بسم الله الرحمن الرحيم
الطَّاوية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معكم محمد شاهين التاعب من قناة الدعوة الإسلامية على اليوتيوب
هذه مُحاضرة خاصَّة لطُلَّاب معهد آفاق للبناء العقدي
واليوم سنُكمِل الكلام عن أديان الصِّين
وسنتكلَّم تحديداً عن الطَّاوِيَّة
وسنتعرَّف في هذه المُحاضرة على الآتي:
– تعريف الطَّاوية
– مؤسِّس الطَّاوية
– كتاب الطَّاوية المُقدَّس
– مفاهيم طاوية أساسية
– الفَلْسَفَة الطَّاوية
– علاقة الطَّاوية بالبُوذِيَّة والكُونْفُوشِيَّة
– ثلاثة أشكال من الطَّاوية
وكالعادة، فهرس مواضيع الفيديو، والوثائق والمراجع، كلها تحت في وصف الفيديو
…
في البداية لو انت مُهتم بالحوار الإسلامي المسيحي، ومُقارنة الأديان، والنقد الكتابي
أو لو مُهتم بالقضايا الفكرية المُعاصرة، ومواضيع الإيمان والإلحاد
أو لو مُهتم بالإسلام بشكل عام يبقى انت لازم تشترك في هذه القناة
اضغط على زر الاشتراك الأحمر، وعلى علامة الجرس
عشان تجيلك كل الإشعارات بكل حلقاتنا الجديدة
…
أهمّ المُراجع التي تم استخدامها في تحضير هذه المُحاضرة هي:
كتاب الدكتور هوستن سميث، بعنوان: أديان العالم دراسة روحية تحليلية
وكتاب الدكتور محمد خليفة حسن، بعنوان: تاريخ الأديان دراسة وصفية مُقارنة
وصفحة الطَّاوِيَّة على موقع ناشيونال جيوغرافييك
…
تعريف الطَّاوية
…
اسم الدِّيانة باللغة الإنجليزية
تُنطق أحيانا بحرف الـ T: Taoism
أو بحرف الـ D: Daoism
وباللغة العربية تُنطق أحياناً
بالطَّاء: الطَّاوية
أو بالتَّاء: التَّاوية
أو بالدَّال: الدَّاوية
نفهم من الاسم أنَّ هذه الدِّيانة مُتعلِّقة بشيء
اسمه “تاو” بحرف التَّاء
أو “طاو” بحرف الطَّاء
أو “داو” بحرف الدَّال
…
الطَّاوية ديانة صينية قديمة،
ساهمت في تشكيل الحياة الصِّينية لمُدَّة تزيد عن ألفَيّ عام.
…
تُعتبر الطَّاوية ديانة صينية محلِّية خاصَّة
لم يَتِم الدّعاية لها في خارج الصِّين
وهي تُعبِّر نتيجة لحُبّ الصينيين للطَّبيعة تقديسهم لها
فهي ديانة تحاول التَّوفيق بين الإنسان والطَّبيعة
وتُرشد المؤمنين بها إلى كيفية العَيش في وئام مع الكون.
فالكمال في الطَّاوية يأتي باتِّباع الطَّبيعة وطرقها، والاستسلام لها
والتَّأمُّل والنَّظر فيها، وتطوير السُّلُوك الأخلاقي في إطارها
وفي النِّهاية: مُحاولة الاتِّحاد معها
…
ظهرت الطَّاوية خِلال فترة الحُرُوب
التي نشبت بين الولايات الصِّينية فيما بين (453 – 221 ق.م)
أمَّا التسمية، فقد ظهرت في وقتٍ مُتأخِّر
خِلال مملكة هان الأولى في القرن الأول قبل الميلاد
…
اشتهرت الطَّاوية في القرن الثامن بعد الميلاد كدين لسلالة تانغ
وفي القُرُون التَّالية، كانت موجودة جنبًا إلى جنب
مع البوذية والكونفوشية
وعندما استولى الشيوعيون على السُّلطة في عام 1959
تمَّ حظر الطَّاوية والكونفوشيوسية والدَّيانات الأخرى
وتسبَّب هذا في انخفاض مُمارسة الطَّاوية في الصِّين
وحالياً يعيش العديد من الطَّاويين المُعاصرين في تايوان
وبعض الحركات الإصلاحية الأخيرة في الصِّين
أدَّت إلى زيادة عدد الطَّاويين الصِّينيين
…
مؤسِّس الطَّاوية
…
الرِّواية التَّقليدية لنشأة الطَّاوية تقول
إنَّها نشأت بواسطة رجل يُدعى “لاو تسو” Lao Tzu
قيل أنَّه وُلِد حوالي 604 ق.م
وهو شخصية غامضة لا نعرف عنها شيئاً على نحو مؤكَّد
بل يتساءل العلماء فيما إذا كان لها وجود من الأصل!
والأدِلَّة التاريخية على وُجُوده الحقيقي تكاد تكون معدومة
فنحن لا نعرف حتى اسمه الحقيقي!
…
عبارة “لاو تسو” يُمكن ترجمتها إلى
“الرَّجُل المُتقدِّم في السِّنّ”
أو “الزَّميل المُتقدِّم في السِّنّ”
أو “السَّيِّد الكبير المُتقدِّم في السِّنّ”
وهكذا نفهم أن عبارة “لاو تسو” ما هو إلَّا
لقب للإعزاز والاحترام وليست اسماً شخصياً
…
وكُلّ الاستنتاجات المُتعلِّقة بشخصه
مأخوذة بالكامل من كتاب وَحِيد صَغِير الحَجْم يُنسب إليه.
من هذه الاستنتاجات:
أنَّه من المُحتمل أن “لاو تسو” كان ناسكاً مُنعزلاً وحيداً
مُستغرقاً في تأمُّلات سِرِّيَّة غامضة
ويُقال أنَّ “لاو تسو” كان مُعاصراً لـ كونفوشيوس نفسه
وأنَّ كونفوشيوس سَمِعَ عن “لاو تسو”، فقام بزيارته
ولكنَّ “لاو تسو” ترك كونفوشيوس حائراً
مع العِلْم أن بعض الصِّينيِّين يعتبرون أنَّ “لاو تسو” هو صورة الطاو، أو الإله
وهكذا وضعه الصِّينيون في مكانة أسطورية.
…
هُناك أساطير خيالية وهمية كثيرة حول “لاو تسو”
مثل أنَّ نيزكاً حَمِل به
وأنَّه بَقِي في رحم أمّه النَّيزك اثنين وثمانين عاماً
ثُمَّ ولدته أمّه رجلاً مُسِنًّا أشيب الشعر حكيماً مُنذ بدايته
…
في النِّهاية، نحن أمام صورة غريبة
عن مؤسِّس مُفترض لدين من الأديان
حسب الرِّوايات التَّقليدية
فإنَّ “لاو تسو” لم يُبشِّر أو يَعِظ أو يُروِّج لديانته
فهو شخص غير مُكترث بنجاح فكره
ولَم يَقِف ولو لِمَرَّة واحدة ليُجيب عن أسئلة
بل كل ما فعله – حسب الرِّوايات التَّقليدية
هو أنَّه كَتَبَ بِضْع صفحات
بناءً على طَلَب أحد الأشخاص
…
كتاب الطَّاوية المُقدَّس
الأسطورة تقول إنَّ “لاو تسو” هجر شعبه
واتَّجه نحو جبال التَّبْت Tibet
ولكن في مكان اسمه ممرّ هانكاو Hankao Pass
حاول أحد الأشخاص أن يُثنيه عن قراره ويُقنعه بالعودة إلى وطنه
ولكنَّه فشل في ذلك
فطلب من “لاو تسو” أن يترك له سِجِلًّا لمُعتقداته
وعن الحضارة التي يقوم بهجرها
فوافق “لاو تسو” على ذلك
…
بعد ثلاثة أيَّام عاد “لاو تسو” بكتاب صغير وحيد
بعنوان: طاو تي شينغ Tao Te Ching
والذي يعني: “الطريق وقوته”، وهو كتاب الطَّاوية المُقدَّس
والكتاب -في الواقع- عبارة عن مجموعة من الشِّعر والأقوال المأثورة
ترجع إلى حوالي القرنين الثالث والرابع قبل الميلاد
وقد ظلَّ هذا الكتاب النَّصّ الرَّئيسي للفِكْر الطَّاوي حتى اليوم
…
عند مُراجعة النُّطق الصِّيني للاسم
وجدت أن النُّطق الصيني يستخدم صوت حرف التاء، وليس الطاء أو الدال
وبالتالي فالنُّطق الأصحّ للكلمة هو “تاو”
والنُّطق الأصح لاسم الدِّيانة هو “التاوية”
…
بالرَّغم من نسبة كتاب “تاو تي تشينج”
بشكل تقليدي إلى الفيلسوف “لاو تزو”
إلَّا أنَّ العُلماء يعتقدون أنَّ أكثر من شخص كتب هذا الكتاب
وقاموا بجمع هذه الأقوال السَّابقة للعديد من المؤلِّفين.
ويعتقد العُلماء أنَّ كتاب “تاو تي تشينج” أخذ شكله الحالي
في حوالي النِّصف الثَّاني من القرن الثالث ق.م.
وتمّ نِسْبة الكتاب إلى الفيلسوف “لاو تزو” لأسباب ثقافية وسياسية.
…
هُناك ترجمة عربية للكتاب
بعُنوان: كتاب التاو تي تشينغ
إنجيل الحكمة التاوية في الصِّين
صياغة عربية للنَّص، وتقديم وشرح وتعليق: فراس السَّواح
ستجدون رابط تحميل الكتاب في وصف الفيديو
…
مفاهيم طَاوِيَّة أساسية
…
الـ طاو
كتاب الطاوية المُقدَّس: “تاو تي تشينج” يقول الآتي:
هُناك كائنٌ رائعٌ وكاملٌ
وُجِد قبل السَّماء والأرض
كم هو هادئ!
وكم هو روحي!
يبقى وحيداً لا يتغيَّر
يوجد قريباً وبعيداً، هُنا وهُناك
ومع ذلك فهو لا يُعاني من هذا التَّواجُد
يلُفّ كل شيء بحُبِّه، كثوبٍ يُغطِّي كلَّ شيء
ومع ذلك فلا يدَّعي شرفاً أو مقاماً
ولا يطلب أن يكون سيِّداً
أنا لا أعرف اسمه
ولذلك أُسمِّيه “طاو”: الطَّريق، وأبتهج بقوته
…
بالرَّغم من أنَّ العبارات السَّابقة تتكلَّم عن الـ “طاو”
بشيء قريب جداً من مفهوم الإله الشَّخصي
إلَّا أنَّ الصينيون عبر تاريخهم
لم يأخذوا مفهوم الإله الشَّخصي المُفارق للعالم بشكلٍ جِدِّي
ورغم أنَّ الميثولوجيا الصِّينية حافلة بالآلهة
من شتَّى الأشكال والأنواع والاختصاصات
إلَّا أنَّ هذه الآلهة لم تكُن في حقيقتها إلَّا أسلافاً أسطوريين
رفعهم الخيال الشَّعبي إلى مراتب عُليا
…
حسب العقيدة الطَّاوية، الـ “طاو” أساس كلّ الوُجُود
فهو عَدَم الوُجُود الذي يُمكن أن يُوصَف بأنَّه الخواء والفراغ
والـ “طاو” عالَمِيّ كَونِيّ
يسري في كل شيء، ويحتوي كل شيء ولا يفنى
الهدف الأسمى للطَّاوية هو الاتِّحاد مع الـ “طاو”
من خلال اعتزال الحياة الدُّنيوية وشئونها
وإخلاء النَّفس من كلّ الرَّغبات الشَّخصية
وهذا الاتِّحاد يتحقَّق من خِلال التَّفكُّر والتَّأمُّل العمِيقَين
…
المعاني الثلاثة لـ طاو Tao
كتاب الطاوية المقدس “تاو تي تشينغ”
يدور حول المفهوم المحوري للـ “طاو” نفسه
كلمة “طاو” تعني لغوياً “الطَّريق” أو “المنهج”
ولكن هُناك ثلاثة معانٍ اصطلاحية للـ “طاو”
…
- الحقيقة المُطلقة
الـ “طاو” فكرة فائقة بنحوٍ مُطلق
هذا الـ “طاو” لا يُمكن إدراكه، ولا حتى فهمه بشكلٍ واضحٍ
لأنَّه أوسع بكثير من أن يتمكَّن العقل البشري أن يُحيط به
هذا الـ “طاو” فوق كل شيء
وخلف كل شيء
وتحت كل شيء
والرَّحِم التي انبثقت منها، وتعود إليها كُلّ حياة
هو موجود دائماً مُنذ الأزل
هو أكبر من كلّ الأشياء الكبيرة
…
اقتباس من كتاب “تاو تي تشينغ”
“الـ طاو الذي يُمكن التَّكلُّم عنه، ليس هو الـ طاو الحقيقي”
…
اقتباس آخر من كتاب “تاو تي تشينغ”
“الذين يعرفون لا يقولون، والذين يقولون لا يعرفون”
…
- فكرة باطنية ذاتية
الـ طاو هو منهج الكون،
النِّظام، الإيقاع، القُوَّة المُحرِّكة في كلّ الطَّبيعة
المبدأ الآمر خَلْف كُلّ حياة،
وكذلك وسط كُلّ حياة أيضاً
الـ طاو في الأساس ليس مادَّة
وإنَّما روح محضة ليس لها نهاية
…
اقتباس من كتاب “تاو تي تشينغ”
الـ طاو حميد لطيف رحيم
مُتدفِّق دون توقُّف
كريم بلا حدود
أُمّ العالم
وكيل أو مُمثِّل للطَّبيعة
قُوَّة الحياة الدَّافعة
ومُنظِّم للطَّبيعة
…
- منهج الحياة الإنسانية
طريقة الحياة الإنسانية يجب أن تنطبق مع طاو الكون
فالكمال في الطَّاوية يأتي باتِّباع الطَّبيعة وطرقها، والاستسلام لها
والتَّأمُّل والنَّظر فيها، وتطوير السُّلُوك الأخلاقي في إطارها
وفي النِّهاية: مُحاولة الاتِّحاد معها
…
الطَّاقة الكونية تشي
تشي Chi أو كي Qi
كلمة “تشي” Chi تعني حرفياً: التَّنفُّس
وتعني فعلياً طاقة الحياة (أو الطَّاقة الحياتية)
استخدمها الطاويون للإشارة إلى قُوَّة طاو
التي اختبروا سريانها وجريانها داخل أنفسهم
فهي الطَّاقة الموجودة في كُلّ شيء
والتي تقوم بتوجيه كل شيء في الكون
…
اليِن واليانغ
أحد الأفكار الرئيسية للطَّاوية هو الإيمان بمُوازنة القوى، أو يين ويانغ.
وترتبط الطَّاوية بعُمق بالرَّمز الصِّيني التقليدي للـ يين يانج YinYang
يُرمَز للـ طاو في الفكر الصِّيني
بدائرة فارغة، هي المبدأ الأوَّل، قبل ظُهُور الموجودات
ثمَّ بدائرة، يتناوب فيها الأبيض والأسود، أو اليانغ واليين
وهي المبدأ، بعد ظُهُور الموجودات
والتي وُجِدَت بسبب دوران القُوَّتين الموجبة والسَّالبة
وكل ما في الكون مزيج من طاقة مُوجبة وأخرى سالبة
…
الحياة والإنسان والوُجُود بأكمله
نِتاج حركة قوَّتين ساريتين في كُلّ مظاهر الوُجُود
هُمَا الـ يانغ والـ يِن، المُوجَب والسَّالب، الأبيض والأسود
هاتان القُوَّتان على تعارضهما مُتعاونتان،
ولا قِيَام لأحدهما في مَعْزِل عن الأخرى
والحكيم هو الذي يُدرك قطبية وُجُوده ووُجُود العالم
ويَرَى في كُلّ مظهر لليانغ بذرة ين تنمو في أعماقه
وفي كل مظهر للين بذرة يانغ
والحياة ينبغي أن تقوم على الحِفاظ على حالة التَّوازن بين القُطبين
لأنَّه لا قِيام لأحدهما إلَّا بوُجُود الآخر
…
تَخْتَصِر هذه الثُّنائية القُطبية كلّ تناقضات الحياة الرَّئيسية
الخير والشَّرّ، الإيجابي والسَّلبي، النُّور والظَّلام، الصَّيف والشِّتاء، الذَّكر والأنثى.
ففي الطَّاوية، المُتعارضات ليست أكثر من مراحل في عَمَلِيَّة دوران لا نهائية
فالكُلّ واحد، والكُلّ جَيِّد وحَسَن
ففي المنظور الطَّاوي
حتى الخير والشَّر ليسا نقيضين يقف أحدهما مقابل الآخر تماماً
…
نِسْبِيَّة القِيَم
من خصائص الطَّاوية مفهومها عن نسبية كُلّ القِيَم
فحسب الطاوية، لا يوجد تصوُّر في هذا العالم
يُمكن أن يكون صحيحاً بشكل مُطلق
فكل القِيَم والمفاهيم نِسْبِيَّة بالنِّسبة للذِّهن الذي يتعامل معها
…
الموضوع بالنِّسبة للطَّاوية
يَصِل أحياناً إلى درجة اللاأدرية القوية
على سبيل المثال:
التَّقاليد الطاوية تحكي أنَّ “تشوانغ تسو”
أكبر مُبسِّط للطَّاوِيَّة الفَلْسَفِيَّة،
والتي سنتكلَّم عنها بالتَّفصيل فيما بعد
“تشوانغ تسو” رأي في المنام أنَّه فراشة!
وعندما استيقظ تعجَّب ووقع في حيرة وتساؤل
هل حقاً “تشوانغ تسو” هو الذي حَلِمَ أنَّه فراشة؟
أم هي الفراشة التي تحلم الآن أنَّها “تشوانغ تسو”؟
…
الفلسفة الطَّاوية
تقول الفلسفة الطاوية أن الصراع هو سمة الحياة الإنسانية
بسبب تنافس البشر من أجل تحقيق رغباتهم
الأمر الذي يؤدِّي إلى وقوع الشر والخطأ
ولا يُمكن التخلي عن الأفعال الصادرة عن الرغبات
إلا بتبني الطريق “التاو” السهل للفعل
وهو طريق يفترض التوافق والتناغم مع الطبيعة والكون
والتصرف وفقاً للتاو الكوني الشامل
…
اعتبرت الطاوية أن الحياة العادية البسيطة المُتناسقة هي الحياة المثالية
التي يتخلى فيها الإنسان عن الأنانية
ترى الطاوية أن الأشياء تسير إلى الكمال على نحو طبيعي
بدون الحاجة إلى تنظيمات أو ضوابط
والطبيعة هي معيار كل الأشياء ومصدرها
…
تقول الطَّاوِيَّة أنَّ البشر والحيوانات
يجب أن يعيشوا في توازن مع الطاو، أو الكون.
ويؤمن الطَّاويون بالخُلُود الرُّوحي،
حيث تنضَمّ روح الجسد إلى الكون بعد الموت.
…
الطَّاويون يُنكرون كلّ شَكْلٍ من أشكال تأكيد الذَّات والتَّنافُس
فينبغي على الإنسان أن يتجنَّب العدوانية والقسوة
ليس تجاه الآخرين من بني جنسهم فحسب، بل تجاه الطَّبيعة أيضاً
والطاويون أعداء الحضارة والتَّمدُّن ويُمجِّدون البدائية
والطَّاوية تعتبر السفر عملاً بلا هدف
يُوصِل إلى الفُضُول وحُبّ الاستطلاع التَّافِه!
…
علاقة الطَّاوِيَّة بالبُوذِيَّة
من الواضح أنَّ الطَّاوية اعتبرت أنَّ الشَّرّ والتَّعاسة هي مُشكلة البشرية
وحدَّدت سببها في تصارع الرَّغبات
وهي في هذا تقترب من البوذية
في اعتبارها أنَّ الشَّقاء مُشكلة الوُجُود الإنساني على الأرض
وتتَّفق معها أنَّ العلاج هو القضاء على الرَّغبة
التي هي مصدر الأفعال عند البشر
وتشترك معها في أنَّ وضع علاج للمُشكلة
من خلال الطَّريق المؤدِّي إلى التَّوحُّد مع الكون
…
وهكذا من خِلال التَّخلِّي عن الرَّغبات
وترك الـ “طاو” يَلِج في نفس المرء ويتخلَّلها
فإنَّ الحياة ستعلو على ألوان التَّمييز بين الخير والشر
وسوف تنطلق كل الأنشطة من الـ “طاو”، مصدر الوُجُود ذاته
وستتوحَّد الإنسانية مع العالم
…
علاقة الطَّاوية بالكونفوشية
الطَّاوية تُعتبر مثل الكونفوشية
عبارة عن رَدّ فِعْل ضِدّ ظُرُوف المُجتمع الصِّيني المُعاصرة لظُهُورها
حيث ساد الفقر والجوع بسبب سُوء الحُكْم والإدارة
واستشرى الطَّمع والجَشَع
وازدادت الشَّهوة إلى الثَّروة والسُّلطة
فتسبَّب ذلك في وُقُوع الحَرْب والدَّمار
فاعتمدت الطَّاوية على اللُّجوء إلى الطَّبيعة
والتَّوحُّد مع “طريق” أو “طاو” الكون
…
الطَّاوية تُقدِّم الكثير من النَّقد للكونفوشية
وتعتقد الطَّاوية أنَّ النِّظام الأخلاقي الكونفوشي
فشل في تحقيق المُجتمع المثالي
مِمَّا يُشير إلى عَدَم كفاية النِّظام الأخلاقي
وفشله في القضاء على الصِّراع بين البشر
لتحقيق الرَّغبات وإقرار السَّلام والسَّعادة
ولابُدَّ إذاً من التَّخلِّي عن الرَّغبات
كمصدر للأفعال المؤدِّية إلى الشر
…
ثلاثة أشكال من الطَّاوية
كما قُلنا سابقاً: كتاب الطَّاوية المُقدس
هو: تاو تي تشينغ Tao Te Ching
كلمة “تاو” معناها: طريق
وكلمة “تي” معناها: القوة
وكلمة “تشينج” معناها: كتاب
وبالتالي عبارة “تاو تي تشينج”
يتم ترجمتها في العادة إلى: كتاب الطَّريق وقوته
…
كما قُلنا سابقاً: كلمة “تاو” لها معاني أخرى اصطلاحية
وكذلك كلمة “تي” لها معاني أخرى اصطلاحية
وطبقاً لثلاثة طُّرُق مُختلفة لفهم كلمتي “تاو” و “تي”
ظهرت في الصِّين ثلاثة أنماط للطَّاوية مُختلفة جداً
لدرجة أنَّها تبدو لأوَّل وهلة كأنَّها لا صِلَة بينها سِوَى الاشتراك في الاسم
كلفظ العين، قد يعني نبع الماء، أو العين المُبصرة، أو مادة الشيء
…
وهكذا نجد في ثلاثة أشكال من الطَّاوية:
…
- الطَّاوية الفَلْسَفِيَّة.
المُهتمَّة بتوزيع أو استغلال الحِصَّة العادية
من القُوَّة الحياتية “تشي”، بأفضل نحو.
…
- الطَّاوية الإحيائية.
المُهتمَّة بزيادة الحِصَّة الطَّبيعية من القُوَّة الحياتية “تشي”.
…
- الطَّاوية الدِّينية.
المُهتمَّة بتجميع الطَّاقة الحياتية “تشي”،
لنشرها بين النَّاس الذين يحتاجون تحسين أحوالهم.
…
يجب التَّنبيه على أنَّ هذه الطَّوائف الثَّلاثة
ليس بينها جُدران صلبة فاصلة
فعلى مَرّ التَّاريخ، تفاعل كُلّ نوع من أنواع الطَّاوية الثلاثة، مع النَّوعين الآخرين
واستمرّ هذا حتى طاوية اليوم، والتي نجدها في هونج كونج وتايوان
…
الطَّاوية الفلسفية:
الطاوية الفلسفية،
أو كَمَا تُسمَّى في الصِّين: الطَّاوية المَدْرَسِيَّة
هي المُهتمَّة بالحفاظ على قُوّة “تشي”، وإنفاقها بشكلٍ فعَّال
وهي المُرتبطة بشكل أكبر بهذه الأسماء المشهورة:
– “لاو تسو” Lao Tzu (مؤسِّس الطَّاوِيَّة)
– و “تشوانغ تسو” Chuang Tzu
(أكبر مُبسِّط للطَّاوِيَّة الفَلْسَفِيَّة) (369 – 286 ق.م)
و “طاو تي تشينغ” Tao Te Ching (كتاب الطَّاوِيَّة المُقدَّس)
…
الطَّاوية الفلسفية تُعلِّم بأنَّنا يجب أن نعيش بطريقة
نحافظ فيها على طاقة الحياة الحيوية “تشي”
وعَدَم إنفاقها بطرق استنزافية عديمة الجدوى، مثل: الصِّراع والخِلاف
وهذا عن طريق مفهوم “وو وي” Wu Wei
وهي عبارة تُترجم حرفياً بالخُمُود (عدم العمل)
وهذا معنى قريب جداً من مفهوم النيرفانا البوذي
ولكنَّها تعني في الطَّاوِيَّة “الفعالية الخالصة”
…
إذن، حسب الطَّاوية الفلسفية
يجب على الإنسان أن يُحسِّن ويُهذِّب حياته
حتى يستطيع أن يصل إلى حالة الـ “وو وي” Wu Wei
وهي حالة من الهُدُوء الخلَّاق أو الطَّمأنينة الخلَّاقة
تجمع بين الفَعَالِيَّة القُصوى والاسترخاء الأقصى
…
حالة “وو وي” تتطلَّب تقليص الاحتكاك بقدر الإمكان
والاحتكاك يُقصد به العلاقات الشَّخصية المُتبادلة
والصِّراعات النفسية الداخلية
وحتى العلاقة مع الطَّبيعة
كل هذه العلاقات يجب تقليصها لأقصى درجة مُمكنة
…
يحتاج الأمر إلى نوع من الانفصال عن النَّفس السَّطحية
وعلى العَقْل الواعي أن يسترخي ويَسْكُن
من أجل الوُصُول إلى قاع النَّفس
بالانسجام مع قُوَّة طاو
وترك السُّلُوك والتَّصرُّف يجريان بعفوية
…
وكما يقول الطاويون:
لا يُمكن للوضوح أن يأتي للعين الداخلية
إلَّا إذا وصلت الحياة إلى هُدُوء وسكون
يُعادل ويُساوي الهُدُوء والسُّكون
في أعماق حوض ماء ساكن.
…
الطَّاوية الإحيائية:
الطَّاوية الإحيائية تهدف إلى تسهيل قُوَّة طاو
وهي تتدفَّق خلال الكائنات البشرية
وبالإضافة إلى تدبير وإدارة الـ طاو بنحو فعَّال
تُريد الطَّاوية الإحيائية زيادة هذه الحِصَّة
…
الطاوية الفلسفية تأمُّلية،
أمَّا الطَّاوية الإحيائية فتحتوي على برامج فعَّالة
ويُوجد مُعلِّمون، ولكنَّهم يُعتبرون مُجرَّد مُدرِّبين
يُدرِّبون طُلَّابهم ويُرشدُونهم إلى ما يَجِب أن يفهموه
والاختلاف بين الطاوية الفلسفية والطاوية الإحيائية
مُتعلقة بمواقفها الخاصَّة تجاه قُوَّة طاو التي تتغذَّى الحياة عليها
…
الهدف الرَّئيسي للطَّاوية الإحيائية هو
زيادة حِصَّة الإنسان من الطَّاقة الحيوية “تشي” Chi
ومِن أجل ذلك، عمل هؤلاء الطاويون مع ثلاثة أشياء
المادَّة والحَرَكَة والعقل
…
فيما يخُصّ المادَّة
حاولوا أن يأكلوا أشياء، في الواقع كل شيء (تعليق)
ليروا فيما إذا كان بإمكانهم زيادة الطاقة الحيوية “تشي”
عن طريق الطعام أو الأكل أو الغذاء
…
في هذا السِّياق، طوَّروا سِجِلًّا دوائيًّا هامًّا
يبحث في الأعشاب الطبية
ولكنَّهم لم ينشدوا العلاج
وإنَّما زيادة الطَّاقة الحيوية “تشي”
…
الطَّاوية الإحيائية ظنَّت أنَّ زيادة الطَّاقة الحيوية “تشي”
يُمكنها إن تَصِل بالإنسان إلى الخُلُود الجسمي
ولكنَّهم بالطَّبع فشلوا في ذلك
واكتفوا بمُحاولات زيادة العُمر قدر الإمكان
…
الطَّاويون الإحيائيون قاموا بتطوير تمارين تنفُّس أيضاً
واعتقدوا أنَّ العمل مع الهواء
والذي يُمثِّل أرقّ وألطف شكل للمادَّة
سيُمكِّنهم من سحب الطاقة الحيوية “تشي” من الغُلاف الجَوِّي
…
هذه المُحاولات لاستخراج الطَّاقة الحيوية “تشي”
من المادَّة بأشكالها الثلاثة: الصَّلْبَة والسَّائلة والغَازِيَّة
تم استكمالها أيضاً ببرامج تمارين وحركات جسدية
مثل تاي تشي تشوان Tai Chi Chuan
وهي عبارة عن: تمارين صينية قديمة
تجمع بين الجُمباز والرَّقص والتَّأمل
وفلسفة “يين/يانغ” Yin/Yang، والفن العسكري
في تركيب وتأليف يهدف إلى سحب الطاقة الحيوية “تشي من الكون
وإزالة السُّدُود وإزاحة العقبات أمام تدفُّقه الدَّاخلي
وكان هذا الأخير هو موضوع الإبر الصِّينية أيضاً (تعليق)
…
نستطيع أن نقول إنَّ الطاوية الإحيائية
قريباً جداً من البوذية والهندوسية
خصوصاً الـ راجا يوجا
أي الطَّريق إلى الخلاص عبر التَّمارين الجسمية والنَّفسانية
وسواء أخذ الصِّينيون هذه المُمارسة عن الهنود أم لا
فإنَّ الأوضاع الجِسْمِيَّة
وتقنيات التَّركيز في التَّأمُّل الطَّاوي
تُذكِّرنا جداً بالـ راجا يوجا
إلى درجة أنَّ بعض المُتخصِّصين بالدِّراسات الصِّينية
سمُّوها اليوغا الطَّاوية
…
الصِّينيون أعطوا اليوجا الخاصَّة بهم اتِّجاهاً مُميَّزاً
فإنَّهم يعتقدون أنَّه بإمكانهم سحب الطَّاقة الحيوية “تشي”
التي تتراكم بداخل أجسامهم أثناء مُمارسة اليوجا
ونقلها إلى الجمهور الذي يشعر بنقص في الطاقة الحيوية
وهكذا يقومون بسحبه أولاً إلى قلوبهم وعقولهم
ثُمَّ إشعاعه نحو الآخرين (تعليق: أحمد عمارة)
…
نقترب هُنا من الطَّاوية الفلسفية
لأنَّ تحريك وتنشيط هذه الطَّاوية اليوغية
كان بُزُوغ فجر الافتتان بالنَّفس الباطنية أو الجوانية
في مُقابل النَّفس السَّطحية الخارجية في الصِّين
…
الطاويون يقولون بوجوب القضاء على القلق والانشغال العقلي
حتى تظهر تِلْك النَّفس إلى السَّطح، كما كان قد قُرِّر لها أن تكون
عندئذٍ سيظهر الوعي النَّقِيّ الخالِص
ولن يَرَى الإنسان الأشياء المُدركة فحسب
بل سيرى أيضاً الذَّات التي تمَّ إدراك الأشياء بواسطتها
…
للوُصُول إلى هذه الحالة الاستبطانية
يجب إلغاء كل نوع من أنواع إرضاء رغبات الذات أو الأنانية
وتشجيع الطَّهارة التَّامَّة للفِكْر والجَسَد
ويجب إخماد كلّ العواطف الشَّاغِلَة والمُعكِّرة
ويجب إخماد كلّ مِن الرَّغبة والكُره
والحزن والفرح والبهجة والقلق
لأنَّها تمنع الاستبطان من الغوص
والوُصُول إلى ينابيع الوعي الموجودة بالدَّاخل
(التَّعليق: إخماد، البوذية، النيرفانا)
…
الشُّرُوط الأوَّلِيَّة الأساسية
للوُصُول إلى المعرفة الذَّاتية (أو العِرْفان) هي:
نُكران الذَّات أو التَّجرُّد من الأنا
النَّقاء أو الطَّهارة النَّفسية
الهُدُوء والسُّكُون العاطفي
وهذه الشُّرُوط لا تَصِل إلى ذروتها، إلَّا عبر التَّأمُّل العميق
بالإضافة إلى بعض الوضعيات الجسدية،
مع سيطرة كاملة على التَّنفُّس
وستكون النَّتيجة:
حالة من الانتظار اليَقِظ
تُعرف بـ “الجُلُوس بذهنٍ فارغ”
…
الطَّاوية الدِّينية:
الطَّاوية الدِّينية يُطلق عليها أحياناً الطَّاوية الشَّعبية
بسبب اهتمام عدد كبير من النَّاس بها
مُتأثرة بالبوذية التي كانت قد وردت إلى الصِّين
في نفس وقت ظُهُور المسيح تقريباً
ممَّا يعني أنَّها مُتأثِّرة بالبوذية والمسيحية معاً
…
الطَّاوية الفلسفية والطاوية الإحيائية غير مُنظمَّة نسبياً
أمَّا الطاوية الدِّينية فقد أصبحت كنيسة كاملة
والتي تُسمَّى في الصِّينية: طاو تشيياو Tao Chiao
أي الطَّاوِيَّة الكَنَسِيَّة أو التَّعاليم الطَّاوية
هذه الكنائس تحتوي على معبد للآلهة
من ضِمن هذه الآلهة: “لاو تسو” نفسه
نشأت عن هذه الآلهة نصوص مقدسة
تم قبولها على أساس أصلها الإلهي الموحى به
واستمر الخط الباباوي المُتعاقب للكنيسة الطاوية حتى اليوم في تايوان
…
لقد جعلت المؤسسة الطاوية الكهنوتية
قُوَّة الحياة الكونية “تشي” مُتاحة لعامَّة النَّاس
وتقوم بأداء شعائر وطُقُوس
يدَّعي الطَّاويون أنَّ لها آثار سحرية (تعليق)
…
خاتِمة
أنا هكتفي بهذا القدر في هذا الفيديو
لو حاز الفيديو على إعجابك فلا تنسى أن تضغط على زر أعجبني
ولا تنسى أن تقوم بمُشاركة الفيديو مع أصدقاءك المُهتمين بنفس الموضوع
ولو كنت قادراً على دعم ورعاية مُحتوى القناة
لو انت شايف إن هذا المُحتوى يستحق الدعم والرعاية
فقم بزيارة صفحتنا على باتريون، ستجد الرابط أسفل الفيديو
إلى أن نلتقي في فيديو آخر قريباً بإذن الله عز وجل
لا تنسوني من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته