القائمة إغلاق

فيلم لملحد عن الخطية والأخلاق (4) أفعالك تُبيِّن أنَّ دينك فاشل!

بسم الله الرحمن الرحيم

خواطر حول فيلم لملحد عن الخطية والأخلاق بين الأديان والإلحاد

(4) أفعالك تُبيِّن أنَّ دينك فاشل!

أبو المُنتصر محمد شاهين التاعب

قم بتحميل المقالة PDF

رغم أنَّ المُلحد يدَّعي أنَّه «عِلْمي» و «منطقي» في كلّ شيء! إلَّا أنَّه كغيره من الكُفَّار الفُجَّار, يُدلِّس, ويكذب, ويلبس الحقّ بالباطل, من أجل تشويه «الدِّين» بشكل عام, و «الإسلام» بشكل خاصّ! ولكنّ بفضل الله عزَّ وجلَّ, وبمنّه وجُوده وكرمه, كلّ هذا لن يمنع الإسلام من الانتشار!

قال تعالى: {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة : 32]

وقال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [الصف : 8]

إنَّها خُدعة قديمة جداً, استخدمها أهل الباطل لتشويه أهل الحقّ, ولكن المُسلمين للأسف الشِّديد يُساهمون بأفعالهم في انتشار هذه الخُدعة وتقوية أثرها بين النَّاس! إنَّها خُدعة: «أفعالك تُبيِّن أنَّ دينك فاشل!», ولا حول ولا قُوَّة إلَّا بالله العليّ العظيم!

المُلحد البريطاني المشهور يقول: «إنَّ المُتديِّن ليس أكثر التزاماً بالأخلاق الحميدة من المُلحد!», وقد استدلّ لهذه العبارة بدراسة تُقارن بالإحصائيات بين الانحرافات الجنسية التي يرتكبها المُتديِّنون من ناحية, والمُلحدون والعلمانيون غير المُلتزمين بدين من ناحية أخرى. فأظهرت الدِّراسة أنَّ الفريقين مُتساويان تقريباً في الوقوع في الانحرافات الجنسية, الفارق الوحيد بين المُتديِّن وغير المُتديِّن هو شُعُور المُتديِّن بالذَّنب وتأنيب الضَّمير فقط لا غير!

لن أُشكِّك في مدى مصداقية هذه الدِّراسة والإحصائيات المُستخدمة فيها, ولكنَّني أُريد أن أوضِّح أكثر من نُقطة فاصلة تُبيِّن أن مثل هذه الدِّراسات لا تُثبت ما يُريد المُلحد البريطاني إثباته, وهو أنَّ: «الدِّين فشل في تحسين سُلُوكيَّات الأفراد»! و «الدِّين» الذي سأُدافع عنه طبعاً هو «الإسلام»! لأنَّني أعتقد اعتقاداً راسخاً بأنَّ «المسيحية» فعلاً فشلت في ضبط وتحسين سُلُوكيات الأفراد ولكن هذا لا ينطبق على الإسلام إطلاقاً!

1

أوَّلاً: الدِّراسة تمَّت في مُجتمع غربي, المُتديِّنون فيها غالبيتهم من المسيحيين, والمسيحية بشكل عام ليس فيها ما يردع المسيحيين, ويمنعهم من الوقوع في الفواحش, وارتكاب الزِّنى. بل إنَّ المسيحيين يُؤصِّلون لهذه المسألة! مسألة إنَّ المسيحي «حُرّ», يستطيع أن يفعل ما يشاء, حتى الوُقوع في الزِّنى!, ولا وُجُود للعُقُوبات الشَّرعية! على عكس الإسلام الذي يحتوي على «الجَلْد» أو «الرَّجم», أو أي عُقُوبات تعزيرية أخرى قد يُقرِّرها وليّ الأمر حسب ما يراه مُناسباً.

بولس, الذي بدَّل دين المسيح عليه السَّلام, هو الأصل في مسألة عدم وُجُود عُقُوبات شرعية, أو بمعنى أصحّ, بُطلان العَمَل بشريعة مُوسى عليه السَّلام أو عدم الالتزام بها! فقد حكم بنسخها, وإلغائها, وبطلانها, وعدم صلاحيتها! إليكم بعض النُّصُوص الدَّالة على ذلك:

رومية 7 / 6 (وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ تَحَرَّرْنَا مِنَ النَّامُوسِ، إِذْ مَاتَ الَّذِي كُنَّا مُمْسَكِينَ فِيهِ، حَتَّى نَعْبُدَ بِجِدَّةِ الرُّوحِ لاَ بِعِتْقِ الْحَرْفِ.)

غلاطية 3 / 13 (اَلْمَسِيحُ افْتَدَانَا مِنْ لَعْنَةِ النَّامُوسِ، إِذْ صَارَ لَعْنَةً لأَجْلِنَا، لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ».)

غلاطية 3 / 23-25 (٢٣ وَلكِنْ قَبْلَمَا جَاءَ الإِيمَانُ كُنَّا مَحْرُوسِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، مُغْلَقًا عَلَيْنَا إِلَى الإِيمَانِ الْعَتِيدِ أَنْ يُعْلَنَ. ٢٤ إِذًا قَدْ كَانَ النَّامُوسُ مُؤَدِّبَنَا إِلَى الْمَسِيحِ، لِكَيْ نَتَبَرَّرَ بِالإِيمَانِ. ٢٥وَلكِنْ بَعْدَ مَا جَاءَ الإِيمَانُ، لَسْنَا بَعْدُ تَحْتَ مُؤَدِّبٍ.)

أفسس 2 / 14-16 (١٤ لأَنَّهُ هُوَ سَلاَمُنَا، الَّذِي جَعَلَ الاثْنَيْنِ وَاحِدًا، وَنَقَضَ حَائِطَ السِّيَاجِ الْمُتَوَسِّطَ ١٥ أَيِ الْعَدَاوَةَ. مُبْطِلاً بِجَسَدِهِ نَامُوسَ الْوَصَايَا فِي فَرَائِضَ، لِكَيْ يَخْلُقَ الاثْنَيْنِ فِي نَفْسِهِ إِنْسَانًا وَاحِدًا جَدِيدًا، صَانِعًا سَلاَمًا، ١٦ وَيُصَالِحَ الاثْنَيْنِ فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ مَعَ اللهِ بِالصَّلِيبِ، قَاتِلاً الْعَدَاوَةَ بِهِ.)

العبرانيين 7 / 18-19 (١٨ فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضَعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا، ١٩ إِذِ النَّامُوسُ لَمْ يُكَمِّلْ شَيْئًا. وَلكِنْ يَصِيرُ إِدْخَالُ رَجَاءٍ أَفْضَلَ بِهِ نَقْتَرِبُ إِلَى اللهِ.)

العبرانيين 10 / 9-10 (9 أَضَافَ قَائِلاً: «هَا أَنَا آتِي لأَعْمَلَ إِرَادَتَكَ!» فَهُوَ إِذَاً يُلْغِي النِّظَامَ السَّابِقَ، لِيَضَعَ مَحَلَّهُ نِظَاماً جَدِيداً يَنْسَجِمُ مَعَ إِرَادَةِ اللهِ. 10 بِمُوجِبِ هَذِهِ الإِرَادَةِ الإِلَهِيَّةِ، صِرْنَا مُقَدَّسِينَ إِذْ قَرَّبَ يَسُوعُ الْمَسِيحُ، مَرَّةً وَاحِدَةً، جَسَدَهُ عِوَضاً عَنَّا!) (ترجمة الحياة)

كلّ هذه النُّصُوص السَّابقة دافع كبير جداً لوقوع شيئين! الأوَّل: عَدَم التزام المسيحي أصلاً الوصايا والشَّرائع والأحكام, لسببين. السَّبب الأوَّل مُتعلِّق بعقيدة الصَّلب والفداء في المسيحية, والتي «حرَّرتهم» و «فدتهم» من «لعنة الشَّريعة»! فألغى المسيح عليه السَّلام بزعمهم «النِّظام السَّابق» الذي كان يؤدِّبهم! فإذا تحرَّروا من «المؤدِّب» فكيف سيكونون مؤدَّبين مُلتزمين بالأخلاق الحميدة والسُّلوكيَّات المُنضبطة؟! فالمسيحي ينظر للشَّريعة على أنَّها أصبحت «باطلة» لـ «ضعفها وعدم نفعها»!, الثَّاني: عدم توقيع عُقُوبات شريعة موسى عليه السَّلام على من وقع في خطيئة تستوجب عُقُوبة في الشَّريعة. وبالنِّسبة لهذه النُّقطة الثانية, فإنَّ المسيحيين يستشهدون بـ «قصَّة المرأة الزَّانية» كدليل على تطبيق كل ما ذكرناه سابقاً بخُصُوص بطلان الشَّريعة.

بغضّ النَّظر عن أنَّ قصَّة المرأة الزَّانية ليس قصَّة أصيلة في إنجيل يوحنا, بل إنَّها قصَّة مُضافة إلى المخطوطات في أواخر القرن الرَّابع, أو بدايات القرن الخامس, وهذا ما يقوله عُلماء النَّقد النَّصِّي, إلَّا أنَّ جمهور المسيحيين الأصوليِّين يعتقدون أنَّ القصَّة أصيلة وأصلية! ولها دلالاتها العقائدية.

يقول القُمُّص متَّى المسكين: [يُبرِز هُنا القدِّيس يوحنا الصُّورة الحقيقية التي كانت في ذهن الكتبة والفريسيين عن مُستوى المسيح التَّشريعي والقضائي, ومن ناحية أخرى يُبرِز المسيح, باعتباره المُشِّرع الجديد الذي بحكمه وقضائه سيلغي حالاً, وفي جُملة واحدة غير مُباشرة, كلّ شريعة موسى القضائية القائمة على البيِّنة والمُلابسات, والتي أهملت تماماً حُكم الضَّمير, والباعث الأخلاقي, وتقوى الشُّهُود, ونزاهة القاضي! وإنِّي في الحقيقة لأتعجَّب كلّ العجب, كيف يحدث هذا الهُجُوم المُكثَّف من بعض الآباء والعُلماء على هذه القصَّة التي قضت بعجز التَّشريع والقضاء الموسوي, واستحدثت للقضاء المسيحي مستوى عالٍ من الاستنارة الرُّوحية والأخلاقية, وتقديس حقّ الحياة للخاطئ؟] (الإنجيل بحسب القديس يوحنا دراسة وتفسير وشرح, الجزء الأول, دار مجلَّة مرقس, صـ512).

فإذا كان المسيح عليه السَّلام بزعمهم قد «ألغى» هذه الشَّريعة أصلاً, وقضى بـ «عجزها»! فلماذا يلتزم بها أيّ مسيحي أصلاً بعد ذلك؟!

ليس هذا فحسب, بل إنَّ للقمُّص متَّى المسكين تعليقاً رائعاً آخر على هذه القصَّة وسبب عدم وُجُودها في المخطوطات القديمة! يقول: [ويكشف هؤلاء الآباء عن سبب غياب هذه القصَّة في المخطوطات الأخرى, وهو خوف الآباء الأوائل من استخدام هذه القصَّة كمُشجِّع للانحلال الخُلُقي, ممَّا حَدَا بهم إلى حذفها من نُسخ بعض المخطوطات. (أغسطين: ضدّ بيلاجيوس, 2 / 17).] (الإنجيل بحسب القديس يوحنا دراسة وتفسير وشرح, الجزء الأول, دار مجلَّة مرقس, صـ509).

كيف يُمكن استخدام هذه القصَّة كـ «مُشجِّع للانحلال الخُلُقي»؟! عن طريق بيان أنَّ هذه القصَّة تحكم بعدم مُعاقبة من يقع في فاحشة الزَّنى, وقد يُقال: «ارتكب فاحشة الزِّنى كما تشاء! فلن يُعاقبك أحدٌ!», أقصى ما ستناله هو عبارة: «اذهب ولا تُخطئ مرَّة أخرى!».

لماذا نتعجَّب إذاً من دراسة غربية تُثبت بالإحصائيات أنَّ المُتديِّن لا يلتزم بالأخلاق ويقع في الانحرافات الجنسية, مع العلم أنَّ الغالبية العُظمى من المُتديِّنين الغربيين هُم في الأصل مسيحيون, والمسيحية تلغي وتُبطل الشَّريعة, ولا تُعاقب أو تردع من يقع في الفواحش!

ما دُمنا وصلنا إلى هذه النُّقطة, يجب علينا أن نُبيِّن أنَّ «الشَّريعة الإسلامية» كاملة, بالإضافة إلى أنَّ «العقيدة الإسلامية» تُلزِم «المؤمن» بتطبيق هذه الشَّريعة وعدم الانحراف عنها قيد أنملة! وقد تكلَّمت عن حقيقة الإيمان, وعلاقة العقيدة الصَّحيحة بالأعمال سابقاً, فأرجو مُراجعة المقالة الأولى والثانية في الرَّد على فيلم هذا المُلحد, وستجد الروابط في الأسفل. وسوف أتكلَّم بعد قليل عن حقيقة عدم التزام الكثير من المُسلمين بتطبيق الشَّريعة, فهل هذا يُثبت بالفعل فشل الدِّين؟!

لنرجع مرَّة أخرى إلى ما كُنَّا نتكلَّم عنه بخصوص المسيحية, وإبطالها للشريعة, وعدم إلزام أتباعها بالعمل بها! بالإضافة إلى ما سبق, فإنَّ النِّظام الرُّوحي المسيحي, وعقيدتهم الفداء والصَّلب والكفَّارة التي يعتقدونها, من أهمّ الأسباب التي دفعت المسيحيين بشكل عام للتَّخلي عن الالتزام بعمل الصَّالحات, وبالأخصّ الابتعاد عن ارتكاب الفواحش والآثام والمُنكرات, لأنَّ المسيحي يعتقد اعتقاداً راسخاً بأنَّ ذنوبه مغفورة بالكامل بدم المسيح المسفوك على عود الصَّليب بزعمهم! وأنَّ المسيحي بإيمانه بعقيدة الصَّلب والفداء والكفَّارة قد ضمن دخوله الجنَّة بلا حساب ولا سابقة عذاب!

وحتى «الأرثوذكس» أو «الكاثوليك» الذين يرفضون عقيدة «الخلاص في لحظة», ويعتقدون أنَّ الإنسان قد يُعذَّب على ذنوبه في الآخرة, ممَّا يكون دافعاً للابتعاد عن الوقوع في المعاصي والذُّنُوب في الدُّنيا! (عقيدة الحساب في اليوم الآخر), فإنَّ المسيحي يستطيع أن يدفع عن نفسه هذا العذاب بمُنتهى السُّهُولة في الدُّنيا, بمُجرَّد لجوئه لأب الاعتراف المُوكَّل بمغفرة الخطايا! فما الذي يمنع المسيحي من الوقوع في الفواحش والآثام في الوقت الذي يضمن فيه أنَّ خطاياه هذه ستُغفر له, وأنَّ لن يُعذَّب بسببها في الآخرة؟! فإنَّ احتمالية وُقُوع العذاب في الآخرة هي الفكرة الأساسية التي تردع المؤمن, وتمنعه من الوقوع في الفاحشة, فإذا ضمن المغفرة, وأمن العقوبة, أساء العَمَل!

أمَّا بخُصُوص المُسلم, فإنَّ الله عزَّ وجلَّ أخبره في القرآن الكريم بأنَّه يغفر الذُّنُوب جميعاً.

قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً} [النساء : 48]

وقال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً بَعِيداً} [النساء : 116]

وقال تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر : 53]

وقال تعالى: {وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَّحِيماً} [النساء : 110]

إلى غير ذلك من الآيات القرآنية الكثيرة التي تحمل نفس المعنى, بالإضافة إلى آيات قرآنية أخرى كثيرة تُبيِّن الوسائل المُختلفة التي تُمكِّنك من الحُصُول على المغفرة في الآخرة, ولكنَّ الفارق الجوهري بين الإسلام والمسيحية في هذه المسألة هو أنَّ المُسلم لم يضمن هذه المغفرة, فإنَّها مُتوقِّفة على مشيئة الله عزَّ وجلَّ, وهذه المشيئة لن نعرفها بالطَّبع إلَّا يوم القيامة.

قال تعالى: {لِّلَّهِ ما فِي السَّمَاواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَإِن تُبْدُواْ مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة : 284]

وقال تعالى: {وَلِلّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [آل عمران : 129]

وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [المائدة : 18]

وقال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [المائدة : 40]

وقال تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً} [الفتح : 14]

المُسلم يُحسن الظَّنّ بالله عزَّ وجلَّ, ولكن عدم وُجُود «صَكّ» يضمن دُخُول الجنَّة والحُصُول على المغفرة يجعل المُسلم في سعي دائم لتحقيق مرضات الله عزَّ وجلَّ, فيعمل الصَّالحات, ويبتعد عن الذُّنُوب والفواحش والمُوبقات, ويلتزم الاستغفار دائماً, وبإذن الله عزَّ وجلَّ سيحصل على فضل الله ورحمته ومغفرته يوم القيامة, فيدخل الجنَّة. اللهم اجعلنا من أهلها. اللهم آمين.

بهذا أكون قد انتهيت من النُّقطة الفاصلة الأولى التي تُبيِّن أنَّ الدِّراسة التي لجأ إليها المُلحد البريطاني المشهور تُثبت فقط فشل المسيحية, وليس لها أيّ علاقة بالإسلام, لا من قريب ولا من بعيد.

نُقطة فاصلة أخرى أُريد بيانها, وهي مُغالطة علمية ومنطقية وقع فيها هذا المُلحد البريطاني المشهور, ولا يُهمّني إن كان قد وقع فيها عمداً أو سهواً! المُغالطة هي وضع أفعال المُسلمين, ومدى التزامهم بدينهم, كمقياس على مدى نجاح هذا الدِّين من عدمه!

يجب مُراعاة النِّقاط التَّالية:

أولاً: دين الإسلام بالفعل دين كامل, يحتوي على كلّ الشرائع التي يحتاجها الإنسان في كلِّ وقتٍ وحالٍ, شرائع سياسية واجتماعية واقتصادية وتجارية … إلخ.

قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْوَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً} [المائدة : 3]

ثانياً: دين الإسلام يُلزم أتباعه باتِّباع كلّ ما فيه, ويُبيِّن أنَّ هذا الالتزام يُحقِّق السَّعادة في الدُّنيا والآخرة, أمَّا الانحراف عنه, ولو بترك اليسير منه عمداً, يضمن لك معيشة كلّها ضنك وبؤس وشقاء وحزن وخوف … إلخ, وقد بيَّنت هذا في مقالة بعُنوان: «كيفية الحُصُول على الحياة الطيبة؟!» وستجدون الرَّابط بالأسفل.

ثالثاً: دين الإسلام يذمّ النِّفاق, ويُبيِّن صِفات المُنافق ويُحذِّر منها, ويذمّ من يقول ولا يعمل, وذلك في آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة جداً سأذكر بعضها الآن للفائدة.

قال تعالى: {بَشِّرِ الْمُنَافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} [النساء : 138]

وقال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً} [النساء : 145]

وقال تعالى: {وَعَدَ الله الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّقِيمٌ} [التوبة : 68]

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ* كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف : 2-3]

وقال تعالى: {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيراً وَانتَصَرُوا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ} [الشعراء : 224-227]

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «آيَةُ المُنَافِقِ ثَلاَثٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ، وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ» (صحيح البُخاري 33, صحيح مُسلم 59).

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَرْبَعٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا، وَمَنْ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنْهُنَّ كَانَتْ فِيهِ خَصْلَةٌ مِنَ النِّفَاقِ حَتَّى يَدَعَهَا: إِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ، وَإِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ، وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ» (صحيح البُخاري 34, صحيح مُسلم 58).

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «تَجِدُ مِنْ شَرِّ النَّاسِ يَوْمَ القِيَامَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَا الوَجْهَيْنِ، الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَهَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ» (صحيح البُخاري 6058). تعليق مصطفى البغا: (ذا الوجهين) المُنافق الذي يتَّخِذ مواقف مُختلفة ويتلوَّن حَسَب المصلحة الخاصَّة.

قَالَ عَبْدُ اللهِ ابْن عَبَّاس رضي الله عنهما: «لَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنِ الصَّلَاةِ إِلَّا مُنَافِقٌ قَدْ عُلِمَ نِفَاقُهُ، أَوْ مَرِيضٌ، إِنْ كَانَ الْمَرِيضُ لَيَمْشِي بَيْنَ رَجُلَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الصَّلَاةِ» (صحيح مُسلم 654).

رابعاً: هُناك تجارب تاريخية تُثبت أنَّ الالتزام بدين الإسلام يُحقِّق أعلى مُعدَّلات رخاء يُمكن تحقيقها! سواء في الجانب الاقتصادي أو السِّياسي أو الاجتماعي أو غيره, فدين الإسلام ليس مُجرَّد نظرية مُدوَّنة في السُّطُور, ولكنَّها تجربة بشرية, عاشت بالفعل طوال القرن الأوّل والثاني والثالث الهجري وما بعدها أيضاً. تلك العُصُور الذَّهبية التي عاشها المُسلمون وسطَّروا أعظم لحظات التَّاريخ البشري! وحتى بعد انحطاط المُسلمين في بعض الفترات التَّاريخية, كان سبب استرجاع مجدهم وعزّهم وقوّتهم هو رُجوعهم لدينهم, والالتزام بسُنَّة نبيهم صلى الله عليه وسلم, وتطبيقهم لكلّ أحكام شريعتهم. وها نحن في انتظار رُجوع الأُمَّة لدينها مرَّة أخرى, كي نستعيد مجدنا وعزّنا وقوّتنا من جديد!

إذن, مع أخذنا في الاعتبار كلّ النِّقاط السابق ذكرها, فإنَّ انحراف المُسلمين عن الالتزام بتعاليم دينهم, لهو دليلٌ على فشل هؤلاء المُسلمين, وليس فشل دين الإسلام نفسه, إذ أنَّ الالتزام بتعاليم دين الإسلام أمرٌ مُمكنٌ, وليس مُستحيلاً, وإلَّا فإنَّ الله قد ظلمنا عندما أمرنا بالالتزام بما لا يُمكن الالتزام به, وحاشا لله أن يكون كذلك.

قال تعالى: {لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [البقرة : 286]

وقال تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق : 7]

وقال تعالى: {لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا} [الأنعام : 152] و [الأعراف : 42]

وقال تعالى: {وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [المؤمنون : 62]

ثمَّ إنَّ المُسلمين قد التزموا فعلاً بدينهم سابقاً, وقد جنوا ثمار التزامهم بدين الإسلام, فقد كوَّنوا إمبراطورية إسلامية عظيمة جداً, نسأل الله عزَّ وجلَّ أن يُعيدها لنا مرَّة أخرى, وأن يردّنا لدينه ردًّا جميلاً. اللهم آمين.

في النِّهاية أُريد أن أُعلِّق على بعض النِّقاط التي ذكرها المُلحد البريطاني المشهور في سياق كلامه عن هذه الدِّراسة, وموضوع فشل الدِّين في تحسين أو ضبط سُلُوكيات الأفراد.

أوَّلاً: هذا المُلحد البريطاني المشهور يقول: «إنَّ الدِّين فشل في منع ارتكاب الخطية». وللرَّد نقول: ومن قال لك إنَّ الله عزَّ وجلَّ أنزل الدِّين ليمنع به ارتكاب الخطية؟! هذا المفهوم خاطئ تماماً, فالخطية ستظلّ موجودة, سواء بين المُتديِّن الذي يعتنق دين الإسلام, أو بين الذين يعتنقون أي عقيدة أو فكر آخر, فالله عزَّ وجلَّ لم يخلق الإنسان كاملاً, ومن أشكال عدم كماله وقوعه في الخطأ, ووظيفة الدِّين هو إرشاد الخليقة لأحسن حال يستطيعون أن يكونوا عليه, وهو حال التزامهم بدين الإسلام, وهذا الحال يُعطينا أعلى مُستويات الأعمال الحسنة, وأقل مُستوى مُمكن للخطية. أمَّا نعتقد أنَّ دين الإسلام سيمنع الخطية تماماً فهذا باطل, لأنَّ الإنسان سيقع في الخطية سواء عمداً أو سهواً لنسيانه الوصية أو ما شابه, ومُهمَّة الدِّين هو إرشاد الإنسان لأحسن ما يجب فعله, سواء وقت التزامه, أو وقت وقوعه في المعصية!

ثانياً: هُناك نُقطة أثارها هذا المُلحد البريطاني المشهور, ألَا وهو التَّصنيف الدِّيني لما يُعتبر خطية أصلاً. بمعنى: هذا المُلحد قال: «إنَّ الشَّهوة الجنسية في حدّ ذاتها خطية!», وهذا باطل قطعاً, مأخوذ من الكتابات المُقدَّسة المسيحية المُحرَّفة! فإنَّ المسيحية تنظر إلى أيّ شيء يخصّ «الجسد» بشكل عام على أنَّه «شرّ» و «خطية»!

انظر النُّصُوص التالية:

رومية 7 / 5 (لأَنَّهُ لَمَّا كُنَّا فِي الْجَسَدِ كَانَتْ أَهْوَاءُ الْخَطَايَا الَّتِي بِالنَّامُوسِ تَعْمَلُ فِي أَعْضَائِنَا، لِكَيْ نُثْمِرَ لِلْمَوْتِ.)

رومية 7 / 14-24 (١٤ فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ رُوحِيٌّ، وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ. ١٥ لأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. ١٦ فَإِنْ كُنْتُ أَفْعَلُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ، فَإِنِّي أُصَادِقُ النَّامُوسَ أَنَّهُ حَسَنٌ. ١٧ فَالآنَ لَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُ ذلِكَ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. ١٨فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. لأَنَّ الإِرَادَةَ حَاضِرَةٌ عِنْدِي، وَأَمَّا أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى فَلَسْتُ أَجِدُ. ١٩ لأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الَّذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الَّذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. ٢٠ فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ. ٢١ إِذًا أَجِدُ النَّامُوسَ لِي حِينَمَا أُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ الْحُسْنَى أَنَّ الشَّرَّ حَاضِرٌ عِنْدِي. ٢٢ فَإِنِّي أُسَرُّ بِنَامُوسِ اللهِ بِحَسَبِ الإِنْسَانِ الْبَاطِنِ. ٢٣وَلكِنِّي أَرَى نَامُوسًا آخَرَ فِي أَعْضَائِي يُحَارِبُ نَامُوسَ ذِهْنِي، وَيَسْبِينِي إِلَى نَامُوسِ الْخَطِيَّةِ الْكَائِنِ فِي أَعْضَائِي. ٢٤ وَيْحِي أَنَا الإِنْسَانُ الشَّقِيُّ! مَنْ يُنْقِذُنِي مِنْ جَسَدِ هذَا الْمَوْتِ؟)

رومية 8 / 6-8 (6لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ مَوْتٌ، وَلكِنَّ اهْتِمَامَ الرُّوحِ هُوَ حَيَاةٌ وَسَلاَمٌ. 7لأَنَّ اهْتِمَامَ الْجَسَدِ هُوَ عَدَاوَةٌ ِللهِ، إِذْ لَيْسَ هُوَ خَاضِعًا لِنَامُوسِ اللهِ، لأَنَّهُ أَيْضًا لاَ يَسْتَطِيعُ. 8فَالَّذِينَ هُمْ فِي الْجَسَدِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُرْضُوا اللهَ.)

غلاطية 5 / 16-21 (١٦ وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ. ١٧لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ. ١٨ وَلكِنْ إِذَا انْقَدْتُمْ بِالرُّوحِ فَلَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ. ١٩وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ ٢٠ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ ٢١ حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ، وَأَمْثَالُ هذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضًا: إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ.)

أمَّا دين الإسلام, فإنَّه لا يُجرِّم أو يعدّ الشَّهوة الجنسية خطية, لأنَّها في الأصل غريزة إلهية, فطر اللهُ الإنسان عليها, فكيف يخلق اللهُ فينا شيئاً ثمَّ يجعلها خطية, ولكنَّ دين الإسلام أرشد الإنسان لكيفية التَّحكُّم في هذه الشَّهوة, والسَّيطرة عليها, وضعها في الموضع الصَّحيح, فإنَّ وضع الشَّهوة في الموضع الذي أرشدنا اللهُ عزَّ وجلَّ إليه يُكسب الإنسان الثَّواب! أروني هذا في أيّ دين آخر! تأمَّلوا معي هذا الحديث النَّبوي العظيم:

قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «أَوَلَيْسَ قَدْ جَعَلَ اللهُ لَكُمْ مَا تَصَّدَّقُونَ؟ إِنَّ بِكُلِّ تَسْبِيحَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَكْبِيرَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَحْمِيدَةٍ صَدَقَةً، وَكُلِّ تَهْلِيلَةٍ صَدَقَةً، وَأَمْرٌ بِالْمَعْرُوفِ صَدَقَةٌ، وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ صَدَقَةٌ، وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ»، قَالُوا: «يَا رَسُولَ اللهِ، أَيَأتِي أَحَدُنَا شَهْوَتَهُ وَيَكُونُ لَهُ فِيهَا أَجْرٌ؟», قَالَ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ وَضَعَهَا فِي حَرَامٍ أَكَانَ عَلَيْهِ فِيهَا وِزْرٌ؟ فَكَذَلِكَ إِذَا وَضَعَهَا فِي الْحَلَالِ كَانَ لَهُ أَجْرٌ» (صحيح مُسلم 1006).

لا أستطيع أن أمنع نفسي من قول: «الحمد لله على نعمة الإسلام, وكفى بها نعمة!».

ثالثاً: هذا المُلحد البريطاني المشهور يقول: «إنَّ الدِّين تسبَّب في أنْ يعيش الإنسان كذبة!». وقد بيَّن هذا المُلحد أنَّ لعبارته تلك معنيين. الأول: أنَّ الإنسان يُوهم نفسه بأنَّه مُتديِّن ولكنَّه في الحقيقة واقعٌ في المعاصي والذُّنُوب. الثاني: أنَّ الإنسان يُوهم نفسه بشيء يظنّه حقيقة, ولكنَّه في الواقع يعيش داخل أكذوبة يُريد أن يُصدِّقها, أو يتمنَّى أن تكون حقيقة, ولكنَّها ليست كذلك.

بالنِّسبة للمعنى الأوَّل, فقد رددنا عليه عندما ذكرنا أنَّ دين الإسلام يذمّ النِّفاق, ويُبيِّن صِفات المُنافق ويُحذِّر منها, ويذمّ من يقول ولا يعمل. فيجب على العاصي أن يُقرّ بذُنُوبه أمام ربّه, ولا يعصي الله في الخفاء, ثمَّ يظهر أمام النَّاس بمظهر المُتديِّن المُلتزم بأوامر الله عزَّ وجلَّ. هذا نفاق.

أمَّا بالنِّسبة للمعنى الثاني, فإنَّ المُلحد البريطاني المشهور قد ساق في فلمه هذا مثالاً يدلّ على المقصود من عبارته, فقد جاء برجلٍ يتكلَّم عن أُمِّه التي رفضت الاعتراف بأنَّها مُطلَّقة, لأنَّ المرأة لا تُطلَّق في المسيحية إلَّا لعلَّة الزِّنى, فلو اعترفت أُمَّه بأنَّها مُطلَّقة, فسيُعدّ هذا اعترافاً منها بأنَّها زانية! ففضَّلت إنكار الحقيقة, وأن تعيش في أكذوبة, لتفادي هذه المكانة الوضيعة التي وُضِعَت فيها بسبب اعتناقها العقيدة المسيحية! وهذا طبعاً غير موجود في الإسلام. إذن, مرَّة أُخرى يُحاول هذا المُلحد البريطاني المشهور استخدام المسيحية كأداة يُبيِّن من خلالها فشل وسوء حال كلّ الأديان! ولا حول ولا قوَّة إلَّا بالله.

2

أنا كمُسلم أعتقد أنَّ المسيحية كعقيدة مُجرَّد كذب وافتراء على الله عزَّ وجلَّ, وهذا مذكور في آيات قرآنية كثيرة جداً. وإليك بعض الآيات القرآنية الدَّالة على هذا:

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ * ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلاَّ أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِم مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [آل عمران : 23-24]

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْراً لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً * يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ إِلاَّ الْحَقِّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَـهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً} [النساء : 170-171]

وقال تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ(72) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73) أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ(74) مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ(75)} [المائدة : 72-75]

وقال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة : 30]

وقال تعالى: {قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ إِنْ عِندَكُم مِّن سُلْطَانٍ بِهَـذَا أَتقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ* قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ * مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ} [يونس : 68-70]

وقال تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا * قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً * مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَداً * وَيُنذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً * مَّا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِن يَقُولُونَ إِلَّا كَذِباً} [الكهف : 1-5]

وقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إِدّاً* تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدّاً * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَداً * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً} [مريم : 88-95]

وقال تعالى: {بَلْ أَتَيْنَاهُم بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ* مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِن وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَّذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ * عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [المؤمنون : 91-92].

ولكن في النِّهاية ما ينطبق على المسيحية لا ينطبق على الإسلام أبداً, فكلّ عقائد المُسلم عبارة عن حقائق ليس فيها باطل قطّ, أمَّا المسيحي فكلّ عقائده تقريباً عبارة أكاذيب وافتراءات على الله عزَّ وجلَّ, بدايةً من الثالوث, مُرُوراً بالتَّجسُّد ولاهوت المسيح المزعوم, انتهاءً بصلب المسيح المزعوم وقيامته من بين الأموات في اليوم الثالث, ولن أنسى أكذوبة عصمة الكتاب المُقدَّس!

المُسلم مأمور بالتزام الصدق والحقّ في كلّ شيء, والمؤمن الحقيقي لا يكذب على النَّاس, ولا يكذب على نفسه. وهكذا, في النِّهاية, نرى أنَّ المسيحية كانت سبباً رئيسياً في اتِّجاه الغرب للإلحاد, وأنَّ المطاعن التي يطعنها هذا المُلحد البريطاني المشهور لا تؤثِّر على الإسلام أبداً, ولكنَّها قد تُبيِّن فشل أيّ دين آخر, غير الإسلام!

الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصَّالِحات

مراجع:

·       الناسخ والمنسوخ في الكتاب المقدس.

·       مُعاذ عليان: الزَّانية تصرخ: «لم أرَ المسيح أبداً!».

·       فيلم لملحد عن الخطية والأخلاق (2) الله مصدر كل علم ومعرفة.

·       فيلم لملحد عن الخطية والأخلاق (1) ألم يعلم بأن الله يرى؟!

·       كيفية الحُصُول على الحياة الطيبة؟!

·       صِفات المُنافقين

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

اكتشاف المزيد من مدونة التاعب

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading