القائمة إغلاق

مدخل لدراسة الأديان الوضعية

بسم الله الرحمن الرحيم

مدخل لدراسة الأديان الوضعية

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

معكم محمد شاهين التاعب من قناة الدعوة الإسلامية على اليوتيوب

هذا الفيديو مُحاضرة خاصَّة لطُلَّاب معهد آفاق للبناء العَقَدي

المُحاضرة بعُنوان: مدخل لدراسة الأديان الوضعية

سنتكلَّم بإذن الله عزَّ وجلَّ عن العناصر التالية:

  • المقصود بالأديان الوضعية
  • المناهج المُختلفة في تصنيف الأديان
  • نشأة الدِّين وفق المنظور الإسلامي ثم الغربي
  • الخصائص المُشتركة بين الأديان الوضعية والسماوية
  • الخصائص التي تنفرد بها الأديان الوضعية
  • أُصُول العقائد الوثنية والأديان الوضعية
  • الأديان الوضعية التي سنقوم بدراستها

في البداية لو انت مُهتم بالحوار الإسلامي المسيحي، ومُقارنة الأديان، والنقد الكتابي

أو لو مُهتم بالقضايا الفكرية المُعاصرة، ومواضيع الإيمان والإلحاد

أو لو مُهتم بالإسلام بشكل عام يبقى انت لازم تشترك في هذه القناة

اضغط على زر الاشتراك الأحمر، واضغط على علامة الجرس

عشان تجيلك كل الإشعارات بكل حلقاتنا الجديدة

ولا تنس الاطلاع على وصف الفيديو

من أجل معرفة فهرس مواضيع الفيديو

والاطِّلاع على المصادر والمراجع

ويجب التَّنبيه على أنَّ كتاب الدكتور عبد الله سمك

بعنوان: المنهجية في دراسة الأديان الوضعية

وكذلك كتاب الدكتور محمد خليفة حسن

بعنوان: تاريخ الأديان دراسة وصفية مُقارنة

وكذلك كتاب الدكتور محمد عبد الله دراز

بعنوان: الدين، بُحُوث مُمهِّدة لدراسة تاريخ الأديان

من المراجع الرَّئيسية التي اعتمدتُ عليها في تحضير هذه المُحاضرة

بسم الله، والحمد لله،

والصلاة والسلام على رسول الله،

وعلى آله وصحبه ومن والاه، ثمَّ أمَّا بعد …

رَبِّ ‌ٱشۡرَحۡ ‌لِي ‌صَدۡرِي، وَيَسِّرۡ لِيٓ أَمۡرِي

وَٱحۡلُلۡ عُقۡدَةٗ مِّن لِّسَانِي، يَفۡقَهُواْ قَوۡلِي

ما المقصود بالأديان الوضعية؟

المقصود بالأديان الوضعية

= الأديان التي من وَضْع أو تأليف البشر

بمعنى أنَّ هذه الأديان لا تدَّعي – في الغالب – أنَّها وحي من الإله

بل إنَّ هذه الدِّيانات – في الغالب – لا تؤمن بعقيدة الإله

ولا تؤمن بعقيدة النُّبُوَّة والأنبياء والرُّسُل والرِّسالات

وإنَّما تؤمن أنَّ هذه الأديان عبارة عن فلسفة وحِكمة بشرية

مُسمَّى الأديان الوضعية

مبني على تصنيف الأديان على أساس مصدر الدِّين نفسه

وهكذا يُمكن تقسيم الأديان إلى قسمين

القسم الأول هو الأديان الوضعية أو البشرية أو الأرضية

والقسم الثاني هو الأديان السَّماوية أو الإلهية

طبعاً هذه ليست الطَّريقة الوحيدة لتصنيف الأديان

فهناك مَن يُصنِّف الأديان إلى حَيَّة ومَيِّتة

أو إلى طبيعية وغير طبيعية

أو إلى حقيقية وباطلة

وهُناك من يُصنِّف الأديان على أساس إحصائي أو جُغرافي أو تاريخي

وهُناك من يُصنِّف الأديان حسب موضوع ديني مُعيَّن

والآن سنقوم بتعريف هذه الطُّرُق المُختلفة لتصنيف الأديان

تصنيف الأديان إلى حَيَّة ومَيِّتَة

المقصود منه تصنيف الأديان

حسب وُجُودها أو عَدَم وُجُودها

على مسرح الحياة الدِّينية للإنسان الحديث المُعاصر

فالأديان الحَيَّة هي التي لَهَا وُجُود حالي، ولها أتباع يؤمنون بها

أمَّا الأديان المَيِّتة فهي التي زالت من الوُجُود،

وانتهت في التاريخ،

ولم يعد لها أتباع في الوقت الحالي.

هذا التَّصنيف في غاية الأهمية

وكما قُلنا في المُحاضرة السَّابقة

على الباحث معرفة الأديان الحَيَّة الموجودة في العالم حالياً

وطبعاً تصنيف الأديان إلى حَيَّة ومَيِّتة

يُعتبر تصنيف إحصائي في الأساس

لأنَّه مبني على إحصاء عدد المؤمنين بهذا الدِّين

فإذا لم يكن لهذا الدِّين أي أتباع أو مؤمنين

تم وضع هذا الدِّين مع الأديان المَيِّتة

أمَّا إذا تم العُثُور على أي أتباع أو مؤمنين لهذا الدِّين

تم وضع هذا الدِّين مع الأديان الحَيَّة

إذن، التَّصنيف الإحصائي للأديان

هو تصنيف للأديان حسب أعداد المؤمنين بها والتَّابعين لها

وهكذا يتمّ ترتيب الأديان

ابتداءً بالدِّين الذي له أكبر عدد من المؤمنين والتابعين

ويتدَّرج إلى أن يصل إلى أقلها عدداً في التَّبعية

بعض العُلماء نبَّهوا على أنَّ أهمية الدِّين لا علاقة لها بعدد الأتباع!

ولكن ما المقصود من عبارة: أهمية الدِّين؟

وكيف نستطيع الحُكم على دين بأنَّه مُهِمّ أو غير مُهِمّ؟!

أعتقد أن العبارة الأفضل هي تأثير الدِّين

وبالتَّأكيد هُناك علاقة بين عدد أتباع الدِّين وتأثير الدِّين!

على كل حال …

يجب على الباحث أن يُعطي أديان العالم الكُبرى الكثير من الاهتمام

وفي الوقت نفسه …

يجب إدراك أن بعض الدِّيانات التي لها عدد صغير نسبيًّا من الأتباع

قد تكون هي الأخرى ديانات مؤثِّرة جداً، خُصُوصاً في مناطق جُغرافية مُعيَّنة

هذا سيجعلنا ننتقل إلى

التصنيف الجغرافي للأديان

فنقوم بتصنيف الأديان كالآتي:

الأديان الهندية (الهندوسية، الجينية، السيخية، البوذية)

الأديان الصينية (الكونفوشيوسية، الطاوية، البوذية الصينية)

الأديان اليابانية (الشنتوية، البوذية اليابانية)

الأديان الفارسية (الزرادشتية، المثرائية)

وهكذا يقوم العُلماء بدراسة التوزيع الجغرافي للأديان والفرق

ودراسة انتشار الأديان في العالم، وحركة انتقالها من إقليم إلى آخر

ورصد العوامل المؤثرة في انتشار الأديان،

ودور البيئة الجغرافية في حركة الأديان … وهكذا

طبعاً هُناك بعض الأديان التي عدَّت حُدُود الجُغرافيا

مثل الإسلام والمسيحية، الموجودين في كلّ مكان في العالم تقريباً

لكن على كُلّ حال، التصنيف الجُغرافي للأديان مُفيد جداً

وكما قُلتُ في المُحاضرة السَّابقة

على الباحث أن يعرف الأديان الموجودة في بلده

من الناحية الجُغرافية، ومن الناحية الإحصائية

ثُمَّ مُحاولة معرفة مدى تأثير هذه الأديان على الساحة الفكرية في بلده

ثمَّ مُحاولة معرفة الأديان التي لها التأثير الأكبر على الساحة الفكرية في العالم

وهكذا يستطيع الباحث معرفة الأديان التي يجب عليه الاهتمام بدراستها

هُناك نُقطة في غاية الأهمية يجب الانتباه لها

وهي أنَّ الأديان لا تموت موتاً كاملاً

وإنَّما تنتقل مفاهيمها من دين إلى دين

وبخاصة داخل المجموعة الدِّينية التي تنتمي إلى أصل واحد

وفي الغالب تبقى الأفكار الدِّينية وتعيش

رغم انتهاء الدِّين الذي تنتمي إليه أصلاً في التَّاريخ

فنهاية الدِّين في التَّاريخ لا تعني موت فكرها الدِّيني تماماً

على سبيل المثال:

الدِّيانة المصرية أو الفرعونية

تُعتبر ضِمن الدِّيانات القديمة البائدة أو المَيِّتة

وكذلك الدِّيانات البابلية، واليونانية، والرُّومانية

ولكن هذه الدِّيانات القديمة البائدة

أثَّرت بشكل كبير جداً على أديان العالم الكُبرى

فالدِّيانة اليهودية والمسيحية تأثَّرتا بهذه الدِّيانات بشِدَّة

وبالتالي يجب أن تحظى هذه الدِّيانات القديمة البائدة على الكثير من الدِّراسة

هُناك نُقطة أخرى يجب مُلاحظتها

وهي أنَّ كلّ الدِّيانات المَيِّتة عبارة عن أديان العالم القديم

وهُناك أيضاً عدد كبير من الأديان القديمة التي ظلَّت باقية إلى اليوم

وهذا سيجعلنا ننتقل للكلام عن التَّصنيف التَّاريخي للأديان

التَّصنيف التاريخي للأديان

عبارة عن ترتيب أديان العالم تاريخياً

حَسَب ظُهُورها في التاريخ

وعادةً، يتِمّ اتِّباع التَّقسيمات الخاصَّة بالعُصُور التَّاريخية

مثل: قديمة ووسيطة وحديثة.

وهكذا يتِمّ تقسيم الأديان إلى:

ديانات بدائية، وقديمة، ووسيطة، وحديثة.

أو إلى ديانات بدائية، وحضارية، وحديثة.

وقد أكَّدنا في المُحاضرة السَّابقة

على أهمية دراسة الأديان وِفق المنهج التَّاريخي النَّقدي

والكثير من العُلماء يعتقدون أنَّ دراسة الجانب التاريخي للأديان في غاية الأهمية

بحيث يقوم الباحث برصد تاريخ الدِّين بشكل عام

من بداية زمن النَّشأة أو الظُّهُور

والكثير من المصادر القديمة

تجمع بين التاريخ السياسي والتاريخ الدِّيني للشعوب

لأنَّ الدِّين في الغالب من أهمّ العوامل المؤثِّرة في الشُّعُوب والمُجتمعات

هُناك نُقطة أخرى يجب مُلاحظتها

فيما يخُصّ الكلام عن الدِّراسة التَّاريخية للأديان

هُناك فرق كبير بين النَّظرية والأدِلَّة التاريخية

فالأديان تتكلَّم كثيراً عن التاريخ، ولها كلام نظري عن التاريخ

ولكنَّ الأدِلَّة التاريخية قد يكون لها موقف آخر

على سبيل المثال:

المسيحية تقول بأنَّ المسيح عليه السلام

صُلِبَ ومات وقام من بين الأموات

والمسيحية تدَّعي أنَّ هذا حدث بشكل تاريخي حقيقي

لكن هُناك فرق كبير

بين الإخبار عن هذا في الكُتُب المُقدَّسة المسيحية

والأدِلَّة التاريخية المُستقلَّة التي لها علاقة بهذا الموضوع

أيضاً على سبيل المثال:

دين الإسلام يُعلِّم نظرية تاريخية مُتعلِّقة بالتَّوحيد والشِّرك

فالإسلام يُعلِّم أن الدِّين في الأصل، مُنذ نشأة الإنسان

كان يُعلِّم التَّوحيد، وليس فيه أي صورة من صور الشرك أو الوثنية

وأنَّ الوثنية طارئة على الدِّين البشري

هذه التَّعاليم الإسلامية عبارة عن نظرية تاريخية

وعلينا أن نبحث من خِلال عِلْم التَّاريخ

عن الأدِلَّة التاريخية المُتعلِّقة بهذا الموضوع

حتى نعرف موقف الأدِلَّة التاريخية من هذه النَّظرية

طبعاً الموضوع فيه تفصيل كبير

ومُتعلِّق كذلك بطُرُق اكتساب المعرفة الصَّحيحة

وكذلك بأدِلَّة وحي القرآن الكريم،

وصدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

يجب التَّأكيد أيضاً على الآتي:

التَّصنيف التَّاريخي للأديان

يهتم بتحديد ظهور هذه الأديان في التاريخ

ولكنه لا يهتم بالنَّظرية الدِّينية،

والتي تعتبر التَّوحيد ديناً قديماً

يعود إلى بداية التَّاريخ الإنساني،

وفي حالة الإسلام مثلاً،

تعتبر النظرية الإسلامية:

الدين الإسلامي، دين البشرية مُنذ البداية

هذه الاعتبارات التَّاريخية النَّظرية

لا يُعتمد عليها عادةً في التَّصنيف التاريخي للأديان الذي يهتم فقط برصد الواقع التاريخي للأديان، ولا يؤرِّخ لنظريات في الدين

من ضِمن التَّصنيفات الموجود للأديان

تصنيف الأديان إلى طبيعية وغير طبيعية

فالأديان الطبيعية هي التي تستمد فكرها الدِّيني من الطَّبيعة،

أمَّا الأديان غير الطَّبيعية

فهي الأديان التي تُركِّز على الفكر الما وراء طبيعي (الميتافيزيقي).

وهذا النوع من التَّصنيف، لا يتم استخدامه كثيراً

هُناك أيضاً من يقوم بتصنيف الأديان إلى حقيقية وباطلة

وهذا التَّصنيف غالباً ما يكون ذاتيًّا أو شخصياً

يخضع لرؤية دينية أو مذهبية مُعيَّنة

وهو عادةً ما يكون تصنيفاً إلى

دين واحد حقيقي، ومجموعة ديانات باطلة

والمُتبنِّي لهذا التَّصنيف يرى أنَّ دينه هو الحقّ

بينما بقية الأديان باطلة وزائفة وغير حقيقية

وهذا التَّصنيف يقوم على أساس الرُّؤية النَّقدية أو التَّقييمية للأديان

والحُكم عليها بالصِّحة والخطأ، وبالحق والضَّلال

المُشكلة في هذا التَّصنيف يكمن في عَدَم اتِّفاق الأديان على تصوُّر واحد للحَق!

طبعاً مساحة هذا الخِلاف يقِل

بين الأديان المُتقاربة أو المُتشابهة

أو التي تَتَّفِق على مبادئ وأُصُول مُعيَّنة

مثل الإسلام والمسيحية واليهودية

على سبيل المثال:

المُسلم يستطيع أن يتَّفق مع المسيحي واليهودي على الآتي:

الدِّين الحقيقي يجب أن يكون من عند الله

لكن الهندوسية على سبيل المثال

لا تؤمن بوجود الله وفق تصوُّر أتباع المذهب الألوهي

وبالتالي يجب الاتِّفاق أولاً على حقيقة وُجُود الله

قبل الاتِّفاق على أنَّ الله بعث الأنبياء والرُّسُل وأنزل ديناً

وبِما أنَّنا تكلمنا عن مفهوم الألوهية

سننتقل للكلام عن التَّصنيف الدِّيني الموضوعي للأديان

التصنيف الديني الموضوعي

عبار عن تصنيف الأديان على أساس

عامل أو مفهوم ديني مُعيَّن

وهذا التَّصنيف يُعتبر محبوب جداً من قِبل المُتخصِّصين في عِلم الأديان

لأنَّه تصنيف لا يحتاج لعلم خارج عن الأديان نفسها

فمن خلال دراسة الأديان بشكل عام

يُمكننا جمع الأديان المُتشابهة في مجموعة دينية واحدة

باسم موضوع ديني مُعيَّن

على سبيل المثال:

من أول المفاهيم الدِّينية

التي تُميِّز بعض الأديان عن بعضها

مفهوم الألوهية

فهو الأساس في بعض الأديان

بينما هو غير موجود في بعض الأديان الأخرى.

وهذا هو التَّصنيف الذي اخترته شخصياً في المُحاضرة السابقة

فلا شكَّ ولا ريب أن سؤال الوُجُود الإلهي

يُعتبر أهم سؤال على الإطلاق

لتأثيره الواضح على إجابات كل الأسئلة الوُجُودية الأخرى

وهكذا قُمنا بجمع الأديان المُتشابهة

في مجموعة دينية واحدة

بناءً على تصوُّر هذه الدِّيانات للإله

وهذه المجموعات الدِّينية هي:

  1. الألوهية Theism
  2. الإلحاد Atheism
  3. الرُّبوبية Deism
  4. الوثنية Polytheism
  5. وِحْدة الوُجُود Pantheism
  6. الشيئية Ietsism
  7. اللاأدرية Agnosticism
  8. اللااكتراثية Apatheism

هكذا نستطيع أن نفهم أن تصنيف الأديان إلى وضعية وأخرى سماوية

عبارة عن تصنيف ديني موضوعي،

وهو موضوع الوحي والنبوة والرسالة والإله

فالأديان السماوية هي الأديان التي تُعلِّم بوجود الإله

وأنَّ الإله أنزل الدِّين عن طريق الوحي والنبوة والرِّسالة

أمَّا الأديان الوضعية

فلا تُعلِّم عن الوحي الإلهي فيما يخُصّ مصدر الدِّين نفسه

وهكذا يتمّ تصنيف الأديان إلى إلهية ووضعية،

أي إلى ديانات إلهية المصدر، وأخرى إنسانية المصدر

وأحياناً تُسمَّى بالدِّيانات السَّماوية

في مُقابل الدِّيانات الأرضية التي وضعها الإنسان.

يجب مُلاحظة أنَّ التَّصنيف الدِّيني الموضوعي

هدفه في الأساس هو جمع الأديان المُتشابهة

في مجموعة دينية واحدة

هذه المجموعات قد لا تكون مُقابلة أو مُتناقضة بالضرورة

على سبيل المثال:

تصنيف الأديان إلى وضعية وسماوية، تصنيف ديني موضوعي

والتصنيف على أساس هذا المفهوم

يجعل المجموعتين مُتقابلتين ومُتناقضتين في المفهوم

أيضاً على سبيل المثال:

بعض العُلماء يقومون بجمع بعض الأديان المُتشابهة

تحت مُسمَّى: أديان التَّصوُّف

أو أديان الأخلاق

أو الأديان الأخلاقية

للدَّلالة على أن الأخلاق هو الأصل والأساس في هذه الأديان

ونجد هذا في أديان الشرق الأقصى

خصوصاً في أديان الهند والصين واليابان

ولكن هذا التَّصنيف لا يعني أن أديان المذهب الألوهي لا تهتم بالأخلاق

ولكن في هذه الأديان، وخصوصاً في الإسلام

نجد أنَّ الأخلاق مُرتبطة بالعقيدة

وهي نتيجة من نتائجه، أو تطبيق عملي له

فالعقيدة هي الأصل

والأخلاق عمل وتطبيق لمُعطيات العقيدة

ولعلَّ هذه نُقطة هامَّة يجب الانتباه لها

وهي أنَّ مُعظم أديان الشرق

تُعرف على أنها نُظُم أخلاقية

هدفها تنظيم علاقات الأفراد داخل المُجتمع

من خلال مجموعة من المبادئ والقيم الأخلاقية

فهذه الأديان تضع الأخلاق أوَّلاً، قبل العقيدة والإيمان

وهذا الفكر – للأسف الشَّديد – تسَّرب للكثير من المُسلمين

وهكذا نجد أنَّ هذه الأديان “الأخلاقية”

تُقدِّم فلسفات للوُجُود والحياة

تمخَّضت عن نُظُم أخلاقية

يتم الوُصُول إليها وتحقيقها من خلال الطَّريق الصوفي

ولذلك فهي ديانات “فلسفية”، “أخلاقية”، “صوفية”

وسوف نتكلَّم عن هذه النُّقطة باستفاضة أكثر فيما بعد

في المقابل اتَّصفت الأديان السَّماوية بأنَّها أديان تشريعية

بمعنى أنَّها تعتمد على الشَّرائع الواردة ضمن الوحي الإلهي

لكي تُنظِّم على أساسها الحياة الإنسانية

ومن طبيعة الشَّريعة التَّكليف،

فالإنسان مُكلَّف باتِّباع الأحكام والتَّشريعية الإلهية

وأداء التَّكاليف والفُرُوض الدِّينية والشَّرعية.

بمعنى أنَّ الأديان الأخلاقية الفلسفية

تُقدِّم في الغالب إرشادات عامَّة وبعض القيم والمبادئ

أمَّا الأديان السماوية التشريعية

فإنَّها تحتوي على أحكام مُعيَّنة،

ووصايا وشرائع مُحدَّدة

وأوامر ونواهي، وحلال وحرام

ويجب على الأتباع الالتزام بكل هذا

من ضِمن التَّصنيفات الدينية الموضوعية

جمع بعض الأديان المُتشابهة تحت مُسمَّى: الخلاص

لأنَّنا نجد أنَّ بعض ديانات الشرق الأقصى، ومعها المسيحية

حدَّدت هدفها في تحقيق الخلاص الإنساني

ومِن هُنا يأتي اسم: أديان الخلاص

طبعاً هذا المُسمَّى لا ينطبق على الإسلام

لأن الإسلام لم يُحدِّد مشكلة مُعينة للإنسان

ليتم الخلاص منها بأُسْلُوب ديني مُعيَّن

وسوف نتكلَّم عن مفهوم الخلاص في الأديان الوضعية

باستفاضة أكثر فيما بعد

بما أنَّ المُحاضرة عن الأديان الوضعية

وقُمنا بتعريف الأديان الوضعية

على أنها الأديان التي يعترف أتباعها أنها من وضع البشر

بمعنى أنها نِتاج فلسفة وحكمة وبشرية

وليس من وحي الإله، أو مُنزلة على الإنسان من السَّماء

يجب علينا الآن أن نطرح سؤالاً في غاية الأهمية:

هل هذه الأديان وضعية بالفعل؟

بمعنى أنَّ هذه الأديان ليس لها أي علاقة بالوحي الإلهي؟

وحتى نستطيع الإجابة بشكل جيِّد

وحتى نفهم بشكل واضح،

المنهج الإسلامي في التَّعامُل مع الدِّيانات الأخرى بما فيها الوضعية

يجب علينا أن نتكلَّم قليلاً عن نشأة الدِّين

في التَّصوُّر الإسلامي أوَّلاً

ثمَّ في التَّصوُّر الغربي ثانياً

نشأة الدِّين في التَّصوُّر الإسلامي:

حسب النُّصُوص الشَّرعية

المذكورة في القرآن الكريم، والسُّنَّة النَّبوية الشَّريفة

نستطيع أن نصل بشكل واضح، لهذا التَّصوُّر:

إنَّ آدم عليه السَّلام هو أوَّل البشر،

خلقه اللهُ بيَدَيه، ونفخ فيه من رُوحِهِ،

وعلَّمه الأسماءَ كُلَّها، وأَسْجَدَ لَهُ مَلائكَتَهُ،

وجَعَلَهُ خَلِيفةً في الأرضِ،

وجَعَلَ ذُرِيَّتَهُ مِن بَعْدِهِ خُلَفَاء،

الأصل في دين آدم عليه السلام وذُريته هو التَّوحيد،

ومع مُرُور الوقت،

انحرف النَّاس عن التَّوحيد إلى الشِّرك والوثنية،

مع ظُهُور الشِّرك والوثنية،

بعث الله عزَّ وجلَّ الأنبياء والرُّسُل لكل أُمَّة في الأرض

لتصحيح مسارهم، ودعوتهم مرَّة أخرى للتَّوحيد

التَّصوُّر الإسلامي السَّابق يؤكِّد الحقائق التالية:

أولاً: أنَّ آدم عليه السَّلام خُلِقَ خلقاً مستقلاً،

وليس مُتطوِّراً من غيره، وكذلك ذريته من بعده.

ثانياً: أنَّ التوحيد هو الأصل، وأنَّ الوثنية طارئة، وليس العكس.

ثالثاً: فطرية الإيمان، وأنَّ الإنسان مُتديِّن بفطرته.

رابعاً: الدِّين مِنْحَة رَبَّانِيَّة، وليس صناعة بشرية،

والنحراف عن التَّوحيد انتكاسة عن الفطرة،

مِن النُّصُوص الشَّرعية الدَّالة على ما سبق:

قوله تعالى، في سورة البقرة:

{وَإِذۡ قَالَ رَبُّكَ لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٞ ‌فِي ‌ٱلۡأَرۡضِ ‌خَلِيفَةٗۖ

قَالُوٓاْ أَتَجۡعَلُ فِيهَا مَن يُفۡسِدُ فِيهَا وَيَسۡفِكُ ٱلدِّمَآءَ

وَنَحۡنُ نُسَبِّحُ بِحَمۡدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَۖ

قَالَ إِنِّيٓ أَعۡلَمُ مَا لَا تَعۡلَمُونَ *

وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلۡأَسۡمَآءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمۡ عَلَى ٱلۡمَلَـٰٓئِكَةِ

فَقَالَ أَنۢبِـُٔونِي بِأَسۡمَآءِ هَـٰٓؤُلَآءِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ}

وقوله تعالى في سورة الروم، الآية 30:

{فَأَقِمۡ وَجۡهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفٗاۚ

‌فِطۡرَتَ ‌ٱللَّهِ ٱلَّتِي فَطَرَ ٱلنَّاسَ عَلَيۡهَاۚ

لَا تَبۡدِيلَ لِخَلۡقِ ٱللَّهِۚ

ذَٰلِكَ ٱلدِّينُ ٱلۡقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ ٱلنَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ}

وقوله تعالى في سورة البقرة، الآية 138:

{صِبۡغَةَ ‌ٱللَّهِ وَمَنۡ أَحۡسَنُ مِنَ ٱللَّهِ صِبۡغَةٗۖ وَنَحۡنُ لَهُۥ عَٰبِدُونَ}

والحديث القُدسي الذي أخرجه الإمام مُسلم في صحيحه:

[وَإِنِّي خَلَقْتُ عِبَادِي حُنَفَاءَ كُلَّهُمْ، وَإِنَّهُمْ أَتَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ فَاجْتَالَتْهُمْ عَنْ دِينِهِمْ، وَحَرَّمَتْ عَلَيْهِمْ مَا أَحْلَلْتُ لَهُمْ، وَأَمَرَتْهُمْ أَنْ يُشْرِكُوا بِي مَا لَمْ أُنْزِلْ بِهِ سُلْطَانًا.]([1])

وقوله تعالى في سورة النحل، الآية 36

{وَلَقَدۡ بَعَثۡنَا ‌فِي ‌كُلِّ ‌أُمَّةٖ ‌رَّسُولًا أَنِ ٱعۡبُدُواْ ٱللَّهَ وَٱجۡتَنِبُواْ ٱلطَّـٰغُوتَۖ}

وقوله تعالى في سورة الرعد، الآية 7:

{ﵟإِنَّمَآ أَنتَ مُنذِرٞۖ ‌وَلِكُلِّ ‌قَوۡمٍ ‌هَادٍ}

هذه النُّصُوص الشَّرعية تُوضِّح أن التَّوحيد سابق على الشِّرك والوثنية

وأنَّ الله عزَّ وجلَّ أرسل الأنبياء والرُّسُل لكل أُمَّة وقعت في الشِّرك والوثنية

وهكذا نستطيع أن نقول إنَّه لا توجد أُمَّة على وجه الأرض إلَّا وعرفت التَّوحيد

وهذه المعرفة لابُدَّ وأن تكون مؤثِّرة بشكلٍ أو بآخر في نشأة الأديان الوضعية

وهكذا لا نستبعد بناءً على هذه النُّصُوص الشَّرعية

أنَّ الأُمَم التي نشأت فيها هذه الأديان الوضعية عرفوا الوحي الصَّحيح،

ولكنَّهم مع تقادم الزَّمن وطُول العهد؛

لم يستطيعوا المُحافظة عليه،

وغلبت الصَّناعة البشرية، والتَّدخُّل العقلي، على الوحي الإلهي!

ومن المستحيل عقلاً ونقلاً،

عدم إرسال رُسل – مثلاً – إلى بلاد الهند أو الصِّين،

وهي أُمم قديمة، ذات تاريخ عريق وحضارة عظيمة!

الشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز

في كتابه: الدين، بُحُوث مُمهِّدة لدراسة تاريخ الأديان

يؤكِّد على أنَّ الإسلام يُقرِّر الآتي:

[إنَّ لله سبحانه لمَّا خلق أبا البشر،

كرَّمه وعلَّمه حقائق الأشياء،

وكان فيما علَّمه:

أنَّه هو خالق السماوات والأرض وما فيهما،

وأنَّه هو خالق النَّاس ورازقهم،

وأنه هو مولاهم الذي تجب طاعته وعبادته،

وأنه سيُعيدهم إِليه ويحاسبهم على ما قدَّموا،

ثمَّ أمره أن يُورِّث علم هذه الحقيقة لذريته؛

ففعل

وكانت هذه العقيدة ميراث الإِنسانية عن الإِنسان الأول.

نعم، إِن النَّاس لم يكونوا كلهم أوفياء بهذه الوصية المقدسة،

بل إِنَّ أكثرهم وقع في الضَّلال والشِّرك،

ولكنَّ هذا التَّعليم الأعلى لم يُمحَ أثرُهُ محوًا تامٍّا من البشرية،

ولذلك ظَلَّت فكرة الألوهية والعبادة بوجه عام

مُستمِرَّة في جميع الشُّعُوب،

على أنَّ العناية السَّماوية بهذا التَّعليم الرُّوحي

لم تقف به عند الإِنسان الأول،

بل ما زالت تتعهَّد به الأمم في فترات تقصر أو تطول،

وجعلت تُذكِّرهم به على لِسان سفراء الوحي من الأنبياء والمرسلين.]

الفرق بين الدِّين، والنَّزعة الدِّينية:

يجب التَّنبيه على فارق دقيق جداً

بين الكلام عن نشأة الدِّين

والكلام عن النَّزعة الدِّينية في الإنسان

فالنَّزعة الدِّينية يُقصد بها سعي الإنسان الدائم للتَّديُّن

أمَّا نشأة الدين فيُقصد بها ظهور الدِّين نفسه

والذي تديَّن به الإنسان

حسب التَّصوُّر الإسلامي

الله عزَّ وجلَّ هو الذي خلق في الإنسان النَّزعة الدِّينية

هذه النَّزعة الدِّينية هي الفطرة التي فطر اللهُ الناس عليها

والكلام عن الفطرة حسب التَّصوُّر الإسلامي ليس مجاله الآن

لكن باختصار نستطيع أن نقول

إنَّ الله عز وجل غرس النَّزعة الدِّينية في الإنسان

والتي تجعله يطرح الأسئلة الوُجُودية الكُبرى على مرّ تاريخيه

والتي تجعله في سعي دائم

للوصول للإجابات الصَّحيحة لهذه الأسئلة الوُجُودية

وأنَّ الله عزَّ وجلَّ وضع في الإنسان

كل الأدوات التي يحتاج إليها

للوصول إلى الدِّين الحق، والإيمان الصَّحيح

وللمزيد من التفصيل حول التصور الإسلامي للفطرة

يُرجى الاطلاع على كتاب الأستاذ علي عبد الله القرني

بعنوان: الفطرة، حقيقتها، ومذاهب الناس فيها

ننتقل للكلام عن

نشأة الدِّين في التَّصوُّر الغربي

تعدَّدت آراء الغربيين حول نشأة الدِّين،

فمنهم من يرى أنَّ الدِّين وحي إلهي،

ومنهم من يرى أنَّه صناعة بشرية.

ولكنَّ عدد كبير من العُلماء الغربيين

يؤكِّدون على أنَّ نزعة التَّديُّن أصيلة في الإنسان

وهذا يُصدِّق اعتقاد المُسلمين فيما يخُص فطرية الدِّين

يؤكِّد عدد كبير من عُلماء الغرب على أنَّ

نزعة التَّديُّن أصيلة في الإنسان

وأنَّ فكرة التَّديُّن فكرة مُشاعة

لم تخلُ منها أمُة من الأمم في القديم والحديث

مِمَّا يُعبِّر عن نزعة أصيلة مُشتركة بين النَّاس

وهكذا لا نجد دليلاً واحداً على أنَّ الدِّين

ظهر مُتأخِّراً عن نشأة الإِنسان

الشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز

في كتابه: الدين: بحوث مُمهِّدة لدراسة تاريخ الأديان

بيذكر عدد من الاقتباسات المنقولة عن بعض المراجع باللغة الفرنسية

هذه الاقتباسات تؤكِّد على أنَّ نزعة التَّديُّن أصيلة في الإنسان

ينقل الآتي عن مُعجم لاريسوس للقرن العشرين:

[إنَّ الغريزة الدِّينية مُشتركة بين كل الأجناس البشرية،

حتى أشدَّها همجية، وأقربها إلى الحياة الحيوانية

(ومذكور أيضاً)

وإن الاهتمام بالمعنى الإلهي، وبما فوق الطَّبيعة،

هو إحدى النَّزعات العالمية الخالدة للإنسانية

(ومذكور أيضاً)

إنَّ هذه الغريزة الدِّينية لا تختفي،

بل لا تضعف ولا تذبل،

إلَّا في فترات الإسراف في الحضارة،

وعند عدد قليل جداً من الأفراد.]([2])

طبعاً الاقتباس الأخير

خصوصاً في عباراتها الأخيرة

مُتَّفقة تماماً مع التَّصوُّر الإسلامي للدِّين

الفيلسوف الفرنسي: جول بارتليمي سانت هيلير

من كتابه بعنوان: محمد والقرآن، يقول الآتي:

[هذا اللُّغز العظيم الذي يستحث عقولنا:

ما العالم؟ ما الإِنسان؟ من أين جاءا؟

مَنْ صنعهما؟ من يدبرهما؟ ما هدفهما؟

كيف بدآ؟ كيف ينتهيان؟

ما الحياة؟ ما الموت؟

ما القانون الذي يجب أن يقود عقولنا في أثناء عبورنا في هذه الدنيا؟

أي مستقبل ينتظرنا بعد هذه الحياة؟

هل يوجد شيء بعد هذه الحياة العابرة؟

وما علاقتنا بهذا الخلود؟

هذه الأسئلة …

لا توجد أمة، ولا شعب، ولا مجتمع،

إِلا وضع لها حُلُولًا

جيدة أو رديئة، مقبولة أو سخيفة، ثابتة أو متحركة.]([3])

الفيلسوف الفرنسي: لويس شاشوان

في كتابه: تطوُّر الأفكار الدِّينية، يقول الآتي:

[مهما يكن تقدمنا العجيب في العصر الحاضر …

علميٍّا، وصناعيٍّا واقتصاديٍّا، واجتماعيٍّا،

ومهما يكن اندفاعنا في هذه الحركة العظيمة للحياة العملية،

وللجهاد والتنافس في سبيل معيشتنا ومعيشة ذوينا،

فإِن عقلنا في أوقات السُّكُون والهُدُوء

عظامًا كنا أو متواضعين، خيارًا كنا أو أشرارًا

يعود إِلى التَّأمُّل في هذه المسائل الأزلية:

لِمَ وكيف كان وجودنا ووجود هذا العالم؟

وإِلى التفكير في العلل الأولى أو الثانية،

وفي حقوقنا وواجباتنا.]([4])

الفيلسوف الفرنسي: هنري لويس بيرجسون

في كتابه: مصدري الأخلاق والدين، يقول الآتي:

[لقد وُجِدَتْ وتُوجد جماعات إِنسانية

من غير علوم وفنون وفلسفات،

ولكنه لم توجد قط جماعة بغير ديانة.]([5])

كل الاقتباسات السابقة

تؤكِّد على أنَّ النَّزعة الدِّينية أصيلة في الإنسان

وأنَّ الدِّين موجود مُنذ نشأة الإنسان

ولم تكن مُتأخرة عنه أبداً

أو غائبة عنه في عصر من العصور

وهكذا نستطيع أن نقول إنَّ الدِّين والإنسان مُتلازمان

فالذي أنشأ الإنسان هو الذي أوجد الدِّين!

لكنَّ الإنسان الغربي مُشوَّش بنظرية التَّطوُّر الداروينية

والتي تقول إنَّ الإنسان وُجِد نتيجة العشوائية والعمى والصُّدفة

وأنَّه نتيجة للطفرات العشوائية والانتخاب الطَّبيعي

وأنَّه ليس إلَّا مُجرَّد قِرْد ذكي

نشأ عن أسلافه من القرود القُدامى

وهكذا تنفي نظرية التَّطوُّر الدَّاروينية وُجُود أي علاقة بين الله والإنسان

وبما أنَّ الدِّين لصيق بالإنسان، والله ليس له علاقة بالإنسان

فإن الله أيضاً ليس له أي علاقة بالدِّين

وهكذا نجد أنَّ كُلّ من يؤمن بصِحَّة نظرية التطوُّر الداروينية

يجب عليه أن يؤمن بأنَّ الدِّين اختراع بشري، وليس من وحي الإله!

وهكذا نجد أنَّ العُلماء الغربيين

الذين آمنوا بصحة نظرية التطور الداروينية

قاموا بوضع مذاهب كثيرة مُختلفة

حول العوامل التي أدَّت إلى نشأة العقيدة الدِّينية،

ما بين عوامل طبيعية وروحية ونفسية وأخلاقية واجتماعية.

وهُناك نُقطة في غاية الأهمية يجب التنبيه عليها

وهي أنَّ عُلماء الغرب اعتبروا أنَّ العوامل التي تؤدِّي لإيقاظ نزعة التَّديُّن في الإنسان

هي نفسها العوامل التي أدَّت لظهور الدِّين في الأصل

وهذه مُغالطة كبيرة جداً

فلابُدَّ أولاً من تبرير وُجُود هذه النَّزعة الدِّينية في الإنسان

ثمَّ إثبات أن الظُّهُور التَّاريخي للدِّين مُتأخِّر عن نشأة الإنسان

لكنَّ الأدلة تُفيد بأنَّ ظُهُور الدِّين مُلازم لوُجُود الإنسان

ولا يوجد تبرير أفضل لوجود النزعة الدينية في الإنسان

إلَّا أنَّ الله عزَّ وجلَّ الذي خلق الإنسان

هو الذي وضع فيه هذه النزعة الدينية

وهذا طبعاً داخل ضِمن الكلام عن أدلة وُجُود الله

والأدلة على أنَّ الإنسان مخلوق بإحكام وتصميم وإتقان

وليس كما تقول نظرية التطور الداروينية

وبالتالي في النهاية نصل إلى نتيجة أنَّ الله هو الذي أوجد الإنسان

وهو الذي وضع فيه النزعة الدينية

وهو الذي أنزل الدِّين على الإنسان

وهو الذي أوجد العوامل التي تؤدِّي لإيقاظ هذه النزعة الدينية

حتى إذا انحرف الإنسان عن التديُّن والإيمان

قامت هذه العوامل بإيقاظ النزعة الدينية بداخله

مما يؤدِّي لسعي الإنسان من جديد للبحث عن الدِّين الحق

ولن يصل الإنسان للدِّين الحق،

إلَّا باستخدام الأدوات التي وضعها الله في الإنسان

وهي الفطرة التي فطر اللهُ الناس عليها

إذن، القول بإنسانية الدِّين عند بعض عُلماء الغرب

كان نتيجة اعتقادهم بصحة نظرية التَّطوُّر الداروينية

وادَّعوا أن العوامل التي تؤدِّي لإيقاظ نزعة التَّديُّن في الإنسان

هي نفسها العوامل التي أدَّت لظُهُور الدِّين في الأصل

وهكذا، تشترك هذه المذاهب

في القول بأن الإنسان هو الذي وصل لهذه العقائد والأديان

بغض النَّظر عن صِحة هذه العقائد

ولابُدَّ لنا من التأكِّيد على أنَّ نظرية التطوُّر الداروينية

تهدم مصداقية العقل البشري

وهذه المسألة تكلمنا عنها في أكثر من فيديو سابق

سأضع روابط هذه الفيديوهات في الوصف بالأسفل

لكن الخُلاصة هي أن نظرية التَّطوُّر الداروينية تهدم كلّ شيء

فهي أوَّلاً تؤكِّد على أنَّ الدِّين من صِناعة العقل البشري

وفي الوقت نفسه تهدم مصداقية العقل البشري

وقدرته في الوُصُول للحقائق الوُجُودية

الفيلسوف الفرنسي الشَّهير: فولتير

في كتابه: مقال عن الأخلاق، يقول الآتي:

[إنَّ الإنسانية

لابُدَّ أن تكون قد عاشت قروناً مُتطاولة في حياة مادية خالصة،

قوامها الحرث والنحت والبناء والحدادة والنجارة،

قبل أن تُفكر في مسائل الدِّيانات والرُّوحانيات.]([6])

ما المقصود بعبارة: لابد أن تكون قد عاشت؟!

المقصود هو أنَّه لا يوجد أي دليل على ذلك

ولكن وفق نظرية التطور الداروينية

لابد أن يكون هذا هو الذي حدث فعلاً!

إذن، نستطيع أن نقول إنَّ عُلماء الغرب مُنقسمين لقسمين

القسم الأول الذي يؤمن بصحة نظرية التطور الداروينية

يقول أيضاً بأن الأديان من صناعة الإنسان

ولكن في المُقابل نجد القسم الثاني

والذي يُعرف بالمذهب التَّعليمي

والتي تُقرِّر أن الإنسان لم يَصِل للدِّين بمجهوده

وإنَّما وصل الدِّين للإنسان

وأنَّه لم يصعد إِليها بل نزلتْ عليه

وأنَّ النَّاس ابتداءً، عرفوا ربَّهم بنُور الوحي

إذن، النَّزعة الدِّينية أصيلة في الإنسان

ولكنَّ عُلماء الغرب مُختلفين حول نشأة الدِّين

وهذه بعض المراجع التي

تؤكِّد على أنَّ التَّوحيد هو الأصل:

الشيخ الدكتور عبد الله الشهري

في كتابه: ثلاث رسائل في الإلحاد والعلم والإيمان

يذكر تصريحاً لجماعة من الباحثين

في دورية “الإنسان البدائي” عام 1929م([7])

بما هو نصه:

[يظهر أن تاريخ الأديان

عبارة عن تحلُّل أو انحراف

من صورة مُبكِّرة خالصة ونقية من التَّوحيد.]([8])

ثُمَّ ينقل مِصداق هذا الكلام

في تصريح للسير مونيير وليامز وجماعة من الباحثين

صرَّحوا بأنَّ التَّوحيد مُتقدِّم على كلّ صُور الشِّرك التي ظهرت لاحقاً.

فالدِّيانة الهندية مثلاً

بدأت، بحسب نُصُوص في الفيداس، بالتوحيد

ثمَّ تحلَّلت إلى صُور مُتعدِّدة للشِّرك.([9])

وهذا الكلام مذكور في كتاب للباحث الإنجليزي: يوسف مكَّابي

بعنوان: نمو الدِّين، دراسة أصوله وتطوُّره([10])

الشيخ الدكتور محمد عبد الله دراز

في كتابه: الدين، بحوث مُمهِّدة لدراسة تاريخ الأديان

ينقل الآتي عن موسوعة التاريخ العام للديانات:

[تدل بعض أوراق البردي

المحفوظة الآن في برلين وفي ليدن

على أن المصريين منذ القدم

كانوا يعرفون الإِله الأحد، الغيبي، الأزلي،

الذي لا تُصوِّره الرسوم، ولا تحصره الحدود،

غير أن تلك العقيدة الروحية كانت مشوبة عند العامة

بفكرة أن هذا الإِله يتمثل أو يتجسد

أو يحل سره في بعض الكائنات الممتازة:

من إِنسان أو حيوان أو جماد.]([11])

والآن يجب علينا أن نسأل سؤالاً في غاية الأهمية:

لماذا يوجد خِلاف بين المؤرِّخين

حول أقدمية التَّوحيد على الشِّرك والوثنية؟

الإجابة ببساطة: الأدِلَّة التَّاريخية ليست حاسمة بما يكفي!

الإجابة بمُنتهى الإنصاف

نقلها الشيخ محمد عبد الله دراز

عن الفيلسوف واللاهوتي الدنماركي: هارالد هوفدينج

في كتاب له بعنوان: فلسفة الدِّين([12])

[إِنَّه يَبْعُد كُل البُعد

أن ينجح تاريخ الأديان

في حل مُشكلة بُزُوغ الدِّين في النوع الإِنساني

فإِنَّ التَّاريخ لا يُصوِّر لنا هذه البداية الأولى في موضعٍ ما،

وكل ما نجده

إِنَّما هو سلسلة من صُور مُختلفة للديانات مُتقدِّمة قليلاً أو كثيراً

حتى إِنَّ أَحَطَّ القبائل الهمجية التي نعرفها

قد مرَّت بأدوار شتى، وتطوَّرت تطوُّرًا بعيدًا.]

يعني باختصار …

ليس لدينا أدِلَّة تاريخية مُتعلِّقة بالإنسان الأول

وكل الأدِلَّة التاريخية الباقية بين أيدينا اليوم

مُتأخِّرة عن نشأة الإنسان الأول

وهي عبارة عن أشكال مُختلفة كثيرة من الأديان

ومن خلال دراسة هذه الأديان نحاول الوصول لنتيجة

هل كان التَّوحيد سابقاً على الشِّرك والوثنية أم العكس؟!

في خِتام هذا الجُزء

أنقل لكم كلام الشيخ الدكتور عبد الله سمك

عن تاريخ الأديان الوضعية

[الأديان الوضعية، بحر لا ساحل له، وتيار لا ينقطع،

تمتد جذورها قبل نوح عليه السلام،

حيث ظهر الشرك، وانحرف الناس عن الحق؛

فأرسل الله رسوله نوحا عليه السلام،

ليُعيد الناس إلى التَّوحيد والدِّين الخالص.]

ويقول أيضاً في موضع آخر:

[إنَّ النَّتيجة التي انتهينا إليها،

ولا نجد مَن ينقضها حقًّا،

هي أنَّ الإنسان بدأ مُوحِّدًا،

وأنَّ الأديان الوضعية في جُملتها

انحراف عن هذا التَّوحيد الخالص،

الذي بقيت آثاره رغم الانحراف الدِّيني،

ولا نبالغ إذا قلنا:

إنَّ هُناك نُصُوصاً باقية،

لا تزال تنطق بهذا التَّوحيد،

رغم تقادم الزَّمن، وعوامل التَّحريف.]

وأقول إنَّ التَّصوُّر الإسلامي لنشأة الدِّين

والذي يُؤكِّد على أسبقية التَّوحيد على الشِّرك والوثنية

هو الذي يُفسِّر وُجُود الأدِّلة التي قادت بعض العُلماء

لترجيح القول بأسبقية التوحيد على الشِّرك والوثنية

وكذلك يُفسِّر وُجُود المُشترك الدِّيني الذي نجده في كلّ أديان العالم

وهذا ما سنُفصِّل فيه الآن

عند خصائص الأديان الوضعية بالأديان السماوية

سنجد خصائص مُشتركة بين الاثنين

وكذلك سنجد خصائص تنفرد بها الأديان الوضعية

وسنبدأ الكلام بالخصائص المُشتركة بين الأديان الوضعية والسماوية

أولاً: الأسفار أو الكُتُب المُقدَّسة

أغلب الأديان الوضعية لها كُتُب مُقدَّسة

ولكن مفهوم الكتاب المُقدَّس عند الأديان الوضعية

مُختلف كثيراً عن التَّصوُّر الإسلامي للقرآن الكريم

أو عن الكُتُب المُقدَّسة عند أتباع المذهب الألوهي بشكل عام

فالكُتُب المُقدَّسة عند أتباع المذهب الألوهي

غالباً ما تكون مكتوبة بوحي من الله عزَّ وجلَّ

وبالتالي تحتوي هذه الكُتُب المُقدَّسة على العقائد والتَّعاليم الإلهية

ولكنَّ الأديان الوضعية لا تؤمن بالإله حسب مفهوم المذهب الألوهي

وبالتالي لا تؤمن أيضاً بالوحي الإلهي، وإنزال الكُتُب المُقدَّسة

وهكذا نجد أن الكتاب المُقدَّس عند الأديان الوضعية

عبارة عن الأسفار أو الكُتُب التي ألَّفها أئمَّة هذا الدِّين من الفلاسفة والحُكماء

وبالتالي يتم تقديس هذه الكتابات

بمعنى أنَّ لها قيمة كبيرة جداً عند المؤمنين بهذا الدِّين

وأنَّ هذه الكتابات عبارة عن دُستور ومقياس ومعيار للمؤمنين

يجب على المؤمنين بها أن يتعلَّموا منها، وأنَّ يقتدوا بما فيها

يجب التَّنبيه مرَّة أخرى على أنَّ الأديان الوضعية

مُختلفة عند الأديان السَّماوية فيما يُخصّ التَّشريع والتَّكليف

وبالتالي نجد أنَّ مُحتوى هذه الكُتُب المُقدَّسة في الغالب

عبارة عن وصايا عامة، وقيم أخلاقية، وبعض المبادئ … وهكذا

فهي تحتوي في الغالب على خُلاصة فلسفة وحكمة مؤلف الكتاب

يجب التَّنبيه على الأديان الوضعية

تقبل قداسة هذه الأسفار بالإيمان بدون دليل أو برهان

وهذا هو الحال عند كل أتباع الأديان الباطلة

لا يُقدِّمون الأدِلَّة والبراهين من أجل إثبات صِحة الدِّين ومصادره

وبالتالي لا يُقدِّمون أدِلَّة أو براهين من أجل إثبات قداسة هذه الأسفار

وفي الغالب نجد أنَّ هذه الأسفار المُقدَّسة الخاصة بالأديان الوضعية

حولها الكثير من الإشكاليات التاريخية،

وكذلك يُمكن نقد مُحتوياتها بسهولة

أتباع الأديان الوضعية يؤمنون بقداسة أسفارهم

لأنَّهم يؤمنون أن كتبة هذه الأسفار لهم سُلطان ديني

على سبيل المثال:

المُسلم يؤمن أنَّ مُحمداً رسول الله

وعندنا البراهين الدالة على صدق نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

والقرآن الكريم هو الكتاب الذي جاء به النبي محمد صلى الله عليه وسلم

وعندنا البراهين الدالة على أن القرآن الكريم هو كلام الله عزَّ وجلَّ

والقرآن الكريم هو الكتاب المُقدَّس الخاص بالمُسلمين

ويؤمن المُسلم بوُجُوب اتِّباع كلّ ما هو مذكور في القرآن الكريم

لأن النص القرآني له سُلطان ديني

بسبب أن القرآن الكريم موحى به من الله عز وجل

ويؤمن المُسلم بضرورة اتِّباع تعاليم النبي محمد صلى الله عليه وسلم

لأن النبي محمد صلى الله عليه وسلم له سُلطان ديني

لأنه نبي ورسول من عند الله عز وجل، يُعلِّمنا بالوحي!

إذن، هُناك شيء اسمه: السُّلطان الدِّيني

ومفهوم السُّلطان الديني يختلف من دين لآخر

خصوصاً في الأديان الوضعية

في الأديان السماوية: السُّلطان الديني مُتعلِّق

بالله عزَّ وجلَّ والوحي والنُّبُوة والرِّسالة

ولكن هذه المفاهيم غير موجودة في الأديان الوضعية

فمن أين يأتي السُّلطان الدِّيني في الأديان الوضعية؟

سنُجيب عن هذا السؤال في مُحاضرات قادمة بإذن الله

لكن المُهم الآن

هو إدراك أن مفهوم السُّلطان الدِّيني في الأديان الوضعية

ليس مفهوماً صلباً كما في الأديان السَّماوية

وبالتالي عندما نسأل المؤمنين بدين وضعي مُعيَّن

سنجد أنَّهم يقولون إنَّ شخصاً مُعيَّناً، له سُلطان ديني

كتب كتاباً، وبالتالي نؤمن أنَّ هذا الكتاب: كتاب مُقدَّس

فإذا حاولنا أن نسأل عن البُرهان الذي يُثبت

أن هذا الشخص بالفعل له سُلطان ديني

أو أنَّه كتب هذا الكتاب فعلاً

في الغالب لن نجد إجابة

وسنجد أنَّهم يقبلون كل هذا بالإيمان فقط،

بدون دليل أو برهان

طبعاً المُسلمون لا يقبلون الكتابات البشرية على أنها كُتُب مُقدَّسة

ويؤمنون أن الكتاب المُقدَّس الحقيقي يجب أن يكون موحى به من الله

ويضعون الشروط التي يجب أن تتحقَّق في الكتاب

حتى نتأكَّد من أنَّ هذا الكتاب موحى به من الله

من هذه الشروط الآتي:

أن يكون الشخص المنسوب له هذا الكتاب صاحب سُلطان ديني.

طبعاً المقصود هو أن يكون الشخص نبياً من عند الله عز وجل

والمُسلمون كذلك يضعون شروط كثيرة يجب أن تتحقق في الشخص

حتى نتأكَّد من أنَّه نبي صادق من عند الله عز وجل

من ضمن الشُّرُوط التي يجب أن تتحقَّق في الكتاب:

ألا يكون الكتاب مُتناقضاً مُضطرباً يهدم بعضه بعضاً.

أن يصل إلينا هذا الكتاب بالطريق القطعي، جيلاً بعد جيل، مُتصلاً، أي بطريق التواتر.

ألا يصطدم هذا الكتاب مع حقائق العلم.

أن يوافق صحيح المنقول صريح المعقول.

عند دراسة الكُتُب المُقدَّسة الخاصَّة بالأديان الوضعية

نجد في الغالب أنَّ مؤلِّف الكتاب مجهول

ولا يُمكن إثبات شخصية المؤلِّف على وجه اليقين

وكذلك نجد أنَّ هذه الكتابات تحتوي على الكثير من التناقضات والأخطاء

وكذلك نجد أنَّ هذه الكتابات ليس لها أي موثوقية

وقد تم تحريفها أثناء انتقال نصها تاريخياً

ويظهر ذلك جلياً من خلال دراسة مخطوطات ونُسخ هذه الكُتُب المُقدَّسة

ثانياً: الأخلاق والقِيَم والفضائل

ذكرنا سابقاً أن الأديان الوضعية في الغالب أديان أخلاقية في المقام الأول

تهتم كثيراً بأخلاق الفرد في الأسرة، من أجل ضَبْط المُجتمع

ومن المعلوم أن الأخلاق جُزء أصيل من الأديان السماوية

ولكنها ليست الأصل، وإنَّما العقيدة والإيمان

وفي المُقابل، نجد أن الأخلاق تُعتبر كلّ شيء في الأديان الوضعية

وفي الوقت نفسه لا نجد الكمال الذي نجده في الإسلام

فالوصايا والمبادئ الأخلاقي في الأديان الوضعية

لا تُوضِّح للإنسان التَّصرُّف الصَّحيح

في كل مُعاملاته المُختلفة وفي كل ظروفه الحياتية

وأحيانا نجد أنَّ بعض الوصايا الأخلاقية في الأديان الوضعية

قد تكون مُخالفة للفطرة البشرية السوية الصحيحة

مثل التَّقشُّف والزُّهد الزائد

الموجود في بعض التعاليم الصوفية لهذه الأديان الوضعية

وهذا أمر طبيعي جداً

فالإنسان يستحيل عليه صناعة دين يُلبِّي فطرته؛

لأنَّه قاصر، ومخلوق ناقص،

تُسيطر عليه الأهواء، وتغلب عليه المصالح،

ولا يُحيط بكل شيء علماً.

الأديان الوضعية نابعة من العقلية البشرية

 

ويُحيط بها كل صفات واضعها من النَّقص والقُصُور،

وفي المُقابل نجد أن الدِّين الإسلام مصدره ربَّاني،

ويتميَّز الإسلام بكل ما ينفرد به الله عزَّ وجلَّ

من كمال وجلال وجمال،

فإنَّ دين الإسلام ينفرد بخصائص مُتعدِّدة؛

ولعلَّ أبرزها: الدَّعوة إلى توحيد الله وحده لا شريك له.

ثالثاً: العبادات والصَّلوات والطُّقُوس والنُّسُك

كل الأديان الوضعية

تحتوي على عبادات وصلوات وطُقُوس ونُسُك

ونجد في أغلب الأديان الوضعية أنَّ هُناك عبادات خاصَّة بالعامَّة

وعبادات أخرى خاصَّة بالكهنة ورجال الدِّين من الرُّهبان

ولا يستطيع العامي أن يقوم بعبادات الكهنة والرُّهبان

وسوف نتكلَّم عن الكهنوت بتفصيل أكبر فيما بعد

والأديان الوضعية تتميَّز بأنَّ عباداتها غالباً ما تكون اجتهادية

من وضع الكهنة والرُّهبان ورجال الدين

بخلاف الأديان السماوية وخصوصاً الإسلام

الذي يعتبر أن العبادة يجب أن تكون

وفق القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة

وهذا حال الأديان الباطلة بشكل عام

لأنها ليست أديان كاملة في أي شيء، ولا حتى في العبادات

لذلك نجد التطوُّر المُستمر في عبادات الأديان الوضعية

ونستطيع أن نقول إن العبادات في الأديان الوضعية تمتاز بالمُرونة الشَّديدة

وهذه المرونة غالباً ما تكون محكومة من قِبل رجال الكهنة والرُّهبان

رابعاً: أماكن للعبادة

فكرة وُجُود أماكن خاصَّة للعبادة أو أماكن مُقدَّسة

فكرة قديمة جداً بقدم الإنسان

ولا شكّ ولا ريب أن الدِّين الإلهي هو الذي حدَّد في البداية

ما هي أماكن المُقدَّسة، أو أماكن العبادة

ومعلوم أنَّ من خصائص دين الإسلام

أن المُسلم يستطيع أن يُصلِّي في أي مكان طاهر

أمَّا بالنَّسبة لأغلب الأديان الوضعية

فإنَّ العبادات لا يُمكن أن تُقدَّم إلَّا في أماكن خاصَّة بالعبادة

وهكذا نجد أن أغلب الأديان الوضعية لها معابد

والعبادات لا تتِمّ إلَّا في المعابد

وكذلك قد لا تتمّ هذه العبادات إلَّا عن طريق كاهن

وبالتالي نستطيع أن نقول إن العبادات في الأديان الوضعية

أصعب قليلاً، أو على الأقل مُختلفة كثيراً

عن العبادة التي نعرفها حسب الدِّين الإسلامي

خامساً: عقائد وأركان إيمان

كلّ الأديان الوضعية تُعلِّم عقيدة إيمانية مُعيَّنة

وتُقدِّم إجابات مُختلفة للأسئلة الوُجُودية الكُبرى

لكن الفارق الرئيسي كما قولنا سابقاً

هو أنَّ العقيدة في أغلب الأديان الوضعية تأتي في المرتبة الثانية

بعد الأخلاق والمُعاملات

وبالتالي يتم اعتبار هذه الأديان على أنها أديان أخلاقية في المقام الأول

فلا تُهم هذه الأديان بالعقيدة، بقدر ما تهتم بالأخلاق والمُعاملات

هُناك نُقطة أخيرة في غاية الأهمية:

عند وُجُود تشابه بين الأديان السَّماوية والأديان الوضعية

يدِّعي الملاحدة أنَّ هذا التَّشابه

بسبب تأثُّر الأديان السماوية بالأديان الوضعية التي سبقتها

ومُجرَّد الأسبقية الزَّمنية ليس دليلاً على حُدُوث هذا التأثير بالفعل

ولكن العبرة بالدليل الذي يُبيَّن أن هذا التأثير وقع فعلاً

ويجب أن نتذكَّر التَّصوُّر الإسلامي الذي يقول بأسبقية التوحيد على الكفر والوثنية

فإذا وجدنا على سبيل المثال أنَّ الأديان الوضعية السابقة تُعلِّم الصوم

وكذلك الإسلام العظيم يُعلِّم الصَّوم

فإنَّ هذا لا يعني بالضرورة أنَّ الإسلام تأثَّر بالأديان الوضعية السابقة

وإنَّما يعني أنَّ الصوم من العبادات التي شرعها الله عز وجلَّ مِن القِدَم

ولابُدَّ أن نتذكَّر أن الفارق الرئيسي بين الإسلام والعظيم وكل الأديان الأخرى

هو أننا نملك الأدلة والبراهين على صحة دين الإسلام

وبالتالي ما وجدناه في الإسلام كان هو الحق من الله عز وجل

وإن وجدنا مثله في الأديان الوضعية السابقة لبعثة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم

ونستطيع أن نُعرِّف الوثنية على أنها

كلّ شيء ديني: سواء عقائد أو عبادات أو أخلاق أو مُعاملات

مُخالف لمَّا تعلَّمناه من الوحي الإسلامي

الآن سنتكلَّم عن

الخصائص التي تنفرد بها الأديان الوضعية

وهي:

  • البُعد عن الإقناع بالأدِلَّة والبراهين العقلية.
  • اشتغالها بالسِّحر.
  • قيامها على الأساطير.
  • اعتمادها على الأسرار والقُوى الخَفِيَّة.
  • سُلطة الكهنة وقداسة رجال الدِّين.

هذه الأصول الوثنية لا صِلَة لها بدين التَّوحيد،

وأي دين توحيدي تسلَّلت فيه تِلْك الأصول الوثنية

دليل على انحرافه عن الوحي الإلهي.

أولاً: البُعد عن الإقناع بالأدلة والبراهين العقلية

وقد أشرت إلى هذه النُّقطة سابقاً،

ولكن أحببت التَّأكيد عليها مرَّة أخرى

فأغلب الأديان الوضعية تقبل كل ما فيها بالإيمان فقط

والمقصود أنَّهم يُصدِّقون بصحة هذه الأشياء

بدون وُجُود أيّ دليل أو بُرهان يُثبت صِحَّة الدِّين

ولعل وجود هذه الأديان الوضعية وسُلوكها هذا المسلك

هو السَّبب في اتِّهام كلّ الأديان بشكل عام

بأنها لا تُقدِّم أي أدِلَّة وبراهين، ولا تُقوم على إقناع العقل

وإنما هي قائمة على الإيمان القلبي البحت

وقد نجد أن بعض الأديان الوضعية أو الأديان الباطلة بشكل عام

تدَّعي أنَّ العقائد التي تقوم بتعليمها أعلى من مُستوى إدراك العقل البشري

وبالتالي فإن هذه العقائد لا يُمكن الوُصُول لها عقلاً

وإنما يجب قبولها بالروح والإيمان فقط

ثانياً: الاشتغال بالسِّحر:

كل الأديان الوضعية تقريباً، والأديان الباطلة عُمُوما

مشهور عنها الاشتغال بالسَّحر

ولعلَّ هذه هي الطَّريقة الرَّئيسية بالنسبة لهم لإثبات صِحَّة دينهم

فإنَّهم يقومون ببعض الأمور المُبهرة عن طريق السِّحر

من أجل إقناع الناس بصحة دينهم

وطبعاً لا ينطلي هذه المُمارسات إلَّا على السُّذَّج من الناس

السِّحر لُغةً: هو الخِدَع أو الخديعة وما يُشابهه

قال قومٌ: هو إخراج الباطل في صورة الحق

الكلمة الإنجليزية Magic

من الأصل اليوناني واللاتيني Magia

وهي صناعة المجوس Magos

الذين يكانوا يعبدون النار أو الكواكب

ويعتقدون أنَّ لها تأثيراً في العالم،

عنها تَصْدُر الخيرات والشُّرُور والسَّعادة والشَّقاء.

السِّحر اصطلاحاً:

عبارة عن حيل صِناعية حاصلة بأعمال وأسباب عن طريق الاكتساب والتَّعلُّم

والمقصود بأعمال، يعني فِعل مُعيَّن يفعله السَّاحر

جمهور العُلماء من المُسلمين على أنَّ السِّحر أمر حقيقي،

ويدل على ذلك ظاهر الكتاب والأحاديث الصَّحيحة.

ولكنهم مختلفون على حقيقة تأثير السحر.

هل يقوم بتغيير المزاج فقط؟

فهو إذن نوع من المرض،

أو أن أثره يصل إلى حَدّ التَّحوُّل،

يعني انقلاب حقيقة الشيء إلى شيء آخر.

وأغلب العُلماء على الرأي الأول.

السحر في بعض صُوره مِن خوارق العادات،

قد تكون شبيهة بمُعجزات الأنبياء

لكن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

ذكر فروقاً كثيرة بين المُعجزة الإلهية والسِّحر،

نستطيع تقسيم هذه الفروق لقسمين اثنين

قسم خاص بحال الشخص

وقسم آخر خاص بطبيعة الفعل

أولاً: فيما يخُص حال الشخص:

(الفرق بين النبي والسَّاحر)

– النبي صادق فيما يُخبِر به، ولا يكذب قط،

ومَن خالفهم مِن السَّحرة والكُهَّان لابُدَّ أن يكذب.

– مِن جِهة ما يأمر به هذا ويفعله،

ومن جهة ما يأمر به هذا ويفعله،

فإنَّ الأنبياء لا يأمرون إلَّا بالعدل وطَلَب الآخرة،

وعبادة الله وحده، وأعمالهم البِرّ والتَّقوى.

ومخالفوهم يأمرون بالشِّرك، والظُّلْم،

ويُعظِّمون الدنيا، وفي أعمالهم الإثم والعُدوان.

ثانياً: فيما يخُص طبيعة الفعل:

(الفرق بين المُعجزة الإلهية والسِّحر)

– السحر والكهانة ونحوهما أمور مُعتادة معروفة لأصحابها،

ليست خارقة لعادتهم،

وآيات الأنبياء لا تكون إلَّا لهم ولمن اتَّبعهم.

– السِّحر والكهانة يناله الإنسان بتعلُّمه، وسعيه، واكتسابه،

وهذا مُجرَّب عند الناس،

بخلاف النبوة، فإنَّه لا ينالها أحدٌ باكتسابه.

ولو قُدِّر للنُّبُوَّة أن تُنال بالكسب،

فإنَّما تُنال بالأعمال الصَّالحة، والصدق، والعدل، والتوحيد،

لا تحصل مع الكذب على مَن دون الله،

فضلاً عن أن تحصل مع الكذب على الله،

فالطَّريق الذي تحصل به لو حصلت بالكسب،

مُستلزم للصدق على الله فيما يُخبر به.

– ما يأتي به السحرة والكُّهان،

لا يخرج عن كونه مقدوراً للجن والإنس،

وهم مأمورون بطاعة الرُّسُل،

وآيات الرُّسُل لا يقدر عليها لا جن ولا إنس،

بل هي خارقة لعادة كل مَن أُرسِل النَّبي إليه.

– أعمال السحرة والكهان يُمكن أن تُعارض بمثلها،

وآيات الأنبياء لا يُمكن لأحد أن يُعارضها بمثلها.

طبعاً من خِلال هذه النِّقاط نستطيع إبطال دعوة الأديان الوضعية والباطلة

والتي تستخدم السِّحر لفعل بعض الأمور التي تبدو في ظاهرها من خوارق العادات

من أجل مُحاولة إقناع النَّاس بصحة دينهم الباطل

ثالثاً: قيامها على الأساطير:

نسمع كثيراً بأنَّ الأديان الوضعية، والأديان الباطلة عُمُوماً

مليئة بالخُرافات والأساطير، فما المقصود بالأسطورة؟

معنى الأساطير لُغة:

سَ طَ رَ: السين والطاء والراء أصلٌ مُطَّرِد

يدلُّ على اصطفاف الشيء،

فأمَّا الأساطير فكأنَّها أشياء كُتبت من الباطل

فصار ذلك اسماً لها مخصوصاً بها

فالأسطورة تعني في اللغة: الشيء الذي لا أصله،

ويُراد به: الكذب والباطل والخُرافة وما لا حقيقة له.

(مُعجم مقاييس اللغة)

معنى الأساطير اصطلاحاً:

الكتاب المُقدَّس المسيحي مليء بما يُسمُّونه هُم “الأساطير”

وبالتالي، بالنِّسبة لأتباع الأديان الوضعية أو الأديان الباطلة عُمُوماً

الأسطورة لا تعني الكذب أو الباطل المحض أو الخرافة أو ما لا حقيقة له

وإنَّما تعني بالنسبة له:

شكل من أشكال الأدب، ونوع من أنواع السَّرد القصصي

تقوم في الأصل على حقيقة مُعيَّنة،

ولكنَّ الحقيقة اختلطت بالخيال البشري أو بعض المُبالغات

عندما يُقال عن قِصَّة مُعيَّنة أنها قِصَّة أسطورية

فهذا يعني أن الكثير من تفاصيل القِصَّة مُبالغ فيها،

وليست حقيقية أو واقعية،

وأنَّ القِصَّة في أصلها مبنية على أحداث واقعية

ولكنَّ الأحداث الواقعية اختلطت بالخيال والمُبالغات والأكاذيب وهكذا

وبالتالي لم يعد بإمكاننا فصل ما هو تاريخي حقيقي

من بين الخُرافات والمُبالغات والأكاذيب وهكذا

الأديان الوضعية تحتوي على أشكال مُختلفة من الأساطير

وهكذا يُقصد بالأسطورة، القِصَّة الدِّينية القديمة

التي يختلط فيها الحق بالباطل

وبالتالي قد تحتوي هذه الأساطير القديمة على بعض المعلومات الحقيقية

وأحياناً قد تختفي الحقيقة تماماً من هذه الأساطير

فلا تحتوي إلَّا على الكذب والباطل والخُرافة

من أشكال وأنواع الأساطير المُختلفة

التي نجدها في الأديان الوضعية

أساطير الخلق والتكوين:

(تحكي عن نشأة الكون، نشأة الآلهة وأنسابها، نشأة الإنسان)

أساطير الطبيعة:

(تحكي عن الكواكب والنجوم، عن الحيوانات، عن الجبال والأنهار، عن النباتات، عن الظواهر الطبيعية)

أساطير الفردوس والجحيم.

أساطير المُخلِّصين والقديسين والأبطال.

من الجدير بالذِّكر أن هُناك علم اسمه:

الميثولوجيا mythology

وهو عِلْم دراسة الأساطير.

أو العِلْم الذي يعنى بدراسة منشأ الأسطورة وتطورها

وطبعاً هذا العلم ظهر بسبب

ضرورة دراسة الأساطير المذكورة في الكتاب المُقدَّس المسيحي

وُهناك بحث رائع جداً للشيخ عرب بعنوان:

علم الميثولوجيا يُثبت تحريف الكتاب المُقدَّس

ولي بحث بُعنوان:

الأساطير الخُرافية في الكُتُب المُقدَّسة المسيحية

وسأضع روابط هذه الأبحاث في وصف الفيديو

هُناك رواية هامَّة في صحيح البُخاري (4485)

تضع لنا منهجاً مُمتازاً في التَّعامل مع أخبار السَّابقين

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ:

كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ،

وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلَامِ،

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

“لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ،

وَقُولُوا: {آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} [البقرة: 136] الآيَةَ

أي رواية أو أسطورة أو قِصَّة أو خَبَر

لها مع الرِّوايات الإسلامية حال من ثلاث

إمَّا المُوافقة، أو المُخالفة، أو عدم المُقابلة

المُوافقة تعني التطابق

والمُخالفة تعني التناقض

وعَدَم المُقابلة تعني أنه لا وُجُود لهذه المعلومة في مصادرنا الشرعية

عند المُوافقة

نقول أنَّ هذا من الحَقّ الباقي في كُتُبهم

وعند المُخالفة

نقول إنَّ هذا من الباطل والتحريف الذي أصاب دينهم

وعند عدم المُقابلة

لا نُصدِّقهم لِألَّا تكون روايتهم كاذبة

ولا نُكذِّبهم لِألَّا تكون روايتهم صادقة

طبعاً الإسلام هو مِقياس الحقّ

لأن لدينا الأدِلَّة والبراهين على صِحَّة دين الإسلامِ

رابعاً: اعتمادها على الأسرار:

لا يوجد في دين إلهي صحيح فيه أسرار،

فإذا دخلت الأسرار أيّ دين؛

فهذا دليل على انحرافه!

أو بالأحرى انحراف أتباعه،

ويزداد الأمر انحرافاً

إذا دخل هذا في نُصُوص الدِّين

وأصبح جزءً من عقيدته أو شعائره وطُقُوسه الدِّينية!

وطبعاً أول ما يَخطر ببالي عند ذكر الأسرار

هو أسرار الكنيسة السبعة في الدِّيانة المسيحية

فما المقصود بالسِّر في الأديان الوضعية أو الأديان الباطلة عموماً؟

السِّرّ لُغةً: هو أمرٌ خَفِيّ، ضِدّ العلانية.

السِّرّ اصطلاحاً:

قد تكون عبارة عن طُقُوس وشعائر أو عقائد

ولكنها مكتومة عن عامَّة الناس،

لا يُكاشفون بحقيقتها إلَّا بعد ارتقائهم لدرجة مُعيَّنة

وهي درجة الكهنوت التي سنتكلَّم عنها بعد قليل

– والأسرار الدِّينية غالباً ما تكون مُتعلِّقة بأُمُور

يدَّعي الكهنة أنَّ العقل لا يستطيع إدراك حقيقتها

– والسِّرّ قد يُقصد به ما يدُلّ عليه الرَّمز من معنى حقيقي.

بمعنى أنَّ النُّصُوص الدِّينية لها معاني سِرِّيَّة يُرمز لها بالكلام الظَّاهر المقروء.

هُناك مُصطلحات ذات صِلة بالأسرار:

مثل: الغُنُوصية أو العِرْفان أو الباطنية والكَشْف ونحو ذلك.

وكُلُّها مُصطلحات مُتعلِّقة بنفس المعنى والمفهوم

الغُنُوصِيَّة من كلمة “جنوسيس” اليونانية، وتعني المعرفة.

وُهناك طائفة مسيحية معروفة، اسمها الطائفة الغنوصية

ويُمكننا أن نُصنِّف بعض الأديان على أنها أديان غنوصية

والغنوصية فكرة قائمة على وُجُود معارف سِرِّية

إذا عرفها الإنسان تحقَّق له الخلاص والنَّجاة

وهي معرفة أرقى من العِلْم الذي يحصل لعامَّة المؤمنين،

أو لأهل الظَّاهر من رجال الدِّين.

وأهل الظاهر يُقصد بهم الذين يلتزمون بالمعنى الظاهر من النصوص الدِّينية

أمَّا الغنوصية، فتدَّعي وُجُود معاني باطنة خفية سرية خلف النصوص الدينية

ولا يستطيع الإنسان أن يصل لهذه المعاني الخفية الباطنة

إلَّا بطريقة سِرِّيَّة مُعيَّنة، غالباً ما تكون مُتعلِّقة بشيء روحي

نجد أيضاً في الأديان الوضعية

أنَّ مُمارسة “الأسرار”

والأسرار هُنا يُقصد بها طُقُوس مُعيَّنة

لا يُمارسها إلَّا الكهنة،

وغالباً ما تكون هذه المُمارسات مُتعلِّقة بشيء روحي خفي

مُمارسة الأسرار في الأديان الوضعية

مُتعلِّقة بفكرة الخلاص والنَّجاة والانطلاق والسَّعادة،

وكذلك الدَّعوة إلى الرَّهبانية والزُّهد والتَّقشُّف،

وقد تَصِل إلى حَدّ التَّخلُّص من الجَسَد والدَّعوة إلى الانتحار في بعض الأديان

وبالأسرار يتميَّز الصَّفوة من الكهنة ورجال الدِّين عن غيرهم من أتباعهم!

خامساً: سُلطة الكهنة وقداسة رجال الدِّين:

من أُصُول الأديان الوضعية

وُجُود الكهنة أو طبقة رجال الدِّين،

أمَّا الإسلام، دين الله الحق،

فليس فيه طبقة تختصّ بمعرفة الأسرار الدِّينية،

أو تختص وحدها بممارسة طُقُوس وشعائر دينية مُعيَّنة،

فلا كهنوت في الإسلام

أما التَّخصُّص والاشتغال بمعرفة العُلُوم الدِّينية،

والوُقُوف على الأحكام الشَّرعية؛

فليس حِكْراً على طبقة،

ولا تختَصّ به طائفة،

بل الأمر مُتاح للجميع،

ولا بأس أن يتخصَّص من الجميع

طائفة تتفقَّه في دين الله

دون امتياز لها بقداسة!

أو اختصاص بمعرفة الغيب!

وهذه الطَّائفة تُعرف بالشُّيُوخ أو العُلماء أو الأحبار ونحو ذلك،

وشتَّان بين هؤلاء وبين الكهنة ورجال الدِّين في الأديان الوضعية.

ولا قداسة للعُلماء المُتخصِّصين في الأُمُور الدِّينية في الإسلام،

بل لهم الاحترام الكامل،

والإجلال الذي يليق بهم،

وكل تجاوز في هذا المجال

يبلغ حد الإطراء المُوصِل إلى القداسة

أو معرفة الغيب

أو أي وصف من أوصاف الألوهية؛

إنَّما هو مظهر وثني ارتبط بالأديان الوضعية!

الكهانة لُغةً: تدور حول معنى واحد

يتعلَّق بمعرفة الغيب، والقُدرة على مُطالعة الأسرار

الكهانة اصطلاحاً:

تعني الأداة المُقدَّسة المُختارة

للوساطة بين عامَّة النَّاس، والأمور الدِّينية الروحية.

والكاهن غالباً تنطبق عليه محظورات

أو قواعد مُعيَّنة يجب عليه الالتزام بها

والكهانة يقوم بها طبقة خاصَّة تختص بالسُّلطة الدِّينية،

وأحياناً تجمع معها السُّلطة المدنية!

والكهنة هُم خُدَّام الطُّقُوس،

وحُرَّاس التَّقاليد المُقدَّسة،

ولسان حال الآلهة.

باختصار …

الكهنوت منصب يُعطي الإنسان سُلطان ديني عظيم

يجعله مُتسلِّطاً على العباد بدرجة قد لا يتصوَّرها البعض

قد تصل أحياناً إلى العبادة،

كما أخبرنا الله عز وجل في سورة التوبة، الآية 31

{ٱتَّخَذُوٓاْ أَحۡبَارَهُمۡ وَرُهۡبَٰنَهُمۡ ‌أَرۡبَابٗا ‌مِّن ‌دُونِ ‌ٱللَّهِ}

يجب التَّنبيه على أنَّ الكهنوت في الأديان الوضعية غالباً ما يكون بالوراثة

ويُعتبر حامل هذا اللَّقب، سليل الكهنة بشكل أو بآخر

بمعنى أنَّ الإنسان لا يستطيع أن يكون كاهناً

إلَّا إذا تمّ ذلك عن طريق كاهن سابق له في الكهنوت

ففي الغالب تكون عملية الحُصُول على الكهنوت

مِن الأسرار الدِّينية التي يُمارسها الكهنة فقط

والكهنوت في الأديان الوضعية والأديان الباطلة عموماً

غالباً ما تكون عبارة عن علاقة وسيطة

بين عامَّة والناس والأمور الدينية الروحية

بمعنى أنَّ الإنسان العامِّي

لا يستطيع الحُصُول على البركات الدِّينية والرُّوحِيَّة

إلَّا من خِلال الكاهن، وذلك عن طريق مُمارسة الأسرار

الآن سنتكلَّم عن

أُصُول العقائد الوثنية والأديان الوضعية

وهي:

  • تعدُّد الآلهة
  • وِحْدة الوُجُود
  • الحُلُول والاتِّحاد
  • الخَلَاص والفِداء

وكُلّها أشكال مُختلفة من الانحراف عن التَّوحيد

والوُقُوع في الشِّرك والكُفر

أولاً: تعدُّد الآلهة:

الإسلام يُعلِّم

التوحيد في الأسماء والصِّفات

والتَّوحيد في الأفعال

والتَّوحيد في العبادة

ومِمَّا يعني أنَّ الأسماء والصِّفات الإلهية لا تكون إلَّا لواحد وهو الله

والأفعال الإلهية، من الخلق والملك والرزق والتدبير لا تكون إلَّا لواحد وهو الله

والعبادات التي يقوم بها الإنسان، لا تكون إلَّا لواحد، وهو الله

وتعدُّد الآلهة ضِدّ كل هذا

هذا يعني أنَّ الدِّين الوضعي يُعلِّم عبادة أكثر من واحد

أو أنَّ الدِّين الوضعي يُعلِّم بأنَّ الصِّفات الإلهية

والأسماء والألقاب الإلهية

وكذلك الأفعال الإلهية

منسوبة لأكثر من واحد

تعدُّد الآلهة يعني ببساطة

وُجُود أكثر من واحد عدداً منسوبين لجنس الألوهية

أو وُجُود أكثر من إله معبود … اثنان أو أكثر

بعض الأديان الوضعية فيها ما يُعرف بالثَّانوية

ومعناها وجود إلهان، وغالباً ما يكونا مُتقابلان

مثل إله للخير وإله للشر

أو إله للنور وإله للظُّلمة

بعض الأديان الوضعية فيها ما يُعرف بالثالوث أو التثليث

ومعناه وُجُود ثلاثة منسوبين لجنس الألوهية

وطبعاً هُناك أديان وضعية فيها عدد ضخم جداً من الآلهة

مع التَّعدُّد في الآلهة

نجد غالباً التَّعدُّد في نوع أو جنس الألوهية

بمعنى وُجُود عدد كبير من الآلهة

ولكن صِفات وقُدرات هذه الآلهة مُتفاوتة

فيما يُعرف بـ “هرم الإلهيات”

والتي غالباً ما تبدأ بالإله الأعلى أو الأعظم

ثمَّ الآلهة العظيمة

ثمَّ الآلهة المحلِّية

ثمَّ الآلهة الشخصية

ثمَّ الكائنات الروحية

ثمَّ أنصاف الآلهة

بالإضافة للاختلاف في خصائص الألوهية بين الآلهة المعبودة

نجد أيضاً تنوُّع الآلهة بين:

ذكر وإناث، كبار وصغار، بشر وحجر،

فوق الأرض وتحت الأرض، أحياء وأموات … وهكذا

فالأديان

ومن ضِمن خصائص الآلهة في الأديان الوضعية

التَّجسيم: وهو إبراز الآلهة المعبودة في صورة مادية أو جسدية ملموسة

مثل: ظُهُور الآلهة في هيئة بشرية،

أو اتِّصاف الآلهة بصفات النَّقص البشرية

ثانياً: وِحْدة الوُجُود:

وهو اعتقاد أن الإله والعالم شيء واحد،

وموجود واحد،

وأنَّ كل شيء هو الإله،

وأنَّه هو الحقيقة الكلية ونفس العالم،

وأنَّ جميع الأشياء ليست سِوَى أعراض ومظاهر لهذه الحقيقة،

وأنَّ العالم لا ينفصل عن الإله،

وأنَّ العالم يفيض عن الإله؛

كفيضان النُّور عن الشَّمس،

فالإله هو الموجود المُطلق،

أمَّا العالم فهو مظهر من مظاهر الذَّات الإلهية

ويجب الإشارة إلى أنَّ الأديان الوضعية التي تؤمن بوحدة الوجود

لا تؤمن بوجود الإله حسب تصوُّر أتباع المذهب الألوهي

ولا تؤمن هذه الأديان بالإله الشخصي

أو حسب مُصطلح الفلاسفة Personal God

والمقصود بالإله الشخص

أنَّ الإله كائن حقيقي، مُتَّصف بالقُدرة والعلم والحكمة والمشيئة والإرادة

وأنَّ الإله يفعل ما يُريد

وليس مُجرَّد طاقَّة فعَّالة

وبالتالي يستطيع المُخلوق أن يدعو الإله،

والإله يستجيب لمن دعاه

وبهذا يُمكن وُجُود علاقة خاصَّة بين اثنين

الإله والمخلوق

في الأديان التي تؤمن بوحدة الوُجُود

لا يوجد إله، وإنَّما توجد ألوهية

والألوهية هي الكون نفسه

فكأن الكون نفسه عبارة عن مادَّة إلهية لو صحّ التَّعبير

وأقصد بالمادَّة الإلهية أنَّ مادَّة الكون نفسها مُتَّصفة بصفات إلهية أو روحيَّة مُعيَّنة

والإنسان مُكوَّن من هذه المادَّة الكونية

وبطريقة سِرِّيَّة مُعيَّنة

يستطيع الإنسان أن يُفعِّل الخصائص الإلهية في هذه المادَّة الكونية

وسوف نتكلَّم عن هذه العقائد بتفصيل أكبر في مُحاضرات قادمة

ثالثاً: الحُلُول والاتِّحاد:

الاتِّحاد يعني صيرورة الذَّاتين أو الذَّوات إلى ذات واحدة،

ولا يكون الاتِّحاد إلَّا في العدد من اثنين فصاعداً

وحُلُول الشيء في الشيء عبارة عن نُزُولِهِ فيه.

وللتَّفرقة بين الحلول والاتِّحاد نستطيع أن نقول الآتي:

يلزم من الاتِّحاد الحُلُول، ولا يلزم من الحُلُول الاتِّحاد

فكلّ اتِّحاد حُلُول، وليس كلّ حُلُول اتِّحاد.

ونستطيع أن نقول أنَّ الاتِّحاد عملية لا يُمكن عكسها

فإذا اتَّحد الإله بالإنسان، صار الاثنان واحداً

ولا يُمكن أن ينفكّ هذا الاتِّحاد فيما بعد

أمَّا الحلول، فإنَّها عملية يُمكن عكسها

فإذا حلَّ الإله في الإنسان

يُمكن للإله أن يزول يُفارق هذا الإنسان فيما بعد

يجب التَّنبيه على أنَّ الأديان التي تؤمن بالحُّلُول والاتِّحاد

غالباً ما تؤمن بالإله أو الآلهة الذَّاتية الشخصية

كما شرحنا مُنذ قليل، مُصطلح الفلاسفة: Personal God

رابعاً: الخلاص والفِداء:

فِكرة الخلاص مُنتشرة بشدَّة في الأديان الوضعية

وهي فكرة مُخالفة تماماً للتَّصوُّر الإسلام عن كيفية دُخُول الجنَّة

أو كيفية الحُصُول على رِضا الله عزَّ وجَّل

والخلاص معناه باختصار أن الإنسان واقع في إشكالية مُعيَّنة

وهذه الإشكالية جعلت الإنسان مُستحقاً للغضب والعقاب الإلهي

ولكنَّ الإنسان نفسه لا يملك القُدرة على التَّخلُّص أو الخلاص من هذه الإشكالية

وبالتالي يقوم الإله نفسه، أو إله من الآلهة، بفعل مُعيَّن

غالباً ما تكون الموت بطريقة مُعيَّنة كفِدية أو كفَّارة

وبالتالي يحصل الإنسان على الخلاص بسبب هذا الفعل الإلهي

نستطيع أن نقول ببساطة

أنَّ الحصول على رضا الله عزَّ وجَّل في الإسلام

يكون عن طريق اتِّباع الوحي الإلهي

أمَّا في الأديان الوضعية التي تؤمن بالخلاص

فالحصول على رضا الله غالباً لا يكون عن طريق شيء بيد الإنسان نفسه

وإنَّما يكون عن طريق شيء آخر، خارج مقدور الإنسان

وعلى الإنسان أن يؤمن بحدوثه فقط

وبهذا الإيمان القلبي المُجرَّد، يحصل الإنسان على رضا الإله

على سبيل المثال:

الكثير من الأديان الوضعية تؤمن بعقيدة موت الإله

من أجل التَّضحية والفداء والخلاص،

ولا سِيَّما عن طريق الصَّلب

وعلى الإنسان الذي يُريد الحصول على الخلاص

أن يؤمن فقط بأن الإله مات من فداءً له، ومن أجل خلاصه!

يجب التَّنبيه على أنَّ كلّ

أُصُول العقائد الوثنية والأديان الوضعية

باطلة عقلاً ونقلاً

ولكن وقت المُحاضرة لا يتَّسع لذلك

وقد نُخصِّص مُحاضرة مُستقلِّة

في بيان بُطلان أصول العقائد الوثنية والأديان الوضعية

عقلاً ونقلاً

أخيراً

الأديان الوضعية التي سنقوم بدراستها:

الأديان القديمة البائدة:

المصرية، البابلية، اليونانية، الرومانية.

– الأديان القديمة الباقية:

الهندية (الهندوسية، الجينية، السيخية، البوذية)

الصينية (الكونفوشيوسية، الطاوية، البوذية الصينية)

اليابانية (الشنتوية، البوذية اليابانية)

الفارسية (الزرادشتية، المثرائية)

أنا هكتفي بهذا القدر في هذا الفيديو

لو حاز الفيديو على إعجابك فلا تنسى أن تضغط على زر أعجبني

ولا تنسى أن تقوم بمُشاركة الفيديو مع أصدقاءك المُهتمين بنفس الموضوع

ولو كنت قادراً على دعم ورعاية مُحتوى القناة

لو انت شايف إن هذا المُحتوى يستحق الدعم والرعاية

فقم بزيارة صفحتنا على باتريون، ستجد الرابط أسفل الفيديو

إلى أن نلتقي في فيديو آخر قريباً بإذن الله عز وجل

لا تنسوني من صالح دعائكم

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

[1] «صحيح مسلم» (4/ 2197): (63 – 2865)

[2] Laresusse du XXeme siecle, article: Religion.

[3] B. St. Hilaire, Mahomet et le Coran, p. XXXIV.

[4] Chachoin, Evolution des Idees Religieuses, p. 158.

[5] Henri Bergson: les deux Sources de la Morale et de la Religion, p 105.

[6] Voltaire: Essai sur les moeurs, p14, p133.

[7] http://www.jstor.org/stable/3316393 [The degeneration theories assume or have assumed that the history of religion has been a sort of degeneration or devolution from an early pure and exclusive monotheism. The concept of God became later broken up into concepts of gods, and these in turn later into lesser spirits, manism and magic meanwhile appearing on the scene and growing apace.] [The Origin and Early History of Religion, Author(s): J. M. C. Source: Primitive Man, Vol. 2, No. 3/4 (Jul. – Oct., 1929), p45.]

[8] [عبد الله الشهري: ثلاث رسائل (في الإلحاد والعلم والإيمان)، مركز نماء للبحوث والدراسات، الطبعة الأولى، بيروت، 2014م. صـ32]

[9] [عبد الله الشهري: ثلاث رسائل (في الإلحاد والعلم والإيمان)، مركز نماء للبحوث والدراسات، الطبعة الأولى، بيروت، 2014م. صـ31]

[10] As in the case of China, it has been stated by Sir M. Monier- Williams and other religious writers that Indian religion, according to the Vedas, begins with monotheism, and is later degraded to the condition of polytheism. [JOSEPH McCABE (1918). The growth of religion a study of its origin ” development. WATTS ” CO.London .p.191]

[11] محمد عبد الله دراز: الدين بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان، مؤسسة هنداوي، صـ10. (راجع موسوعة التاريخ العام للديانات Histoire Generale des Religions، المجموعة من المؤلفين الفرنسيين، ج١ ص٢٥١-252)

[12] Harald Hoffding, Philosophie de la Religion, trad fr. pp. 126-127.

اترك رد

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

%d مدونون معجبون بهذه: