بسم الله الرحمن الرحيم
الأديان المُنشَّقة عن الهندوسية
البوذية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
معكم محمد شاهين التاعب من قناة الدعوة الإسلامية على اليوتيوب
هذه مُحاضرة خاصَّة لطُلَّاب معهد آفاق للبناء العقدي
وتُعتبر استكمالاً للمُحاضرة الأولى التي تكلَّمنا فيها عن أديان الهند
في الفيديو السَّابق تكلَّمنا عن الهندوسية، كُبرى أديان الهند
وواحدة من الأديان الكُبرى في العالم
واليوم سنتكلَّم عن البوذية، ثاني أكبر الأديان في الهند
وتُعتبر أيضاً واحدة من الأديان الكُبرى في العالم
…
في هذه المُحاضرة سنتكلَّم عن العناصر التالية:
- تعريف البوذية
- بوذا مؤسس الدِّيانة البوذية
- موقف البوذية من الهندوسية
- المفاهيم البوذية الرئيسية
- أهم المذاهب أو المدارس البوذية
- الكُتُب المُقدَّسة البوذية
…
في البداية لو انت مُهتم بالحوار الإسلامي المسيحي، ومُقارنة الأديان، والنقد الكتابي
أو لو مُهتم بالقضايا الفكرية المُعاصرة، ومواضيع الإيمان والإلحاد
أو لو مُهتم بالإسلام بشكل عام يبقى انت لازم تشترك في هذه القناة
اضغط على زر الاشتراك الأحمر، وعلى علامة الجرس
عشان تجيلك كل الإشعارات بكل حلقاتنا الجديدة
وكالعادة، فهرس مواضيع الفيديو، والوثائق والمراجع، كلها تحت في وصف الفيديو
…
أهمّ المُراجع التي تم استخدامها في تحضير هذه المُحاضرة هي:
كتاب الدكتور هوستن سميث، بعنوان: أديان العالم دراسة روحية تحليلية
وكتاب الدكتور عبد سمك، بعنوان: المنهجية في دراسة الأديان الوضعية
وكتاب الدكتور محمد خليفة حسن، بعنوان: تاريخ الأديان دراسة وصفية مُقارنة
وكذلك صفحة البوذية على موقع الموسوعة البريطانية
…
أردت الاهتمام بالبوذية في مُحاضرة خاصَّة للآتي:
أولاً: لأن البوذية من أديان العالم الكُبرى اليوم
أمَّا الجينية والسِّيخية فهُم أقلية
ثانياً: لأن البوذية انتشرت بشكل واسع جداً خارج شبه القارَّة الهندية
وأصبح لها وُجُود قوي في الصين واليابان وغيرها من بُلدان شرق آسيا
ثمَّ في مُحاضرة قادمة سنتكلَّم عن الجينية والسِّيخية
حتى نكون استكملنا الكلام عن أديان الهند
…
الدِّيانة البوذية
…
تعريف البوذية
البوذية تُعتبر حالياً من أديان العالم الكُبرى
والاسم يرجع لأشهر ألقاب مؤسِّس هذه الدِّيانة وهو “بوذا” أو “بودا”
المعنى الحرفي لكلمة “بوذا” هو المستيقظ
فالجذر السنسكريتي: “بوده”
يدل على مَعْنَيَي = الاستيقاظ والمعرفة
وبالتالي فإنَّ كلمة “بوذا” تعني لُغةً:
المُستنير أو المُستيقظ (الصَّاحي)
…
الديانة البوذية نشأت في الهِنْد كحركة إصلاحية للدِّيانة الهندوسية
ولكنَّها الآن تُعتبر ديانة مُنشقَّة عن الهندوسية، ومُستقِلَّة عنها
ومع ذلك فإنَّها مازالت مُتَّفقة مع الهندوسية على الكثير من الأمور
ولا يُمكن فهم البوذية إلَّا في ضوء الهندوسية
لذا على مَن لَم يُشاهد مُحاضرة الهندوسية
أن يُشاهدها أولاً قبل أن يستمر في مُشاهدة هذا الفيديو
…
البوذية مثل باقي الأديان الهندية
تُمثِّل فرعاً من الفِكر الدِّيني الآري
وهكذا يتِمّ إطلاق مُصطلح: الأديان الآرِيَّة على أديان الهند
ولكنَّ البوذية، بعكس الهندوسية، ليست ديانة عرقية إثنية مُنغلقة على نفسها
فإنَّ البوذية انتشرت خارج حُدُود الهِنْد
حيث يوجد مُعظم أتباعها في اليابان والصين
وفي بورما والتِّبْت وكوريا وسيلان ونيبال
وغيرها من المناطق في الشرق الأقصى
وبخاصَّة في جنوب ووسط وشرق آسيا
…
الملك آسوكا (272 – 232 ق.م)
Ashoka the Great
آراد هذا الملك نشر بوذية الـ الماهايانا في العالم كله
وعجلته البوذية التي تُعبِّر عن القانون
تُرفر اليوم على عَلَم الهند
فقد كافح لكي يُوصل هذه الطَّريقة إلى ثلاث قارات
فإنَّه وجد البوذية فرقة أو طائفة هندية
فلم يمت إلَّا وقد تركها دينا عالميا
…
ومن الغريب أن نجد عدد كبير من البوذيين في كل بلد آسيوية
ما عدا الهند (البلد الذي نشأت فيه في الأصل!)
ومُؤخَّراً فقط بدأت تظهر من جديد أعداد من البوذيين في الهند
وهكذا يقول البعض أن البوذية انتصرت في العالم بشكل واسع
إلَّا أنَّها خسرت الأرض التي وُلِدَت فيها
ولعلَّ الحقيقة هي أنَّ البوذية في الهند ذابت في الهندوسية
بعد أن خَفَّ وَهَج الاختلافات بين البوذية والهندوسية
وأصبح الحَدُّ بينهما رقيقاً
ففي الهند، يُنظر لـ بوذا على أنَّه ابن الهندوسية الثائر
بل وأحياناً يتم رفعه إلى مقام التَّجسُّد الإلهي (أفاتار)
وتمَّ اعتبار مذهب من مذاهب البوذية (الـ تيرافادا)
هندوسية لا ثُنائية (وحدة الوُجُود)
وسوف نتكلَّم عن مذاهب البوذية بتفصيل أكبر فيما بعد
…
في النهاية نستطيع أن نقول إنَّ البوذية
ديانة ذات طابع فلسفي
تهتم بقضايا الوُجُود والمصير الإنساني داخل هذا الوُجُود
ويُمكن اعتبار البوذية كتفسير جديد لقضية الشقاء الإنساني
وتصوُّر جديد لكيفية القضاء على المعاناة الإنسانية
…
بوذا مؤسِّس الدِّيانة البوذية
…
حياة بوذا مُحاطة بالكثير من الأساطير
ولكنَّنا نُحاول بقدر الإمكان
معرفة المعلومات التَّاريخية الصَّحيحة حول بوذا
والبعض يُنكر أنَّ بوذا كان شخصية تاريخية حقيقية أصلاً
ولكن هذا الرأي في الغالب غير صحيح
…
من الأساطير التي أحيطت حياة بوذا أنَّه وُلِدَ بدون أب
أو بتعبير آخر، ولدته أمُّه بدون زرع من أبّ بشري
وهذا في الغالب غير صحيح تاريخياً حتى من خلال المصادر البوذية
وهناك أساطير كثيرة جداً مُتعلِّقة بيوم ولادته
شبيهة جداً بالأساطير المسيحية حول ميلاد المسيح عليه السلام
…
قيل أنَّ الأنوار عمَّت العالم لحظة ولادته
واشتاق العميان لرؤية قُدُوم مجده العظيم
لدرجة أنَّهم استعادوا قوة أبصارهم من شِدَّةِ الشَّوق
وتحادث الصُّم والبكم بنشوةٍ وَوَجْدٍ عن الأُمُور التي ستحدث في المُستقبل
الوحيد الذي لم يفرح بهذه الولادة كان الشيطان!
…
معلومات تاريخية هامَّة عن بوذا
أولاً، وكما أشرنا مُنذ قليل
بوذا ليس اسماً، ولكنَّه لقب بمعنى المُستنير أو المستيقظ
واسمه هو: سيدهارتا غوتاما
سيدهارتا اسمه الشخصي
غوتاما اسم أسرته
من قبيلة: ساكيا
…
وُلِد سيدهارتا حوالي 563 ق.م،
فيما يُعرف اليوم بدولة نيبال
والتي تُعتبر جُزءً من شبه القارَّة الهندية
…
كان أبوه ملكاً لمَّا كانت شبه القارة الهندية مُجزَّأة للعديد من الممالك
فالأصح أن نُعبِّر عن والِدِه بأنَّه كان سَيِّداً إقطاعياً كبيراً
وهكذا كانت نشأة سيدهارتا مُترفة جداً
فقد كان رجلاً أُتيحت له كل النِّعَم
أسرة كريمة، مظهر حسن، ثروة، زوجة نموذجية، ولد جميل
…
أسطورة المشاهد الأربعة
تُعتبر من أهم قصص بوذا التي تحكي كيف تغيَّرت حياته
تقول القِصَّة أنَّه عندما وُلِد سيدهارتا (اسم بوذا الحقيقي)
استدعى أبوه عرَّافين
فأخبروه أنَّ هذا الولد سيكون رجلاً استثنائياً
ولكنَّ شيئاً أساسياً غامضاً سيعترض حياته ويُفسدها
فإذا بقي في العالم
سيُوحِّد الهند، ويُصبح فاتحها الكبير وملكاً عالمِيًّا
وإذا تخلَّى عن العالم
فإنَّه لن يُصبح فاتحاً للعالم، بل مُخلِّصاً للعالم
…
قرَّر الوالد أن يُوجِّه ابنه نحو المصير الأول
قد أكَّد بشكلٍ خاصٍّ
على ضرورة وقاية الأمير سيدهارتا
من أي احتكاك بمشاهد:
المرض، والعجز، والشيخوخة، والموت
حتى أنَّه لمَّا كان الأمير يخرج للصَّيد
كان على فريقٍ من العدَّائين أن يسبقوه
ليتأكَّدوا من خُلُوّ الطَّريق مِن أيٍّ مِن تِلْكَ المشاهد
…
لكن في يومٍ من الأيَّام
غفل أولائك العدَّاؤون عن عَجُوزٍ هَرِم كان في الطريق
أو حسب روايات أخرى:
قامت الآلهة بتدبير إعجازي
يهدف لتحقيق التَّجربة التَّعليمية المطلوبة في تلك اللحظة
بتجسيد عجوز هرم،
أقعدته الشيخوخة،
وأسقطت أسنانه،
وأشابت شعره،
وأحنت ظهره،
مُتَّكِئاً على عُكَّازِهِ وهو يَرْتَجِف
…
في ذلك اليوم عرف سيدهارتا حقيقة الشَّيخوخة
وعلى الرَّغم من أنَّ الملك قام بتوسيع الحراسة التي تُرافق ابنه
إلَّا أنَّ الأمير سيدهارتا صادف في رحلة ثانية
مريضاً مُستلقياً على جانب الطَّريق
أبرحته الآلام في جميع أنحاءِ جَسَدِهِ
وفي رحلةٍ ثالثة: رأى جُثَّةَ مَيِّت
وأخيراً في مُناسبة رابعة،
وقع نظره على راهبٍ حَليقِ الرَّأسِ ذِي رداءٍ أصفر
وفي ذلك اليوم عرف حياة الانسحاب من الدنيا
…
هذه القصة أسطورة،
لكنَّها تحمل في طَيَّاتِها حقيقة هامة عن البوذية
لأن تعاليم بوذا تُبيِّن بشكلٍ جَلِيٍّ لا غُمُوضَ فيه
أنَّ مُعاناة الجسد الحَتْمِيَّة
بسبب المرض والعَجَز والشَّيخوخة والموت
هي التي جعلت بوذا يائساً تماماً
منأن يجد الكمال والسَّعادة في عالم الجسد
…
من أقوال بوذا:
“الحياة عُرضة للهِرَم والموت،
أين هو إقليم الحياة الذي ليس فيه هِرَم ولا موت؟”
…
بداية البوذا
أدرك سيدهارتا عَدَم إمكانية اجتناب الألم الجَسَدِي والمَوت
ولم يَعُد بإمكانه العَودة لِمَلَذَّات الجَسَد
وفي ليلة من ليالي السَّنة التَّاسعة والعشرين من عمره
بدأ رحلة الانقطاع عن الدُّنيا
…
حلق سيدهارتا شعره
وانطلق بملابس مُمزَّقة نحو الغابة باحثاً عن الاستنارة
ظلَّ سيدهارتا في الغابة لمُدِّة ست سنوات
بذل خِلالها كلّ طاقته لتحقيق ذلك الهَدَف
ويجب مُلاحظة أنَّ البوذية تُوضِّح
أن كلّ ما مرّ بيه بوذا نفسه عبارة عن تجربة شخصية
بمعنى أنُّه كان يُحاول بكل طريقة أن يبحث عن الاستنارة والخلاص
وفي كثير من المرَّات فشل،
وهذا الفشل ساعدته في تكوين تصوُّراته الدينية
…
بوذا والهندوسية
سيدهارتا اجتاز في بحثه عن الحقيقة ثلاث مراحل
أوَّل ما عمله أنَّه نَشَد اثنين من المُعلِّمين الهندوس المُعاصرين
وتعلَّم الكثير عن الرَّاجا يُوجا بشكلٍ خاصّ
وتعلَّم كثيراً من الفلسفة الهندوسية
لدرجة أنَّ الهندوس اليوم يدَّعون أن بوذا منهم
قائلين أنَّ انتقاداته للهندوسية في عصره
إنَّما كانت بهدف إصلاحها لا أكثر
وأنَّ انتقاداته هذه أقَلّ بكثير من مُوافقاته لها
…
بوذا والرَّهبنة
كانت خُطوته الثانية
انضمامه لمجموعة من المُتنسِّكين الرائضين لنفوسهم
وظَنَّ سيدهارتا أن طريق الاستنارة
سيكون عن طريق تحطيم قُوَّة الجسد
وهكذا صار سيدهارتا نحيفاً جداً
وكان لا يغتسل
إلى الحَدّ الذي كانت الوساخة
تبلغ من الثَّخانة فوق بدنه حدًّا لا يُطاق
وفي النِّهاية أصبح ضعيفاً، إلى درجة أنَّه أُغْمِي عليه آخر الأمر
ولولا زُملاؤه لفارق الحياة
…
هذه التِّجربة علَّمته عدم جدوى رياضة التقشف القاسية ومحاربة الجسد
لم تجلب له تلك الرياضات التنوير
فشل سيدهارتا في رياضة التقشف ومحاربة الجسد كونت أول مبدأ رئيس من مبادئ فلسفته
مبدأ: الطريق الوسط بين الطرفين المتطرفين: التقشف ومحاربة الجسد من جهة، والانغماس في الشهوات من الجهة الأخرى
مبدأ الحياة المُعتدلة التي يُعطَى فيها الجسد ما يحتاجه بالضبط، ولا يُعطى زيادة على ذلك
آخر مرحلة من مراحل بحثه عن الحقيقة
طريق يجمع بين الفكر الدقيق والتركيز التأملي الصوفي على خطوط الراجا يوجا
…
المعركة الأولى مع الشيطان
في ليلة من الليالي
جلس سيدارتا تحت شجرة تين
عُرفت شعبياً من ذلك الحين باسم شجرة البو
(مختصر من بوذي أي الاستنارة)
وقد سُمِّي المكان فيما بعد بالبُقعة الثَّابتة
…
التُّراث التَّقليدي يروي أنَّه
عندما أحسّ سيدارتا أنَّه على حافَّة الاستنارة
جلس وثبَّت نفسه
قاطعاً على نفسه عهداً
ألَّا ينهض من مجلسه حتى ينال الاستنارة
…
تذكُر الرِّوايات أنَّ أوَّل حادثة في تلك الليلة
كانت مشهد إغواء شبيه بما تعرَّض له المسيح
من قبل الشَّيطان حسب الأناجيل
فعندما شعر الشَّيطان أنَّ نجاح سيدارتا أصبح وشيكاً
حاول أن يقطع عليه تركيزه، ويُبطِل عليه تأمُّله
فهاجمه في البداية في صورة كاما إله الرَّغبة الجنسية
…
ملحوظة بسيطة قبل استكمال القِصَّة
من المُفترض أنَّ البوذية في الأصل ترفض كل آلهة الهندوسية
وأنَّ البوذية عبارة عن صورة مُتشدِّدة جداً من وحدة الوُجُود
فهي ترفض تصوُّر الإله أو الآلهة الشخصية
لكن طبعاً مع مُرُور الوقت ظهرت مدارس ومذاهب بوذية مُختلفة
بعض هذه المدارس تُعلِّم بوجود آلهة كثيرة، وتصنع لها التَّماثيل وهكذا
وهذه المدارس أقرب للهندوسية، منها للبوذية الأصلية
فالبوذية الأصلية ترفض وُجُود الآلهة الشخصية،
وكذلك ترفض الأصنام والتَّماثيل
والآن، نعود مرَّة أخرى لقصَّة سيدارتا مع الشيطان
…
عندما بقي سيدارتا جامداً
دون أيّ إثارة أو تحرُّك شهواني
تحوَّل الشَّيطان المُغوي
ليظهر بمظهر مارا إله الموت
فقام جُنُود الشيطان، وحشده الكبير، بمُهاجمة سيدارتا
…
في النِّهاية، انتصر سيدارتا، وتوارى جيش مارا بانسحاب كامل
وهبطت آلهة السَّماء بفرحٍ غامر
مُستقبلة الفاتح المُنتصر بالعُطُور وأكاليل الزهور
…
تحوُّل سيدارتا إلى بوذا
كان تأمُّل سيدارتا يتعمَّق ويتعمَّق
إلى أن خَرَق ذهنه أخيراً فُقاعة الكون
فحطَّمها، وحوَّل الكون إلى عَدَم
ليندهش ويعجب من أن يجده قد اِسْتُعِيد ثانيةً بشكلٍ مُعجز
في سُطُوع وتألُّق الوُجُود الحقيقي
وبهذا حصل الاستيقاظ الكبير
وتحوَّل وُجُود سيدارتا غوتاما، وصار الـ بوذا
…
طبعاً هُناك أساطير كثيرة مُتعلِّقة بهذا الحدث
فإنَّ البوذية تدَّعي أنَّه كان لهذا الحدث أهمية كونية
فإنَّ كلّ المخلوقات امتلأت ذلك الصباح فرحاً وابتهاجاً
والأرض اهتزَّت واضطربت مُتعجِّبةً سِتّ مرَّات
وغيرها من الأمور الخارقة
…
ظَلَّ بوذا ثابتاً في ذلك المكان لمُدِّة سبعة أيَّام كاملة
وحاول النُّهُوض في اليوم الثامن
لكنَّه غرق ثانيةً في موجةٍ جديدةٍ من الغِبْطةِ والنَّعيم
وبَقِي في نشوةٍ عارِمَةٍ لمُدةِ تسعة واربعين يوماً
انفتحت بعدها بصيرته نحو العالم
…
المعركة الأخيرة مع الشيطان
حاول الشَّيطانُ إغواء بوذا للمرَّة الأخيرة ببعض الألغاز العقلية
ولكنَّ بوذا انتصر في النِّهاية على الشيطان
وتم طرد الشيطان من حياة بوذا إلى الأبد
…
وفاة بوذا
دامت رسالة بوذا لمُدَّة 45 عاماً
وفي سن الثمانين، في حوالي سنة 483 ق.م
توفَّى بوذا على أثر تناوله بعض الفُطُور (المشروم) السَّامة
التي وُضِعَت خطأً في طبقه
…
عبادة بوذا؟!
الهندوس حاولوا كثيراً تأليه بوذا
بادَّعاء أنَّ بوذا عبارة عن أفاتار أو تجسُّد إلهي
ولكنَّ بوذا نفسه رفض هذه المُحاولات
لأنَّ بوذا كان يرفض تصوُّر الإله الشَّخصي
ولقد رفض وبشكل قاطع وجذري كل تلك المحاولات
مؤكداً أنه بشر تماماً من كل الجهات
…
طبعاً فكرة تأليه بوذا يُذكِّرني بتأليه المسيح!
وكما أنَّ فكرة تأليف بوذا مُخالفة لتعاليم بوذا نفسه!
فإنَّ فكرة تأليه المسيح مُخالفة لتعاليم المسيح نفسه!
ما علينا!
…
هُناك رِوايات بوذية تقول إنَّ الناس جاؤوا بوذا وسألوه: مَن أنت!
وطبعاً الشَّبه واضح جداً بالرِّوايات المسيحية الموجودة في الأناجيل
…
سألوه: هل أنت إله؟
فأجاب: لا
فهل أنت ملاك؟
قال: لا
إذن قدِّيس؟
قال: لا
قالوا: إذن ما أنت؟
فأجاب: أنا المستيقظ
…
وهذا هو المعنى الحرفي لكلمة بوذا
الجذر السنسكريتي بوده يدل على معنيي الاستيقاظ والمعرفة
بوذا تعني لُغةً: المُستنير أو المستيقظ (الصاحي)
والمقصود أنَّ الناس يعيشون في غفلة
وكأنَّهم نياماً وهذه الحياة عبارة عن حُلم
أمَّا بوذا، فهو المُستنير، المُستيقظ، الصَّاحي
الذي يُدرك حقيقة هذه الحياة جيِّداً
…
موقف البوذية من الهندوسية
…
يجب أن ننظر إلى البوذية
في ضَوء الخلفية الهندوسية التي نَمَت فيها
كانت البوذية إلى حَدٍّ بعيد (هي والجينية)
رَدّ فِعْل ضِدْ المفاسد والانحرافات الهندوسية
أي أنَّها بروتستانتية هندية
…
الهُجُوم على الآلهة:
ليس هناك إله أو آلهة يمكن أن يتوكل عليها الإنسان، ولا حتى على بوذا نفسه
بوذا رفض فكرة أن البراهمة فقط هم المؤهلون للوصول لمرتبة الاستنارة
بوذا قال: أيا كانت طبقتك، يمكن الوصول إليها في نفس مدة حياتك هذه
نادى بوذا بدين مُجرَّد من الخوارق والأمور فوق الطبيعية
وأدان جميع أشكال العرافة والكهانة والنبوءة والرجم بالغيب
ورفض أن يسمح لأتباعه من الرهبان حتى بمجرد التفكير بامتلاك أي شكل من أشكال القوة فوق البشرية
بوذا قال: بهذا تعلمون أن كل من يحاول أن يصنع معجزة وأمراً خارقاً، ليس من تلاميذي
الديانة البوذية بدون سلطة روحية مرجعية، وبدون طقوس وشعائر، وبدون عقائد ولاهوت، وبدون تقليد تراثي، وبدون الاعتماد على تفضل ونعمة إلهية، وبدون خوارق فوق طبيعية
…
الهُجُوم على الميتافيزيقا
نادى بوذا بدين مُجرَّد مِن التَّأمُّلات والتَّخمينات العقلية المحضة
ورفض بصراحة تامَّة أن يُناقش المسائل فوق الطَّبيعية أو الميتافيزيقية
قال أحد تلامذة بوذا:
“هل العالم أزلي أم غير أزلي؟
وهل هو مُتناه أم غير متناه؟
هل الرُّوح نفس الجسد أم غيره؟
وهل البوذا موجود بعد موته أم غير موجود؟
كل هذا الأمور لم يشرحها لي السيد،
وما لم يشرحه لي السيد،
فإنَّه لا يهمني ولا يسرني ولا يناسبني”
…
من أقوال بوذا:
“إنَّ التَّطلُّع والحِرْص على معرفة مثل هذه القضايا لا يخدم التَّنوير”
…
الهُجُوم على الرُّوح
البوذية أنكرت عقيدة البراهمان كروح للكون
وأنكرت عقيدة الأتمان أي النفس المسجونة في أسر المادة
والتي تُحاول الرجوع إلى جوهرها الأزلي والاتحاد في البراهما
وبدلاً من البراهما، استحدثت البوذية فكرة النرفانا
والخلاص عبارة عن الدخول في حالة من السلام الكامل
في تحرر من دورة الميلاد والموت
…
الهُجُوم على السُّلطة
لقد دعا بوذا إلى دينٍ خالٍ من السُّلطة
بمعنى أنَّه لا يوجد سُلطان لشخصٍ على آخر في البوذية
وهكذا أراد بوذا أن يُحطِّم السَّيطرة الاحتكارية للبراهمة
وأراد أن يجعل العِلْم الدِّيني مُتاحاً ومعلوماً لعامَّة الناس
…
عامَّة الناس كانوا يعتمدون على البراهمة
ليُخبروهم ماذا عليهم أن يفعلوا
ولكنَّ بوذا ألقى على عاتق كل فرد
مُهمَّة القيامة بمسيرته وبحثه الدِّيني بنفسه
…
من أقوال بوذا”
“أولئك الذين يعتمدون على أنفسهم فقط،
ولا يتطلَّعون لمعونة ومساعدة أي حد سوى أنفسهم،
هم الذين سيصلون لأعلى قِمَّة”
…
الديانة البوذية ديانة عملية تجريبية
مبنية على التجربة الشخصية المباشرة
…
من أقوال بوذا:
“لا تهتدوا للحقيقة
بمُجرَّد الاستدلال العقلي
ولا بالاستنتاج والتَّخمين
ولا بالبرهان والدليل”
المقصود أنَّ الاهتداء للحقيقة يحتاج إلى عمل حقيقي ومجهود
وليس مُجرَّد التَّفكير العقلاني المنطقي النَّظري
…
الهُجُوم على الطُّقُوس
نادى بوذا كذلك بدين خالٍ من الطُّقُوس
وسَخِر مراراً من الطُّقُوس والشَّعائر الدَّقيقة المُفصَّلة التَّافهة في العبادات البرهمانية
كذلك سَخِر من الصَّلوات المُتكرِّرة للآلهة العاجزة التي لا عون يُرتجى منها
لهذا السَّبب تمَّ وَصْف البوذية أحياناً بأنَّها مُجرَّد مذهب أخلاقي عقلاني وليست ديناً
…
الهُجُوم على الموروث
لقد نادى بوذا بدين خال من التقليد الموروث
قرر بوذا ترك استخدام اللغة السنسكريتية وإعطائه كل تعاليمه بلغة قومه العامية
…
الهُجُوم على الطَّبقات
لقد هاجم بوذا نظام الطَّبقات
فبالرَّغم من أنَّ بوذا كان من طبقة الكشتريا (المحاربين والحكام)
إلَّا أنَّه وجد نفسه فعلياً من طبقة البراهمة
وبذلك حطَّم فعلياً جدار طبقته
…
لقد تقبَّل الكثيرون دورة الولادة وعودة الولادة
على أنَّها دورة لا نهاية لها
مفهوم البراهمة هو أنَّ الانعتاق والتَّحرُّر
عملية ستأخذ آلاف الحيوات
والإنسان سيصل تدريجياً
من خلال العمل المضني
إلى طبقة البراهمة أولاً
حيث لا يُمكن بُلُوغ التَّحرُّر والانعتاق
إلَّا انطلاقاً من طَبَقة البراهمة فقط
هذا يعني أنَّ الإنسان يُمكنه الخلاص في حياة واحدة
كما فعل بوذا نفسه
ولا يحتاج إلى أن يعيش أكثر من حياة ليصل للخلاص
…
البوذية أعطت للإنسان قدراً من حرية الاختيار
لم يكن موجوداً في الهندوسية
التي اعتبرت الإنسان مربوطاً بقدر التناسخ
والانتقال من حياة إلى حياة أخرى
…
المفاهيم البوذية الرئيسية
…
الحقائق السامية الأربع
أو الحقائق الآرية الأربع
وكلمة آرية هُنا لا تحمل دلالة عِرْقِيَّة
وإنَّما تُستخدم بمعنى نبيل = الحقائق النَّبيلة الأربع
…
هذه الحقائق الأربع خُلاصة ما وصل إليه بوذا
تأمَّل بوذا في الوجود، فخرج بهذه الحقائق الأربع
…
الحقيقة الأولى = الحياة دوكَّاه Dukkah
وهي كلمة سنسكريتية عادةً ما تُترجم بالألم أو المعاناة والمكابدة Suffering
وهذه الحقيقة هو ما لاحظه من خلال حياة الناس
…
الحقيقة الثانية عبارة عن تشخيص
ما هو سبب الحقيقية الأولى؟!
السبب هو الحقيقة الثانية الـ “تنها” Tanha
بمعنى الرَّغبة الفردية والتَّوق الأناني
وعادة ما تُترجم كلمة تانها إلى “الرَّغبة” Desire
ولكنَّ البوذية تقصد نوع خاص من الرغبة
لأنَّ التَّخلِّي عن كل رغبة أيًّا كانت
بشكل عام ومُطلق
معناه الموت
والموت لا يحل مسألة الحياة
وهُناك بعض الرَّغبات التي يُؤيِّدها بوذا
كالرَّغبة بالتَّحرُّر والانعتاق،
أو الرَّغبة بخير وصالح الكائنات الأخرى
…
الرَّغبة المقصودة هي الرغبة بالإشباع الخُصُوصي
(إشباع الإنسان لذَّات نفسه الخاصَّة)
وعندما لا نكون أنانيين،
وعندما نتَّصف بالإيثار، نكون أحراراً
والمُشكلة تكمن في الحفاظ على هذه الحالة
من اللا أنانية أو نُكران الذَّات
…
الحقيقة السامية الثالثة هي أنَّه يوجد أمل
والمرض قابل للعلاج
والشِّفاء يكمن في التَّغلُّب على هذه الرَّغبة الأنانية الجامحة
فإذا استطعنا أن نتحرَّر ونتخلَّص
من الحُدُود الضَّيِّقة لمصالحنا الأنانية الذَّاتية،
لنخرج من قيدها
إلى عالم الحياة الكونية الوسيع الفسيح،
فإنَّنا سنتحرَّر من عذابنا
…
الحقيقة السامية الرابعة
هو بيان كيف يُمكن لهذا العلاج أن يتم.
وكيف يُمكننا أن نتغلَّب على هذا الدَّافع الأناني؟
والبوذية تقول إنَّ الطريق للخلاص
هو الطريق ذو الثماني شُعَب
…
إذن الخُلاصة:
الحقيقة الأولى:
الحياة ألم ومُعاناة ومُكابدة
الحقيقة الثانية:
السبب في ذلك هو الرغبة الفردية والتوق الأناني
الحقيقة الثالثة:
نستطيع أن نتخلَّص من حياة الألم والمُعاناة والمُكادبة
الحقيقة الرابعة:
الخلاص من خلال الطريق ذي الثماني شعب
…
الطريق ذو الثماني شُعب
لقد ميَّز بوذا بين طريقين للحياة
الأول: الطريق العشوائي الطائش (طريق التِّيه والضَّياع)
الثاني: طريق الحياة المقصودة والمُخطَّط لها = الطَّريق
البوذية تقول إنَّ الخلاص والعلاج عن طريق برنامج تدريبي
نظام صارم من التَّغييرات في عادات وسلوك الإنسان
بهدف تخليصه من الجهل
وتحريره من الـ “تنها”
(الرَّغبات الأنانية والشَّهوة النَّفسية المُلِحَّة)
…
يسعى الطَّريق ذو الثماني شعب
إلى إعادة بناء الإنسان بشكل كُلِّيّ
ليصنع منه كائناً مُختلفاً عما كان عليه
…
من أقوال بوذا:
“يُمكن لكل من أراد السَّعادة أن يفوز بها،
بشرط أن يُمارس (أي يُطبِّق التَّعاليم)”
…
هُناك مرحلة تمهيدية ابتدائية لم يذكرها بوذا في قائمته،
رغم أنَّه ذكرها كثيراً في أوقات أخرى
هذه الخُطوة الابتدائية هي الصُّحبة الصَّحيحة السَّليمة
فنحن كائنات اجتماعية
نتأثر بشكل كبير بـ “النَّموذج الذي نُرافقه”
…
وهذا يُذكِّرنا بقول الله عزَّ وجلَّ
في سورة الكهف، الآية 28
﴿وَٱصۡبِرۡ نَفۡسَكَ مَعَ ٱلَّذِينَ يَدۡعُونَ رَبَّهُم بِٱلۡغَدَوٰةِ وَٱلۡعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجۡهَهُۥۖ
وَلَا تَعۡدُ عَيۡنَاكَ عَنۡهُمۡ تُرِيدُ زِينَةَ ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَاۖ
وَلَا تُطِعۡ مَنۡ أَغۡفَلۡنَا قَلۡبَهُۥ عَن ذِكۡرِنَا
وَٱتَّبَعَ هَوَىٰهُ وَكَانَ أَمۡرُهُۥ فُرُطٗا﴾
…
وهُنا يجب الإشارة إلى أنَّ البوذية ديانة باطلة ولا شكّ
والظَّاهر أنَّ كل التَّعاليم البوذية نتيجة تجارب شخصية خاضها بوذا
وبوذا نفسه يُنكر كل الأمور الميتافيزيقية
بما فيها الوحي والنبوة والرسالة
ويُنكر وجود الإله الخالق
فلا أظنُّ أبداً أن بوذا كان نبيًّا
وهذا الحُكم بناءً على التُّراث البوذي الموجود بين أيدينا
وأعتقد أنَّ البوذية خير مِثال للأديان الوضعية
بمعنى أنَّ البوذية من وضع البشر بشكل خالص وواضح
ومع ذلك فلا مانع أن نجد في تعاليم البوذية ما يُوافق الإسلام العظيم
خصوصاً في باب الأخلاق والأدب والتربية وهكذا
لأنَّها مبنية على التَّأمُّل فيما يُصلح النَّفس البشرية
ومن الواضح جدًّا أنَّ بوذا تأمَّل كثيراً في النَّفس البشرية
وتأمَّل كثيراً في كيفية تدريب الإنسان لكي يُحقِّق ما يُريد
وهكذا أستطيع أن أقول إن البوذية تحتوي على معلومات كثيرة مُفيدة
يُمكن إدراجها تحت باب: التَّنمية البشرية
ويجب التَّأكيد على أنَّ أي خير أو حق تُعلِّمه البوذية
له ما يُقابله في التَّعاليم الإسلام العظيم
…
الطَّريق ذو الثماني شُعب:
- المعرفة أو الرؤية الصحيحة
- المَطْمَح الصَّحيح (أي القصد أو النية)
- القول أو الكلام الصَّحيح
- السُّلُوك أو الفِعْل الصَّحيح
- وسائل العيش الصَّحيحة
- الجُهْد الصَّحيح
- الانتباه (الوعي) الصَّحيح
- التَّركيز الصَّحيح
وفيما يلي تعريف بسيط بكُل شُعبة
…
- المعرفة أو الرُّؤية الصَّحيحة
هُنا نجد أنَّ البوذية تضع العقيدة أولاً
وتُعلِّم أنَّ الإنسان إذا لم يعتقد بشيء
سيكون من المُستحيل عليه أن يتَّجه نحوه
بشكل صادق، ومن كل قلبه وروحه
فهُناك بعض القناعات التي لابد منها
لكي يتمكَّن أي إنسان من الشُّرُوع في سُلُوك الطَّريق
فما هي هذه القناعات؟
إنَّها الحقائق النَّبيلة أو السَّامية الأربع
…
إدراك أنَّ حياة الإنسان مُفعمة بالألم والمُعاناة
وأنَّ هذه المُعاناة ناتجة عن إشباع الذَّات الفردية
وأنَّه يُمكن الشِّفاء من هذه الآلام
وأنَّ سبيل الشِّفاء هو سُلُوك الطَّريق ذي الثَّماني شُعب
…
- المطمح الصَّحيح (أي القصد أو النِّيَّة)
الخطوة الثَّانية هي أن نعزم بقلبنا على ما نريده حقاً
ولابُدَّ من استمرار وتواصل النِّيَّة والقَصْد (تجديد النِّيَّة)
ويجب أن يُصبح عزمنا وتصميمنا على التَّسامي
تصميماً أكيداً وقاطعاً
…
- القول أو الكلام الصَّحيح
هذه هي الخُطوة الأولى العملية في البرنامج العلاجي لتعديل سُلُوك الإنسان
فالبوذية تُريد تعديل سُلُوك الفرد
حتى يستطيع التَّغلُّب على النَّزعة الفردية الشخصية الأنانية
وتخليص الإنسان من أي سلوكيات خاطئة أو سيئة
…
البوذية تقول إنَّ كلامنا دليل على أخلاقنا وطبيعتنا
فكما يُقال: كُلُّ إناءٍ بما فِيهِ يَنْضَحُ
ولكن بدلاً من أن نبدأ بقرار
ألَّا نتكلَّم إلَّا الحقّ والحقيقة
البوذية تُعلِّم أن نُلاحظ
كم مرَّة خِلال اليوم ننحرف عن الحقيقة
ثم نتعقَّب ذلك بالبحث والتَّحرِّي عن
السَّبب الذي يدعونا إلى ذلك الانحراف
…
نبدأ بالتَّصميم على مُراقبة كلامنا،
لنُصبح أكثر وعياً وإدراكاً
للدَّوافع وراء فقدان الخير واللُّطف فيما نقوله
(والبوذية تُركِّز كثيراً على فكرة الوعي والإدراك
ومُراقبة الأفعال والأقوال والمشاعر والتَّصرُّفات وهكذا)
…
هكذا نُصبح مُستعدين لمحاولة إحداث بعض التَّغييرات
والتَّغيير يكون باتَّجاه الحقيقة
والحقيقة في نظر بوذا ليست مُجرَّد قيمة أخلاقية، بل قيمة وُجُودية
فالكذب سَيِّء لأنَّه يُقلِّص وُجُود الإنسان
ويجب اجتناب شهادة الزور، واللغو،
والثرثرة عديمة الجدوى، والشَّتم والسَّب والقذف
ليس فقط في الشَّكل الواضح فحسب،
بل أيضاً والأهم، بشكله المُبطَّن
…
هُنا يجب الإشارة إلى أنَّ البوذية
تُعتبر مِثال صارخ لما يُطلق عليه الأديان الأخلاقية الفلسفية
فإنَّ مساحة العقيدة في البوذية، مساحة صغيرة جداً
…
- السُّلُوك أو الفِعْل الصَّحيح
هُنا أيضاً يجب علينا فهم سُلُوك النَّفس
بنحو موضوعي أكثر، قبل مُحاولة إصلاحه
وعلى المُتدرِّب أن يُفكِّر في أفعاله
“مُلاحظاً” أو “مُتأمِّلاً” الدَّوافع التي تحُثّ عليها
…
البوذية تُعلِّم المبادئ الخمسة:
وهي النُّسخة البوذية للنصف الثاني
أو النِّصف الأخلاقي من الوصايا العشر
لا تقتل، لا تسرق، لا تكذب،
ألزم العِفَّة، لا تشرب المُسكرات.
…
- وسائل العَيْش الصَّحيحة
المقصود هُنا هو العَمَل الذي يعمله الإنسان أثناء حياته
ويُطلق على مهنة الإنسان أو عمله كلمة شُغل
وبالنِّسبة للبوذية فإنَّ كلمة الشُّغل كلمة في محلِّها تماماً
لأنَّ هذا العمل “يشغل” أغلب “انتباهنا” حال يقظتنا
…
البوذية تُعلِّم أنَّ التَّقدُّم الرُّوحي مُستحيل
إذا كانت مُعظم أعمال الإنسان تشدّه نحو الاتِّجاه المُعاكس
والذين يمتلكون العَزْم والتَّصميم الكافِيَين على التَّحرُّر
يجب عليهم الدُّخُول في سِلْك الرُّهبان
والاشتراك في نظام الرَّهبنة الصَّارم
بمعنى التَّخلُّص تماماً من أي “شُغل”!
…
أمَّا بالنِّسبة للنَّاس العاديين،
يجب العمل في الوظائف التي تُروِّج للحياة،
بدلاً من تلك التي تُحطمها
بعض المِهَن حرَّمها بوذا مثل:
بائع السُّمُوم المُتجوِّل، تاجر الرَّقيق، البغاء، الجزَّار،
صانع الخمر، صانع الأسلحة، وجابي الضَّرائب
وهناك مهنة حرَّمها بوذا ولا نفهم تحديداً السبب
وهي: مهنة تاجر القوافل
وفي النِّهاية، البوذية تُعلِّم أنَّه
يجب على الإنسان أن يُدرك
أنَّ كسب المعاش مُجرَّد وسيلة للحياة،
وليس هدفاً لها
…
- الجُهْد الصَّحيح
أعطى بوذا أهمية هائلة للإرادة
والبوذية تُعلِّم أنَّ الوصول للهدف يتطلَّب عملاً هائلاً
وكان بوذا يَثِق بالسَّير والتَّقدُّم الوطيد الثابت
أكثر من الزِّيادة السَّريعة
فالخيط، إذا اشتدَّ شدًّا شديداً جداً انقطع!
…
(خير الأعمال أدومها وإن قل)
الحديث الشريف: إن هذا الدين متين، فأوغل فيه برفق
…
- الانتباه (الوعي) الصَّحيح
بوذا أعطى اعتباراً وأهمية كبيرة جداً للعَقْل
مُؤكِّداً على تأثيره الكبير على الحياة
البوذية تُعلِّم أنَّ كلّ ما عليه نحن الآن
هو نتيجة لما قد فكَّرنا به واعتقدناه
أمَّا فيما يخص المُستقبل:
فإنَّ البوذية تُعلِّم أنَّ كل الأشياء يُمكن السيطرة عليها
بواسطة التَّفكير الواعي (أو التَّنبُّه)
(لذلك فإنَّ البوذية تهتم جداً بمُراقبة الحالة الذِّهنية)
…
بوذا تكلَّم كثيراً عن “طاقات العَقْل” وإمكانياته الكامنة
ورأى بوذا أنَّ الجهل هو الإثم الحقيقي،
وليس الوقوع في الخطأ بحد ذاته
أو بتعبير أكثر دِقَّة:
طالما كانت الخطيئة خطأنا،
فإنَّ الذي دفعنا إليها شيء أكثر عُمقاً وأساسية
وهو الجهل
الجهل بطبيعتنا الحقيقية
…
البوذية تُؤكِّد على أهمية الحُرِّية أو التحرر من الوُجُود اللاواعي
وهو الوُجُود الذي يكون فيه الإنسان كالروبوت (الإنسان الآلي)
بمعنى أنَّ البوذية تُريد الإنسان واعياً دائماً،
في أقصى درجات الوعي والإدراك
…
ويجب على السَّالك أن يحتفظ بعقله
مُسيطراً على حواسه ودوافعه
عِوضاً عن أن يُساق بها
أي يكون العقل سائقاً، وليس الحواس والدَّوافع
ويجب التأمُّل بالمشاهد المُخيفة والمُقرفة
حتى يصل المُتأمِّل إلى حالة تُصبح فيها هذه الأشياء عادية،
ولا يشعر بالكره تجاهها
…
ويجب أن يصبح جميع العالم بالنسبة للسالك
محطاً لأفكار مليئة بالمحبة والشَّفقة
وعلى الباحث عن الحقيقة
أن يُحافظ على وعي ثابت بكل عمل يقوم به
فعلى السالك أن يًصبح واعياً بلحظة سيطرة النوم عليه
وواعياً فيما إذا كان التَّنفُّس يمُرّ بمرحلة الشَّهيق أم الزفير في هذه اللحظة
…
طبعاً هذا يحتاج إلى مُمارسة وتمرين
ويجب تخصيص أوقات للاستبطان وتأمُّل النَّفس بنحو غير مشوش
ولابُدَّ من ترتيب فترات انسحاب كامل من مشاغل الحياة لهذا الهدف
…
من الأمور التي أرادها بوذا
أن يصل المُتدرب في النِّهاية إلى قناعة
أنَّه لا توجد ذات أو شخصية مُستقلة
كامنة خَلْف الحوادث العقلية والجسمية
وهكذا فإنَّ الاعتقاد بوُجُود نفس قائمة بذاتها ومنفصلة
يبدأ بالانحلال والتلاشي والذوبان
…
- التَّركيز الصَّحيح:
الـ راجا يوجا
…
مُلخَّص ما سبق:
مقطع من التُّراث البوذي:
هذه هي الحقيقة: ما هو الألم؟
الولادة، والشيخوخة، والمرض، والموت ألم،
والانفصال عمَّا نُحِبّ، والاجتماع بما نكره، واليأس، والفشل، كل هذا ألم.
هذه هي الحقيقة: ما مصدر الألم؟
الشَّهوة، والتَّعطُّش إلى الوُجُود الذي يُسِّلمنا إلى اللَّذَّة،
وتجديد الولادة، والإحساس بالرَّغبة، والأنانية، كل هذه مصدر الآلام.
هذه هي الحقيقة: كيف إفناء الآلام؟
إنَّ الآلام لا تفنى إلَّا بالتَّحرُّر من الذَّات، والانفلات من كلّ رغبة وشهوة.
هذه هي الحقيقة: ما الطَّريقة المُوصلة إلى إفناء الألم؟
إنَّها الممرَّات الثمانية:
الرُّؤية السَّليمة، القرار السَّليم، الكلام السَّليم، العمل السَّليم، السُّلُوك السَّليم، الجُهد السَّليم، التَّفكير السَّليم، والتَّأمُّل السَّليم.”
…
لاحظ معي كلمة مُعيَّنة في المقطع السابق
هذه هي الحقيقة: كيف “إفناء” الآلام؟
هذه هي الحقيقة: ما الطَّريقة المُوصلة إلى “إفناء” الألم؟
هذه الحالة من “إفناء” الألم تُسمَّى في البوذية: نيرفانا
…
الـ نيرفانا
هي الكلمة التي كان يستخدمها بوذا
لبيان الحالة التي يجب على الإنسان أن يصل إليها
الكلمة تعني من حيث الاشتقاق اللُّغوي = الانطفاء والخُمُود
كما “تتوقَّف” شُعلة النَّار عن الاشتعال وتنطفئ
أو عندما “تفقد” النَّار الوقود الذي يُغذيها
فإنها تنطفئ، هذه هي الـ نيرفانا
…
النيرفانا هي المصير والقدر الأسمى للإنسان
ومعناها الحرفي هو الانقراض والانعدام الكامل
بحيث يكون كلّ ما يُحدِّد الحياة غير المحدودة قد مات
وحسب البوذية، النيرفانا غير قابلة للوصف
غير قابلة للتَّصديق، غير قابلة للإدراك، غير قابلة للحديث عنها
فالنيرفانا حالة وراء حُدُود العَقْل والأفكار والمشاعر والإرادة
…
النيرفانا تُوصف بأنَّها الهدف النِّهائي للبوذي
والنيرفانا لها وجهان أو شكلان
فهي حالة تقع للبوذي في الدُّنيا
عندما يصل لحالة الاستنارة
وهي أيضاً حالة تستمر معه بعد الموت
والإنسان يصل إلى النيرفانا
بعد التَّوقُّف عن طلب أي رغبة أو لذة
أو كل ما يتعلَّق بهوى النفس
…
هل النيرفانا هي الله؟
البوذية لا تُصرِّح بوُجُود الإله
أو هو دين لا يتطلَّب ضرورة الإيمان بالله
الله: الكائن الشَّخصي
الذي خلق الكون انطلاقاً من إرادة عامدة وتصميم
بهذا المعنى، النيرفانا ليست الله
…
بوذا لم يُنكر الخلق بشكل صريح،
إلَّا أنَّه استبعد النيرفانا من المسئولية عنه بشكل واضح
فإذا كان غياب الإيمان بإله خالق شخصي إلحاداً،
فإنَّ البوذية دين إلحادي!
لأنَّ البوذية لا تؤمن بوجود الله
ولكنَّها تؤمن بعقيدة وحدة الوجود
وأنَّ الكون والألوهية شيء واحد
…
البوذية تُعطي النيرفانا صِفات الألوهية
فإنَّ البوذية تصف النيرفانا بالآتي:
النيرفانا دائمة أبدية، ثابتة،
لا تفنى، لا تتحرك، لا زمن لها (بلا بداية ولا نهاية)،
بلا موت، غير مولودة، غير مُتحوِّلة، وغير متغيرة،
النيرفانا قُوَّة، ونعمة، وسعادة، والملاذ الآمن،
والملجأ، وموضع الأمان المنيع،
إنَّها الحق الحقيقي، والحقيقة الأعلى والأسمى،
إنَّها الخير المحض، والهدف الأسمى،
والاكتمال الأوحد لحياتنا،
إنَّها السَّلام الأزلي، الباطني، غير القابل للاستيعاب!
…
وبالتالي النيرفانا ليست الله المُعرَّف كالشَّخص الخالق
ولكنها تقف قريباً جداً من مفهوم الألوهية بشكل عام
…
عقيدة الـ آناتَّا (اللا ذات أو اللا نفس)
بوذا أنكر أنَّ الإنسان له ذات أو نفس
الـ “آتا” باللغة البالية
أو آتمان باللغة السنسكريتية
تعني الذَّات أو النَّفس أو الرُّوح
والمقصود به المُكوِّن الرُّوحي للإنسان بخلاف جسده المادي
وأنها تحتفظ بهويتها المستقلة والمنفصلة إلى الأبد
وهذا طبقاً للرؤية الثنوية الهندوسية للإنسان
والتي كانت موجودة في زمن بوذا
لكن بوذا أنكر ذلك الجوهر الرُّوحي
الخفي داخل الجسم
والذي يُحرِّك الجسم ويبث فيه الحياة
ويدوم بعد فناء الجسم
…
البوذية تُعلِّم لا جوهرية النَّفس، وكذلك لا جوهرية الأشياء
فهي تُنكر وُجُود النَّفس
باعتبارها شيئاً ما
يُضاف إلى مجموعة العوامل التي تُشكِّل الشَّخص
وبدلاً من وُجُود جوهر دائم لا يتغيَّر أو روح
هناك تيَّار من العمليات المُتدفِّقة على نحو مُستمر
من الاحساس والوعي والشعور ودوافع النشاط والعمليات البدنية
وتؤدي هذه العناصر أو العمليات إلى نشأة مظهر لنفس دائمة
والفرد هو مُركَّب من هذه القُوى غير الشخصية التي تُواصل الحركة!
…
من أقوال بوذا:
“لا توجد نفس دائمة أو مُستقلة
ولا يوجد في أي مكان أثر للذات أو الأنا
وإنما توجد العناصر اللاشخصية وحدها
في اقتران وتطوُّر مُستمرّين
مؤدية إلى نشوء مظهر نفس باقية”
(هذا التصوُّر مُوافق تماماً للتَّصوُّر المادِّي الإلحادي)
…
خصائص الوُجُود الثلاث
البوذية تُعلِّم أنَّ الوُجُود كلُّه مُتَّصف بثلاث خصائص
الخاصِّيَّة الأولى: المُؤقَّتِيَّة أو الزَّوال (أنيكا Anicca)
الخاصِّيَّة الثانية: المُعاناة (دوكها Dukkha)
الخاصِّيَّة الثالثة: اللا نفس أو اللا ذات (أناتَّا Anatta)
ومن المُستحيل قراءة أغلب الأدب البوذي
دون مُلاحظة التَّأكيد على الخاصية الأولى
(أنيكا Anicca) = المؤقَّتية والانتقالية وزوال كل شيء مُتناه
…
هذه العقيدة التي تقول بالهلاك والفناء النهائي لكل كائن طبيعي
يُذكِّرنا بقول الله عز وجل في القرآن الكريم
في سورة القصص، الآية 88
﴿كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ﴾
وفي سورة الرحمن، الآية 26 و27
﴿كُلُّ مَنۡ عَلَيۡهَا فَانٖ
وَيَبۡقَىٰ وَجۡهُ رَبِّكَ ذُو ٱلۡجَلَٰلِ وَٱلۡإِكۡرَامِ﴾
…
يجب مُلاحظة أنَّ البوذية تُعلِّم بأزلية الكون
بمعنى أنَّ الكون ليس له بداية، ولن تكون له نهاية
ولكنَّ البوذية تُعلِّم أيضاً بعقيدة الدَّور الكوني
بمعنى أنَّ الكون يتجدَّد بشكل مُستمر
والإفناء المقصود هو الوصول إلى الـ نيرفانا
بحيث يزول أي وُجُود محدود
ويكون الوجود الوحيد هو الوُجُود الكوني الإلهي
…
الكارما
ورثت البوذية عقيدة الكارما من الهندوسية
ولكنها أعادت تفسيرها بشكل يتَّفق مع
تعاليم بوذا حول طبيعة الشَّقاء الإنساني وأسبابه وضرورة التَّخلُّص منه
…
الكارما في البوذية عبارة عن قُوَّة سيكولوجية، وليست مادية
حيث أن الكارما مُرتبطة بالأفعال
وتنشأ من توجُّهات ورغبات الإنسان (الحالات الذهنية)
والتي تجعله مُقيَّداً بالميلاد الجديد والممات وإعادة الميلاد
فلو تمَّ إصلاح هذه التَّوجُّهات والرَّغبات
لتم إخماد عملية إعادة الميلاد والممات
وهذا الإخماد هو النيرفانا
كما هو في حالة المصباح عندما ينفذ منه الوقود فتخمد ناره
فإذا خمدت الشَّهوات والرَّغبات = حصل النيرفانا
…
تكرار الميلاد أم تناسخ الأرواح؟
بما أنَّ البوذية لا تؤمن بالرُّوح أو النَّفس الخالدة
فإنَّ عقيدة تناسخ الأرواح ليست تسمية صحيحة للعقيدة البوذية
ويتم استخدام عبارة: إعادة الميلاد
بدلاً من التَّناسخ أو الحُلُول
لأنَّ البوذية لا تؤمن بوجود نفس أو روح
في شكل جوهر مُستقل
تنتقل من جسم إلى جسم آخر
…
البوذية تُصوِّر عقيدة إعادة الميلاد
في صورة شُعلة يتم نقلها من شمعة إلى أخرى
فمن الصَّعب تصوُّر أنَّ شُعلة الشَّمعة الأخيرة
هي نفس شُعلة الشَّمعة الأصلية
وبالتالي فإنَّ الصِّلة بينهما لا تعدو صِلة سببية
يتم فيها نقل التَّأثير
عبر سلسلة من رُدُود الأفعال
بدون وُجُود جوهر ثابت
…
إذن، البوذية تُعلِّم بوجود هناك سلسلة سببية
بين كل حياة جديدة والحياة السَّابقة التي أدَّت إليها
ثم بين الحياة الجديدة والحياة التي ستتلو
وكلّ حياة في حالتها الحاضرة
إنَّما أخذت حالتها
بسبب الطَّريقة التي عيشت بها الحيوات التي أدَّت إليها
وأثناء كلّ هذا التَّسلسل السببي
تبقى الإرادة حُرَّة
والنَّاس يبقون أحراراً في تشكيل أقدارهم
مع التَّأكيد على عدم وجود نوع من الجوهر ينتقل
فقط حالات ذهنية أو تيَّارات من الوعي
…
الرَّهبنة البوذية
حياة الرَّهبنة البوذية تبدأ بهجر المنزل
وبداية التَّجوال كما فعل بوذا
ويعيش الرُّهبان حياة غاية في البساطة
ويقضون مُعظم وقتهم في التَّأمُّل
…
لا يملك الرَّاهب شيئا
سِوَى الرُّوب الذي يلبسه
والوعاء الذي يشحذ فيه طعامه
ومسبحة، وموس حلاقة الرأس
(هل السِّبحة البوذية لها علاقة بالسِّبحة الإسلامية؟)
…
يعيش مُعظم الرُّهبان في حالة عزوبية بدون زواج
وتمَّ السَّماح بإقامة نظام رهبنة للنِّساء الرَّاهبات
ويُعتبر نظام الرَّهبنة البوذي من أقدم نُظُم الرَّهبنة في العالم
…
أهم المدارس أو المذاهب البوذية
هُناك مدارس أو مذاهب بوذية كثيرة
وسنترك الكلام عن بوذية الصين، وبوذية اليابان
عند الكلام عن أديان الصين واليابان
أمَّا الآن، سنتكلَّم عن أهم المدارس البوذية التي نشأت في الهند
…
انقسمت البوذية مُنذ زمن مُبكِّر جداً
لكن من أهم المدارس البوذية، مدرستين
…
المدرسة الأولى اسمها:
هِنايانا Hinayana = أي: العبَّارة الصَّغيرة
عبَّارة بمعنى طريقة الوصول
وأصحاب هذه المدرسة لا يحبون هذا الاسم
ويُفضِّلون بدلاً منها اسم:
تيرافادا Theravada = أي: طريق الأسلاف
…
المدرسة الثانية اسمها:
ماهايانا Mahayana = أي: العبَّارة الكبيرة
كلمة ماها Maha تعني العظيم أو الكبير
ومنه لقب جاندي بـ ماهاتما
أي صاحب الرُّوح الكبيرة = ماها آتما
…
طبعاً كلّ فريق يدَّعي أنَّه يُمثِّل البوذية الأصلية التي علمها بوذا نفسه
والأرجح أن مدرسة الـ تيرافادا أو هِنايانا هي الأقرب للبوذية الأصلية
…
بوذية الـ تيرافادا (العبَّارة الصَّغيرة)
تؤمن أنَّ التَّقدُّم الرُّوحي مُعتمد على جهد الفرد الذَّاتي فحسب
وتعتقد أنَّ البشرية موجودة وحدها في هذا الكون
فلا توجد آلهة تُساعد الإنسان على عُبُور المصاعب والعقبات
لذا لا ملجأ لنا إلَّا الاعتماد على الذَّات فحسب
…
وهكذا تميَّزت بوذية التيرافادا بمظهر الدِّيانة الروحية الشخصية
بدون نظام ديني مُقدَّس
وبدون طبقة رجال دين مُنظمَّة تنظيما وراثيا كهنوتيا
فكل راهب أو ناسك مسئول عن تحقيق الخلاص لنفسه فقط
…
بوذية الـ ماهايانا (العبَّارة الكبيرة)
تقول إنَّ مصير الفرد مُرتبط بكل الحياة
وترى أنَّ النِّعمة حقيقة
وأنَّه يُمكننا أن نصل إلى السَّلام
لأنَّ هُناك قُوَّة لا حُدُود لها
تسحب أو تدفع كل شيء لهدفها وغايتها التي عيَّنتها
…
بوذية المهايانا سعت إلى تحويل البوذية
من ديانة النُّخبة أو القِلَّة
إلى ديانة تبشيرية عالمية
فبدلاً من الخلاص الشَّخصي الفردي
مكَّنت الجميع من الحُصُول على المعرفة
المُؤدِّية إلى الخلاص والنيرفانا
وحوَّلت البوذية إلى ديانة طُقُوس وشعائر مُعقَّدة
وتحوَّلت شخصية البوذا في المهايانا
إلى شخصية بُطُولِيَّة أسطورية
وتحوَّل مِن مُجرَّد شخصية تاريخية إلى إله مُخلِّص
…
الخلاص المقصود هنا هو الموافق للتَّصوُّر الغنوصي
أي الخلاص عن طريق المعرفة الإلهية السرية
التي لا يستطيع الإنسان أن يصل إليها بأي شكل طبيعي
وإنَّما يجب أن يحصل عليها الإنسان من مصدر خاص
وهُنا المصدر الخاص هو بوذا نفسه
والذي يُعتبر إله أو أفاتار حسب تصور المهايانا
وبالتالي فإنَّ تعريف البوذية
على أنَّها الديانة التي فيها يتم عبادة بوذا
يُعتبر تعريف سطحي وغير صحيح
…
مُقارنة بين التيرافادا والمهايانا
التيرافادا = يصل البشر إلى مرحلة الانعتاق والتَّحرُّر
بفضل جهدهم الشَّخصي، ودون أي مُساعدة فوق طبيعية
الماهايانا = تطلُّعات البشر تدعمها قُوَى إلهية والنِّعمة التي تمنحها لهم
…
التيرافادا = مفتاح الفضائل: الحكمة
الماهايانا = مفتاح الفضائل: الشفقة والرحمة
…
التيرافادا = الوصول للخلاص يتطلب التزاما مُستمراً ودائما
وهو بشكل أساسي للرُّهبان والرَّاهبات
الماهايانا = المُمارسة الدِّينية تتعلَّق بالحياة في هذا العالم،
وبالتالي تخُصّ النَّاس العاديين
…
التيرافادا = تقلل من شأن ما وراء الطبيعة
الماهايانا = تُفصِّل في أمور ما وراء الطبيعة
…
التيرافادا = بوذا قديس ومعلم سام ومُلهِم
الماهايانا = بوذا مُخلِّص
…
التيرافادا = تُقلل من شأن الطُّقُوس
الماهايانا = تؤكِّد على الطُّقُوس
…
التيرافادا = تتمركز الممارسة الدِّينية حول التَّأمُّل
الماهايانا = تتضمَّن أيضاً صلوات تضرُّعِيَّة
…
بُلدان جنوب آسيا لا تزال حتى اليوم تتَّبِع بوذية الـ تيرافادا
مثل: سيريلانكا، بورما، تايلاند، كمبوديا
الصِّين وما بعدها تتبع بوذية الـ ماهايانا
مثل: كوريا، اليابان والتبت
مع التأكيد على أنَّ البوذية الصينية والبوذية اليابانية لها مُميِّزاتها الخاصَّة
وسنتكلَّم عن هذه المُميِّزات عند الكلام عن أديان الصين واليابان
…
الكُتُب المُقدَّسة البوذية
…
يجب التَّأكيد أولاً على أنَّ بوذا نفسه لم يكتب شيئاً
وهُناك فجوة زمنية عبارة عن قرن ونصف من الزَّمان تقريباً
بين كلماته المنطوقة والسِّجلات الأولى المكتوبة لتعاليمه وكلماته
ولابُدَّ أنَّ فجوة زمنية بهذا الطُّول
ستضع بعض علامات الاستفهام والشَّك حول السِّجلَّات المكتوبة
عند قراءة هذه النصوص المنسوبة لبوذا:
كم منها يُمثل فكر بوذا الحقيقي؟
وكم منها يُمثل إدخالات وإقحامات الفرق والشيع؟
…
أقدم النُّصُوص البوذية تُدعى = شريعة بالي Pali Canon
فهي أقدم مجموعة منهجية
والأكثر اكتمالاً للأدب البوذي المقدس المبكر
Pali Tipitaka = “السلال الثلاث”
وبالسنسكريتية: Tripitaka).
…
السلة الأولى: Pali Vinaya Pitaka
بالي فينايا بيتاكا (“سلة الانضباط”)
هي الأساس والقاعدة في أديرة بوذية الـ تيرافادا
…
السلة الثانية: Sutta Pitaka
سوتّا بيتاكا (“سلة الخطاب”)
وهي أكبر السلال حجماً
تتكون من خمس مجموعات لخطابات بوذا
…
السلة الثالثة: Abhidhamma Pitaka
أبهيدهامَّا بيتاكا (“سلة العقيدة الخاصَّة”)
مُكوَّنة من سبعة أعمال
وتستند إلى مُحتويات خطابات بوذا
…
مراجع إضافية لدراسة البوذية
…
مراجع باللغة العربية:
…
كتاب: قصة بوذا
تأليف: عبد العزيز محمد الذكي
…
كتاب: البوذية، تاريخها وعقائدها، وعلاقة الصوفية بها
تأليف: عبد الله مصطفى نومسوك
…
كتاب: البوذية
من سلسلة: مُقدِّمة قصيرة جداً
تأليف: داميان كيون
…
كتاب: أُقِّدم لك بوذا
تأليف: جين هوب، وبورن فان لون
…
كتاب: الدَّامابادا، كتاب بوذا المقدس
ترجمة: سعدي يوسف
…
كتاب: البوذية
تأليف: ب. ليفنسون
…
كتاب: إنجيل بوذا
ترجمة: عيسى سابا
…
مراجع باللغة الإنجليزية:
…
من سلسلة مُقدِّمة قصيرة جداً
A Very Short Introduction
- Buddhism
- The Buddha
- Buddhist Ethics
موجود مُترجمة باللغة العربية الكتاب الأول: البوذية
ومش متأكِّد لو الكتابين التانيين موجودين مُترجمين ولَّا لأ
…
Buddhist Philosophy
Essential Readings
Edited by
William Edelglass
Jay L. Garfield
…
The Oxford Handbook of Buddhist Ethics
by Daniel Cozort, James Mark Shields
…
أنا هكتفي بهذا القدر في هذا الفيديو
لو حاز الفيديو على إعجابك فلا تنسى أن تضغط على زر أعجبني
ولا تنسى أن تقوم بمُشاركة الفيديو مع أصدقاءك المُهتمين بنفس الموضوع
ولو كنت قادراً على دعم ورعاية مُحتوى القناة
لو انت شايف إن هذا المُحتوى يستحق الدعم والرعاية
فقم بزيارة صفحتنا على باتريون، ستجد الرابط أسفل الفيديو
إلى أن نلتقي في فيديو آخر قريباً بإذن الله عز وجل
لا تنسوني من صالح دعائكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته