال تعالى: {إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} [المائدة : 110]

والآيات القرآنية التي تُخبرنا عن قصَّة أصحاب الكهف.

قال تعالى: {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَباً * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَداً * فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَداً * ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَداً} [الكهف : 9-12]

هُناك أيضاً آيات قرآنية أخرى, فيها يستدلّ اللهُ عزَّ وجلَّ على إمكان البعث والحياة بعد الموت على أساس أنَّ البعث من مُقتضيات حكمة الله وعدله, لنقف بين يدي الله عزَّ وجلَّ لنُقدِّم حساباً عن أعمالنا في الدُّنيا, لننال ثواب أعمالنا الحسنة, وعقاب عن معاصينا, غفر الله لنا ولكم, وسترنا الله وإيَّاكم في الدُّنيا والآخرة, اللهم آمين. فإنَّ الله تعالى لم يخلق الناس عبثاً, ولم يتركهم سُدى.

هذه النُّقطة كسابقتها, تُعدّ من الأدلَّة الخبرية على البعث والحياة بعد الموت, مُتوقِّفة على مدى تصديقك للقرآن الكريم, وأنَّه كلام الله, ولكن هذه المسألة في حدّ ذاتها, مسألة الهدف من حياتنا على الأرض, وفي النِّهاية تقديم حساب يوم القيامة بين يدي الله عزَّ وجلَّ, هذه المسألة تُعطي للحياة كلّها هدفاً ومعنىً, وتجعل المؤمن مُطمئناً وهو يعيش في هذه الدُّنيا, بعكس المُلحد الذي لا يعرف سبب وجوده على هذه الأرض, ولا ما هو مصيره بعد الموت.

قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ* فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون : 115-116]

وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ* فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} [الزلزلة : 6-8]

إذن, هذا النّوع من الأدلَّة, كما قُلنا سابقاً, مُتوقِّف على مدى تصديقك بحقيقة أنَّ القرآن الكريم كلام الله, ولكنَّنا بيَّنا المنهجية العلمية التي نستطيع اتِّباعها لإثبات أنَّ القرآن الكريم هو كلام الله, فعلينا إذاً أن نُصدِّق كلّ ما جاء فيه, فإنَّ الله عزَّ وجلَّ هو الحق, {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً} [النساء : 87], {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلاً} [النساء : 122].

النّوع الثاني من الأدلَّة القرآنية مُرتبطة بإيمانك بالخالق سُبحانه وتعالى, والذي يُخبرنا في القرآن الكريم عن روعة خلقه وعظمته, يُخبرنا أنَّ القادر على أن يخلق مثل هذا المخلوقات البديعة العظيمة الرائعة, قادرٌ على إحيائها بعد موتها.

لاحظ أنَّ القضية ليست إيمانية غيبية بحتة كما يفهم المُلحد, على أساس عدم وجود أدلَّة! بل على العكس تماماً فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يسوق لك الأدلَّة على أنَّه هو خالق هذا الكون المُشاهد العظيم, يصف خلقه بأوصاف تعجز البشرية مُنذ 1435 عاماً عن الإتيان بها, وهذا دليل صدق الادِّعاء, ألَا وهو أنَّ الإله المُتكلِّم في القرآن الكريم هو فعلاً الخالق, لمطابقة الأوصاف التي ذكرها عن خلقه للواقع.

قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاء إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِن بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} [الحج : 7]

هذه الآيات القرآنية في غاية الرَّوعة, فالآية خطاب مُباشر لمن يُنكر البعث, والحياة بعد الموت. خطاب في غاية القوَّة والتَّحدِّي, والحمد لله رب العالمين!

أوَّلاً: الله عزَّ وجلَّ يُثبت بالأوصاف الدَّقيقة لخلقه أنَّه عزَّ وجلَّ هو خالقهم! فالعلم الحديث أثبت فعلاً أنَّ مُكوِّنات جسم الإنسان كلّها أصلها من التُّراب, ثمَّ تجد وصفاً دقيقاً جداً لأطوار الإنسان كلّها, من أوّل كونه نُطفه, إلى أن يبلغ الشَّيخوخة! والأهمّ طبعاً ما ذكره الله عزَّ وجلَّ عن أطوار الجنين, والتي باتت ثابتة علمياً الآن, وأسلم بسببها عشرات العُلماء!

3

هذا الاستدلال, ألَا وهو بيان أنَّ الله عزَّ وجلَّ هو الخالق من خلال سرده تعالى لأوصاف دقيقة لخلقه, استخدمه الله عزَّ وجلَّ مرَّة أخرى في القرآن الكريم, ليُدلِّل أنَّ الذي خلق من البداية, قادرٌ على إرجاع الخلق كما كان مرَّة أخرى بعد الموت!

قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى * أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [القيامة : 36-40]

وقال تعالى: {فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ} [الطارق : 5-8]

أُريد أن أُبيِّن مرَّة أخرى أنَّ الله عزَّ وجلَّ في الآيات السابقة يستدل بقُدرته على الخلق بدايةً, كدليل على قُدرته على إرجاع خلقه مرَّة أخرى بعد الموت لحالتها الأولى, ولكن هذا ليس مُجرَّد إخبار, فإنَّ الله عزَّ وجلَّ يُبرهن على أنَّه فعلاً خالق هذه المخلوقات, عن طريق سرد معلومات ليس لمخلوق أن يعرفها منذ 1435 عاماً.

هُناك آيات أخرى, فيها يستدلّ الله عزَّ وجلَّ بقُدرته على الخلق بدايةً, كدليل على قُدرته على البعث وإحياء الموتى, ولكن بدون ما ذكرناه سابقاً من ذكر لأوصاف المخلوق, ولكنَّ الله عزَّ وجلَّ يُبيِّن لنا أنَّ الخلق الأول عظيم جداً, وبديع جداً, فمن كان قادراً على أن يخلق مثل هذا الكون بدايةً, قادراً حتماً على أن يُعيدها مرَّة أخرى بعد موتها.

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الروم : 27]

وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الأحقاف : 33]

وقال تعالى: {وَيَقُولُ الْإِنسَانُ أَئِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيّاً * أَوَلَا يَذْكُرُ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً* فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيّاً} [مريم : 66-68]

وقال تعالى: {وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَن يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَن يَكُونَ قَرِيباً} [الإسراء : 49-51]

والمقصود من قوله تعالى: {قُل كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً * أَوْ خَلْقاً مِّمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ} هو أنَّكم مهما تفرَّقتم, وعلى أيّة حال كنتم, فالله قادرٌ على إعادة الحياة إليكم مرَّة أخرى!

وقال تعالى: {ذَلِكَ جَزَآؤُهُم بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا وَقَالُواْ أَئِذَا كُنَّا عِظَاماً وَرُفَاتاً أَإِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً * أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَن يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلاً لاَّ رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إَلاَّ كُفُوراً} [الإسراء : 98-99]

4

والآن نرجع إلى النُّقطة الثَّانية التي أُريد توضيحها بخُصُوص آيات سورة الحج!

يستدلّ الله عزَّ وجلَّ بمثالٍ من عالمنا, نعرفه جيِّداً, والثَّابِت أيضاً علمياً, والذي يدلّ دلالة قطعية على إمكانية الحياة بعد الموت, ألَا وهو مثال «الأرض الميتة» المُشقَّقة التي لا تحتوي على أي شكل من أشكال الحياة! هذه «الأرض الميتة» إذا أنزل اللهُ عليها ماء المطر, تراها تهتزّ, ويخرج منها الحياة! سُبحان الله العظيم القادر عزَّ وجلَّ على إخراج الحيّ من الميِّت! دليل علمي واضح, يعرفه ويختبره كلّ النّاس, ومع ذلك نجد من يُكابر ويُنكر إمكانية الحياة بعد الموت! الله المُستعان.

لا أنسى أبداً عندما كنتُ أدرس عُلُوم الأحياء, ما كنت أقرأه عن البذور قبل الزِّراعة, وأنها في حالة علمية تُسمَّى «Dormancy», وهي حالة علمية تعني توقُّف كلّ الأنشطة الفزيائية في البذرة, وهل الموت إلَّا هذا! لا توجد أيّ حركة ولا أيّ نشاط, في انتظار الأسباب التي ستجعل الحياة تدبّ في البذرة, لتكبر وتصبح شجرة!

5

هذا الدَّليل العلمي الرَّائع استخدمه الله عزَّ وجلَّ أكثر من مرَّة في القرآن الكريم.

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَاباً ثِقَالاً سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنزَلْنَا بِهِ الْمَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الأعراف : 57]

وقال تعالى: {وَاللَّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَسُقْنَاهُ إِلَى بَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَحْيَيْنَا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا كَذَلِكَ النُّشُورُ} [فاطر : 9]

وقال تعالى: {فَانظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَتِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم : 50]

وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فصلت : 39]

وقال تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِن مَّاء فَأَحْيَا بِهِ الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخِّرِ بَيْنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [البقرة : 164]

وقال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعاً وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم : 24]

6

هُناك أدلَّة علمية أخرى استخدمها الله عزَّ وجلَّ لبيان إمكان البعث, والحياة بعد الموت, منها ما ذكرناه ضمنياً في الآيات السَّابقة, ألَا وهو إنزال المطر! وكيف يكون إنزال الماء من السَّماء دليلاً في حدّ ذاته على إمكان البعث والحياة بعد الموت؟!

قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ * أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ} [الواقعة : 68-69]

ووجه الاستدلال بهذا الدَّليل على البعث: أنَّ الماء عند صُعُوده إلى السَّماء يتحوَّل إلى بُخار، وتعبث به الرِّياح, فتُفرِّقه تفرُّقاً عظيماً، ومع ذلك يجمعه اللهُ سُبحانه وتعالى، ويُعيده إلى حالته الأولى! أليس هذا ما يحدث عند الموت؟! يتحلَّل جسد الإنسان, فيصبح ذرات تُراب مُبعثرة, أليس القادر على جمع ذرات الماء المُتبخِّرة وإعادتها لحالتها الأصلية, بقادرٍ على إعادة جسد الإنسان بعد تحلُّله لحالتها الأصلية؟!

7

من الأدلَّة العلمية الأخرى التي استدلّ بها الله عزَّ وجلَّ على إمكان البعث والحياة بعد الموت: إخراج النّار من الشجر الأخضر! هل كان من المُمكن أن يتصوَّر إنسان قطّ أن النَّار بمواصفاتها العجيبة, وحركتها المُستمرَّة بسبب الهواء, والتي تظهر وكأنَّها حيَّة! والحرارة التي والنور المُنبعثان منها بشكلٍ مُستمرّ! هل كان يتصوَّر إنسان أنَّ هذه النار تخرج من  خشب مُصمت ليس فيه أثر الحياة؟! سُبحان الله العظيم. هكذا يبعث اللهُ الموتى من القبور!

قال تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُم مِّنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَاراً فَإِذَا أَنتُم مِّنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُم بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس : 78-83]

وقال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ * أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ* نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِّلْمُقْوِينَ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة : 71-74]

8

آخر الأدلَّة العلمية التي يستدلّ بها الله عزَّ وجلَّ لبيان إمكان البعث والحياة بعد الموت هو حُصُول اليقظة بعد النّوم، فإنَّ النّوم أخو الموت, واليقظة شبيهة بالحياة بعد الموت!

قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأنعام : 60]

وقال تعالى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُم حَفَظَةً حَتَّىَ إِذَا جَاء أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لاَ يُفَرِّطُونَ * ثُمَّ رُدُّواْ إِلَى اللّهِ مَوْلاَهُمُ الْحَقِّ أَلاَ لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام : 61-62]

وقال تعالى: {اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الزمر : 42]

في النِّهاية أُحبّ أن أسوق مثالاً أخيراً كدليلٍ علميّ على إمكان البعث والحياة بعد الموت, يحدث تقريباً كلّ يوم في المُستشفيات! مرضى دخلوا في غيبوبة تامَّة, وتوقَّفت جميع وظائفهم الحيوية, وآخرها توقُّف القلب, يبدأ الأطبّاء باستعمال الصَّعق الكهربي, أو الصَّدمة الكهربائية كمُحاولة أخيرة منهم لإيقاظ نشاط القلب مرَّة أخرى, ولكن بدون فائدة! ويظنّ الأطبَّاء أنَّ المريض قد مات فعلاً, بل إنَّ الأجهزة الطِّبِّيَّة تُعطي الإشارات الدَّالَّة على موت المريض, ولكن فجأة, وبدون أيّ أسباب علمية معروفة! يستيقظ المريض من سُباته العميق, بل علينا أن نقول بالأحرى أنَّ المريض قد قام من بين الأموات!

9

إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ: يَسْمَعُونَ, يَتَفَكَّرُونَ, يَعْقِلُونَ

وفي النِّهاية: يُؤْمِنُونَ!

بعد كلّ هذه الأدلَّة العلمية الواضحة, التي نراها كثيراً في حياتنا, لا أستطيع إلَّا أن أشهد بأنَّ الله هو الحقّ, وأنَّه مُحيي الموتى, وأنَّه على كلّ شيء قدير, وأنَّ الساعة آتية لا ريب فيها, وأنَّ الله يبعث من في القُبُور!

اللهم تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ, اللهم آمين

الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصَّالِحات

مراجع:

 

الدكتور زاهر عواض الألمعي: منهج القران في استدلاله على إمكان البعث, موقع صيد الفوائد.

http://www.saaid.net/bahoth/13.htm

البعث بعد الموت في آيات القرآن الكريم, موقع إسلام وب.

http://articles.islamweb.net/media/index.php?page=article&lang=A&id=158874

دُرُوس في التَّوحيد, إعداد قسم التعليم بالمكتب التَّعاوني للدَّعوة والإرشاد وتوعية الجاليات بالرِّياض.

مواقع عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم:

موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة http://quran-m.com

موقع الدكتور زغلول راغب النجار http://www.elnaggarzr.com

موقع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم والسنة النبوية http://www.eajaz.com

1 Comment

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: