بسم الله الرحمن الرحيم
أديان بلاد فارس
الزرادشتية والأديان المُنشقَّة عنها
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معكم محمد شاهين التاعب من قناة الدعوة الإسلامية على اليوتيوب.
هذه مُحاضرة خاصَّة لطُلَّاب معهد آفاق للبناء العقدي.
واليوم سنتكلَّم عن أديان بلاد فارس (إيران حالياً)
ومن أهمَّها على الإطلاق، الدِّيانة الزرادُشتية
وسنتعرَّف في هذه المُحاضرة على الآتي:
– نبذة عن بلاد فارس (إيران).
– الدِّيانة الفارسية قبل زرادُشت (الميثرائية أو المترانية).
– الدِّيانة الزرادُشتية: التَّعريف، المؤسِّس، الكتاب، التَّعاليم، التَّاريخ.
– أديان فارس الأخرى: الزروانية، المندائية، المانوية.
– التَّشابُه بين الإسلام والزرادشتية.
وكالعادة، فهرس مواضيع الفيديو، والوثائق والمراجع، كلها تحت في وصف الفيديو.
…
في البداية لو انت مُهتم بالحوار الإسلامي المسيحي، ومُقارنة الأديان، والنقد الكتابي.
أو لو مُهتم بالقضايا الفكرية المُعاصرة، ومواضيع الإيمان والإلحاد.
أو لو مُهتم بالإسلام بشكل عام يبقى انت لازم تشترك في هذه القناة.
اضغط على زر الاشتراك الأحمر، وعلى علامة الجرس.
عشان تجيلك كل الإشعارات بكل حلقاتنا الجديدة.
…
أهمّ المُراجع التي تم استخدامها في تحضير هذه المُحاضرة هي:
كتاب: أطلس الأديان، تأليف: سامي عبد الله المغلوث.
وكتاب: موسوعة تاريخ الأديان (الكتاب الخامس)، تحرير فراس السواح.
وكتاب: أبستاق (كتاب زرادشت المقدس) دراسة مُقارنة، للدكتور منذر الحايك.
وكتاب: موسوعة الأديان الحية (الجزء الثاني: الأديان غير السماوية)، تأليف: روبرت تشارلز زيهنر.
…
بلاد فارس (إيران)
…
إيران، أو بلاد فارس كما كانت تُسمَّى قديماً
اسمان استُعمِلا للدَّلالة على قُطْرٍ واحدٍ
…
الاختلافات البيئية في (إيران) بلاد فارس،
أدَّت إلى نُشُوء ثقافات مُتنوِّعة.
إيران الغربية كانت خاضعة للمؤثرات القادمة من بلاد ما بين النَّهرين واليونان وروما
إيران الشرقية كانت خاضعة للمؤثرات القادمة من الهند وحتى الصين
وهكذا شكَّلت إيران جسراً ما بين الشرق والغرب
…
خضعت بلاد فارس للهيمنة الآشورية
ولكنهم سُرعان ما استقلوا بأنفسهم وقهروا الدولة الآشورية سنة 1000 ق.م
الآريون قاموا بغزوا إيران من الشمال والشمال الغربي نحو سنة 1000 ق.م
وبحلول 800 ق.م كانوا قد احتلُّوا الأرض واستوطنوا فيها
هذا الغزو الآري، مُشابه لما حدث في الهند
وهكذا نجد خصائص دينية مُتشابهة
…
في عام 550 ق.م، قام قورش الإمبراطور
Cyrus the Great، Cyrus II of Persia، Cyrus the Elder
بتأسيس الدَّولة الأخمينية Achaemenid Empire
…
الإسكندر الأكبر المقدوني Alexander the Great
غزا إيران وأسقط الدَّولة الأخمينية في عام 334 ق.م
وحاول تكوين ثقافة جديدة مزجت بين الفارسية والإغريقية
الهلينية Hellenistic culture
…
قامت الدَّولة السلوقية Seleucid Empire
في الفترة من 322 إلى 141 ق.م
والتي سُمِّيت بذلك نسبة إلى سلوق، أحد جنرالات الإسكندر
وكانت تضم آسيا الصُّغرى وبلاد الشَّام والعراق وإيران
…
ثم قامت دولة البارثيين Parthian Empire بهزيمة السلوقيين
في الفترة من 247 إلى 224 ق.م
وبسطت سيطرتها على جميع بلاد فارس
…
ثم جاءت الدَّولة الساسانية Sasanian Empire
التي أسسها أردشير الأول عام 224م
وقاموا بإحياء الحضارة الفارسية الزرادشتية
وفي النهاية انتصر المسلمون على الفرس
في موقعتي القادسية Battle of al-Qādisiyyah
ونهاوند Battle of Nahavand
في عهد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب
وهكذا انتهى حُكم الأسرة الساسانية
وأصبحت الإمبراطورية الفارسية تحت الحكم الإسلامي
…
الدِّيانة الفارسية قبل زَرَادُشت
…
ما نعرفه عن الدِّيانة الفارسية قبل زرادُشت
مأخوذ من الإشارات الصِّريحة العدائية لهذه الدِّيانة
في أناشيد الـ جاثا The Gathas
وكذلك من الإشارات الموجودة في النُّقُوش الكتابية
…
الجاثا، جزء من الـ ياسنا the Yasna
والـ ياسنا جزء من الأفيستا، كتاب الزرادشتية المُقدَّسة
ويعتقد الزرادُشتيون أنَّ زرادشت نفسه هو مؤلِّف أناشيد الجاثا
…
لقد عَبِدَ العامَّة قُوَى معروفة باسم الـ دايفاس Daevas
والتي تعني حسب الـ ريج فيدا = المُنوِّرين
وكان هؤلاء مُرتبطين بقُوى الطَّبيعة
الشَّمس والقَمَر والنُّجُوم والأرض والنَّار والماء والرِّياح … إلخ
…
هناك كائنات أخرى تُسمَّى الـ أهوراي = الأرباب
وهُم في مرتبة سماوية عُلوِيَّة، مَعنِيُّون بالنِّظام الكوني
ومن بين الآلهة = إنتار أو إندارا، وهو إندرا الفيدي
ولكنه لم يكن بنفس الأهمية عند الهنود
لقد كان يتفوَّق عليه ميترا Mithras
كانوا يرون فيه واهب الأبناء والماشية
وهو إله النُّور
…
الدِّيانة الميثرائية Mithraism
التي كان الآريون يؤمنون بها
مليئة بعبادة الصُّوَر والأصنام والمُجسَّمات
…
كان ميتراس في الأصل إلهاً للعُقُود أو المواثيق
وميترا تعني العَقْد، وهو من آلهة الآريين القُدامى
هو الذي يصون الحقيقة ويحفظ النِّظام
ويُدمِّر القُوَى الشِّقَاقِيَّة للشَّرّ والغَضَب والجَشَع والتَّكبُّر
ويُوصَف بأنَّه المُحارب القَوِيّ القَادِر
وهو الذي يُصلِّي له المُحاربون قبل الانطلاق إلى المعركة
ولهاذا كانت عبادة ميترا مشهورة جداً بين الجُنُود
وبصفته حامي الصِّدق والحقيقة فهو قاضي الروح بعد الموت
وبصفته حافظ العقود، فهو الذي يُقرر متى ينتهي حُكم الشيطان
…
تعريف الزرادُشتية
…
تُعرف هذه الدِّيانة باسم المازدية،
نسبةً للإله: أهورا مزادا Ahuramazda
كلمة أهورا تعني: ربّ أو إله
وكلمة مازدا تعني: حكيم
وبالتالي: أهورا مازدا تعني: الإله الحكيم أو الربّ الحكيم
ولكن هذه الدِّيانة تُعرف على نطاق واسع
بنسبتها إلى مؤسِّسها زرادُشت
…
اسم الدِّيانة بالإنجليزية: Zoroastrianism
وهو مأخوذ من اسم المؤسِّس باليونانية:
زوروأستير Zoroaster Ζωροάστηρ
اسمه باللغة الأفاستية: زاراثوسترا Zarathustra
واسمه بالفارسية: زارتُوشت Zartosht
أو زاردوشت Zardosht
واسمه بالغة الهندية القديمة: زاراتوشت Zaratosht
وهو معروف باللغة العربية باسم: زارادُشت
…
الزرادُشتية معروفة عند المُسلمين باسم المجوسية (ديانة المجوس)
أسسها زرادُشت في بلاد فارس (إيران) في القرن السَّادس قبل الميلاد
وتُسمَّى المجوسية لأنَّ قبيلة المجوس الفارسية هي أوَّل مَن آمن بها
…
(تعليق على موضوع المجوس)
…
كانت الزرادُشتية هي الدِّيانة الرسمية للإمبراطورية الفارسية
من القرن الثالث إلى القرن الخامس للميلاد
ولكن عندما وهنت هذه الإمبراطورية
فقدت الزرادشتية وضعها المُميز في بلادها الأصلية
وأصبحت ديانة الأقلية بالكاد
وعبر القرون، هاجر عدد من مُعتنقي الدِّيانة القديمة إلى الهند
…
عدد مُعتنقي الديانة الزرادُشتية في العالم حالياً قليل جداً.
هُناك حوالي 18 ألف زرادُشتي في إيران.
وحوالي 125 ألف زرادُشتي في الهند.
…
أهمية الزرادُشتية مثلها مثل اليهودية
ليست في عَدَد مُعتنقيها
وإنَّما أهميتها الكُبرى في تأثيرها على الأديان الأخرى
…
مؤسِّس الزرادُشتية
…
اسمه:
…
كما ذكرنا من قبل
أغلب المعلومات التي نعرفها عن الزرادُشتية
مأخوذة من كتبها المُقدَّس: الأفيستا
والمعروف باللغة العربية باسم: الأبستاق
…
في الأفيستا، مؤسِّس هذه الدِّيانة يُدعى: “زرات أوشتره”
زرات تعني الأصفر أو الذَّهبي
أوشتره تعني الجَمَل
ليكون المعنى: الجَمَل الأصفر
لاحقاً ظهرت تفسيرات كثيرة للاسم
فمنها مَن فسَّر أوشتره بمعنى النُّور والضِّياء
ومنهم مَن قال بأنَّ أوشتره هي آستر التي تعني نجمة
فيكون الاسم النَّجم الذهبي
…
أمَّا في اللُّغة البهلوية، فقد كان اسمه يُنطق زَرَاتُشت
وفي اليونانية، ذكره زانثوس Xanthos في كتابه ليدياكا Lydiaka
وأفلاطون Plato في كتابه ألكيبيادس Alcibiades
على أنه زورواستراس ZoroAstras
وفيما بعد تطوَّر في الكتابات اليونانية إلى زورواستريس
ومنها جاء اسم الدِّيانة بالإنجليزية Zoroastrianism
…
ولادته:
…
يستحيل التَّأكُّد من تفاصيل حياة زرادُشت
بسبب حالة عَدَم اليقين التي تُحيط بالمُدوَّنات
تاريخ مولد زرادُشت غير مُحدَّد أبداً
التُّراث الفارسي يدَّعي أنَّه وُلِد نحو 660 ق.م
وهُناك مَن يقول إنَّ هذا التَّاريخ أسبق بثلاثين سنة أو أكثر على مولده الحقيقي
وهُناك مَن يقول إنَّ زرادُشت عاش في فترة أبكر من ذلك بكثير
ربما تعود إلى العام 1000 ق.م
…
هُناك خِلاف حول مكان وِلادة زرادُشت
من هذه الآراء أنَّه وُلد في بلدة راكا، في ميديا
وميديا كلمة سنسكريتية تعني: الوسط
وهُناك رأي يقول إنَّه وُلِدَ في منطقة صحراء تُوركمان
والأغلبية تقول بأنَّ موطن زرادُشت كان في منطقة أذربيجان غرب إيران
حيث وُلد في مدينة أورمية على بحيرة أورمية
ويُؤكِّد هذا الرَّأي الكثير من عُلماء الدِّين الزرادُشتيين
…
يُعدّ زرادُشت شخصية تاريخية ميدية غير أسطورية وِفْق أغلب الباحثين
وهو ليس بفارسي، رغم القرابة القومية واللُّغوية والدِّينية بين الفُرس والمِيدِيِّين
طبعاً هُناك أساطير كثيرة حول ولادة الطِّفل زرادُشت
وكلها مذكورة في كتابات مُتأخرة جداً
…
حياته ودعوته:
…
زرادشت هو مؤسِّس التَّوحيد في بلاد فارس
فقد حارب عبادة الآلهة الفارسية المُتعدِّدة
وجعل مِن الإله الحكيم = أهورا مزدا، إله فارس الوحيد
…
بعض المؤرِّخين يقولون إنَّ زرادُشت في شبابه
هَجَر وطنه باحثاً عن الحكمة، حتى وصل إلى فلسطين!
واستمع إلى بعض أنبياء بني إسرائيل من تلاميذ النبي إرميا
ويقول الزرادُشتيون بأنَّه قابل النَّبي إرميا ولازمه مُدَّة
تلقَّى خلالها بعض عُلُوم الدِّين
واستمع إلى النُّبُوءات المُستقبلية
…
يُقال أنَّه جاءه أوَّل وحي في سِنّ الثَّلاثين.
الأسطورة تقول إنَّ الملاك الرَّئيس فوهومانا Vohu Manah
استجوب زرادُشت، ثمَّ أمره أن ينزع عنه جسده المادي
ثمَّ أصعده كرُوحٍ مُنزَّهة إلى حضرة أهورامزدا
ومن بعد هذه الحادثة
لم يعد لـ زرادُشت ظِلّ يُرَى على الأرض
بسبب البهاء العظيم للملائكة المُقرَّبين الذين طوَّقوه
…
(تعليق على مَدَى صِحَّة هذه المعلومات)
…
البعض يقول إنَّ دعوته كانت في بلاد خوارزم القديمة Khwarezm
وهي المنطقة التي تشمل اليوم:
خُراسان الفارسية وغرب أفغانستان وجمهورية تركمنستان
…
دعوة زرادشت انتشرت بشدَّة
بعد أن قام بدعمه أمير يُدعى فيشتاسبا Vishtaspa
وتبعه بعد ذلك البلاط الملكي بكامله
وفي ظِلّ هذه الحماية، أصبحت الزرادُشتية قادرة على ترسيخ نفسها
وهكذا تمَّ نشر الدِّين بشكلٍ رسمِيٍّ في البلاد
…
مُعظم مؤرِّخي الأديان يعتبرون زرادُشت نبيًّا
حَسَب مفهوم أديان المذهب الألوهي
لأنَّه مرّ بتجربة دينية مُشابهة لتجارب الأنبياء
وعلَّم تعاليم مُشابهة جداً للأديان التَّوحيدية
وزعم أنَّه تلقَّى هذه التَّعاليم عن طريق الوحي
حيث ادَّعى أنَّه تَمّ اختياره بواسطة الإله
لكي يقوم بتبليغ رسالة إلهية عن الحقيقة إلى النَّاس
وكان يدعو النَّاس إلى ترك عبادة الآلهة المُتعدِّدة
إلى عبادة الإله الواحد، الرَّبّ الحكيم = أهورامزدا
(من الناحية الفقهية يأخذ المجوس حُكم أهل الكتاب)
…
قيل عن زرادُشت في الأفيستا:
إنَّه النَّبي الذي رفع صوته في مهابةٍ ووقار
إنَّه صَدِيقُ الحَقّ، صَدِيقُ الله
العَدُوّ الحقيقي لأتباع الكَذِب
القَوِيّ الذي يُؤيِّد أتباع الحَقّ
اختاره الله مِن البداية ليكون نبياً
…
وفي النِّهاية، يُعلن مُدوِّنو الأفيستا اللَّاحقون
بعد ألف سنة من الواقعة
أنَّ أحد الجُنُود فاجأ زرادُشت وطعنه
وهو أمام مذبح النَّار يؤدِّي الصَّلاة
وكان زرادُشت في السَّابعة والسَّبعين من عمره
…
المُلخًّص أنَّنا لا نعرف إلَّا القليل من التَّفاصيل عن حياته.
تعاليمه المُبكرة أثارت ضِدَّه عداءً عظيماً
لذا اضُّطر إلى الهَرَب
فوَجَدَ في موطنه الجديد مُريداً في شخص حاكم محلِّيّ
هو الملك فيشتاسبا Vishtaspa
وقد أصبح زرادشت بدءً من هذا التَّاريخ
شخصية ذات أهمِّيَّة في القضايا المَحَلِّيَّة
وكان مُتزوِّجاً وله بنت وولدان
وتقول بعض الرِّوايات أنَّه قد اغتيل في السِّبعينات من عمره
…
الأفيستا
…
الاسم:
…
أفِستاه أو أفِستا Avesta
وبالعربي: أبِستاق
هو اسم الكتاب المُقدَّس للدِّيانة الزرادُشتية
وتعني التَّسمِية: الأساس، أو الأصل، أو المَتن
وله شرح يُعرف بـ: زند أفستا Zend-Avesta
وقد كُتب الأفستا بلغةٍ تُنسَب الآن إليه لاندثارها: الأفستية
وكانت وثيقة الصِّلة بالفارسية القديمة
والسنسكريتية الهندية القديمة
ويعتقد الزرادُشتيون بأنَّ كتابهم الأفستا
هو أقدم مصدر إلهي مُوحى به في العالم
…
التَّاريخ:
…
يعترف الزرادُشتيون بأنَّ كتابهم في الأساس كان ضخماً للغاية
ولكنَّ كتابهم تعرَّض لنكبتين:
…
الأولى عندما احتلّ الإغريق
بقيادة الإسكندر الأكبر
إمبراطورية فارس عام 330 ق.م
حيث فُقِدَ الكتاب أو أنَّه أُتْلِف عمداً
ثم تمَّ إعادة ما تبقَّى من الأفستا مُتناثراً
…
أمَّا النَّكبة الثانية:
فكانت بعد الفتح الإسلامي لبلاد فارس
حيث فُقدت الأفستا من جديد
ويُقال إنَّ بعض الزرادُشتيين الفارِّين إلى الهند
حملوا معهم ما تمكَّنوا من حَمْلِهِ من صحائف كتابهم المُقدَّس
وأقدم مخطوط لكتاب الأفستا موجود حالياً
يعود إلى سنة 1258 ميلادية!
…
الزرادُشتيون يدَّعون أنَّ الأفستا تمّ تناقله شفهياً لقُرُون
ولم يتِمّ تدوينه حتى الفترة ما بين
القرن الثالث والخامس الميلادي في العهد السَّاسَاني
ولعلَّ قِسْماً منه يعود إلى عَهْد أقدم بكثير (يُشْبِه الكتاب المُقدَّس)
وطبعاً الأفستا لَمْ ينجو من التَّحريف
…
الأقسام:
…
الـ أفيستا Avesta
عبارة عن تشكيلةٍ من الكتابات مُختلفة دون ترابط
فهو بَقِيَّة من تُراث أدبي أوسع بكثير
وقد ضاع وفَنَى منه الكثير
ولَمْ يَبْقَ مِنهُ إلَّا أجزاء في يومنا هذا
…
القِسْم الباقي منه يضُمّ هذه الأجزاء
الـ ياسنا Yasna = الطُّقُوس اللِّيتورجية
الـ فيسبيراد Visperad = الصَّلوات المُكمِّلة للـ ياسنا
الـ ياشتس Yashts = ترانيم وتراتيل مُوجَّهة للكائنات الإلهية
الـ فينديداد Vendidad = الشَّريعة
القوانين والصَّلوات والطُّقُوس والتَّعاليم والأساطير
بالإضافة إلى بعض النُّصُوص الثانوية والقُصاصات.
…
أهم وأشهر أقسام الأفستا الباقية هي:
في الـ ياسنا أو التَّسابيح (النَّص الطَّقسي الكبير)
والتي تحتوي على الـ جاثاس Gathas
أيّ الأناشيد أو الأغاني أو التَّرنيمات أو التَّراتيل
ويُقال إنَّ هذا القسم هو ما كتبه زرادشت نفسه
في حين تُنسب سائر فقرات الأفستا الأخرى إلى قديسي الديانة الزرادشتية
هذه الأناشيد هي الوحيدة التي تُعطينا معلومات
جديرة بالثِّقة (نوعاً ما) عن حياة وفكر زرادُشت
…
الـ يشتات Yashts أو الـ ياشتس
مليئة بالتَّعاويذ لطرد الشَّياطين، مع تعاليم التَّطهير
وهذه كلها لا يُمكن الاعتماد عليها كثيراً بسبب تاريخها المتأخر
…
كتابات أخرى:
…
بالإضافة إلى الأفيستا
يوجد ما يُسمَّى بالنُّصُوص البهلوية، لُغة السَّاسَانيين.
وهي كلها نصوص مكتوبة بعد الحُكم الإسلامي لفارس
وتحديداً، في القرن التَّاسع الميلادي
وهي كتابات تُدافع عن الزرادُشتية
ضِدّ الدَّعاية المسيحية والإسلامية
وهي عبارة عن مُلخَّصات وتعليقات على الأفستا
وأصبحت هذه الكُتُب هي ما تحفظ المُعتقدات القديمة
…
أهم هذه النُّصُوص:
دينكارتن Dēnkart، أو Denkard، “أعمال الدِّين”
بونداهشن Bundahishen، أو Bundahishn، “بداية الخَلْق”
هذه النُّصُوص تُقدِّم لنا أفكاراً عن الزرادشتية المُتأخِّرة
…
لشُهرة كتاب: “هكذا تكلَّم زرادُشت”
يجب التنويه بأنه لا يحوي أيًّا من كلمات أو آراء زرادُشت
وإنما يُعبّر عن آراء الفيلسوف الألماني نيتشه
أوردها على لسان زرادُشت
…
تعاليم الزرادُشتية
…
وصلتنا تعاليم زرادُشت
مِن خلال سبعة عشر نشيداً من أناشيد الجاثا Gathas
…
نِقاط هامَّة:
…
أوَّلاً: ادَّعى زرادُشت أنَّ تعاليمه مُعتمدة على الوحي
وأن أهورامزدا بذاته (الرَّبّ الحكيم) قد دعاه ليقوم بالتَّبشير
وأنَّ الدِّين الذي تلقَّاه هو الدِّين الحقّ (الأخير؟!)
…
ثانياً: ولاء زرادُشت المُطلق للإله الأوحد
أهورامزدا (الرَّبّ الحكيم) الإله الأسمى
فهو سَيِّد الخَلْق، العَلِيّ القَدِير
…
ثالثاً: أهورامزدا (الرَّب الحكيم) ليس بلا مُعارض
هُناك في السماوات يقف دروج Drug (الكذب)
ضِد آشا Asha (الحق)
فالحَقّ يُواجه الباطل، والحياة يُواجهها الموت
والرُّوح الخَيِّر (سبينتا ماينو) Spenta Mainyu
يُعارضه الرُّوح الخبيث (أنجرا ماينو) Angra Mainyu
…
رابعاً: أهورامزدا يُعبِّر عن إرادته
من خلال الرُّوح القُدُس: سبينتا ماينو Spenta Mainyu
وعبر وسائط مُتنوِّعة للفِعْل الإلهي
تُدعى الكائنات الخالدة القُدْسِيَّة: الـ أميشاسبينتا Amesha spenta
وهناك كائنات أخرى كثيرة مثل:
فوهومانا Vohu Manah: الفِكْر الخَيِّر أو الحَسَن
وهو الوسيط الإلهي الذي هَدَى زرادُشت إلى أهورامزدا في أوَّل وحي
آشا Asha: الحَقّ
كشاثرا Khshathra: القُوَّة أو السَّيطرة
أرمايتي Armaiti: التَّقوى أو الوَرَع
أميريتات Ameretat: الخُلُود
هذه الكائنات هي نِعَم مِن أهورامزدا إلى الإنسان
وهي تُمثِّل قُوَى وحقائق في جوهرها
وهي بأسمائها تُمثِّل صِفات وحالات مُجرَّدة
…
في الـ جاثا Gatha
الأقرب أنَّها كائنات أو كينونات يعمل أهورا مزدا من خِلالها
أو بتعبير آخر: يُحقِّق إرادته من خِلالها
وفيما بعد، مع تطوُّر الدِّيانة الزرادُشتية
تمَّ تجسيد هذه الكائنات، أو شخصنتها
…
خامساً: رُوح كلّ إنسان هي مركز الجهاد بين الخير والشَّرّ
وعندما خلق أهورا مزدا الإنسان، منحه الحُرِّيَّة ليُقرِّر أفعاله
ومِن ذلك: القُدرة على الاختيار بين الحَقّ والباطل
…
سادساً: الخير والشَّرّ غير مُحدَّدين بوُضُوح
هذا فيما يخُصّ تفاصيل الأقوال والأفعال
لكنَّ الأخيار هُم الذين قبلوا الدِّين الحَقّ
والأشرار هُم الذين رفضوا الدِّين الحَقّ
واستمرُّوا في مُمارسة طُقُوس الدِّيانة الشَّعبية
…
سابعاً: زرادُشت رفض الغالبية العُظمى
مِن طُقُوس وعِبادات الدِّين الآري القديم
والتي احتوت على السِّحر والوثنية
ولكنَّه أبقى على ظاهرة واحدة من الطَّقس القديم
وهو طَقْس النَّار المُقدَّسة (تعليق!)
…
ثامناً وأخيراً: أهورا مزدا سوف يقتلع الشَّرّ
فالخير هو الذي سيدوم ويَهْزِم الشَّرّ في النِّهاية
…
الإله:
…
الزرادشتية تُعتبر واحدة من أقدم الدِّيانات التَّوحيدية في العالم
لأنَّها دعت في زمنٍ مُبكِّرٍ نسبياً للإيمان بإلهٍ واحدٍ مُتعالٍ
هو خالق كل شيء
وهو الإله الذي لا شكل له أو لون أو مظهر
…
(تعليق على كون الزرادُشتية من أديان المذهب الألوهي!)
…
زرادُشت كان يؤكِّد دايماً على أنَّ الشِّرك بالإله الواحد إثم كبير
وفي تعاليمه يحُثّ على الإيمان بالقُوَّة الخالقة العُظمى
التي لا يَتِمّ الوُصُول إليها إلَّا عن طريق العقل الصالح
فوهو مانو Vohu Manah
ويُحذِّر المؤمنين من تأثير روح الشَّرّ أهريمان Ahriman
الذي هو أنجرا ماينو Angra Mainyu
…
الإله بالنسبة لزرادُشت
هو الرَّبّ الحكيم: أهورا مزدا
الذي خلق السَّماء والأرض
وهو الأوِّل والأخير،
وهو الذي دعا زرادُشت إلى الرِّسالة
…
اسم الإله: أهورا مزدا كان مُتداولاً من قبل
فقد كان اسم إله الأخلاق والنِّظام الطَّبيعي
الذي كان يعبده آريو الهند تحت اسم الإله: فارونا Varuna
…
اسم أهورا مزدا يدُلّ على التَّشريف
فكلمة مزدا تعني الحكيم أو تمام النُّور
وكلمة أهورا هي نفسها آسورا الفيدية
والتي تعني الرَّبّ أو السَّيِّد
…
مُحاربة الوثنية:
…
زرادُشت وضع نفسه في مُعارضة تامَّة للدِّين الشعبي السائد
وأرسى لدينه الجديد منظومة حدَّدها بعدَّة مفاهيم واضحة قاطعة
…
زرادُشت أنكر الكثير من التُّراث القديم
ولكنه لم يَنْسَلِخ عنه كُلِّيَّةً (وِفْق دراسة المصادر)
فقد كَتَب عدداً من أناشيده على نمط التُّراث القديم
ورأى في طَقْس النَّار القديم رمزاً للنُّور وقانون الإله الكوني
…
بالنِّسبة لـ زرادُشت
كانت الأضاحي الدَّموية والشَّراب الطَّقسي حراماً
لأنَّها كانت طُقُوساً تُقدَّم لآلهة زائفة
وبالتَّالي هي كَذِب وضَلَال
…
زرادُشت رأى أنَّ العدو هو الدِّيانة الوثنية القديمة
والتي يجب أن تُقتلع من جُذُورها تماماً
لصالح الدِّيانة الجديدة، ديانة الحَقّ والصَّلاح
ولابُدَّ أن يختار كلّ إنسان لنفسه
جانباً من هذين الجانبين أو ديناً من هذين الدِّينين
…
الثَّنوية:
…
هُناك قُوَّتان مُتعارضتان
الإله الخالق، الرُّوح المُقدَّسة: أهورا مزدا
والرُّوح الشِّريرة، والقُوَّة المُدمِّرة التي تتميَّز بالكَذِب والكِبْر
أهريمان Ahriman أو أنجرا ماينو Angra Mainyu
ولابد للبشر أن يختاروا بين هاتين القُوَّتين المُتعارضتين
أو هاتين الرُّوحين التَّوأمين (تعليق)
…
يبدو أنَّ عقيدة زرادُشت الأصلية
كانت هي الإيمان بـ أهورا مزدا كإلهٍ أعلى
قد انساب أو خرج منه روحان
الرُّوح القُدُس Spenta Mainyu
والرُّوح الشِّرير Angra Mainyu
ويبدو أنَّ قداسة الرُّوح القُدُس وشَرّ الرُّوح الشِّرير
كانا بالاختيار أكثر مِمَّا كانا بحُكم طبيعة كلّ منهما
…
الرُّوح القدس هو أكثر الأرواح قداسة في أهورا مزدا
لكنَّه ليس هو نفسه أهورا مزدا
وهذا التَّصوُّر لا يجعل زرادُشت ثنوياً Dualist
فهذا المُصطلح يُقصد به:
الذي يؤمن بمبدأين وُجِدَا مُنذ البداية معاً
ويجعل الشَّرّ مُتداخلاً مع الإله مُنذ الأزل
ومُستقلاً عنه في الوقت نفسه
…
يعني باختصار
الثانوية الحقيقية تعني وُجُود عُنصرين مُتضادين أزليَّين!
وهذا لم يكون موجوداً في الزرادُشتية القديمة
وكذلك ليس موجوداً في المسيحية
مع تشابُهها الشديد مع الزرادُشتية
…
الإله مُتصِّف بصفات من الكمال والخُلُود
ولكنَّ هذه الصِّفات تمَّ شخصنتها (كما الأقانيم المسيحية)
وأصبحوا الخالدون الواهبون السِّتَّة (أشبه بـ رؤساء الملائكة)
وهؤلاء يجلسون أمام عرش الإله ولهم مكانتهم الخاصَّة
إنَّهم يحرسون عناصر العالم (النَّار والتُّراب والماء والهواء)
هُناك أيضاً الـ يازاتا Yazata أو الملائكة
يُشكِّل الـ يازاتا حشداً كبيراً من الملائكة
كل هذه الكائنات تُمثِّل جانب الخير والصِّدق والسَّلام
…
في المُقابل يوجد حُشُود من الشَّياطين والأرواح الشِّريرة
هُم الذين يقفون في مواجهة قُوى الخَير
ويُمثِّلون الفوضى والأفكار الخبيثة والمعصية والكَذِب
…
وهكذا حسب الزرادُشتية
تاريخ العالم هو تاريخ صِراع الإله مع الشَّيطان
هذا التَّاريخ مُقسَّم إلى أربع مراحل
كل مرحلة مُدتها ثلاثة آلاف سنة
في المرحلتين الأولى والثانية
يُجهِّز كل من الإله والشيطان قواهما
ويدخلان في المرحلة الثالثة في صراع
فالصِّراع بين الحَقّ والباطل ليس أبَدِيًّا
لابُدَّ أن تأتي ساعة التَّحوُّل المصيرية للعالم
عندها يجتمع الجيشان العظيمان المُتخاصمان
حيث يُهزم الشيطان في النَّهاية
…
الزرادشتية تقول إنَّ الشيطان في بداية الخلق
اخترق حاجز السَّماء وتسلَّط على الإنسان الأوَّل
ولكنَّ العالم في الأصل، ينتمي إلى الإله الخالق
فالزرادُشتية لا تعتقد أنَّ المادَّة شَرّ
وهذا مُوافق لعقائد أتباع المذهب الألوهي
ومُخالف لأغلب العقائد الغنوصية الباطنية
والزرادُشتية تعتقد أنَّ الشيطان
من طبيعة مُغايرة للعالم المادِّي (فكرة الثَّنوية)
…
في الزرادُشتية المُتأخِّرة الشَّرّ لا يأتي مِن الخالق
والإله الحَقّ لا يُمكن أن يكون مسئولاً عن الشَّرّ
فالشَّرّ له كيان مُستقِلّ كما الخير
أهريمن Ahriman هو الشَّيطان
والذي كان موجوداً دائماً
وهو المسئول عن كُلّ الشَّرّ الموجود في الدُّنيا
بما في ذلك المَرَض والمَوت والغَضَب والجَشَع
والشَّرّ والخَيْر جوهران مُتعارضان
وهكذا فإنَّهما في صراعٍ دائمٍ
…
(التَّعليق على فكرة مسئولية الخالق عن الشَّرّ)
…
الإنسان:
…
النَّاس عبارة عن تجلِّيَّات لذواتهم العُلْوِيَّة
الـ فرافاشي Fravashi
وهُم فاعلون أحرار
يملكون القُدرة على الاختيار بين اتِّباع الإله أو الشَّيطان
فإن اختاروا الصَّواب فإنَّهم يُساندون الإله في نَصْرِهِ النِّهائي
والزرادُشتية لا تُفرِّق بين الرُّوح والجَسَد (تعليق)
…
الأخلاق:
…
الدِّين الذي دعا إليه زرادُشت كان دين وحدانية أخلاقي
جوهر القول إنَّه اعتقد أنَّ الشَّريعة الأخلاقية
تتطلَّب صلاحاً بشرياً قادراً، عن إلهٍ واحدٍ خَيِّرٍ
…
سُوء الأخلاق وإزعاج النَّاس يُعتبران من الخَطَايا
ومِن أساسيات الدِّين أن يستمتع المرء بالحياة
وأن يُساعد الآخرين على أن يستمتعوا أيضاً
…
لا توجد رهبانية في الزَّرادُشتية
لأنَّ الرَّهبنة نَوعٍ من الرَّفض لـ عالم الإله
فالزُّهد والرَّهبنة خطيئة كُبرى
كما التَّمادي في الشَّهوات
وعلى الرِّجال واجب ديني
في أن يتَّخذُوا زوجات ويُنجبوا أطفالاً
وهكذا يَقْوَى الدِّين الصَّالح
والجَسَد السَّليم يؤدِّي إلى عَقْلٍ خَيِّرٍ وسَلِيمٍ
والذي بدوره يؤدِّي إلى القِيَام بأفعالِ الخَيْر
…
الزرادُشتية تُعلِّم قِيَم أخلاقية اجتماعية جَيِّدة
فالعَمَل هو مِلْح الحياة
والبشر عليهم أن يتغلَّبوا على الجَشَع بالقناعة
وعلى الغَضَب بالسَّكينة
وعلى الحَسَد بالإحسان
وعلى الشِّقاق بالسِّلم
وعلى الباطل بالحَقّ
ف المبادئ الأخلاقية الزرادُشتية هي:
أفكار طَيِّبة، كلمات طَيِّبة، أفعال طَيِّبة
…
(التَّعليق على فكرة المبادئ العامَّة
في مُقابل وُجُود تعاليم واضحة)
…
الموت:
…
الموت مِن عَمَل الشَّيطان (مُشابه للمسيحية)
لذلك فإنَّ الجُثَّة هي مَسْكَن الشَّياطين
ولا يَتِم إحراق الجُثَّة أو دفنها
لاعتقادهم بأنَّها سوف تُدنِّس العناصر
لذلك فإنَّ الجُثث تُوضَع في
بُرُوج الصَّمت = الـ داخما dakhma
حيث تفترسها النُّسُور والوُحُوش
…
القِيامَة والحِساب:
…
قَبْل حُلُول اليوم الأخير
تخضع النُّفُوس التي ذاقت الموت
إلى الحِساب الفردي الذي يُقَرِّر الوضع الذي يتبقَّى عليه
إلى أن يحين البعث الشامل
وهذا الحساب يلي الموت بفترة قصيرة
…
في نهاية الزَّمان، سيحدث بعثاً شاملاً
عندها سيخضع الأخيار والأشرار لتَجْرِبَة النَّار والمَعْدَن المُذاب
والذي سيجتاح العالم على شكلِ تيَّار دافق، سيطول كُلّ كائن حيّ
الأخيار سيعبرونه كَمَن يخوض في نَهْر حليبٍ دافئ
والأشرار سيحترقون وينجرفون في التَّيَّار الذي يفنيهم
وفي النِّهاية، سيغوص نهر النَّار إلى أعماق الجحيم
حيث لجأ الشَّيطان أنجرا ماينيو ومَن بَقِي معه
فيلتهمهم جميعاً ويتِمّ التَّخلُّص من آخر بقايا الشَّرّ
…
على كلّ روح مُواجهة الحساب على الجِسْر الفاصل
جِسْر شينفات Chinvat Bridge
الذي يمتَدّ فَوْق هُوَّة جهنَّم
وفي طرفه الآخر ينفتح الفردوس
ويُؤتى بميزان الحَسَنَات والسَّيِّئات
وإذا ما رجحت كفَّة الأعمال الحسنة على السَّيِّئة
فإنَّ يَدْ أهورا مزدا تُشير صَوب الفردوس
ولكن إذا ما رجحت كفَّة السَّيِّئات
فإنَّ يَدْ أهورا مزدا تُشير إلى الهُوَّة تحت الجِسْر
…
الصَّالحون الذين اهتدوا بزرادُشت
لن يجدوا صُعُوبة في العُبُور
بينما الطَّالحون الذين أُدِينُوا بأعمالهم
سوف يجدون أنفسهم في وضعٍ
لا يُمَكِّنهم من تجاوز الجِسْر
…
الجحيم الأبدي غير أخلاقي وفق الزرادشتية
فالإله الطيب لن يسمح أبداً بأن يكون عذاب مخلوقاته أبدياً
في يوم البعث، سوف يصعد الجميع لمواجهة الحساب الأخير
وفي النهاية عندما يصفى الجميع
يتم القضاء على الشيطان وكل أعماله
…
(التَّعليق على هذه الشُّبهة
مع بيان مُخالفتها للإسلام والمسيحية)
…
الطُّقُوس:
…
هُناك شعيرتان رئيستان في الزرادُشتية الحالية
طُقُوس النَّار، وقُربان الـ هاوما Haoma
…
النَّار هي رمز وابن أهورا مزدا
ولابُدَّ أن يتِمّ الطَّقس بعيداً عن أي دَنَس
بحيث لا تَظْهَر النَّار للشَّمس أو لأيّ عُيُون غير مؤمنة
وتُحفظ النَّار في معبد النَّار
ويُوجد عِدَّة أشكال للنَّار المُقدَّسة
ويقوم بخدمتها كهنة مُختصُّون
على الدَّوام وعَن طِيْب خاطِر
…
الطَّقْس المِحْوَرِي للزرادُشتيين هو الـ ياسنا Yasna
وهي كلمة تعني حرفِيًّا: تقديم الأضاحي
وبالرَّغم من أن زرادُشت هاجم بعُنف هذا الطَّقس
إلَّا أنَّه عاد من جديد واخترق الزرادُشتية
وهو طَقْس ذبح الثَّور (تأثُّر واضح بالمثرائية)
وتقديم شراب مُتخمِّر من نبات يُسمَّى الـ هوما Haoma
والفكرة شبيهة بشكل مُدهش بفكرة القُدَّاس في المسيحية
…
الـ هوما Haoma نبات بَرِّي يُعَدُّ منه شراب طَقْسِي
وقد عرفته الشُّعُوب الهندو أوروبية مُنذ وقتٍ قديمٍ جِدًّا
فنجد أنَّ هوما الأفيستا هي ذاتها سوما الفيدا الهندية
وهذا الشراب مُخدِّر قَوِيّ
يُفقد الإنسان السَّيطرة والاتِّزان والعَقْل
وقد حاول زرادُشت منعه، وتحدَّث عن سيِّئاته
لكنُّه لم يُحاربه بالقُوَّة
فاستمَرّ لِيَعُود بَعْدَهُ جُزءً من الطُّقُوس
وهكذا ترى الزرادُشتية أنَّ الهوما نبات مُقدَّس
…
(التَّعليق على استخدام المُخدِّرات كتجربة روحية
ومُخالفة ذلك الواضحة مع الإسلام العظيم)
…
الكهنة يرتدون أَرْدِية بيضاء مع عِمَامَات
وأقنعة فوق أفواههم أثناء القيام بطُقُوس النَّار المُقدَّسة
ليتجنَّبوا تدنيسها بنفسِ زفيرهم
…
عَدَد الصَّلوات خَمْس بحسب مواقيت اليوم الخمسة
الصُّبح والظُّهر والعَصْر والمَغْرِب ومُنتصف الليل
ولابُدَّ أن يخضع المرء لطقسٍ تطهيريٍّ قبل أيّ صلاة
ويَتِم الاعتراف بالذُّنُوب التي ارتُكِبَت بالفِكْر أو القول أو الفِعْل
والزرادُشتيون يحتفلون بالأحداث المُهمَّة في الحياة
مثل الولادة وسِنّ البُلُوغ والزَّواج والحَمْل والمَوت
…
تقديس النَّار:
…
تكتسب النَّار عِنْد الفرس أهمية خاصة
وهي مُشابهة لِطُقُوس النَّار الاحتفالية في الهند القديمة
الاسم الفيدي = آغني Agni = النَّار
ولكنَّه غير وارد في التُّراث الفارسي
ويتمّ تقديس النَّار تحت الاسم الفارسي = آتار Atar
…
زرادُشت لم يَعْبُد النَّار
كما فعل أسلافه، أو كما فعل بعضٌ من أتباعه فيما بعد
لكنَّ النَّار بالنِّسبة له كانت رمزاً عزيزاً لـ أهورا مزدا
فالنَّار المُقدَّسة هي هِبّة من أهورا مزدا للبشرية
…
الزرادُشتيون يعتقدون أنَّ النَّار رمز للنُّور
الذي هو الإله أهورا مزدا
والتي تُبدِّد الظُّلمة التي هي أهريمان
ولا يعتقدون مُطلقاً بأنَّ النَّار هي إله
بل هي بالنِّسبة إليهم مُجرَّد عُنصر كريم فقط
ومنسوب لزرادُشت القول بأنَّ النَّار هي نور أهورا مزدا
…
(التَّعليق على فكرة “عبادة” النار
والتَّشابُه مع فكرة “عبادة” الصَّليب)
…
الزَّواج:
…
تنُصّ الزرادشتية، كشقيقتها الهندوسية
على تقسيم المُجتمع إلى طبقات اجتماعية لا تختلط أبداً
ولا يُسمَح بالتَّزاوج بينها
وكان الزَّواج بين الأقارب وحتى المحارم مسموحاً
ويقولون بأنَّ ذلك جرياً على عادة آدم عليه السَّلام
ولا تشترط الزرادُشتية عدداً مُحدَّداً لِمَا يُمكن للرَّجُل أن يتزوَّج من النِّساء
ولا يقع الطَّلاق إلَّا بثُبُوت الزِّنا، أو مُمارسة السِّحر، أو الارتداد عن الدِّين
…
الرُّمُوز الدِّينية:
…
كوشتي Kushti: حزام للخِصْر
على كل زرادُشتي ارتداء هذا الحِزام المُقدَّس
رجلاً كان أو امرأة، ابتداءً من سِنّ البُلُوغ
…
سيدريه Sedreh: قميص طَقْسِي
يتمّ ارتداؤه مثل كوشتي منذ سِنْ البُلُوغ
ويُشترط فيه أن يكون من القُطن الخالص
أبيض اللون، طاهراً نظيفاً، وذا كُمَّين، وله جيب صغير
…
تاريخ الزرادُشتية
…
الدَّيانة التَّوحيدية شقَّت طريقها وَسَط أُمراء شَرْق إيران
وبعدها نزلت إلى حوض ما بين النَّهرين
حيث تمَّ تعديلها من أجلِ أن تتكيَّف مع الدِّيانات الوثنية
فالزرادُشتية تطوَّرت وتغيَّرت مع مُرُور الوقت
وهكذا تمَّ التَّوفيق بين تعاليم زرادُشت، والدِّين التَّقليدي الآري
ونتج عن ذلك دين أسطوري خُرافي!
…
في الزرادُشتية، تمَّت إذاعة الثَّنوية الخالصة
وهكذا أصبح أُهْرَمَازد و أَهْرِمَن، أي الله والشَّيطان
مبدأين أزليين مُشتركين
أحدهما خَيْرُ خالص (الله)
والآخر شَرّ خالص (الشيطان)
وهكذا تمّ إحياء الزرادُشتية كدين للدَّولة السَّاسانية
وأصبحت الثَّنوية الخالصة هي العقيدة الرَّسمية للدَّولة
وهذا هو الشَّكل المعروف للمجوسية
وأصبح يُنظر إليها باعتبارها العقيدة الأصلية الأرثوذكسية
وحتى بعد الفتح الإسلامي
ظلَّت هذه العقيدة الثَّنوية هي العقيدة الرَّسمية
…
هذه العقيدة هي التي تمَّ نقلها من خلال الكُتُب البهلوية
والتي كُتبت في غالبها في شكلها الحالي في القرن التَّاسع الميلادي
ولكنَّها في الغالب تُمثِّل وِجهات نظر اللَّاهوتيين
في القرن الأخير من حكم الإمبراطورية السَّاسانية
(يعني بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم
وبعد الفتح الإسلامي لبلاد الفرس)
…
وهكذا بالنِّسبة للزرادُشت الأصوليِّين
في الدَّولة السَّاسانية وبداية الفترة الإسلامية
كان هناك مُنذ البدء مبدآن، لا مبدأ واحد
…
في كُتبهم التي تحوي خُلاصة عقيدتهم، نقرأ:
“لابد ألَّا يتطرق إلىَّ الشَّكّ
في وُجُود مبدأين أوَّلِيَّين
أحدهما خالق والآخر مُدمِّر
الخالق هو أُهْرَمَزْد، وكلّه خير ونُور
والمُدمِّر أو المُخرِّب هو أهرمين
الملعون المُمتلئ شرًّا وموتاً وضلالاً وخداعاً”
…
كان هذان المبدآن، وفقاً للتَّصوُّر السَّائد
يُوجَد أحدهما في السُّمُوّ والعُلُوّ في النُّور
ويُوجد الآخر في الدُّنُوّ والظُّلمة
ويَفْصِل بينهما الفراغ
…
في الزُّروانية (من الفِرَق الزرادُشتية)
تمَّ وضع الزَّمن اللَّامُتناهي Zurvan akanarak
فوق أهورا مزدا وأنجرا ماينو
أو أهرمازد Ohramazd وأهرمن Ahriman
(كما سُمِّيا فيما بعد)
وهكذا أصبح “زُروان” هو المبدأ الأوَّل
الذي خرج منه رُوح الخير (أهرمازد) وروح الشَّر (أهرمن)
…
في النِّهاية، في الزرادُشتية، حلّ ميترا مَحَل أهورا مزدا
وهكذا سادت الزرادُشتية في حوض ما بين النَّهرين
ولكنها خضعت لتعديلات كبيرة
…
التَّوحيد قد ارتكس إلى التَّعدُّد
وارتدَّت الأفكار السَّامِية والأفعال النَّبيلة
إلى حالة من التَّوفيق المُريح للعقيدة مع سُبُل العامَّة
…
أديان فارس الأخرى
…
الزُّرْوَانِيَّة Zurvanism:
…
الرُّوحان التَّوأمان عند زرادُشت
اللذان أصبحا: أهرامزد وأهرمن
قد صدرا عن الذي لا يُحَدّ، وهو فوق أيّ ثنوية
الذي هو زروان = الزَّمان والمكان المُطلقان
…
زُروان هو الإله ذو الوُجُوه الأربعة
وُجُوهُه أو مظاهره تُمثِّل:
الولادة والصِّبا والشَّيخوخة ثُمَّ العودة إلى المُطلق
…
الزُّروانية من أنصار المدرسة الجبرية
والتي تؤمن أنَّ العالم هو نفسه زروان
وأنَّ الكائنات البشرية ما هي إلَّا دُمَى في يَدَيّ القَدَر
وتُنكر مفهوم زرادُشت الأساسي حول الإرادة الحُرَّة
…
هُناك مدارس أخرى تُنكِر خلق العالم بفعل إرادة
وتقبل فكرة نُشُوء المادَّة التَّطوُّري، وهكذا تُنكر الإله الخالق
وتُنكر أيضاً الإيمان بالثَّواب والعِقاب والجنَّة والنَّار
…
الزُّروانية تؤمن أنَّ النِّساء هُنَّ المصدر لمُعظم الشَّرّ في العالم!
حيث يغوين الرِّجال ويأخذنهم إلى طريق الخَطَل العقلي!
…
المانوية Manichaeism:
…
وُلد ماني، مؤسِّس المانوية
لأسرة من النُّبلاء في القرن الثالث الميلادي
…
ماني كان يُحدِّد آلهته بحسب مُستمعيه
فعندما كان يُخاطب المسيحيين
فإنَّ المُخلِّص هو يسوع والإله هو الآب
وعندما خاطب الزرادُشتيين فإنَّ الإله هو أهورا مازدا
…
في الغالب يتِمّ اعتبار المانوية
على أنَّها طائفة مسيحية مُهرطقة
لأنَّ ماني صارع على نهج ماركيون
المُهرطق المسيحي الشَّهير، من القرن الثاني
…
تأتي الثَّنوية في الصَّميم من تعاليم ماني
فالإله يُعارضه أمير الظَّلام
والاثنان أصلان أوَّلِيَّان
…
والمانوية لها جانب غنوصي باطني
فإنَّها تؤمن أنَّ الأرواح عبارة عن شرارات نور
تمَّ احتباسها داخل المادَّة المُظلمة
ويتحقَّق التَّحرُّر عن طريق الزُّهد
ومعرفة الطَّبيعة الحقيقية للنَّفس
…
المندائية Mandaeism:
…
المندائيون أو النَّاصُورائيون أو الصَّابئة
هُم طائفة صغيرة ما تزال موجودة في جنوب العراق وفي إيران
ويدَّعون انحدارهم من يوحنا المعمدان
وهي ديانة غُنُوصية بامتياز
…
يعود أوَّل تدوين لنُصُوصهم المكتوبة إلى القرن الثَّامن الميلادي
ولكنَّهم يدَّعون أنَّ مضمون النُّصُوص يعود إلى زَمَنٍ أقدم بكثير
…
المندائيون يصفون الإله بأنَّه ذات سامية لا شكل لها
يدعونها مَلِك النُّور، وربّ العظمة، ومانا العظيم
ولكنَّها تحتوي أيضاً على الثَّنوية
فإنَّ مَلِك النُّور في الأعالي، يُقابله مملكة الظَّلام
…
خلق العالم هو نتيجة فيض من مَلِك النُّور
وكلُّ شيءٍ في عالم المادَّة، له قرينه السَّماوي
يعتقدون أنَّ الرُّوح في غُربة في هذا العالم
وأنَّها ذرَّة نُور قد سُجنت في المادَّة عند خلق العالم
(نفس المفهوم الغنوصي الباطني)
والرُّوح لن تتحرَّر من الجسد عبر قهره وإذلاله عن طريق الزُّهد
وإنَّما تتحرَّر الرُّوح عن طريق المعرفة
والكلمة الآرامية للمعرفة هي: ماندا
ومنها جاء اسم المندائية
…
المندائيون يعتقدون أنَّ التَّعميد يطرد الأرواح
وهو أساس أو بوَّابة الخلاص
فهو غُسل للجسد والرُّوح وبعث لحياة جديدة
…
الزرادشتية والإسلام
…
الزّرادُشتية الحالية المُعاصرة
بعيدة كلّ البُعد، في أساسيَّات عقيدتها عن الإسلام
ولكنَّ دعوة زرادُشت الأصلية بالتَّوحيد
وكذلك دعوته بوجود حساب بعد الموت
يجعل دعوة زرادُشت مُتَّفقة تماماً مع أديان المذهب الألوهي
…
ولكن على كلّ حال، يجب أن نأخذ في الاعتبار
التَّحريف الشَّديد الذي حدث للدِّيانة الزرادُشتية
سواء في صميم الدِّين نفسه، أو في مصادره وكتبه المُقدَّسة
وهذا باعتراف عُلماء الدِّين الزرادُشتيين المُنصفين
…
وأقول اختصاراً أنَّ الزرادُشتية عندي مثلها مثل المسيحية
ديانة في الأصل كانت توحيدية، ومؤسِّسها كان نبياً ورسولاً من عند الله
ولكنَّ هذه الدَّيانة لم تجد وسائل النُّصرة من البداية، وتعرَّضت لاضطهاد شديد
وهكذا تم تحريف الدِّين مع مرور الوقت بشكل كبير جداً
ممَّا جعلها أشبه بالأديان الوثنية التي كانت مُحيطة بها في البلاد الأخرى
…
يجب أيضاً أن نأخذ في الاعتبار الاختلافات الجوهرية
بين الإسلام والزرادُشتية، والتي نجدها موجودة مُنذ البداية
مثل التَّصوُّر الثُّنائي والصراع بين جيش الإله وجيش الشيطان (المسيحية)
وأنَّ الزرادشتيون لا يدفنون موتاهم، بل يتركون جثثهم في أبراج الصمت
وإكرام الزرادشتيون للنار وتبجيلهم لها، وحرصهم على عدم انطفائها في المعابد
بالإضافة إلى وُجُود طقس الهوما الحالي، والذي يحتوي على شُرب الخمر! (المسيحية)
…
والخُلاصة هي أنَّ الشبه يرجع لبقايا وحي صحيح
والخِلافات الجوهرية ترجع للتَّحريفات والانحرافات البشرية
…
خاتِمة
أنا هكتفي بهذا القدر في هذا الفيديو
لو حاز الفيديو على إعجابك فلا تنسى أن تضغط على زر أعجبني
ولا تنسى أن تقوم بمُشاركة الفيديو مع أصدقاءك المُهتمين بنفس الموضوع
ولو كنت قادراً على دعم ورعاية مُحتوى القناة
لو انت شايف إن هذا المُحتوى يستحق الدعم والرعاية
فقم بزيارة صفحتنا على باتريون، ستجد الرابط أسفل الفيديو
إلى أن نلتقي في فيديو آخر قريباً بإذن الله عز وجل
لا تنسوني من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته