بسم الله الرحمن الرحيم
الرُّدُود على شُبهة: أمرت أن أقاتل الناس
صحيح البخاري (1/ 14) 25 - عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَيُقِيمُوا الصَّلاَةَ، وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ، فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّ الإِسْلاَمِ، وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ».
شرح الشُّبهة:
[1] الطاعنون في الإسلام يقولون أن الإسلام هو دين الإرهاب لأن نبي الإسلام قال (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ..) و شايفين أن ده إجبار و إكراه الناس للدخول في الإسلام وشئ غير مقبول
الحديث متواتر = في أعلى درجات الصِّحَّة
[2] بداية نقول أن الحديث صحيح و مصنف عبد الرزاق ومصنف إبن أبي شيبة موجود في سنن النسائي و وسنن الترمذي وسنن أبي داود وسنن إبن ماجه وسنن الدارمي و سنن الدراقطني وعند الطبراني والبيهقي ومسند أحمد ومسند البزار و صحيح إبن حبان و صحيح مسلم و صحيح البخاري وغيرهم، طبعًا أنا ذكرت كل أسماء الكتب دي عشان في ناس عندها حساسية من صحيح البخاري.
أي محاولة لتضعيف أو تكذيب الحديث = هدم للدين!
اتِّفاق أهل العلم على قبول الحديث = عدم رؤية أي شُبهة في الحديث!
انتزاع الرواية من سياقها التاريخي
[3] هنضرب مثالين و نُقعد بهم قاعدة بسيطة ومهمة: تخيل دلوقتي أنك بتتكلم مع شخص وذكرت جملة وقلت( أنا لم أقرأه) وبعدها قلت جملة( أنا قرأته).. هل ده كده تناقض؟ لا، ليه؟ لأنك متعرفش سياق الجملتين، فلو حطيت السياق ولقيت أنك لما صاحبك سألك هل قرأت صحيح البخاري مثلا؟ فقلت له( أنا لم أقرأه).. وبعدها صاحبك سألك هل قرأت صحيح مسلم؟ فقلت له أنا قرأته،، فالسياق هنا وضح لك عدم وجود أدنى تناقض. ده يدل على أهمية سياق الجمل.
طيب لما تيجي تقرأ حديث عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: أَوْصَانِي خَلِيلِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَلَاثٍ: «بِصِيَامِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيِ الضُّحَى، وَأَنْ أُوتِرَ قَبْلَ أَنْ أَرْقُدَ». هل ممكن عاقل يقول أن الرسول لم يوصي سيدنا أبا هريرة إلا بالثلاث وصايا دول؟ أكيد لا، طيب هل مطلوب من سيدنا أبو هريرة وهو بيذكر الحديث ده يقعد يقول: أن الرسول أوصاني بثلاثٍ ويذكرهم ويقول وكمان أوصاني بالعمل بالقرآن و أوصاني بصلاة الفرض و أوصاني بطاعة الله و أوصاني بطاعته و أوصاني بكذا وكذا وكذا ويقعد يعدد كل وصايا الرسول في الحديث ده؟ هل ده مطلوب؟ لا طبعًا.
وبناء على المثالين السابقين يتضح الآتي:
أن هدر و قطع السياق يُغير المعنى، أن رواة الأحاديث مش مطالبين أنهم في كل حديث يذكروه لازم يذكروا معاه كل وصايا الإسلام.
فالتعامل مع الحديث ده من الطاعنين بيعتمد على قطع السياق وتحريف المعنى. واحنا دلوقتي سنضع الحديث في سياقه و نوضح معانيه.
مُناقشة عبارة أقاتل:
الحديث يقول: أمرت أن "أقاتل" وليس أمرت أن "أقتل".
[4] نمسك الحديث جزئية جزئية (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ ) فالحديث يقول ( أقاتل وليس أقتل ) والفرق بينهما واضح ، فالقتل هو أمر بالقتل كقتل المجرم الذي قتل شخص آخر( الإعدام) أما القتال فمعناه الصراع أو المجاهدة .. زي لما تقول بالإنجلش الفرق بين Kill – Fight .
لو جينا نشوف مثلا في القرآن لما قال الله لبني اسرائيل في سورة المائدة21 (يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ... فمباذا أجابوا سيدنا بموسى؟ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ) .. يعني اذهب انت وربك وحاربوا . فالقتال معناه الحرب. وفي سورة البقرة 190(وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ) يعني حاربوا الذين يحاربونكم . واكيد لو "قاتل" هي" أقتل" هيبقى معنى الآية أقتل اللي يقتلك، طيب هقتله ازاي وهو قتلني أساسا؟ يبقى أكيد قاتل غير أقتل.
[5] ولو جينا نشوف في معاجم اللغة:
- المعجم الوسيط (2/ 715) ( قاتله ) مقاتلة وقتالا حاربه ودافعه ، ويقال : قاتلَهُ اللهُ ما أَفْصَحهُ : إِعجابٌ ومَدْحٌ
- معجم الغني (ص: 20137) "قَاتَلَ عَدُوَّهُ" : حَارَبَهُ وَعَادَاهُ ، "قَاتَلَ اللَّهُ الْغَبَاوَةَ فَإِنَّهَا تَمْلأُ الْقلُوبَ رُعْباً مِنْ لا شَيْءٍ". (للكواكبي من كتاب طبائع الاستبداد ). "قَاتَلَهُ عَنْ كَذَا": دَافَعَهُ.
- لسان العرب (11/ 552) القِتال الذي هو من المُقاتلة والمحاربة بين اثنين .. ويقال قاتَل الله فلاناً أَي عاداه.
[6] النهاية في غريب الحديث والأثر (4/ 13)
لسان العرب (11/ 549)
مجمع بحار الأنوار (4/ 207)
تاج العروس (30/ 234)
وَفِي حَدِيثِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَي المُصَلِّي «قاتِلْه فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» أَيْ دافِعْه عَنْ قِبْلَتِك، وَلَيْسَ كُلُّ قِتال بِمَعْنَى القَتْل.
لا يلزم من إباحة المقاتلة إباحة القتل
[7] و تعالوا نشوف تعليق ابن حجر على الحديث ده اللي هو( أمرت أن أقاتل الناس ) وبيوضح معنى أقاتل
فتح الباري لابن حجر (1/ 76): [وَقَدْ أطنب بن دَقِيقِ الْعِيدِ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ فِي الْإِنْكَارِ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ وَقَالَ لَا يَلْزَمُ مِنْ إِبَاحَةِ الْمُقَاتَلَةِ إِبَاحَةُ الْقَتْل لِأَن الْمُقَاتلَة مفاعله تَسْتَلْزِم وَقع الْقِتَالِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ وَلَا كَذَلِكَ الْقَتْلُ وَحَكَى الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ الْقِتَالُ من الْقَتْل بسبيل فقد يَحِلُّ قِتَالُ الرَّجُلِ وَلَا يَحِلُّ قَتْلُهُ.]
تخيل لما نقول " مصر قاتلت إسرائيل" هل ده معناها إن مصر قتلت كل أفراد الكيان الغاصب المسمى إسرائيل؟ لا طبعًا، ولو سألت حد غسرائيلي هيقول" مصر تقاتلني" طيب هل ده معناه إنه خلاص تم قتله؟ لا طبعًا. و ده يدل على أن كان في قتال لإسرائيل ولكن لا يستلزم بالضرورة قتل إسرائيل.
[8] المصباح المنير في غريب الشرح الكبير (1/ 304)
مِنْ الْمُفَاعَلَةِ وَبَابُهَا الْغَالِبُ أَنْ تَكُونَ مِنْ اثْنَيْنِ يَفْعَلُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِصَاحِبِهِ مَا يَفْعَلُهُ صَاحِبُهُ بِهِ مِثْلُ: ضَارَبْتُهُ وَحَارَبْتُه
بمعنى: أنه قد يقاتَل الشخصُ لكونه يقاتِل، لكنه إذا ترك القتال فإنه لا يقاتَل ولا يُقتَل
أقاتل على وزن أفاعل دليل على المشاركة بين طرفين
ليس المقصود الابتداء في القتال
أقاتل تعني رد الاعتداء وليس الابتداء
أقاتل تعبير عن مُقاومة لبادئ سبق إلى قصد القتل!
[9] فاتضح من القرآن ، ومن معاجم اللغة ، ومن شُراح الحديث إن القتال غير القتل ، وقد يكون هناك مقاتلة بدون قتل، والمقاتلة تستلزم وجود طرفين يقاتلون بعضهم البعض . وبكده يبقى معنى الحديث ( أُمرت أن أحارب الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) وهنا يستلزم وجود طرفين كلاهما يُقاتل، مش طرف بيقاتل وطرف آخر مستسلم! يبقى كده الطرف الآخر في قتال معايا، فهل أنت مش عايزني أقاتل اللي بيقاتلني؟وبكده الشبهة زالت بتوضيح معنى كلمة واحدة فقط في الحديث! ولكن دعونا نستزيد.
مُناقشة عبارة "الناس":
الدليل العقلي على تخصيص معنى كلمة الناس
[10] طيب من المقصود بكلمة( الناس) في الحديث ؟ هل المقصود بها كل الناس من أولهم لآخرهم؟ طيب مهو لو معناها كل الناس، يبقى المفروض جيش المسلمين يقتل نفسه لأن جيش المسلمين من ضمن الناس، ولو قلت لا مهو المقصود بكلمة"الناس" هو كل الناس من غير المسلمين، هقولك أهو أنت بنفسك أهو خصصت كلمة الناس و استثنيت منها المسلمين رغم أن كلمة" الناس" كلمة عااامة، فأنت بنفسك اتوماتيك عملت تخصيص لكلمة الناس، وده بديهي جدا أنك لازم تخصصها وأنا متفق معك في المبدأ ده، لكن مختلف معاك في النتيجة اللي أنت وصلت لها.
هل مثلا لو أنا قلت ( أنا هضطر أختم الحلقة عشان الناس عندي في البيت) هل ده معناها أن كل البشر عندي في البيت؟ ولا معناها ناس معينين وهم ضيوف قد لا يتعدى عددهم شخصين فقط!
قد تأتي كلمة “الناس” ويُراد بها بعضهم
[11] • {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا } [آل عمران: 173]
يبقى معنى الآية دي عند صاحب الشبهة: الذين قال لهم كل الناس إن كل الناس قد جمعوا لكم . طيب ازاي كل الناس هيروحوا يقولوا لكل الناس ان كل الناس جمعوا لكم وهما هما نفس الناس ! يبقى عقلا كلامه غلط. فالمراد بالناس هنا ليس كل الناس، ولكن فئة معينة من الناس.. وافتحوا أي تفسير هتلاقوه بيقول: المقصود بالناس الأولى(قَالَ لَهُمْ النَّاس" أَيْ نَعِيم بْن مَسْعُود الْأَشْجَعِيّ "إنَّ النَّاس" أَبَا سُفْيَان وَأَصْحَابه ") يعني كلمة الناس اتقالت على شخص واحد فقط !
• { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النساء: 54]
إذا كانت الآية بتقول (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ) فمين اللي هيحسد الناس إذا كانت كلمة الناس تعني كل الناس وكل البشر؟فعقلاً كلمة الناس هنا ليس المقصود بها كل الناس، فالمقصود بالناس هنا هو سيدنا محمد وأتباعه وليس كل البشر .
• {فَلَمَّا أَلْقَوْا سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ} [الأعراف: 116]
فهل سحرة فرعون سحروا أعين الناس يعني سحروا أعين كل البشر؟ ولا سحروا الموجودين بس؟ وده معناه ان كلمة الناس مقصود بها ناس معينة وليس كل الناس.
[12] • لما الشخص اللي نجا من السجن وكان مع سيدنا يوسف وسأله على تفسير الرؤية وبعدها قال لسيدنا يوسف
- { لَعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ } [يوسف: 46]
فهل الشخص ده يقصد لعلي أرجع إلى كل البشر؟ ولا يقصد ناس معينيين اللي هما الملك وحاشيته؟
(وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران:46]، المسيح مع بني إسرائيل
يبقى احنا اثبتنا من القرآن ان كلمة ( الناس) لا تعني بالضرورة كل الناس أي كل البشر، بل قد يكون المقصود منها هو فئة معينة من الناس وقد تعني شخص واحد فقط ! طيب إيه اللي يرجح كفتنا في الحديث( أمرت أن أقاتل – أحارب – الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) ويدلل ان المقصود بالناس هي فئة معينة ؟
أمرت أن أقاتل الناس = أمرت أن أقاتل المشركين
تخصيص معنى لفظة الناس = تعني المشركين
معنى الحديث: أمرت أن أصد أي عدوان على دعوتي
[13] تعالوا نجيب عدة أدلة من البخاري نفسه على ان المقصود بالناس هم فئة معينة وليس كل الناس.
صحيح البخاري (2/ 105): [أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ
يعني سيدنا عمر بيقول لسيدنا أبو بكر: كيف تقاتل الناس وبيحتج عليه بقول الرسول أمرت أن أقاتل الناس، فازاي كلمة الناس هيبقى معناها كل البشر ويقوله كيف تقاتل الناس والرسول قال أمرت أن أقاتل الناس؟ ده المفروض الحديث يبقى ضد سيدنا عمر لو كان مفهوم كلمة الناس تعني كل البشر... وده يدل على أن كلمة الناس مقصود بيها فئة معينة من الناس وليس كل الناس ، طيب يا ترى الحديث يقصد مين بكلمة الناس ؟
فكل اللي هنعمله هنقرأ بس عنوان الباب في صحيح البخاري اللي وضع فيه الحديث ده .
هنلاقي البخاري وضعه تحت باب (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) (صورة البخاري)
طيب الآية دي فين؟ أو بتتكلم عن مين؟ تعالوا نجيب الآية كاملة من سورة [التوبة: 5]
{فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)}
يعني البخاري بنفسه وضع هذا الحديث تحت تبوب آية سورة المائدة اللي بتتكلم عن المشركين المحاربين
[14] واللي يأكد على كده باقي الشواهد لنفس الحديث من سنن النسائي ، وسنن الدارقطني، وسنن البيهقي، وسنن أبي داود بتقول:
سنن أبي داود، كتاب الجهاد، باب: على ما يُقاتل المشركون
سنن أبي داود (3/ 44) 2640 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا مَنَعُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى»
سنن أبي داود (3/ 44) 2642 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْمَهْرِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ» بِمَعْنَاهُ. [حكم الألباني] : صحيح.
السنن الكبرى للنسائي (3/ 409) 3414، سنن الدارقطني (1/ 433) 893، الإيمان لابن منده (1/ 355) 191، السنن الكبرى للبيهقي (3/ 131) 5142.
[15] يعني البخاري وضع الحديث تحت تبويب آية بتتكلم عن المشركين، و باقي الطرق لنفس الحديث بتقول(أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ) المحاربين، فاتضح بما لا يدع مجالا للشك ان الحديث مبيقولش كل الناس بمعنى كل الناس، ولا حتى بيقول كل الناس عدا المسلمين! فالرواة اللي رووا هذا الحديث ونقلوه لينا أوضحوا أن المقصود بكلمة الناس هي المشركين المحاربيين، فيا ترى الطاعنين في الحديث ده مش عاجبهم أن المسلمين يحاربوا اللي بيحاربهم؟
والكلام ده مش اختراع مننا ولا بعد ضغط الشبهات اضطرينا نقول كده، لا ده حتى شراح الأحاديث قالوا كده
فتح الباري - ابن حجر (1/ 77)
(ثَالِثُهَا: أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ فِي قَوْلِهِ ” أُقَاتِلَ النَّاسَ ” أَيِ: الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ ” أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ)
[16] شرح القسطلاني = إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (5/ 115)
أي أمرني الله تعالى بأن (أُقاتل الناس) أي بمقاتلة الناس وهو من العام الذي أريد به الخاص فالمراد بالناس المشركون من غير أهل الكتاب ويدل له رواية النسائي بلفظ: أُمرت أن أقاتل المشركين (حتى) أي إلى أن (يقولوا لا إله إلا الله)
فتح الباري لابن حجر (1/ 76)
فَإِنْ قِيلَ مُقْتَضَى الْحَدِيثِ قِتَالُ كُلِّ مَنِ امْتَنَعَ مِنَ التَّوْحِيدِ فَكَيْفَ تُرِكَ قِتَالُ مُؤَدِّي الْجِزْيَةِ وَالْمُعَاهَدِ فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا دَعْوَى النَّسْخِ بِأَنْ يَكُونَ الْإِذْنُ بِأَخْذِ الْجِزْيَةِ وَالْمُعَاهَدَةِ مُتَأَخِّرًا عَنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مُتَأَخِّرٌ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى اقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ
ثَانِيهَا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي خُصَّ مِنْهُ الْبَعْضُ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنَ الْأَمْرِ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ فَإِذَا تَخَلَّفَ الْبَعْضُ لِدَلِيلٍ لَمْ يَقْدَحْ فِي الْعُمُومِ
ثَالِثُهَا أَنْ يَكُونَ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ فَيَكُونُ الْمُرَادُ بِالنَّاسِ فِي قَوْلِهِ أُقَاتِلَ النَّاسَ أَيِ الْمُشْرِكِينَ مِنْ غَيْرِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ بِلَفْظِ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ الْمُشْرِكِينَ .... خَامِسُهَا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْقِتَالِ هُوَ أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ مِنْ جِزْيَةٍ أَوْ غَيْرِهَا )
[17] شرح النووي على مسلم (1/ 206)
قوله ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فمن قال لا اله الا الله فقد عصم منى ماله ونفسه الا بحقه وحسابه على الله ) قال الخطابى رحمه الله معلوم أن المراد بهذا أهل الأوثان دون أهل الكتاب
قال ابن العربي المالكي ـ رحمه الله ـ :
( قوله تعالى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ) عامٌّ في كل مشرك ، لكنَّ السنَّة خصَّت منه من تقدم ذكره قبل هذا من امرأة ، وصبي ، وراهب ، وحُشوة، حسبما تقدم بيانه ، وبقي تحت اللفظ : مَن كان محارباً أو مستعدّاً للحرابة والإذاية ، وتبيَّن أن المراد بالآية : اقتلوا المشركين الذين يحاربونكم ) (” أحكام القرآن ” ( 4 / 177 ))
[18] مجموع الفتاوى (19/ 20) إبن تيمية
وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ { أُمِرْت أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ؛ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ } مُرَادُهُ قِتَالُ الْمُحَارِبِينَ الَّذِينَ أَذِنَ اللَّهُ فِي قِتَالِهِمْ لَمْ يُرِدْ قِتَالَ الْمُعَاهَدِينَ الَّذِينَ أَمَرَ اللَّهُ بِوَفَاءِ عَهْدِهِمْ
وقال – رحمه الله – أيضاً:
(القتال هو لمن يقاتلنا إذا أردنا إظهار دين الله ، كما قال الله تعالى ( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) البقرة/ 190 ). (مجموع الفتاوى ” ( 28 / 354 ))
[19] يبقى المقصود بالناس في حديث البخاري هم المشركين المحاربين ، يبقى معنى الحديث ( أمرت أن أحارب المشركين المحاربين حتى يقولوا لا إله الله فإن قالوها عصموا مني دمائهم ) .طيب مين قال ان المقصود بالمشركين دول هما المشركين المحاربين؟
تكملة الآية اللي وضعها البخاري كعنوان للباب اللي أورد تحته هذا الحديث، نكمل الآيات:
فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (5)
{وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ (6 ) كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (7) كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ (8) اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (9) لَا يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10) فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11) وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ (12) أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (13) ( التوبة ).
مفيش أوضح من كده ، البخاري وضع الآية تحت باب (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ) اللي موجودة في سورة ( التوبة آية 5) اللي بتتكلم عن المشركين المحاربين اللي بيقتلوا في المسلمين وهموا بإخراج الرسول وهم الذين بدأوا وده بنص تكملة الآيات في سورة التوبة، فهل من العقل أن اللي بيطعن في الحديث ده مش عايز المسلمين يحاربوا اللي بيحاربهم؟ ده بأي منطق؟
[20] وعقلاً إذا كان الإسلام يتيح قتل الآخر لمجرد أنه غير مسلم، فكيف شرع الله لنا الزواج من الكتابيات من أهل الكتاب من اليهود والنصارى؟ هتزوج منهم ازاي إذا كنت مأمور بقتلهم؟ ازاي ربنا هيأمرني بقتلهم رغم أن ربنا بيأمرني أني أجادلهم بالحسنى و أعاملهم بالبر؟
الإسلام يرى أن الكفر والشرك والمعتقدات الفاسدة أمراض يجب أن تعالج بالحجة والبيان، وليس بالقتال وإزهاق الأرواح
وإنما أُمِر النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المحاربين من المشركين، أو من منع نشر دين الله تعالى في الأرض
عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنهما ـ : قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « من قتل مُعَاهِدا لم يَرَحْ رائحة الجنة ، وإنَّ ريحها يوجدُ من مسيرةِ أربعين عاما ». (صحيح الإمام البخاري ـ رحمه الله ـ ح 1137)
[21] يتبقى جزئية أخيرة أسئ فهمها في الحديث وهي(أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ) فالطاعنين بيقولوا أن الغاية من القتال هي دخول الإسلام لأن الحديث يقول" حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله" . وده فهم مغلوط، لأن أحنا زي ما أثبتنا أن المقصود بالناس هم المشركين المحاربين لينا فأحنا بنحاربهم، طيب متى أتوقف عن قتال المشرك المحارب ده؟ هتوقف عن قتاله لو هو أسلم، ليه؟ هل عشان أنا بحاربه عشان يدخل في الإسلام؟ لا، أنا هتوقف عن قتاله لأنه أسلم ولا يحل لمسلم أن يقاتل مسلم، وبالتالي لو هو كانب يحاربني و دخل في الإسلام فلازم محاربهوش، يبقى الغاية من القتال هو أني أصد عدوانه، ولو هو أسلم يبقى بالفعل كف عدوانه عني وبقى أخي في الإسلام ولا يحل لي قتاله.
[22] والمعنى ده يتجلى بوضوح في حديث موجود في صحيح مسلم والنسائي وغيرهما : لما أسامة بن زيد كان في معركة و وقع أمامه واحد من المشركين كان مصاب برمح، فالشخص المشرك ده قال " لا إله إلا الله أو قال أني مسلم" ولكن أسامة بن ظن أن المشرك ده دخل في الإسلام خوفًا من السلاح ، فأسامة ابن زيد قتله برده، ولما أسامة إبن زيد حكى الموقف ده للرسول، فالرسول قاله «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا خوفًا من السلاح أم لا؟.. فنفهم من الحديث ده أننا نتوقف عن قتال الشخص لو أسلم لأنه هيبقى أخي في الإسلام، ويدل على أن الغاية في البداية ليست قتاله ليدخل في الإسلام ولكن الغاية من البداية هي كف عدوانه ولو أسلم سأوقف قتاله.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات